اليمين المتطرف خطر داهم على الديمقراطية


رشيد غويلب
2023 / 3 / 2 - 14:52     

بوافينتورا دي سوزا سانتوس*

ترجمة

في 8 كانون الثاني. وبعد أسبوع من تنصيب الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، اندلعت أحداث في العاصمة البرازيلية برازيليا فاجأت فقط، الذين لم يتابعوا الاستعدادات واسعة النطاق على شبكات التواصل الاجتماعي.

احتلال مقار للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والمنطقة المحيطة بها، وتدمير الممتلكات العامة في داخلها من قبل متظاهري اليمين المتطرف هي أعمال إرهابية تم التخطيط لها وتنظيمها بدقة.

إنه حدث هدد بشدة استمرار الديمقراطية في البرازيل، وارتباطا بالطريقة التي نفذ بها، يمكن أن يهدد الديمقراطيات الأخرى في القارة والعالم. ولأهميتها، يجب تحليلها وتحديد اهم مميزاتها والدروس المستخلصة منها:

1 ــ حركات اليمين المتطرف تعمل وفق تشبيك عالمي، ويستفاد نشاطها على الصعيد الوطني، من التجارب الأجنبية المعادية للديمقراطية، وتعمل في الغالب بالتحالف معها. والعلاقة بين اليمين المتطرف البرازيلي واليمين المتطرف في أمريكا الشمالية معروفة جيدًا. وممثلها المعروف، هو ستيف بانون، صديق شخصي لعائلة بولسونارو وأصبح منذ 2013، مرجعية لليمين المتطرف البرازيلي.

بالإضافة إلى التحالفات المباشرة، فإن الخبرات في بلد ما، تمثل نموذجا لبلد آخر. ان اقتحام المقار الحكومية في العاصمة البرازيلية هو نسخة “محسنة” للهجوم على مبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني 2021. لقد تعلم اليمين المتطرف البرازيلي الدرس وحاول ان يقدم الأفضل. تم تنظيم الهجوم بالتفصيل، وجلب المزيد من الأنصار إلى العاصمة برازيليا. وتم القيام بكل شيء من الهدوء لطمأنه الراي العام الديمقراطي، ولن يحدث أي شيء خارج المألوف. وكان هدف زعماء اليمين المتطرف إغراق العاصمة بما لا يقل عن مليون شخص، لإحداث الفوضى، لتوفير أرضية لانقلاب او تدخل عسكري، ينهي عمل المؤسسات الديمقراطية.

2 ــ يريدوننا أن نصدق أنها حركة عفوية. لكن العكس هو الصحيح، لقد كانوا منظمون ومستندون الى قاعدة اجتماعية. لقد تم التحضير لمسيرة العاصمة في مدن ومناطق البلاد المختلفة، وكانت هناك اتصالات في كل مكان ليتمكن المؤيدون من الوصول إليها. وكانت هناك أشكال مختلفة للمشاركة. من لم يتمكن من السفر إلى العاصمة، يمكنه القيام بمهام في محل اقامته، كمنع إمدادات الوقود أو منع وصول البضائع الى الأسواق التجارية. والهدف هو خلق فوضى جراء نقص في السلع الأساسية.

لعل البعض يتذكر إضراب سائقي شاحنات الوقود التي أدت إلى سقوط سلفادور أليندي، وانهاء ة الديمقراطية التشيلية في 11 ايلول 1973. وعلى الشاكلة نفسها، كان للفوضى في برازيليا أهداف محددة للغاية. اقتحموا مكتب موظفي الأمن القومي في الطابق السفلي من القصر الرئاسي، وسرقوا وثائق سرية ومعدات عالية التقنية، مما يؤشر وجود عناصر مدربة على الجاسوسية. لقد تم العثور على خمس قنابل يدوية في مقر المحكمة العليا والكونغرس الوطني.

3 ــ في الدول الديمقراطية، لدى اليمين المتطرف استراتيجيتان مفضلتان: الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي للفوز بالانتخابات، وفي حالة الفوز، لا تمارس السلطة بشكل ديمقراطي ولا يتم التخلي عنها بشكل ديمقراطي. كان هذا هو الحال بالضبط مع دونالد ترامب وجايير بولسونارو. إذا لم يتوقعوا فوزًا انتخابيًا، يبدؤون مبكرًا في التشكيك بنتائج الانتخابات، وأنهم لن يقبلوا أي نتيجة، ما عدا فوزهم. هكذا كان الحال في الانتخابات الأخيرة في الولايات المتحدة وفي البرازيل ايضا.

4 ــ إن نجاح مثل هذا الهجوم المباشر على الديمقراطية يحتاج إلى دعم الحلفاء الاستراتيجيين، في الداخل والخارج. في حالة الدعم الداخلي، الحلفاء هم القوى المناهضة للديمقراطية، المدنية والعسكرية على حد سواء، الموجودة في الجهاز الحكومي والإدارة العامة، والتي تسهل أعمال المتمردين بأشكال مختلفة.

في البرازيل، كان التسامح والسلبية، إن لم يكن التواطؤ، من جانب قوات الأمن، خصوصا في مقاطعة برازيليا الفيدرالية جديرًا بالنقد. ومما زاد الطين بلة، أن هذه المنطقة بالذات، بصفتها مقرًا للسلطة السياسية، تتلقى أموالًا فيدرالية كبيرة مخصصة للدفاع عن المؤسسات.

ان التزام القوات المسلحة الصمت كان فضيحة، خاصة بعد أن تبين أن المنظمين أرادوا إثارة الفوضى لاستفزاز تدخل عسكري. وسمحت القوات المسلحة للمتظاهرين بإقامة معسكر أمام ثكنة في منطقة الأمن العسكري وبقيت هناك لمدة شهرين. وبهذه الطريقة، استمرت فكرة الانقلاب في التطور على الشبكات الاجتماعية. ومع ذلك، هناك فرق واضح، مقارنة بما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية. في حالة الهجوم على الكابيتول، حرص القادة العسكريون الأمريكيون على تأكيد ولائهم للديمقراطية. ولهذا، فإن تعيين، خوسيه موسيو مونتيرو وزيرا للدفاع، يمثل إشكالية، لأنه يريد علاقة جيدة ومحترمة مع الجيش، الامر الذي لا يبشر بخير.

تدفع البرازيل ثمناً باهظاً لعدم معاقبة مرتكبي جرائم الديكتاتورية العسكرية (1964-1985)، وبعضها لم يتقادم بعد. وقد سمح ذلك للرئيس السابق بولسونارو بالثناء على الديكتاتورية وتكريم الجلادين العسكريين وتعيين بعضهم في مناصب رئيسية في الحكومة المدنية الديمقراطية. ولهذا هناك حديث عن خطر حدوث انقلاب عسكري. على عكس ما جرى في تشيلي والأرجنتين، حيث تم تقديم المسؤولين عن جرائم الديكتاتوريات العسكرية إلى العدالة ومعاقبتهم.

5 ــ بالإضافة إلى الداعمين المحلين، هناك الحلفاء الأجانب، الذين يلعبون دورا حيويا. لقد كانت الولايات المتحدة دوما ا حليفة للديكتاتوريات في أمريكا اللاتينية، وحتى للمحرضين على الانقلابات ضد الديمقراطية.

في هذه المرة، كانت الولايات المتحدة الى جانب الديمقراطية، وكان هذا هو الفارق الحاسم. أنا مقتنع بأنه لو قامت الولايات المتحدة بالإيماءات المعتادة لتشجيع للديكتاتوريين المحتملين، لكنا عشنا انقلابا عسكريا. وفي ضوء أكثر من مئة عام من السياسة الأمريكية بهذا الخصوص، فإن هذا الموقف، لا يعود لقراءة عميقة مفاجأة للدفاع العالمي الديمقراطية، لقد تم تحديد موقف الولايات المتحدة حصريًا، ارتباطا بالسياسة الداخلية. ان من شأن دعم البولسونارية اليمينية المتطرفة في البرازيل، تقوية معسكر ترامب اليميني المتطرف في الولايات المتحدة، والذي لا يزال يعتقد أن انتخاب جو بايدن جاء نتيجة لتزوير الانتخابات، وأن دونالد ترامب هو في الواقع الرئيس القادم للولايات المتحدة.

وأتوقع أن وجود اليمين المتطرف القوي في البرازيل سيكون مهمًا لخطط اليمين الأمريكي وانتخابات عام 2024. والهدف هو خلق حالة من عدم القدرة على الحكم تجعل من الصعب على الرئيس لولا دا سيلفا حكم البلاد. ولمنع حدوث ذلك، يجب معاقبة الانقلابين واللصوص بشدة. وليس هم فقط، بل الذين شجعوهم ومولوهم أيضًا.

6 ــ لكي تستمر حركة يمينية متطرفة، فأنها بحاجة إلى قاعدة اجتماعية، وإلى ممولين ومنظمين وأيديولوجية قوية قادرة على خلق واقع موازٍ. في البرازيل، القاعدة الاجتماعية واسعة لأن الديمقراطية البرازيلية مهمشة ولأن أجزاء كبيرة من المجتمع تشعر بتخلي السياسيين الديمقراطيين عنها.

المجتمع البرازيلي يعاني من تفاوت اجتماعي واقتصادي كبير، يتفاقم بسبب التمييز العنصري والجنسي. ويعزز النظام الديمقراطي كل هذا إلى الحد الذي يكون فيه الكونغرس البرازيلي كاريكاتيرًا وليس تمثيلًا جديرا بالثقة للشعب، ولذلك دون إصلاح سياسي عميق، لا يستطيع هذا النظام العمل في المدى البعيد. وهناك مجال واسع لليمين المتطرف للتجنيد والتعبئة، ولكن الغالبية العظمى من المؤيدين بالطبع ليسوا فاشيين. إنهم يريدون ببساطة أن يعيشوا بكرامة، وهم لا يعتقدون، بإمكانية ذلك في ظل الديمقراطية الراهنة.

في البرازيل، يبدو أن المنظمين والممولين يأتون من رأس المال الصناعي الصغير، والقطاع الزراعي، وقطاعات التسلح والخدمات، لقد كانوا مستفيدون من السياسة الاقتصادية السيئة للرئيس السابق، و كانوا متماثلون بقوة مع أيديولوجيته. أما بالنسبة للإيديولوجيا، فيبدو أن هناك ثلاث ركائز أساسية:

اولا، إعادة استخدام أيديولوجية الفاشية القديمة، أي الفهم الرجعي لمفاهيم الله والوطن والأسرة، ويضفون لها الآن الحرية. والأمر المحوري هو حماية غير مشروطة للملكية الخاصة بهدف (1) غزو واحتلال الممتلكات العامة أو المشتركة (مناطق السكان الأصليين)، (2) الدفاع الفعال عن الملكية، والذي يتضمن تسليح المالكين، (3) اكتساب الشرعية ورفض جميع السياسات البيئية و (4) رفض الحقوق الإنجابية والجنسية، ولا سيما الحق في الإجهاض وحقوق شريحة مجتمع الميم، كجزء من السكان.

ثانيًا، هذه الأيديولوجية تتطلب صنع أعداء وتدميرهم. ولهؤلاء الأعداء وجوه مختلفة، لكن الصورة العامة (والأكثر تجريدًا) هي الشيوعية. بعد أربعين عامًا من اختفاء الحكومات والأحزاب، على الأقل، في غرب العالم، التي تريد إنشاء مجتمعات شيوعية، من المفرقات في البرازيل، أن هذا هو الشبح هو الأكثر تجريدًا وكذلك الأكثر فاعلية.

ولفهم هذا الواقع، يجب على المرء النظر إلى الركن الثالث من أيديولوجية اليمين المتطرف: الدمج المستمر واللاوعي لواقع موازٍ في النسيج الاجتماعي، محصن ضد “الواقع الحقيقي”. تغذي ذلك الشبكات الاجتماعية والديانات الرجعية (الكنائس الخمسينية / الإنجيلية والكاثوليك المناهضون للبابا فرانسيس) التي تربط بسهولة بين الشيوعية والإجهاض وتضع السكان العزل في هاوية من الخوف. وقد أصبح الأمر أكثر سهولة بسبب حقيقة ضياع الآمال، منذ فترة طويلة، بحياة كريمة.

محاولة الانقلاب في البرازيل هي إشارة إنذار. يجب على الديمقراطيين في البرازيل وفي جميع أنحاء العالم اخذها على محمل الجد. وإذا لم يفعلوا ذلك، فان الفاشيين لم يطرقوا الباب غدًا فقط، بل سيحطمونها للدخول.

* باحث برازيلي