تونس ـ هل قدرنا أن نقف إما في صف سلطة استبدادية غاشمة أو في صف حالة انحطاط نقابي مكتملة


بشير الحامدي
2023 / 3 / 3 - 16:21     

المبدأ العام هو المساندة والتعاون والأخوة بين الخدامة ولكن هذا المبدأ تحول في العشريات الأخيرة لشعار وما نلاحظه هو أن البيروقراطيات النقابية داست على هذا المبدأ وحولته من مبدأ للتضامن العمالي لمبدأ لتضامن البيروقراطيات العمالية المتنفذة. ففي المائة سنة الماضية تمكن رأس المال من تدجين الحركات النقابية وجعلها تنخرط في سياسات تحسين شروط استغلال العمال وتقف عند ذلك لتتحول بيروقراطيات هذه النقابات إلى شرائح منفصلة موضوعيا عن الخدامة ومرتبطة أكثر فأكثر بالدولة وبأنظمة العمل الرأسمالية وأداة للسيطرة وتمرير سياسات التروست الرأسمالي. وبيروقراطية الاتحاد العام التونسي للشغل لم تكن في الخمسين سنة الماضية إلا صورة لهذا الانحراف وتاريخ هذه المنظمة النقابية مع بورقيبة وبن علي ومع الخوانجية معروف ولا يستحق منا الشرح والتحليل وما الاختلافات أو الصراعات إن صح تسميتها بصراعات مع السلطة إلا فترات عابرة واستثنائية ومن أجل ترتيبات لا علاقة لها بالخدامة بل تهم هذه البيروقراطيات والسلطة والدولة و الأعراف المتنفذين.
وما يجري الآن في تونس بين قيس سعيد وبيروقراطية المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل هو واحدة من هذه الصراعات التي لا مصلحة للخدام فيها فلا مساندة سعيد هي في صالح الخدام ولا مساندة البيروقراطية والانتصار لها في صراعها هذا ضد سعيد في صالح الخدام.
لقد أصبح العمل النقابي في الاتحاد العام التونسي للشغل حالة انحطاط مكتملة وهوأمر نلمسه ونشاهده في أماكن كثيرة من العالم في اسبانيا وفي فرنسا وفي اليونان وفي البرتغال وفي ألمانيا وأنقلترا وغيرها فأين كان السيد ماركو بيريز مولبينا وأين كانت السيدة ايستار لانش الأمينة العامة لكنفدرالية النقابات الأروبية ولماذا أغمضا العين مثلا حين قام المكتب البيروقراطي المركزي بإنقلابه على قوانين منظمته نفسها ليبقى على اغلبية القيادة النقابية التي استنفدت شروط ترشحها من جديد للقيادة ولم يفتحاها إلا الآن؟ لذلك نقول أن بيروقراطيات النقابات العالمية لم نرها في الخمسين سنة الماضية تقف إلى صف الخدامة بل شاهدناها هنا وهناك نقابات منحطة لا استراتيجيات خاصة أو بديلة لها على نظام الاستغلال الرأسمالي ولا حتى على الاستراتيجيات التابعة له في بلدان إستعمار الداخل كبلدنا وعليه فما يجري اليوم بين السلطة سلطة سعيد والحلقة التي يحكم باسمها وبيروقراطية الاتحاد فإننا بقدر ما نعارضه فنحن نعارض أيضا استراتيجيات هذه البيروقراطية والأدوار التي تريد أن تلعبها من منطلق أننا نرى انحطاط هذه النقابة وكذلك استبداد السلطة ليس له من حل غير معارضتهما معا والانخراط في تأسيس انتظامات قطاعية تنشط في مساحات أوسع من مساحة الحق النقابي التي انتهى إليها العمل النقابي اليوم مساحة تتصدّى في نفس الوقت للسياسات الفاسدة سواء سياسات السلطة او سياسات البيروقراطية النقابية. فمثل هذه الانتظامات هي وحدها اليوم القادرة على الانخراط في المقاومة من أجل التغيير الجذري والتصدي لسياسات رأس المال.
سيقى الفعل النقابي يدور في حلقة مفرغة وستبقى النقابات هيئات فاقدة لأي قدرة على معارضة سياسات رأس المال ما لم يسع منتسبوها إلى التأسيس لشبكة انتظامات بديلة مستقلة مقاومة فالقطاعات صارت في حاجة لهيئات مساحة تدخلها أوسع من مساحة الحق النقابي ولقد أثبتت المواجهات التي خاضها الأجراء سواء في بلادنا في السنوات الأخيرة أو في المحيط القريب منا حاجتهم لمثل هذه الهيئات في الدفاع عن حقوقهم وحقوق الأغلبية بصفة عامة في ظل وضع تمكن فيه النظام الرأسمالي من تطويع أغلب التنظيمات النقابية العمالية وألحقها به.
مقاومة سياسات دولة رأس المال واستراتيجيات "التروست" الرأسمالي العالمي صارت تتطلب مثل هذه الهيئات المستقلة الديمقراطية هيئات للانتظام في القطاع وفي الحي وفي المعمل وفي المدرسة وفي الكلية هيئات انتظام متشابكة ومتضامنة أفقيا ينصهر فيها فعل مقاومة الخدام للنظام وسياساته ومؤسساته بفعل مقاومة البطال وبفعل مقاومة ربة البيت وبفعل مقامة الطالب والتلميذ الخ... فالأغلبية لم يعد بمقدورها المقاومة وفرض سيادتها كأغلبية دون هذه الانتظامات فهي إمكانيتها الوحيدة المتبقية للمقاومة وللمشاركة الواسعة في أخذ القرار وفي تنفيذه.
وفقط عبر هذه الانتظامات تصير السياسات الراديكالية ويصير التغيير الاجتماعي الجذري والتأسيس له إمكانية ملموسة وتصير السياسة والممارسة السياسية مشغل الأغلبية وليست حكرا على الأقلية الرأسمالية والأقلية البيروقراطية النقابية.

03 مارس 2023