بَنْ سَلْمَان مُقَابِل محمد السَّادِس


عبد الرحمان النوضة
2023 / 3 / 11 - 14:27     

في يوم الخميس 9 مارس 2023، وَفي مَدينة بِيكِين، وَقَّـعَت السَّعُودية وَإِيرَان (العَدُوَّان السَّابِـقَان)، تحت رِعَايَة الصِّين، إِتِّـفَاقِية أَوَّلِيَة لِتَطْبِيع العَلَاقات بينهما. وهذا تَغَيُّر اِسْتْرَاتِيجِي جَدِيد، وهام، في الشَّرق الأوسط. لأنه مُؤَشِّر مَلمُوس على بداية الانتـقال مِن عالم أُحَادِي القُطْبِيَة، إلى عالم مُتَـعَـدِّد الأَقْطَاب. ولأن أمريكا وإسرائيل تَـعَـوَّدَتَا، خلال عُـقُود مُتَوَالِيَة، على زَرْع الشُكُوك، والأَحْـقَاد، والْاِنْـقِـسَامات، والعَدَاوَات، والمُنَاوَشَات، والحُرُوب، والخَرَاب، فِيما بين البُلْدان المُسْلِمَة، أو النَّاطِـقَة بِالعَربية.
وَسَارَع العراق، وَعُمَان، وَسُورْيَا، وَلُبْنَان، إلى التَرْحِيب بهذه الْاِتِّـفَاقِيَة الأَوَّلِيَة الايجابية.
ومن الواضح أن هذه الاتفاقية تُشكِّل لَدَى السَّعُودية بِدَايَة عِصْيَان تُجَاه التَبَـعِيَة السَّابِـقَة المُطْلَـقَة لِلْوِلَايَات المُتحدة الأمريكية. ومن الوضح أيضًا أن «الحائط» الذي سَبَـقَ أن بَنَتْهُ إسرائيل بينها وبين إيران، والمُكَوّن (بِالوَكَالَة) من المَمْلَكَات والإمارات العربية في الشّرق الأَوسط، قد بَدَأَ يَتَهَاوَى.
وقد لَعِبَت سَلْطَنَة عُمَان، وَجُمهورية العراق، دورا مهمًّا في تَهْيِـئ هذه التَـقَارُبَات والتَـفَاهُمَات فيما بين السّعودية وإيران. لكن بعض المُلاحظين يُرْجِعُون الدور الكبير في هذه التـغييرات إلى الأمير السعودي محمد بن سَلْمَان، الذي تُنْسَبُ إليه طُمُوحَات إخراج السعودية من وَضْعِيَة العَبَث، والتَخَلُّف، والاستغلال، والانحطاط، التي أَغْرَقَتْهَا فيها الإِمْبِرْيَالِيَات الغربية مُنذ عُـقُود.
وقد دافع الأمير محمد بن سلمان، منذ يُناير 2016، عن «بَرنامج 2030»، الذي يهدف إلى تَـعْـمِيق الرَّأْسَمَالِيَة في السّعودية، وَ «تطوير الاقتصاد السّعودي إلى اقتصاد مُتَنَوِّع، ومُنْـفَـتِح، ومُصَنَّـع، وَحَدَاثِـي»، وَ«تَـقليص التَبَـعِيَة تُجاه النَّـفط»، و«تنمية مَناجم اليُورَانْيُوم»، وَ«خَوْصَصَة التعليم والصِحَّة، وَتَـقليص المساعدات الاجتماعية، وَإِدْخَال الضَرِيبَة على القِيمَة المُضَافَة»، الخ.
وَكَرَدِّ فِعل فَوْرِي وَمُباشر على هذه الاِتِّـفَاقِية الأوّلية بين السّعودية وإيران، تَصَاعَدَت صَيْحَات التَخَوُّفَات، والتَنْدِيدَات، والتَهْدِيدَات، من طَرَف إسرائيل، والولايات المتّحدة الأمريكية، وعموم الإمبرياليات الغَربية، التي أَلِـفَت الْلَّـعِـب على مَنْهَج «فَرِّق تَسُد».
وَكَنَتِيجَة فَوْرِيَة وَمُباشرة لهذه الْاِتِّـفَاقِيَة الْأَوَّلِيَة، ظَهرت بِدَايَات مَلَامِح تَـقَارُب بين السّعودية وَسُورْيَا، واحْتِمَال رُجُوع "جَامِعَة الدول العربية" إلى سُورْيَا، وَانْـفِـرَاج في مسألة اِنْتِخَاب رَئِيس جُمهورية لُبْنَان، واسْتِـعْـداد لدى السّعودية لِإِنْهَاء الحرب في اليَمَن، إلى آخره. وهي كلها تَـغْيِيرات اِستراتيجية هَامّة في الشرق الأوسط.
فَـتَـتَـبَادَرُ فَوْرًا في الذِّهْن التساؤلات التَالية : هل تَـقدر أنظمة سياسية أخرى (مِن مِحْوَر المَمْلَكَات والْإِمَارَات العربية)، مثل الإمارات، وقطر، والكويت، والأردن، والمغرب، على اِتِّبَاع مَنْهَج مُمَاثِل لِمَنهج السَّعُودية ؟ وهل يَـقدر النظام السياسي القائم في المغرب على أن يَـفْـهَـم، هُوَ أيضًا، أن عَدَاوَتَه المُصْطَنَـعَـة مع جَارَتِه وَشَـقِـيـقـته الجزائر، لَا تَخْدُم سِوَى مصالح إسرائيل والدُّول الإمبريالية الغَربية ؟ وهل يقدر النظام السياسي في المغرب على اِتِّخَاذ مَواقف سيّاسية ذات طبيعة «وَطَنِيًّة»، وَ«مُسْتَـقِـلًّة»، عن هَيْمَنَة إِسْرَائِيل والدُول الإِمْبِرْيَالِيَة الغَربية ؟ وَمَتَى سَيُدْرِك النظام السياسي القائم في المغرب أن تَبَـعِـيَـتَـه المُطلقة، بَل اِنْبِطَاحَه التَّام، لِاسرائيل، وَلِلْإِمْبِرْيَاليَات الغَربية، وَاِتِّـبَاعَه لِمَنْهج الرَّأْسَمَالِـية التَبَـعِـيَـة المُـفْـتَـرِسَة، لَنْ يَجْنِـيَ منها سِوَى الدَسَائِـس، والْاِسْتِـغْـلَال، والفَسَاد، والتَخَلُّـف، والْاِنْحِطَاط، والخَرَاب ؟ وهل سَيَـقدر ملك المغرب على الْاِقْتِدَاء بِـ «وَطَنِيَة»، أو «شَجَاعَة»، أو «تَمَرُّد»، الأمير محمد بن سَلْمَان ؟ (وَلَوْ أن سياسيات محمد بن سلمان ما زَالت شَبَابِيَة، وَمُتَـقَـلِّبَة، وغير مُنسجمة، وغير مبدئية). وهل يَسْتَـطِيع النظام السياسي القائم في المغرب على التَحَرُّر مِن إِمْلَاءَات أَمْرِيكا، وإسرائيل، وَفَرَنْسَا، والاِتِّحَاد الأَوْرُوبِّـي ؟
جوابًا عن التَسَاؤُلَات السّابِـقَة، يُمكن أن أَجْزِم، حَسَبَ مَعَارِفِي، أن النظام السياسي القائم في المغرب لَنْ يَتَـغَـيَّـر مِن تِلْقَاء نَـفْـسه. وَلَنْ يَحْدُوَ حَدْوَ السَّعُودية. بَل سَيَـبْـقَـى عَاجِزًا عن سُلُوك سِيَّاسات مُـقَاوِمَة لِإسرائيل وَلِلْإِمْبِرْيَاليات الغربية. وَلَنْ يَـقدر هذا النظام السياسي القائم في المغرب على خَوْض سِيَّاسات ذَات طَبِيـعـة «وَطَنِيَة»، أو «مُسْتَـقِـلَّـة»، أو «مُقَاوِمَة» لِلْإِمْبِرْيَاليات. لأن مصالح الطبقات السّائدة في المغرب ترتبط عُضْوِيًّا بِمَصالح الصَّهيونية والإمبرياليات الغَربية. وَلِأَن الطبيعة «المَخْزَنِيَة» العَتِيـقَة والمُحَافِظَة لهذا النظام السياسي القائم في المغرب تَدْفَعُه إلى أن يَظَلَّ أَنَانِيًّا، وَانْتِهَازِيًّا، وَاسْتِبْدَادِيًّا، وَفَاسِدًا، وَمُـفْـتَـرِسًا، وَتَـبَـعِـيًّـا، وَبُولِيسِيًّا، وَقَمْـعِـيًّـا. وَسَيَظَلُّ النظام السياسي القائم في المغرب يُضَحِّي بِمَصالح الشعب، وَبِمَصِيره، لِإِنْـقَاذِ، أو لِتَنْمِيَة، المصالح الأَنَانِيَة الضَيِّـقَة لِلْكُتْلَة الحَاكِمَة في المغرب.
رحمان النوضة. (السبت 11مارس 2023).