لمطالبة بانصاف ضحايا انقلاب شباط الاسود مشروعة / الدولة مسؤولة عن المجزرة بحق اليسار الكولومبي


رشيد غويلب
2023 / 3 / 7 - 00:48     

ا






في 30 كانون الثاني 2023، أصدرت محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان، حكمها في قضية “أعضاء ومؤيدي حزب الاتحاد الوطني ضد جمهورية كولومبيا”. فبعد تأسيسه في أيار 1985، تعرّض “الاتحاد الوطني” إلى إبادة جماعية بدوافع سياسية. وقُتل حينها ما بين 4500 و 6000 من أعضائهِ وجماهيره، على أيدي قوات الأمن والمليشيات. ونزحَ آلاف آخرون داخل البلاد وخارجها.



في 16 كانون الأول 1993، أقام الحزب دعوى لدى اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان ، تناولت جرائم قتل لا حصر لها، والتي جاءت نتيجةً لخطة “طلقة الرحمة” المعروفة، التي نفذتها المليشيات تحت اشراف كبار العسكريين.

وفي أيار2018، توصلت لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان إلى استنتاجٍ مفادهُ أن الدولة الكولومبية تتحملُ المسؤولية، وأحيلت القضية إلى محكمة البلدان الأمريكية، حيث بدأت المرافعات في نهاية حزيران 2018. وبعد أربع سنوات ونصف، أقرّ القضاة الخمسة بالإجماع، أن “جمهورية كولومبيا مسؤولة عن محاولة إبادة الاتحاد الوطني”. وقوبلَ قرار المحكمة بارتياحٍ كبير من ذوي الضحايا.

تأسيس الاتحاد الوطني على خلفية المفاوضات بين “القوات المسلحة الثورية لكولومبيا” (فارك) اليسارية والحكومة اليمينية. وبعد إعلان الهدنة بين الحكومة ومختلف مجموعات الكفاح المسلّح في آذار 1984، ظهرت فرصٌ جديدة للمقاتلين للانتقال إلى العمل العلني. ومن خلال التسريح الجزئي وتسليم الأسلحة، أبدت القوات المسلحة الثورية الكولومبية حسنَ نيتها؛ مقابل ضمان حياة آمنة للمقاتلين السابقين.

لقد انضمت أوساط اجتماعية أخرى إلى الاتحاد الوطني؛ لأن الحزب مثلَ أفضل بديل يساري. في آذار 1986، أجريت الانتخابات، ولم يكن أمام الحزب سوى أربعة أشهر لتنفيذ حملتهِ الانتخابية، بعد حصولهِ على العلنية. وعلى الرغم من ذلك، حصل الحزب على 15 مقعدًا في مجلس الشيوخ، و18 مقعدًا في مجلس النواب، و335 مقعدًا في البرلمانات المحلية. وبهذه النتيجة، أصبح حزب الاتحاد الوطني أولَ حزبٍ يخترق، منذ عقود نظام، الحزبين للمحافظين والليبراليين في كولومبيا.

بعد ذلك مباشرةً بدأت سلسلة جرائم القتل لنواب وأعضاء الحزب. وتكررت حملات القمع بعد العديد من قرارات العفو منذ بداية الحرب الأهلية عام 1948، وحرّضت الدولة على اضطهاد العزل. وتم إطلاق النار على أعضاء مجلس الشيوخ ورؤساء البلديات والمسؤولين المنتخبين للبلديات، واثنين من المرشحين للرئاسة في منازلهم، ولم تجرِ محاسبة الجناة ومعاقبتهم.

كان تورّط الحكومات المتعاقبة في ماكينة القتل واضحاً. لقد أصبح أعضاء الحزب، والمقاتلين السابقين، ضحيةً لقوى الأمن والمليشيات المرتبطة بكار الاقطاعيين، وشمل القمع أعضاء في الحزب، لم يشاركوا في الكفاح المسلح. لقد تأسّست القوات المسلحة الثورية لكولومبيا، في عام 1964 كردِ فعلٍ على الحرب الأهلية التي استمرت عقدًا ونصف العقد، وخلفت مئات الآلاف من الضحايا، وتعود جذور الحركة المسلحة إلى مجموعاتٍ فلاحيةٍ للدفاع عن النفس، مرتبطة بالحزب الشيوعي الكولومبي. وكان العديد من المقاتلين أعضاءً في الحزب الشيوعي أو منظمة الشبيبة الشيوعية. لذلك من الصعب تحديد هوية الضحايا التنظيمية، هل كانوا أعضاءً في الحزب الشيوعي، أو في الاتحاد الوطني، أو في النقابات.

وفي الوقت الحالي، يعتبر الاتحاد الوطني جزءاً من تحالف “الميثاق التاريخي” اليساري الحاكم. ويأتي القرار في وقتٍ أصبحت فيهِ الحكومات اليمينية شيئًا من الماضي، وهناك أربع سنوات على الأقل، ستكون مؤاتية لتنفيذ قرار القضاء وكل ما يرتبطُ بهِ من ردِ اعتبارٍ للضحايا وتعويض ذويهم، وكذلك لتحقيق صحوة اجتماعية. إن حكومة اليسار الحالية معنية أيضًا بإيجاد آليات تمنع تكرار هذه الجرائم ضد الناشطين السياسيين.

بالإضافة إلى التعويض المادي، فإنّ القرار يكشفُ نفاقَ السلطات، التي أدعت أنها بعيدة عن المجازر، وأن الجناة هم مليشيات غير مرتبطة بالدولة (طرف ثالث)، في حين توفّرت أدلة على تشبيك بين المؤسسات الأمنية والمليشيات، أنعكس بعمليات التمويل والتسليح و تبادل المعلومات. لقد اعترفت الدولة بمسؤوليتها عن 200 حالة وفاة فقط، وأرجعت ذلك إلى قصور في توفير الحماية المطلوبة، ولم يكن هذا الاعتراف الجزئي البسيط كافياً للقضاة، الذين طالبوا بتسمية يوم وطني لإحياء ذكرى الضحايا، وضمان الحق في الحياة والسلامة والمشاركة السياسية والحقيقية في البلاد.

هذا وإنّ ما سبق، يعيد للذاكرة العراقية الجرائم التي ارتكبها انقلابيو 8 شباط بحق الشيوعيين والوطنيين العراقيين، وضرورة المطالبة بإعادة الاعتبار للضحايا، وعلى هذا الطريق تأتي حملة التواقيع المطالبة بأنصاف ضحايا انقلاب شباط الأسود.