فقّإعة الاقتصاد التونسي تُبشّر بكارثة


محمد نجيب وهيبي
2023 / 3 / 2 - 23:05     

بعيدًا قليلا عن السياسة السياسوية ( يعني صراع السلطة ) يبدو اليوم في تونس أنه تقودنا دولتان في دولة واحدة نحو الخراب الاقتصادي التام ، الحكومة من جانب و البنك المركزي من الجانب الآخر .
بالاضافة الى أزمة المالية العمومية و شُحّ الموارد المالية وانحسار الكتلة النقدية الدائرة ( الذي ترجمته إجراءات قانون المالية الساعية الى تسريع تدوير واسترجاع النقد السائل عبر محاولات فرض رقابة صارمة على مسك وتخزين و التعامل النقدي ) نتيجة خيارات السياسة السياسوية الغامضة التي افقدت تونس مصداقيتها لدى وكالات التصنيف و المؤسسات المُقرضة ، فإن الاقتصاد التونسي يعاني من تباطئ محرّكاته الاساسية و أهمها النفقات العمومية استثمارا واستهلاكا ( تراجع خدمات اغلب المؤسسات العمومية ) مع ندرة مواد الاستهلاك في الأسواق وهو ما تسبب بشكل مباشر في تسارع وتيرة التضخّم الداخلي .
و لم يكفي حكومتنا هذه الاشعارات بمدى تفاقم الازمة بما بات يهدد كل الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ، فواصلت نهج السياسات المالية و الاقتصادية غير الشعبية من قبيل الضغط على الاجور و رفع الدعم و تحرير الاسعار بما من شأنه أن يُسرّع في التضخّم الداخلي الذي بات ينزل بكلكله على مواد الاستهلاك الاساسية ( المواد الغذائية بنسب تقارب 30%) ويُعطِّل ثاني أحد أهم محرّكات النمو الاقتصادي و هو الاستهلاك السلعي و الذي سينعكس بدوره على تراجع التدفقات النقدية للرأسمالي مما سيدفعه الى رفع الاسعار و تقليص الانتاج لتعويض فقدان هامش الربح نتيجة تراجع الطلب و هو ما سيجرنا بدوره الى تراجع كتلة الاجور ( أي الدخل ) نتيجة تراجع العرض و تراخي الاستثمار ( بما يعنيه من تسريح للعمال وتباطئ نسق خلق مواطن شغل ... الخ ) لنقع مرّة أخرى في دائرة أضيق من الاستهلاك ومثلها من الانتاج مع ارتفاع جنوني في الاسعار ...الخ الى نهاية الحلقة المفزعة حيث ينهار كل شيئ دفعة واحدة .
و في الاثناء لم يبخل البنك المركزي التونسي عن لعب دور المُسرّع في وصولنا الى القاع وكأنه يتسابق مع الحكومة إنتاج الخراب ، حيثُ يُغفل كل ما سبق و يُغفل أكثر أن جزءا هامًّا من تضخّمنا مُستوردٌ مع السّلع الوافدة وأن أغلبها إستهلاكية معيشية و أساسية ( طبعا فالاستثمار مُعَطّلٌ بشقيه الداخلي و الخارجي المباشر ) و أن دينارنا الوطني في تدحرج مستمرٌّ وأنّه لم يعد قادرًا على تغطية عجز السياسات المالية و النقدية و لا الاقتصادية و السياسية و ليس بإمكانه كبح جماح الانفلات التضخّمي ، يَصُمُّ بنكنا المركزي أذنيه عن طنين صدأ محرّكات إقتصادنا ويواصل نهجه غير المسؤول في رفع فائدة السوق المالية ( 8.02 TMM ) والفائدة المديرية ( 8%) وهو ما سيدفع الى تسريع ضيق وانغلاق دوائر الاقتصاد الاساسية بما يعنيه من مزيد كبح الاستهلاك السلعي والعائلي ومنه الطلب الكلي نتيجة تقلّص المداخيل الحقيقية بسبب ارتفاع الفوائد البنكية و تراجع السيولة النقدية الدائرة في الاقتصاد اليومي الاستهلاكي وما سينجرُّ عنه من تسارع وتيرة انهيار العرض والانتاج و الاستثمار مع تنامي نزعة الادخار الاستثماري بكل أشكاله والمضاربة و الاسواق الموازية ...الخ عوض دعم ركائز الاقتصاد الحقيقي ، لنلتجأ الى مزيد من توريد السّلع ومعها تضخُم متعاضمٌ ومنه مزيدًا من إنهيار الدينار ...الخ
لندخل في النهاية نتيجة هذا العبث السيادي في دوّامة الخراب الكلي و الشّامل في أزمة غير مسبوقة من الانكماش التضَخُّمي ( أخطر من أزمة 85 و 86 ) المُركّب الذي لا حول لنا و لا قوّة أمامه خاصّة بمثل سياستنا السياسوية الحالية في مثل هذه الازمة الاقتصادية العالمية ، سيتشضّى الدينار التونسي في النهاية مثل كرة بلورية رقيقة تسقط من عُلُوٍّ شاهقٍ وتتشضّى معه سيادتنا و كل علاقاتنا الاجتماعية و الاقتصادية و الدولاتية الى آلاف القطع كل منها ستُدمي يد من سيعمل على تنظيف هذا البؤس مُستقبلا أكثر من الاخرى .
إن لم تنطلق عملية الإنقاذ وترشيد الدولة حالا ودون أي تأخير