لا لعالم متعدد الأقطاب؟


نضال نعيسة
2023 / 3 / 10 - 18:15     


في أعقاب كل حرب، ومع اندلاع كل صراع، ومع الهجوم والإغارة في أية غزوة، ينبري رهط من "المعلكين" الاستراط...يـــن، للترحيب بالعدوان والقتل والاحتلال وسفك الدماء تحت يافطة وتبرير و"أعلوكة" ضرورة سحب البساط من تحت العالم الغربي المنفرد بزعامة القطبية العالمية، والسعي لإيجاد وخلق عالم متعدد الأقطاب "قطبي" يساهم جنباً إلى جنب مع العالم الغربي أو ما يسمى بالاستراتيجيا بـ " Western Hemisphere" وهو طبعاً غير شركة حوالات الـ "Western Union" (ويسترن يونيون) التي رفعت الحظر عن منكوبي الزلزال الأخير وأعفتهم من رسوم التحويلات المالية لمناطق الكوارث، في بادرة إنسانية قل نظيرها من هؤلاء "الإمبرياليين"، و"الكفار"، والعياذ بالله، فيما فرض دعاة التعددية القطبية، والقضاء على الإمبريالية، أتاوات وخوات وضرائب باهظة على منكوبي الزلزال الذي كانوا بحاجة لإجراء دراسات هندسية وإنشائية لبيوتهم المتصدعة والآيلة لسقوط، فيما لا زال المواطن والعامل المسكين المهاجر بتعرض للابتزاز والسرقة على حدود دعاة التعددية القطبية ويرغم على دفع رسم باهظ لزيارة "ست الحبايب" في شيخوختها وإلقاء نظرة وداع أخيرة عليها، أو أن أحب زيارة قريته والتمتع برؤية مراتع الطفولة وذكريات الشباب قبل أن "يطفش" من دعاة العالم القطبي المتعدد. فهل تصدق أن هؤلاء يطالبون بإدارة العالم؟ يا ويلي على ذلك العالم عندها وماذا سيفعلون بالشعوب المرفهة والتي تنعم بالحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان؟
لا يمكن لمنصف، وبشكل عام ومن دون الدخول في تفاصيل وجزئيات، أن ينكر تفوق وتقدم الغرب الإمبريالي، ونجاح تجربته في إدارة تلك المجتمعات، وأنه أصبح قبلة ومحجة للأحرار وعشاق الحرية والعيش بكرامة واستقرار في ظل دول ومجتمعات يحكمها القانون والدستور، وفي المقابل فشل وسقوط وانهيار المنظومة الديكتاتورية العسكرية البوليسية الاستخباراتية العائلية الوراثية في إدارة مجتمعاتها بالحد الأدنى المقبول، وتحولها لمجرد زرائب وحظائر وإسطبلات وجحيم لكل من يعيش بها، وعدم قدرة دعاة القطبية على تحقيق أية قفزة نوعية وتقدم وإنجاز بأي مجال، لا بل لقد أنهوا وقضوا على ما كان من إنجازات.
ومن هنا تبدو الدعوة لعالم متعدد القطبية من قبل هؤلاء، وبعدما فاحت رائحة تجاوزهم للقانون الدولي وانتهاكهم لحقوق الإنسان وتمسكهم بالحكم المطلق ورفض الديمقراطية وتداول السلطات الآفاق، ابتزازاً للمجتمع الدولي للاعتراف بأنموذجهم وشرعنة كل ما يقومون به من تدمير وتخريب وإرهاب منظم وتهجير جماعي لشعوبهم واضطهادهم الممنهج لكل المكونات تحت شعارات طنانة رنانة وبراقة تمارس تحتها كل فنون التنكيل والظلم والقهر واستباحة الدولة ومؤسساتها والقضاء على أي شكل من أشكال النظم الحديثة والعدالة والمساواة وسيادة القانون ومحاربة لكل قيم العصر وتخوينها وتجريمها باعتبارها نزعات "ليبرالية" وإمبريالية خبيثة وشريرة.
فالنظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب الذي يبشر ويروج له مؤدلجون ومستعربون ومقاومون وعروبيون وإخوان وسلفيون ودوا. عش من أصحاب ورواد ودعاة المشروع الظلامي التوتاليتاري البدوي الصحراوي تحت زعامة وقيادة قياصرة الكريملين يعني، ببساطة، حصانة وتكريسا لنهج أنظمة الطغيان والديكتاتوريات العسكرية البوليسية العائلية الوراثية والاستبداد وعبادة الفرد والزعيم الإله وحكم العصابات والمافيات والحزب الواحد وانتهاك الحريات وحقوق الإنسان والاعتراف بالفاشيات الأوليغاركية القائمة كأمر قائم وإعطاءها الضمانات وشرعنة وجودها وبقائها ومنع تعرضها للمساءلة القانونية أو توجيه النقد لها او خضوعها للعقوبات الأممية كنتيجة لتجاوزها للقانون الدولي وممارسة الفظائع في بلدانها ضد شعوب عزلاء مغلوب على أمرها والتحكم بالقرارات الدولية وتعطيلها واللعب بها وتوظيفها خدمة للطغاة وانظمتهم الكرتونية...أي ببساطة كي تتعايش الديكتاتوريات جنباً إلى جنب مع الديمقراطيات.
عملياً، ومفهوم القطبية الجديد، وكما يبدة، هم يطالبون بحصة مضمونة من العالم، وتوسيع نطاق نفوذهم وعملياتهم، وإدارة العالم، بالتساوي، ومناصفة مع الغرب، وفرض سلطتهم وقوانينهم وإدارتهم الرثة الالية حتى على الشعوب الغربية فيما لو حاولت انتقادهم والاعتراض على سياساتهم وانتقادهم والتعرض لهم كما يفعلون ببلدانهم وشعوبهم واعتقال وتغييب النشطاء والأحرار وزجهم حتى الموت بالمعتقلات، هذا هو العالم القطبي المتخيل والمرجو. لكن، لا أعتقد، وبالمطلق، أنه سيكون، لا اليوم، ولا مستقبلاً، أي مكان لدعاة القطبية الجدد هؤلاء، بنسختهم وأنموذجهم الرث المبتذل الاستبدادي البوليسي المافيوزي المخابراتي الفاشي الفردي المطلق، ولن يكتب أي نجاح لمحاولة طرق أبوب الدول العظمى واحتلال أي مكانة فيها ولم يفلح هؤلاء في إدارة مجتمعاتهم ورقيها وتقدمها والحفاظ عليها، فما بالك بقيادة ورعاية وإدارة عالم كامل؟ والسؤال الأهم هل هؤلاء مؤتمنون على، ومؤهلون لإدارة مجرد عش عصافير؟