بانتظار-وطنية-مابعد النهرين التحوليّة؟؟/2


عبدالامير الركابي
2023 / 3 / 6 - 14:42     

تتفوق ارض الرافدين على مستوى الديناميات على الطرف الاوربي المحتل بقوة الفعالية الالية، والامر هنا متعلق بالحقيقة الذاتية البنيوية الازدواجية اللاارضوية العراقية، مقابل الانشطارية الطبقية، الاعلى ديناميات ضمن صنفها كمجتمعية احادية ارضوية، والعملية التشكلية العراقية الحديثة ابتداء من القرن السادس عشر، متصلة بالحقيقة الكونية التحولية الراهنه، اكثر من الغربية الاوربية الالية البرجوازية. وهذا حكم سوف يثير مالا يمكن حتى تصوره من ردود فعل تعودت على التكرار الممل للطبقية، وللرفعه القصوى للبرجوازية والالة، ولهؤلاء الذين ستصدر عنهم ردة فعل من هذا القبيل، نسال ترى هل كان لبريطانيا في 2334/2270 ان عرفت اول امبراطور في التاريخ مثل سرجون الاكدي "حاكم زوايا الدنيا الاربع"،احتل عيلام وارض الشام والاناضول، وعبر البحر الى جزيرة كريت، من موقع صغير جدا في اخر جنوب ارض السواد، او تسنى لها ان تكون بابل(1) عاصمه العالم القديم، او بغداد التي يخاطب خليفتها الغيوم قائلا " امطري حيثما شئت فانت في ارضي"، متزعما الكوكب الارضي على مدى خمسه قرون، هذا ولن نعدد المنجز الكوني الهائل الذي ولد من تضاعيف هذا المكان، مما لا يقع ضمن حصر، وكل هذا بينما الارض التي نتحدث عنها ماتزال في الطور اليدوي، لم تعرف الالة، التي جعلت الجزيرة الانكليزية المعزوله تصير اليوم ومتاخرا، امبراطورية لاتتعدى هي ومجمل اوربا، الثلاثة قرون من النهوض، بالارتكاز الى الالة ومضاعفتها للديناميات المجتمعية.
ليس ثمة موضع في العالم له مالارض الرافدين الازدواجية اللاارضوية، من مستوى ديناميات، بما في ذلك اوربا التي هي الاعلى دينامية انشطارية طبقية، داخل صنفها الارضوي الاحادي (2)وقد غدت بالالة، في الذروة الانتهائية لصنفها، وهو امر لم يسبق ان لوحظ او جرى التطرق له، بحثا عن مترتباته والدلالات التي ينطوي عليها، او التي تمخضت عنه في المسار التاريخي والاصطراعي، بالذات الحديث منه، انصياعا لماتكرس على يد الغرب من مفهوم للتاريخ بالاجمال، بناء على الحالة الراهنه الانتهائية التوهمية، ماقد ازال من الطريق احتمال معاملتها كما تستحق، بما هي محطة وحالة مؤقته، وليست الغرضية التاريخيه المقصودة على مستوى التفاعلية الكونية.
والاهم الاخطر الذي لازم الظاهرة الغربية الحديثه، ودل على قصورها ومدى توهميتها المتاتية من كينونتها الاحادية القاصرة، عجزها بالمناسبة عن التوغل بين تضاعيف العملية التاريخيه المجتمعية، لاماطة اللثام عن منطواها، والحقيقة الكامنه فيها، اي غرضيتها، الامر الذي كان يشترط التلبث طويلا امام الظاهرة الرافدينيه، من دون تجزئتها وتفريق جوانبها ومكوناتها بما يجعلها كما هي بشموليتها، الامر الذي كان ومايزال يطرح تساؤلا فاصلا حول الحقيقة الراهنه التي عمت الحالة الغربية الاوربية والعالم، من دون تعيين لمدى تطابقها مع الحقيقة التفاعلية التصيرية المجتمعية التحولية، التي هي جوهر واساس العملية التاريخيه كما تتمثل في بنية ارض مابين النهرين، وتاريخها المحكوم للدورات والانقطاعات، ذهابا الى التحقق بعد دورتين منتكستين، انتهت الثانيه منهما بتوفر الاسباب الضرورية للانقلاب الالي البرجوازي على المنقلب الطبقي الاوربي، بعدما اوصلته بغداد كمركز اقتصادي عالمي لمنظومة الاقتصاد التجاري الريعي، علما بانها كانت تتوفر هي بالذات على كل اسباب الانقلاب الالي (3)، ولم تذهب اليه لاسباب بنيوية، وبحكم طبيعة الاصطراعية المجتمعية في هذا الموضع المفتوح النهايات، والذي ينتهي اصطراعيا الى الدمار والانقطاع، بعكس الانغلاق التصارعي الطبقي المسدود النهايات، والذي تطلب ااخيرا انبجاس عنصر ثالث من خارج العملية الاصطراعية الاقطاعية البرجوازية، بظهور الالة.
وهكذا تكون التفاعلية الشمولية المجتمعية على مستوى المعمورة قد دخلت اليوم طور الانتقال، من الانتاج اليدوي الى العقلي، خلاف ما يدعية الغرب الذي يوقف عملية التحول عند الالة، لنصير امام تعاقب مقطوع به، بين انتاج يدوي يعقبة انتاج الي، والبداية من اوربا المصنعية ، تعقبها امريكا "المجتمعية المفقسة خارج رحم التاريخ"، وطورها التكنتروني التكنولوجي الانتاجي الوسيط الحالي( 4) قبل الانتقال الى الانتاج العقلي، مع انبجاس "التكنولوجيا العليا"، وانتهاء زمن الانتاجية الجسدية الحاجاتيه الارضوية، وقت ان لاتعود هذه قابلة للتعايش، او التلاؤم مع وسيلة الانتاج المستجدة وقد بلغت كمالها، والغرض الانتهائي لعملية تحورالالة، وصولا للغرض النهائي من وجودها الاولي المصنعي.
والحديث جار خارج التوهمية الغربية الحداثية، من زاوية ومنطلق الدورة الثالثة التحولية التي تبدا اليوم في القرن السادس عشر، ذاهبة الى انتهاء المجتمعية الارضوية الحاجاتيه الجسدية، نحو العقلية، ونحو تحقق اللاارضوية، بعد الدورتين السالفتين المنتكستين، السومرية البايلية الابراهيمه، والعباسية القرمطية الانتظارية، وهو مايوافق الحقيقة التفاعلية المجتمعية التي تبدأ في ارض سومر، مجتمعية لاارضوية، هي نتاج اشتراطات "العيش على حافة الفناء" بيئيا، تتشكل بالاصطرع معها ابتداء، ثم معها ومع المجتمعية الارضوية الاحادية النازله اليها بقصد الهيمنه المستحيلة، والتي تتحول الى اصطراعية دافعه للامبراطورية، المتحصنه في اعلى اللاارضوية في مدن امبراطورية، هي نمط مدينه لاشبيه لها، مثالها بغداد وبابل، حيث المدينه/ الامه الامبراطورية، المعزولة بذاتها عن المجتمع الاسفل، والمتصارعه معه، تمارس عند الضرورة ولاجل حلب الريع، الغزو الداخلي المكلف، لتعود وتنزوي داخل مدينتها المعسكرة المحصنه امضى تحصين، بينما يصيرالتحور والتشبه بالاسفل، وسيله لامهرب منها لاجل بسط النفوذ على الحيز الاسفل الذي يظل محكوما لقانونه اللاارضوي اللادولوي اللاكياني.
ومع هذه الملامح والاسس البنيوية، والمسارات المراحلية الدوراتيه الانقطاعية، وتبدلات الظروف واليات التشكل، بحسب المراحل، تمتاز الدورة الراهنه الاخيرة التحققية اليوم، بثلاث متغيرات انقلابيه هي :
ـ الغلبة التوهميه الحداثية الاوربيه الكبرى، والاصطراعية الافنائية معها،وانتقال العراق من العيش على حافة الفناء التيسيرية الفائضة البيئية، الى الطور الثاني منها الشامل على المستوى الكياني وصولا لغياب النهرين.
ـ تبلور وسيلة الانتاج "العقلية"، اللازمة والمنتظرة التي لابد منها لتحقق التحول من الارضوية الجسدية، بدءا من الالة المصنعية، الى "التكنولوجيا العليا".
ـ انتهاء زمن التيسيرية البيئية، وحلول الكوارثية على المستوى الكوكبي.
ـ يتبع ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بقول المؤرخ الروماني اوريسيوس " لهذا قدر الله الملك في هذه المواضع وهذه الامم في الدنيا ارباعا: البابلي في الشرق والقرطاجي في القبلة، والمجدوني في الجوف (الشمال)، والروماني في الغرب، وكان بين السلطان الاول بابيل، والسلطان الاخر وهو سلطان رومه. فشبه السلطان الاول ـ وهو السرياني ـ بالوالد الموروث، وشبه السلطان الاخرـ وهو الروماني ـ بالولد الوارث، واما الافريقي والمجوني، فانهما شبها بالوكيلين على الملك، حتى كبر الولد الواجب له الميراث. وسافسر ذلك انشاء الله "/ تاريخ العالم/ الترجمة العربية القديمه/ حققها وقدم لها د. عبدالرحمن بدوي/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت / ص 167 .
(2) من اطرف مايلازم مايعرف بالبحث الاركولوجي في البدئيات ومايسمى تاريخ الحضارة التاسيسية العزوف عن الجمع بين المنجز الامبراطوري البكوري التكراري ومايعرف بالمنجزات الثقافية والتفكرية من نوع اكتشاف الكتابه او حتى الدولاب والعربة عدا الشرائع والملحميات وقصص الخليقة او تاسيس المدينه ... الخ ..وكان الامر يمكن فصل طرفيه من دون الوقوف خارج الاليات المحركة ومن ثم ميكانزمات البنيه، وماتنطوي عليه من اغراض ودلالات هي من دون ادنى شك في حالتنا، كونية شاملة، مايضع مانقصده من تنقيبات وبحوث اوربية حديثة خارح مقاربة المقصود، دليلا على القصور العقلي، والغرضية الانيه الضيقة.
(3) حدث ان تساءل الدكتور الطيب تيزيني عن الاسباب التي حالت دون انتقال بغداد والعراق الى الالة مع ىتوفر اشتراطاتها ايام العباسيين، اي ان هذا الاحتمال لم يكن بعيدا عن التصور كليا.
(4) حدد بريجنسكي الطور التكنتروني باعتباره الطور الامريكي في كتابه "بين عصرين: امريكا والعصر التكنتروني" ترجمه للعربيه محجوب عمرفي السبعينات وصدر عن دار الطليعة بيروت، والكتاب يتحدث عن الطور "مابعد الصناعي".