الرأسمالية، قوس في التاريخ


أحمد زوبدي
2023 / 3 / 3 - 02:48     

الرأسمالية، قوس في التاريخ /


انطلقت الرأسمالية كنظام اجتماعي تقدمي أدى إلى
تجاوز الفيودالية من خلال تحرير الإنسان من الاستغلال المباشر للقن من طرف السيد.
طبعا كانت البورجوازية طبقة تقدمية سواء على مستوى حقوق العمال الذين تحرروا من قبضة الأسياد أو على مستوى الانتقال بالانتاج إلى مستويات متطورة ورفيعة. بالمقابل كان للحركات الاجتماعية التي تحولت لأحزاب ونقابات دورا طلائعيا في ضبط سلوك الرأسمالية أي العمل على ردع ولع هذا النظام بالتراكم المفرط. لم تتمكن الرأسمالية من توفير شروط التراكم في حدود إعادة إنتاجها بل وظفت آليات خارج نسقها لتدفع بالتراكم ليتحول إلى مخدر وبالتالي للهجوم على حقوق الشغيلة. تحولت الباطرونا من حليف الطبقة العاملة ضد طبقة الأسياد الفيوداليين إلى نقيض بعد ما تخلصت من هذه الأخيرة.
تحول النظام الرأسمالي إلى نظام أمبريالي بحثا عن ظروف وفضاءات إنتاج أقل تكلفة. وهو ما دفع دول المركز الرأسمالي إلى البحث عن أسواق لبيع منتجاتها ولاستثمار رساميلها. نتج عن هذه المنافسة الشرسة الحرب العالمية الأولى، بعدما عرفت الرأسمالية قبلها أزمة كبيرة في 1896/1873، وهي المرحلة التي انتقل فيها هذا النظام من المنافسة ( capitalisme concurrentiel) إلى الاحتكار ( capitalisme monopoliste). تكبدت الطبقة العاملة على وجه الخصوص ومعها الطبقات الفقيرة خسائر كبيرة توجت بقيام منظمات و أحزاب وهيئات للدفاع عن حقوقها وربط هذه النضالات بتجاوز الرأسمالية لبناء مجتمعات عادلة. كانت ثورة أكتوبر المجيدة أول تدشين إنساني لثقافة غير الثقافات السابقة والمهيمنة أي ماقبل الرأسمالية و الرأسمالية. استمر النظام الرأسمالي ومعه أزماته منها الأزمة الاقتصادية العالمية لعام 1929 و الحرب العالمية الثانية. تلت هذه الحقبة ما يعرف بثلاثينيات أو سنوات دولة الرفاه ( 1945/ 1975) ( Les trentes glorieuses)، بعدها غرقت الرأسمالية في أزمات متتالية بدءا بأزمة الركود التضخمي(stagflation) والمديونية في نهاية السبعينيات حتى اليوم مرورا بالازمة المالية لسنة 1997 و 2008 أو ما يعرف بأزمةالرهون العقارية ( crise des subprimes). مما يعني أن الرأسمالية دخلت مرحلة غير مسبوقة تم فيها تفكيك البنيات التي على أساسها رأت النور وترعرعت ونضجت ومنها الدولة. الدولة اليوم تم تفكيكها وتحولت إلى أداة في خدمة الاوليغارشيات، وهو ما جعل الرأسمالية تدخل مرحلة الفاشستية و لم تعد قادرة على الاستمرار إلا بإبادة البشر، كما عاشت دول المعسكر الشرقي الذي يتحمل فيها الغرب نصيب الأسد مرورا بشن حرب مفضوحة في الشرق الأوسط و الهجوم على العراق حتى اختراق الحركات التحررية التي عرفها الربيع العربي الذي تحول إلى خريف.
الرأسمالية اليوم دخلت مرحلة التفكيك وهي سيرورة ستأخذ الكثير من الوقت لتجاوز هذا النظام الذي أدى وظيفته التاريخية. الانتقال إلى ما بعد الرأسمالية ( L après-capitalisme) سيكون تدريجيا وعلى مرحلة طويلة الأمد. المرحلة العصيبة والخطيرة هي التي نعيشها اليوم. سيدوم الصراع وسيصل أشده في المستقبل المنظور ربما قد يعرف المعمور حربا عالمية ثالثة يمكن أن تؤدي إلى موت مئات الملايين من البشر.
سينتقل العالم إذن إلى وضع أقل ظلما وأقل اللامساواة و أقل فقرا. بمعنى أن العدالة الإجتماعية والكرامة ستصبح هي الشغل الشاغل لدى الناس. ستلعب الثورة التقنية دورا كبيرا إلى جانب طبعا المعارك المصيرية التي ستأخذها الشعوب. الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الاستراتيجيون أي الاتحاد الأوروبي واليابان سيفقدون سيطرتهم على العالم. إسرائيل ستنزل الى الدرجة الصفر في الهرمية العالمية. فلسطين ستصبح دولة مستقلة. أما دول البريكس( BRICS) أي الدول الصاعدة من الدرجة الأولى، فسيكون لها شأن كبير إضافة طبعا إلى إيران وأمريكا اللاتينية.
العالم سيتغير رأسا على عقب وسيتم إلغاء التأشيرات كما أن الشغل سيصبح له أقل مكانة من اليوم. الثقافة ستصبح رأسمالا كبيرا أما الشواهد فسيتم تبخيسها. الأحزاب والنقابات ستندثر ويصبح الناس يسيرون شؤونهم على المستوى المحلي وتفقد الدولة المركزية هبتها ليصبح لها دور استشاري فقط.
هذا الوضع ستعرفه البشرية في أفق قرن من الزمن على الأقل. وهو ما سيؤهل طبعا إلى تجاوز الرأسمالية وتدشين نظام اجتماعي تصان فيه الحقوق الأساسية للأفراد والجماعات وتنطلق مرحلة تحرر الإنسان من كل أشكال الظلم والطغيان. هذا النظام الاجتماعي لن يكن إلا اشتراكيا.