خمسون عاماً في صفوف الحزب الشيوعي العراقي !( 1 من 2 )


أمير أمين
2023 / 3 / 2 - 14:19     

شهران بعد بلوغي سن الثامنة عشر , قدمت رسالة طلب إنتماء للحزب الشيوعي العراقي وبعدها بحوالي شهر قبلت مرشحاً في الحزب وعملت في الخلايا الطلابية في مدينة الناصرية , كان ذلك في آذار عام 1973 ولكن قبل ذلك بسنتين او أكثر كنت عضواً في اتحاد الطلبة العراقي الذي أصبحت فيه فيما بعد في قيادة الاتحاد على مستوى المحافظة , وبعد مرور سنة حصلت على عضوية الحزب..كان حزبنا في وقتها يعمل بشكل سري ولم تنبثق الجبهة بين الشيوعيين والبعثيين بعد , وكانت أجهزة السلطة قبلها قد إغتالت عدداً من الشيوعيين الناشطين وهي تقوم باختطاف بعضهم وتصفية البعض الآخر كالشهداء ستار خضير وشاكر محمود وعزيز حميد وكاظم الجاسم وعبد الامير سعيد ومحمد أحمد الخضري وآخرين , ثم انبثقت الجبهة في تموز من نفس العام وإستبشرنا بها خيراً لكنها لم تستمر طويلاً حيث أن حزب البعث أراد منها كشف كل تنظيمات الشيوعيين من أجل تصفيتها كما حصل اواخر عام 1978 واوائل عام 1979 وخلال العمل الجبهوي لم تخلو دوائر الامن في محافظتنا ومدن العراق الاخرى من الشيوعيين وخاصة الطلاب والمثقفين وحتى من العاملين في لجان الجبهة ..! مثلاً تم إعتقال الفقيد كاظم الجباري عضو لجنة جبهة المحافظة.!! لكننا كنا نعمل بصبر ويقظة على الرغم من أنها كانت ضعيفة الى حد ما وكان الرفيق الذي يشكو من بطش اجهزة النظام ويحذر منها , يتهم بالتطير والتخوف غير المبرر ! بسبب ضعف اليقظة والتأكيد المستمر على ان هؤلاء هم حلفائنا وليسوا أعداءً ! بينما كانوا هم أعداء يريدون تصفيتنا حينما تسنح لهم الظروف ..ولكن قياداتنا كانت للأسف غير واعية لما يحدث لنا ولما هو مخطط وبشكل مدروس لم ننتبه اليه ..ففي إحدى المرات وبعد تجميد او حل كافة المنظمات الديمقراطية عام 1975 جاءنا الرفيق الشهيد الطبيب ابو جماهير من البصرة ونزل علينا إشراف وحينما تكلم عن مضايقات أجهزة الامن لنا وزجهم بعض رفاقنا في المعتقلات وقيامهم بالتعذيب ..قال بالنص.. (هذا الضرب بالريش لو قارناه بما تم من تعذيب للشيوعيين الاسبان على يد الفاشيين ..!) ولكن بعد سنوات حصل الابشع من ممارسات الفاشية والذي تعرض له الرفيق نفسه واستشهد بسببه ! ..المهم كان عملنا طلابي سياسي يهتم بالجوانب المهنية والسياسية (وما يسمى تعميق العمل الجبهوي ) مع حلفاء مجرمين ومتمرسين على القتل والتصفيات ولا تهمهم سمعتهم أمام شعوب ودول العالم وخاصة البلدان الاشتراكية السابقة والتي كانت لهم علاقات متميزة معها فكانوا يقتلون الشيوعيين بدون رحمة وحاولوا جر عشرات الالوف من رفاقنا ورفيقاتنا للمعتقلات وانتزاع البراءات منهم بالقوة وبإستخدام أقذر الوسائل والتي لا تخطر على بال اي انسان ومنها الاغتصاب للجنسين وسقي المعتقلين سم الثاليوم وغيرها ..وقد صمد عدد كبير من رفاقنا أمام تلك الوحشية التي لاقوها من قبل ( الحزب الحليف ! ) وأجهزته الامنية والمخابراتية وإستطاع بعضهم الهرب خارج العراق وكنت أنا وعدد من أفراد عائلتي من ضمنهم حيث وصلت الى دمشق في الاول من حزيران عام 1979 بسلام ومن خلال جواز سفر أصلي يحمل إسم ثلاثي غير إسمي الحقيقي ومنها واصلت العمل في لبنان لفترة قصيرة ثم عدت الى كردستان في أواخر السنة نفسها للعمل ضمن قوات أنصار الحزب الشيوعي العراقي ..كانت محطات عملي التنظيمية كثيرة ومتشعبة إمتدت من مدينة الناصرية الى بغداد فدمشق ولبنان وكردستان واليمن ثم بلغاريا والدنمارك وغيرها..في بداية عملي كنت صغيراً ولم أفهم بعد الحزب والسياسة بشكل عام وكان اندفاعي عاطفي لكني عاهدت نفسي بعدم السقوط وتقديم البراءة من الحزب لو تم الامساك بي من قبل أجهزة النظام وحافظت على سرية عملي في بغداد التي استقريت فيها بشكل مؤقت في النصف الاول من سنة 1979 والتي اشتدت فيها قبضة النظام ومحاصرته لتنظيمات حزبنا في عموم مدن العراق ولم تترك لنا مجال للحركة ..! وحينما أعود للعمل الطلابي في بداياته حيث كان المسؤولون يؤكدون دائماً على الصيانة في العمل وعلى التثقيف الذاتي والجماعي ولكن اجتماعاتنا كانت مطولة لا تتناسب مع عمرنا الزمني والحزبي وكانت فيها مواد غير مهمة مثلاً كنا في كل اجتماع ندرس تعميق العمل الجبهوي وكان المسؤول يؤكد لنا (..أن الجبهة هي حلقة مركزية في نضالنا ..! ) لكنها طلعت بوش ..! مثلما حصل ..! فقد ضيعنا في هذه المناقشات العقيمة ساعات عدة دون جدوى ..وحينما صرت عضو لجنة قاعدية كان المسؤول شديداً جداً معنا وكنا نجتمع في صيف الناصرية اللاهب في تمام الساعة الواحدة بعد الظهر وفي منطقة بعيدة عن المركز بالوقت الذي كنت أعيش فيه في الصوب الثاني الاصغر وأصل للاجتماع سيراً على الاقدام في حرارة تتجاوز الخمسين مئوية ! ربما اعتقاداً من السكرتير هو لتصليب عودنا ولصقل مواهبنا السياسية وتعويدنا على تحمل الالم وصارت اجتماعاتنا متعبة أكثر من ناحية طول الوقت وازدياد عدد الرفاق ووجود خلايا نقودها ..فتصورت حينها أن المسؤول سيكون صامداً مثل الشهيد سلام عادل لو تم اعتقاله ..! لكنه عند بدأ الحملة ذهب بنفسه الى دائرة أمن المحافظة وإستسلم بسرعة وبدون ضرب ووقع على صك البراءة ولم يكن كما كنت أتصور من أنه من المناضلين الاشداء الذين سيكون إسمه ضمن قوائم شهداء حزبنا ..! وكذلك فعلها البعض الآخر من الذين كنّا نتصور أنهم سيصمدون..لكن يمكن القول أن عدداً كبيراً من شيوعيي المحافظة صمدوا وإستشهد عدد آخر منهم تحت التعذيب كسكرتير اللجنة المحلية الشهيد البطل ابو كريّم .. وأخرين أمثاله وخلال طيلة هذه الفترة التي اتحدث عنها لم ارتبط بصلة تنظيمية فردية ما عدا سنة ونصف حينما كنت جندي مكلف وهربت من الجيش بسبب الملاحقة ومحاولة إعدامي ..! وكنت أحمل في جيبي ورقة عضوية الحزب خوفاً من تركها في بيتنا ..! والتي أحرقتها مع عضوية والدتي حينما هربت الى خارج العراق متوجهاً الى سوريا أولاً ..كذلك لم تتخذ بحقي إجراءات عقابية منصوص عليها في النظام الداخلي للحزب وفي نفس الوقت جرى تثمين عملي وقيادتي لعدد من الخلايا واللجان ولم تتم تنحيتي من اي موقع حزبي شغلته في حياتي على الرغم من صعوبة المهمات التي انيطت بي والمتاعب التي تحملتها بمسؤولية كبيرة ونكران ذات عالي ..