الكهنوت الذى يمشى مختالا فى طرقات الدولة المدنية


منى نوال حلمى
2023 / 2 / 27 - 16:13     

منى حلمى
---------------------
" الكهنوت " يمشى مَلَكا مختالا فى طرقات الدولة المدنية
--------------------------------------------------------
نعيش لحظات تنادي كل قلم مصري، أن يسكب ذروة " وطنيته " على الورق . لحظات تستنفر فينا مصريين ومصريات ، أعز ما نملك وأشرف ما نكون ، ألا وهو الرأي الحر الخالص لوجه مصر.
قال جورج برنارد شو 26 يوليو 1856- 2 نوفمبر 1950 : " الوطنية هى أن تعتقد أن بلدك أفضل بلد فى العالم لمجرد أنك وُلدت بها .. وأن السلام العالمى لن يتحقق والعالم لن يهدأ ، الا باستئصال الوطنية ".
لا أشك أن الكثيرين سيختلفون مع هذا الرأى . وهنا أوضح أمرين . الأول أن المشكلة ليست فى الشعور بالوطنية . ولكنها فى الشخص امرأة أو رجلا ، الذى يشعر بالوطنية . فاذا كان الشخص متفتح العقل ، راقى العواطف ، رحب الانسانية ، لا يعرف التعصب والاستعلاء ، فان شعوره بوطنيته ، سيشبهه ، أى تصبح وطنيته متفتحة العقل ، راقية العواطف ، رحبة الانسانية ، ليست لديها ميول عنصرية أو استعلائية .
والعكس صحيح . اذا كان الشخص امرأة أو رجلا ، مغلق العقل ، متدنى العواطف ، انسانيته تقف عند حدود بلده ، له تفكير متعصب استعلائى ، ستصبح وطنيته مثل طبيعة شخصيته .
لست ممنْ يفسرون أن مجتمعاتنا تحتل المراتب المتأخرة فى حميع مجالات الحياة ، بنظرية المؤامرة التى تعطل مسارنا الحضارى . هناك بالفعل مؤامرة خارجية ، ومنذ زمن بعيد وبشكل ممنهج ومخطط ، لابقائنا متخلفين ، وتابعين وتحت السيطرة .
لكننى فى الوقت نفسه ، لا أنكر أن الجزء الأكبر والأخطر ، يحدث بسببنا نحن . الخارج مهما كان جبروته ، لا يستطيع اختراقنا ، الا اذا فتحنا له الثغرات .
قال " غاندى " 2 أكتوبر 1869 - 30 يناير 1948 : " لا أسمح لأحد أن يدخل عقلى بأقدامه المتسخة ". وقال " مارتن لوثر كينج " 15 يناير 1929 - 4 أبريل 1968 ، " لا أحد يستطيع ركوبك الا اذا كنت منحنيا ".
هناك قوي خارجية منظمة تتحرك على نطاق العالم بأسره ، شبكة محكمة فاسدة ، خيوطها هي إحياء الحروب الطائفية لازدهار انتاج الأسلحة ، و تحقيق الأمان لاسرائيل - الابنة المدللة للقوى العظمى - والمؤسسة على نص دينى ، ومبدأ ختان الذكور مقابل الأرض ، وذلك بصناعة ولايات دينية طائفية ومذهبية ، ولنهب الموارد والكرامة والمصير ، وهى تمول أيضا التراث الدينى ، والثقافى ، وتدعيم التناقض فى التعامل مع جسد المرأة ، تغريته وتغطيته وبيعه فى البغاء ، فالتناقضات تضعف ، وتبلبل ، وتحجب الرؤية ، وتزيد العنف والجرائم . وكل هذا يضعف المناعة الذاتية الداخلية ، التى تجعل البلد لقمة سهلة لآكلة لحوم الأوطان ، ومصاصى دماء النساء .
جهاز المناعة داخل الجسم ، هو المسئول الأول عن صحتنا أو مرضنا . والأمر نفسه ينطبق على الشعوب .
ان جماعات التطرف والإرهاب والإفساد ، بدأت في البلاد وفي المناطق التي تتضخم فيها مظاهر غياب الحد الأدنى من عدم العدالة الإجتماعية . تماما ، مثل أي مرض عضوي الذى يبدأ بمهاجمة أضعف مناطق الجسد .
ان احتلال الفكر ، والعقل ، أبشع وأخطر من احتلال الأرض والموارد .
أرى أن " الفكر محرك التاريخ " ، وليس " الاقتصاد ".
" كيف نفكر " ، هو " كيف نشغل عقولنا " ، و" نصل الى النتائج " ، و" نضع الأولويات " ، " نعقد مقارنات " ، " نعيد قراءة التاريخ " ، و" نغربل التقاليد والعادات " ، و" نسأل عن جذور الأشياء " ، " كيف نرى أنفسنا والآخرين " ، وكيف نغلف الوطنية بالنقد المستمر الضرورى للتقدم ". وهذه هى الخامات التى تشتغل عليها " الفلسفة " ، الأجنحة بها نطير .
قد نطير ونحط فى " خرابة " أو " صحراء جرداء " ، أو سلة نفايات ، أو فى صحراء جرداء قاحلة ، أو حدائق وبساتين .
ما يحرك التاريخ ، وما يصنع الحضارة ، وما يحدث التغيير ، هو " كيف نفكر " ، أى " الفلسفة " التى نختارها . وليس الاقتصاد . فأى نظرية اقتصادية أو توجه اقتصادى ، هو فى الأساس " فكرة " ، أو " رؤية " ، أو " اختيار " .
ومصر فى 30 يونيو 2013 ، اختارت فلسفة الحكم المدنى .
باختيار الدولة المدنية ، لا تنتهى المعركة . ولكنها تبدأ . فما نشهده كل يوم ، يؤكد أن هناك " كهنوتا " يمشى ملكا مختالا فى الطرقات .
هذا " الكهنوت "- رجال الدين - الذين يمارسون الوصاية الدينية ، وتغلغلها فى الحياة ، يعتمد ون فى نجاحهم على ضعف جهاز المناعة الداخلى للوطن ، والشعب المصرى ، الذى أخرج الاخوان من الحكم ، وأدخلهم الى العقول والأمزجة ، المهووسة باستعراض أشكال التدين المزخرفة .
أصحاب الكهنوت ، خرجوا من قصر الاتحادية ، ودخلوا العقول والأمزجة والبيوت .
نحاول الطيران بجناح واحد ، وهو اختيار الدولة المدنية . لكن حمايتها هو الجناح الثانى ، الذى أهملناه . والنتيجة هشاشة المناعة الداخلية ، وتقدمنا خطوة ثم النكسات مائة خطوة .
نركز على ضرب الارهاب الذى يسفك الدماء . أما الارهاب الذى يسفك التقدم الحضارى ، والعالمانية والمواطنة والقوانين الوضعية ، تركناه دون رقابة وتحجيم وعقاب رادع .
حجب الأديان عن الحياة ، ونزع أظافر الكهنوت التى تخربش ، وتدمى مسارنا الحضارى ، هى قضية : " نكون أو لا نكون ".
مرجعيتنا فى الحياة من الألف الى الياء ، يجب أن تتبع مواثيق دولية لحقوق البشر ، وقعنا على الالتزام بها . بصفة عامة العدالة والحرية وعدم التمييز بين البشرعلى أساس .
قال الفيلسوف فردريك نيتشه 15 اكتوبر 1844 - 25 اغسطس 1900 ، الذى أعشقه : " رجل الدين لا يمكنه السيطرة عليك ، الا اذا أقنعك بأنك كتلة متحركة من الخطايا والذنوب والالآم والحطام ، ليسوقك بعدها كالنعجة الى حظيرته ".
-----------------------------