حوار خاص مع الشاعرة السيريالية جويس منصور (لم أفكر بديانتي إلا بشكل بروتوكولي- مايو2014 ) أجرى الحوارأسعد الجبورى


عبدالرؤوف بطيخ
2023 / 2 / 27 - 15:27     

(بريد السماء الافتراضي)
جويس منصور كانت الفكرة في أول الأمر.. أن نهتدي إليها من خلال البحث في غوغل . فذلك يختصر الوقت ويحول دون اقتراف المزيد من الجهد والتعب.إلا إننا سرعان ما اكتشفنا بأن جميع برامج ((غوغل)) ليست بذات قيمة في أعالي السموات،لأن سكان تلك المناطق قد جردوا هناك من كافة أشكال التقنيات ،بسبب العيش بالفطرة ،والانقطاع عن عوالم التكنولوجيا والأدوات التابعة لها.ليس غير الراحة والقيلولة الأبدية التي قد لا يتوافق معها بشر كثيرون.
جويس منصور.شاعرة مصرية.ولدت عام 1928 وتوفيت عام1986.

أصدرت كتباً عدة في الشعر:الأول ((صرخات)) عام 1953 ومروراً بديوان (( تمزقات))1955 و((يوليوس قيصر )) وانتهاءً بديوانها الرابع عشر ((ثقوب سوداء)) .
أين نجد تلك المرأة التي اختلط الشعر بها فصار لحم جسدها ،قبل أن يكون لحماً للكلمات وعلى الورق؟ كان في الذهن سربٌ من الأسئلة وهوس كثيف لمعرفة التأثير الشعري الذي سيطر على جويس،فأنتج منها شاعرة سريالية قلقة الابتكار وسريعة الأنين ،لا تنقح حرائقها الباطنية،لأنها سرعان ما تعايشت مع تلك النيران،فكانت بمثابة سرير لذكورية وأنوثية الحب الذي كان يتدفق في مجاري المرأة دون خوف أو تابو ،لأنها شاعرة محمومة بالخسائر وبالشذوذ وبزمن مفتوح كانت تتحرش بعقاربه على مر الأيام التي عاشتها شابة متوتر الأحاسيس وإلى شيخوختها التي استفردت بها في متاهة المرض.

ما أن وجدنا المرأة ممددة على سرير من الفراء الأبيض ،وهي ترتدي فستاناً من الموسلين الشفاف وتدخن الآرجيلة ،حتى رأينا طاووساً يهبط على مقربة من السرير،وجناحاه أشبه بسبورتين تملأهما الأشعار.
أصبنا بالذهول.لكن ذلك لم يدم طويلاً.فقد نهضت جويس منصور مغادرة سرير الفراء ،عندما راحت تقرأ مما جاء به الطير على حشد من مخلوقات غريبة الأشكال،تلك الكائنات التي تجمعت أمامها فجأة من أجل الاستماع لصوتها.
لم يطل أمد تلك الأمسية.فما أن انتهت جويس من القراءة واستقر ضغطها وجف على وجهها الألمُ دون أي حراك،حتى دخلنا في الحوار معها:

أسعد الجبورى: ما الذي يجمع ما بين تربتين: انجلترا كمسقط رأس ،والإسكندرية التي ترعرعت فيها على ترابها في مصر؟.
جويس منصور:قد لا يجمع ما بين المكان إلا مساحة شاسعة واحدة:هي اللذة .فالإسكندرية مكان أول لتفعيل الجسد بطاقة الحب.فيما كانت مانشستر البريطانية،ربما تربة لتربية نحل العقل فقط.
أسعد الجبورى:إلا تعتبري إن المكانين لاسعان.الأول بفعل زلزلة لذة الجسد،فيما الثانية لعقلنة تلك الزلازل ؟.
جويس منصور:هذا مؤكد.لذا كان الصراع مدمراً ما بين التربتين.الأولى الجسدية التي هيأت للثانية فرصة أن تكون تربة لإنبات كل ما يتعلق بتلك المعارف الشيطانية التي تمشي بالجسد بعيداً عن البوار،ولا تحط من شأن العقل.
أسعد الجبورى: لا تحط من شأن العقل باعتباره حارساً للشهوات تقصدين؟.
جويس منصور:هكذا دفعتُ بعقلي إلى أن يتمرن على أشياء كانت قاسية أو غير مستوطنة في المجتمع المصري آنذاك.
أسعد الجبورى: كأن ينظر العقلُ إلى الجسد على إنه ليس كتلة لحم مثلاً؟.
جويس منصور: هذا ما أردته فعلهُ بالضبط..فقد حاولت أن لا يكون جسدي تابعاً للمنظومة العقلية.
أسعد الجبورى: عبر خط فلسفي أم شعري؟.
جويس منصور:لقد بلغتُ درجة مرموقة بالعمل على إذابة الفلسفة بالاكواريوم الشعري.كنت كمن ينحت في صخر ليستخرج من مياه يطلق عليها مراكبه بنشوة لا يبلغها سحر سوى سحر كتابة الشعر.
أسعد الجبورى: تحدثت عن مراكب تسبح في مياه تخرج من الصخر.وتحدث رامبو فيما مضى عن المركب السكران .ما الذي يميز مركبك عن مركب رامبو برأيك ؟.
جويس منصور:ثمة فرق شاسع ما بين المركبين بالطبع.رامبو كان يستعمل الخمر وقوداً لمركبه.فيما كان مركبي يعمل بطاقة الحب.
أسعد الجبورى: ولكن الخمر والحب من فصيلة (أثنية) واحدة .إلا تعتقدين بذلك؟.
جويس منصور: أنا معك.ولكن الحب هو خريطة طريق الخمر ومشتقاته.هكذا كان علىّ أن أدخر ذلك الإيمان القوي بمثل فكرة من ذلك القبيل.
أسعد الجبورى: إلا تعتقدين بأن الإيمان بفكرة محددة يُفسد الحياة الشعرية،لأنه يمنع التنوع من أن يأخذ مداه في مكونات الشاعر وتكوينه جسداً ولغةً ورؤى؟.
جويس منصور: كما أظن،فلا عهد للشيطان بنمط فلسفي واحد موحد،لأنه سيد التبدلات،ولا يريد لنفسه أن يكون أسير نظرة ضيقة.أما أنا فقد حاولت أن أسد الفراغات بسوريالية كانت تحتاجني.
أسعد الجبورى: ومن أين أدركت جويس بأن السوريالة كانت تحتاجها؟!.
جويس منصور: عندما شعرت بأن في جسدي تموجاً قد بدأ يبلغ مداه الناري ما بين اللحمي واللغوي.تأكدت من أن ذلك الطقس السريالي هو منْ يُسرع عمليات الانبعاث الحيوي للمخيلة،ولكنه أيضاً ، لا يحول دون التمتع حتى بكتابة الآثام،تلك التي تنظر إليها الشعوب على أساس قوانين التابو أو الخجل والحرام.
أسعد الجبورى: وهل للشعر أخلاق مختلفة عن بقية أخلاق المجتمعات مثلاً؟.
جويس منصور: عندما يفكر الشاعر بالأخلاق وتوابع الأخلاق،ينتهي كما الصرصار على الرصيف.
أسعد الجبورى: اعتبرك الشاعر الفرنسي آلان بوسكي من «الركب الثالث» للحركة السوريالية.فهل كان ذلك بدافع تلافي الضمور الذي كانت تعاني منه الحركة السوريالية في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي؟أم أن الأرتال السابقة نفذ وقودها برأيك؟.
جويس منصور: كل الشعراء الذين عملوا على دمج السوريالية بالحياة الاجتماعية في أوروبا،سرعان ما واجهوا لحظات حرجة ومؤلمة،بسب رغبات الثورة السوريالية العارمة على إخضاع نصوص المجتمعات الكلاسيكية المحافظة والبدينة بالمعنى الأخلاقي لسلطتها المطلقة.كل شعراء السوريالية أرادوا التحكم بحنفية التأليف،عندما قاموا بمزج الشعر الكهربائي بمياه العامة ،فكانت قسوة المشهد باحتراق الأجساد والجسور والنصوص.
أسعد الجبورى: وهل كانت ((صرخات)) جويس منصور منقذاً من حالة التدهور السوريالي؟.
جويس منصور: لا أظن ذلك.فكتابي الشعري ((صرخات)) كان تسجيلاً جريئاً لحالات الانبعاث الشهواني من جسد يقوى على البوح بما يلزم وبما لا يلزم.
أسعد الجبورى: لذلك لم يُكتب الديوان أو يطبع بالعربية إلا بعد الترجمة؟.
جويس منصور: كنت خليطاً من الانكليزية والفرنسية والعربية داخل جسد فوّار ،لكنه متجانس بمختلف رياح الغرام التي لم تكف عن العصف الجميل به في باريس العاصمة المفتوحة.
أسعد الجبورى: هل كنت شيوعية؟.
جويس منصور: في الباطن فقط. ربما لأنني حاولت أن أكفر عن وضعي الارستقراطي بمشاعر ماركسية تتداخل مع الشعر،لكن السوريالية عقيدة أقوى من كل نظريات الصراع الطبقي،لذلك كانت ملاذي في الحب وفي الحرية وفي الكتابة وفي السباحة على خيوط البحر.
أسعد الجبورى: ألمْ يؤثر وضعك اللاهوتي كيهودية على مجمل حركتك كتابة وسلوكاً في مصر مثلاً؟.
جويس منصور: لم أفكر بديانتي إلا بشكل بروتوكولي في أثناء المناسبات والحفلات العائلية.روحي كانت في مكان آخر. ربما لأنني اعتقدتُ وبشكل مبكر، بأن اللاهوت هو ما يتسبب باعتلال الشعر ويقضي على طموح الشاعر بأن يكون شيئاً فاعلاً وطرياً في حياة الشعوب.
أسعد الجبورى: ولكن هجرتك إلى باريس في بداية الثورة المصرية ،قد تمحو كل ما سبق وأن تحدثتي عنه؟.
جويس منصور: ربما كانت الهجرة بدواعي المخاوف الاقتصادية ليس غير. خافت العائلة أن تفقد تراتبيتها الأولى في الاقتصاد والبرجزة،ولذلك خشيت أن تذهب الثورة بما كانت ترفل به من ثراء ونعيم. لكن وجودي في مصر وأنا في ذالك الحال المالي المرفه،لم يمنعني من الالتقاء بكتّاب وشعراء شيوعيين وقوميين في مكتبة لطف الله سليمان. كنت مندمجة بطقوس الشعر والثقافة أكثر من أية طقوس أخرى.وقد يعرف ذلك عني الشاعر القبطي جورج حنين وآخرون من الوسط الثقافي.
أسعد الجبورى: ولكنك لم تكتبي بالعربية؟ فهل ثمة ما يمكن أن يكون سبباً عظيماً وراء ذلك؟.
جويس منصور: الشاعرة المشغولة بالحب في العالم ،لا بد أن تكتب عن حرائقها الداخلية ،وتتحدث عن شهواتها بما يناسب حجم الحرائق التي عادة ما تلتهب بين صفائح اللحم الآدمي.وأنا كنت عارية على الدوام.بمعنى أنني لا أستطيع الدخول إلى الشعر بفستان أو ببيجاما أو بسوتيان أو بقميص.اللغة العربية لا تتحمل وضعاً ايروتيكاً مثل هذا ،وكذلك الأمر بالنسبة للمجتمع المصري.فهو شعوب تتحكم بها طقوس وعادات وتقاليد ،غالباً ما تعتبر شعراً مثل الذي كنت أكتبه شعراً ماجناً يستحق العقاب.
أسعد الجبورى: هل نفهم من هذا بأن إحجامك عن الكتابة بالعربية،هو نوع من الهروب من العقاب ؟.
جويس منصور: يمكنك قول ذلك.فليس أفضل من فكرة الهرب بتلك الحرائق الايروتيكية إلى لغة أخرى ،تحصن الشخص من التعذيب والعقاب،وبالتالي ،لتجد نصوصي حريتها كاملة بالتنقل من جسدي إلى أجساد الآخرين ،حارةً وبلغة حمراء .

((نص هلال الضباب))جويس منصور.
مريضة، مريضة
على فراش موتي المتجدد أبداً
كذبابة على قطعة جبن بيضاء
أعلّل نفسي بفكرة أن عينيك سوف تبقيان بعدي
وأنهما سوف تعيدان مداعبة حيواناتنا المتضورة من الجوع
وأنهما سوف تعيدان رؤية شواطئنا
وأن شعور الصبايا في عمق الماء الأشهب
والتي تتمايل وتتبختر عند مرور الأسماك
سوف تبهر كالعادة حدقتيك المنتجتين للخمر
أفكر مبتسمةً في عينيك، في نظراتهما التي بلا وجهة
ولا فائض من الدموع
عينيك اللتين تهجعان هناك تحت غطائي كمدفأةٍ قديمة
كمشدٍّ
النهار يموت معلَّقاً بدبوس على الجدار
وأنا في فراشي
(لا تهتز على كرسيك)
قدماي مكعبان من الثلج لن يفلح أيُّ صوتٍ في كسرهما
ساقاي نسيتا قفزاتهما في المروج
وحده فمي يكابد لا يزال ويرتعد
ولكن من الذي يسمعُ صرخات لسانٍ عاجزٍ بشكلٍ فاتر
إلى الخارج تثيرُ الشمسُ شفقةَ غدير الماء الأخير
هناك في الحديقة حيث كنتُ أتمددُ طفلةً
جافلةً كحيوان رخوي ولكن محدودبة بالخديعة
وسعيدة أحياناً
عيناك تجتسان الأخبار
تتأبدان على أنفي راقصتين الفالس منزعجتين
عاجزتين عن الفهم
خطواتك المنسحبة بالفعل تبتعد على الحصباء
وهذا حسن
سأسقط كورقة
وحيدةً وقورةً ودون ماكياج
فمن المزعج أن يحتضر المرء بينما يريد الأقارب الكلام
والحشرجةُ العميقةُ ذاتها وقحةٌ غالباً.
2
أُحب جواربك التي تثبِّت ساقيكِ.
أُحب مشد خصركِ وردفيكِ الذي يسند جسمكِ المرتج
تجاعيدكِ، نهديكِ المتهدلين، شكلكِ الجائع
شيخوختكِ في مواجهة جسدي الفارع
فساتينكِ التي تنشر رائحة جسدكِ النتن.
ترجم النص: بشير السباعي عن الأصل الفرنسي
كل هذا يثأر لي أخيراً
من رجالٍ لم ينتظروا شيئاً مني.

أسعد الجبورى: يكشف القارئ الحاذق بأن نصوص جويس تتضمن عن مثلية جنسية .ما رأيكِ ؟.
جويس منصور: كل الحركات الفنية والشعرية والأدبية من واقعية ودادائية وسريالية وتكعيبية وفطرية إنما تمثلُ أجساماً قابلة للتعدد الوظيفي في العمل الجنسي الشاذ،وبالتالي فأن ما تطرحه من نصوص ،ليس إلا نصوصاً مثلية .
فما من مؤلف أو شاعر –ذكراً أم أنثى- إلا ويملك رغبةً بتوريط أبطاله بمثلية ما من المثليات،سواء كانت جنسية أو سياسية أو أخلاقية أو اقتصادية أو فنية أو إيديولوجية.
أسعد الجبورى: هل لأن التجربة الفنية لا تبنى إلا على أساس إشكالي ؟.
جويس منصور: بالضبط.فما من مفكر أو روائي أو فنان إلا ويبني نظريته على أساس أشكالي .فكل نص فارغ منذ ذلك الحطب،لا يتقدم على أرض الذهن البشري بوصة واحدة.
أسعد الجبورى: هل كان مقتل بعلك الأول (هنري نجار) عام 1947 الأثر الحاسم في ذلك التحول ،فقلت عنه تلك العبارة الغامضة :
(( توفي رجل تحت عجلات طفولتي))؟.
جويس منصور: لم أعد أتذكر الماضي بكل تفاصيله وشخوصه ونصوصه.قتل الوقت مهمة ،ربما مكنتني من المضي على الشعر بسرعة قصوى.الحديث عن الزوج ،يصبح أشبه بالحديث عن أولوية البيضة أم الدجاجة.ولكن النظرية في نهاية المطاف ،تنتهي بمشهد مرعب،كأن تكون آكلاً أو مأكولاً .فالبيضة والدجاجة ،كلاهما يذهبان إلى قائمة الطعام.
أسعد الجبورى: وهذا توكيد على حالة العالم السوريالية؟.
جويس منصور: عندما تعرفت بنجوم السوريالية ومنهم أندره بريتون وجورج حنين ورمسيس يونان وفؤاد كامل في نهاية الثلاثينات ،لم نشعر آنذاك إلا بهضم الكون ،وكتابته بتجليات خارجة عن السياق العام .كنا آنذاك نحرث في حقل بركاني مشتعل،دون أن نحس بخطر الكتابة قرب تلك الحمم الملتهبة.لا أعرف كيف مضى ذلك الوقت هادئاً،ولكن ربما لأن شعراء السوريالية مخلوقات غير موالية للأضرار التي يتعرضون لها شخصياً،بقدر رؤيتهم الكلية للعالم ،وذلك بنسف نظامه القديم،وإعادة تشكيله من جديد.
أسعد الجبورى: ألهذا كتب عن الشاعر جورج حنين مجموعتك((صرخات)) تلك المقالة العارية:"دون أي أدنى إعداد أدبي متأكدة من استخفافها تجاه المعايير الشعرية، أعطت جويس منصور لحدسها صوتاً نحن هنا في أجواء الكلمة التي تعد امتداداً للجسد من دون حلول تمكننا من المتابعة، لكل عضو من الجسد لغته كتدفق النسغ في النبتة كبركة دم"؟.
جويس منصور: بالضبط. فالأغلبية اعتبرت كتابي الشعري ذاك بمثابة فضيحة ،لكوني ألبست الشعر المايوه الذي يبرز الجسد كقوة جنسية.لا أعرف مثيلاً لتلك الازدواجية.فناس المجتمعات العربية في غالبيتهم الساحقة، ثوار وشبقيون في التخوت أكثر من كونهم فرسان معرفة أو شيوخ دين بالمعنى الإيماني الصحيح.كلهم يسيرون اللاهوت كي يكون خادماً للشهوات ومحللاً لأفعالها بالزواج مثنى وثلاث ورباع.
ولكنهم يحاولون منع الشعر من أن يكون حاملاً لشهوة أو معبراً عن اللذة الكوزموبوليتية .
أسعد الجبورى: إذا كان صدور ديوانك الأول «صرخات» أواخر 1953 قد أحدث مثل تلك الضجة،فما تتوقعين أن يحدث لو تم نشره الآن ،خاصة بعد صعود الإخوان إلى عرش السلطة في مصر ؟.
جويس منصور: قد يعتبرون كتاب (صرخات) من ضمن ملفات اتفاقية كمب ديفيد ،ولن يتم التحرش بي أو حرق كتابي .فهؤلاء لا ينظرون لجويس منصور كشاعرة سوريالية هاتكة لعرض العفة الأدبية،بل لكوني يهودية تفرض عليهم الحيطة والحذر والسكوت وربما الاحترام أيضاً.
أسعد الجبورى: وصفك أندره بريتون بإطراء شديد عندما كتب عنك قائلاً: «أحب سيدتي عبق الأوركيد السوداء الفواحة من قصائدك...»فهل كان ذلك بفعل رابط عاطفي بينكما ، أم هي لغة المخيلة العابرة لخطوط السموات فقط؟.
جويس منصور: مثلما كنت أشتهي بريتون،كنت خائفة من أن لا يكون مدمراً لجسدي.لم أؤمن بقوته كرجل يشق لي جلدي ويعبر إلى ما بين طبقات اللحم،حيث توجد مخلوقات الايروتيكا المتضورة . كان بريتون ناعماً إلى درجة تستفز.
أسعد الجبورى: كأنك تنزعين عن الشعراء حرارة قلوبهم ،وتطردين عنهم صفاتهم الشغفية.فهل عندك الجنس معارك ،وكأنه من الأعمال الشاقة؟!!.
جويس منصور: أجل. الحب عندي تدمير لبنى الجسد التحتية ليس إلا.
أسعد الجبورى: ربما من أجل توكيد هذه الفكرة ،قمت بتوزيع جسدك كولاجات متعددة،تولد من حلم،وتتشتت في فضاءات تنتمي لفكرة واحدة،هي الطيران داخل العين باعتبارها نص النصوص؟.
جويس منصور: أنا استعملت بناء النص في الفراغات.لا وجود عندي لاتجاه بعينه .كل قصيدة تذهب إلى حيث تريد .لا أهتم بمخطط أو بخطة .فأنا ألد كلماتي حتى دون سطور .أكسر من حولها الأقواس المعيقة لحركة الكلمات،لتذهب لتحقيق رغباتها.الشاعر الحر،هو من يمنح الحرية الشخصية لكل مفردة تعلق بذهنه،وإلا كان سجاناً لا يستحق إلا أن يكون سمكة مجففة على حبل وسخ.
أسعد الجبورى: لماذا هجرت عالمك السوريالي مبكراً.هل لأن الاحتفاء بجويس لم يدم طويلاً ؟.
جويس منصور: لا ليس الأمر كذلك.لقد غادرت التنظيم بسبب ديكتاتورية السريالية فقط.بعبارة أدق،بسبب الصراع بين رواد الحركة.فما أن دخلت السوريالية حلبات التنظيم والإدارة ،حتى تراجع نفوذها الإبداعي .
أسعد الجبورى: كل نص من نصوص جويس منصور يحمل طاقة من الأنين الجواني.ثمة صراخ بالغ لأنثى، وكأن عالمها محض حريق أو هي امرأة على وشك السقوط بحفرة نار! ما الذي يسكنك بالضبط؟.
جويس منصور: ليس القلق ُ هو من يفرض سيطرته على نصوصي ،بقدر ما أنا موجودة في بؤرة توتر دائمة تسمى :
الجحيم.
أسعد الجبورى: ومن أين يأتيك الجحيم وأنت بعيدة عن العوز والحاجة ،وكل طقوسك الحياتية متخمة بأفعال الارستقراطيين ؟.
جويس منصور: لم تخضعني الأموال لطقوسها ولم انتسب للارستقراطيين بمشاعرهم الفارغة التي لا يولد الاحتكاك بها أية شرارة تثير الشهوة في النفس أو الجسد،بقدر ما تعودت على رؤية جسدي صحراء شبيه بصحراء الربع الخالي أو نيفادا ،وهو يفيض بتلك العقارب الملتهبة بعواطف عاصفة لا قرار لها في النفس أو الروح.لقد تآكل جسدي بموجات من سموم تلك الصرخات التي كانت تناديني وتدمر لي كل ما يمكن أن يستقر في الباطن.
أسعد الجبورى: كيف تصفين الجغرافية والوقت هنا؟.
جويس منصور: أكثر من سريالي.
أسعد الجبورى: هل ثمة سريالية سماوية تستطيعين التعايش معها ،أم أنك كشاعرة سريالية تعانين من الاختناقات؟.
جويس منصور: لا وجود لإرهاب في العالم الثاني كما صور إلينا عندما كنا على الأرض.نحن هنا دون هويات ودون ديانات ودون صفات.المشاعر وحدها هي التي تطغي على النسيج الآدمي الملائكي ،وليس بمقدور أحد كسر أحد .
أسعد الجبورى: والحبّ الذي كان يشغلك على الأرض بالتهاباته وجنونه.بأية صورة أو شكل يمكن لجويس تحقيقه وهي على مقربة من جهنم؟.
جويس منصور: في الآخرة هنا ،يتحقق الحبُ دون اتصال مباشر ما بين الأشخاص،أنما بطريقة لا يمكنني شرحها ،بسبب شدة تعقيدها.بعبارة أدق ، فالجنس لا يتحقق بالملامسة.
أسعد الجبورى: والذين هم على مواعيد مع الطيبات من حور العين ،ممن يفجرون البشر بالأحزمة الناسفة ،ويتسارعون لممارسة الجنس في الجنة؟!!.
أسعد الجبورى: سيحشرون في ثكنات خاصة ،ليمارسوا ألعاباً خيالية أخرى على غير ما كانوا يتوقعون. يل وستقطع أعضاءهم التناسلية ،فيمسكون بها كأسياخ حديد مشتعلة إلى الأبد؟.
أسعد الجبورى: إلا يأخذك الحنينُ إلى مصر ،فتلقين نظرة عليها من شق ما في هذه السموات؟.
جويس منصور: في كل يوم أنظر إلى مصر وأبكي.
أسعد الجبورى: هل لأمر خاص ؟.
جويس منصور: أجل.فطالما تخيلتُ لو كان أبو الهول بعلاً حقيقياً لي أو لسواي من النساء. لاكتفينا من محنة البحث عن ألإطفائي الايروتيكي،وكذلك لأوفى هو بمهمته الجنسية كمخلص للعذارى من الحرمان.
أسعد الجبورى: ولمَ لم تفعلي ذلك يوم كنت على الأرض هناك؟.
جويس منصور: لو كان لي سريراً يتسعُ لجسمه ،لفعلت ذلك وتحقق الحلم .

((قصيدة ختامية)) جويس منصور.
افتح ابواب الليل
“أريد أن أرقد معك جنبا إلى جنب
وشعري مختلط بشعرك
وعضوك مضفور بعضوي
وفمك وسادة
أريد أن أرقد معك ظهرا لظهر
دون تنفس يفصلنا
دون كلمات تلهينا
دون عيون تكذب علينا
دون ثياب
أريد أن أرقد معك صدرا لصدر
مثارة وغارقة في العرق
المتلألأ من ألف رعشة
ملتهمة من شلل النشوة المجنون
ممزقة تحت ظلك
مسحوقة بلسانك
حتى أموت
سعيدة”.