بمناسبة مرور 175 عاماً على البيان الشيوعي دروس وعبر البيان لدى حركات اليسار الماركسي في الوطن العربي


غازي الصوراني
2023 / 2 / 25 - 11:58     

 
بمناسبة مرور 175 عاماً على البيان الشيوعي
دروس وعبر البيان لدى حركات اليسار الماركسي في الوطن العربي
 

الكتلة التاريخية: 8
ماركس، انجلز، لينين والموقف من التحرر الوطني والحزب الثوري: 11
البيان الشيوعي ومعنى تعريف اليسار الثوري: 16
هنا يتبدى لنا مجدداً السؤال اللينيني: ما العمل؟ ما هي العملية النقيض لذلك كله؟ 19
الماركسية نظرية متطورة ومنهج حي وليست عقيدة جامدة : 20
الماركسية في المشهد الراهن للنظام الرأسمالي العالمي: 21
الماركسية المعاصرة وواقع العالم الثالث : 25
حول أزمة حركة التحرر العربية : 29
حول الماركسية والمستقبل: 30



 
 
البيان الشيوعي الذي نحن بصدده اليوم، هو بيان الثورة الاشتراكية، فهذا الكتيب الصغير يساوي مجلدات حسب تعبير الرفيق الخالد لينين، وهو أول وثيقة للبروليتاريا العالمية وأحزابها وفصائلها الماركسية الثورية في كوكبنا.
يبدأ ماركس وانجلز البيان الشيوعي الصادر في شهر فبراير عام 1848 بتوضيح الآتي: هناك شبح يجول في أوروبا هو شبح الشيوعية، وقد اتحدت كل قوى أوروبا العجوز في حلف مقدس لملاحقته والتضييق عليه، بحيث أصبحت أي معارضة يتهمها خصومها القابضون على زمام السلطة بالشيوعية، ومن كل ذلك استخلص ماركس وانجلز مايلي[1]:
1-   أن الشيوعية اصبحت قوة معترفاً بها من جميع الدول الاوربية.
2-   أن الشيوعيين قد آن لهم أن يعرضوا أمام العالم بأسره مفهوماتهم واهدافهم وميولهم، ويدحضوا شبح الشيوعية ببيان من الحزب، ولهذه الغاية اجتمع في لندن شيوعيون من مختلف القوميات ووضعوا "البيان الشيوعي".
يبدأ ماركس وانجلز البيان بتحليل اسلوب الانتاج الرأسمالي الذي يختلف عن اساليب الانتاج الاستغلالية السابقة (العبودي والاقطاعي) بتوضيح: أن البورجوازية لا تعيش الا إذا ادخلت تغييرات ثورية مستمرة على أدوات العمل، أي على اسلوب الانتاج، أي على العلاقات الاجتماعية بأسرها.
ويلفت ماركس وانجلز النظر منذ وقت مبكر الي ظاهرة" العولمة " أو سيادة نمط الانتاج الرأسمالي على نطاق عالمي بتوضيح: أن البورجوازية تغزو الكرة الأرضية بأسرها بدافع الحاجة الدائمة الي اسواق جديدة، فينبغي لها أن تدخل وتتغلغل في كل مكان وتوطد دعائمها في كل مكان، وتخلق وسائل للمواصلة في كل مكان".
كما "ويدفع البيان التهم البدائية والمتخلفة عن أن الشيوعية تريد هدم العائلة واشاعة المرأة والملكية الشخصية الناتجة عن عمل وابداع الانسان، والغاء الوطن، ويشير الي أن ازالة استغلال الانسان للإنسان يمحو معه كل استغلال للنساء واشاعة لهن في البغاء، كما هو جاري الآن في الغرب الرأسمالي، حيث اصبحت الان التجارة في الجنس من النشاطات المدرة لأرباح هائلة، ويخلق العائلة المتحررة من الخوف، فالرأسمالية بأسلوب انتاجها الذي ينتج ويعيد انتاج الفقر هو الذي يهدم العائلة وينسف استقرارها"[2].
ويختتم البيان الشيوعي هذا الجزء: بأنه على أنقاض المجتمع البورجوازي القديم بطبقاته وتناقضاته الطبقية يبرز مجتمع جديد يكون فيه تطور الفرد الحر هو الشرط لتطور المجموع الحر.
أيها الرفاق، في مناسبة مرور 175 عاماً على صدور البيان الشيوعي، أقول لا بدّ للبيان الشيوعي، أن يكون مصدر الهام لنا، كي ينجح، "وأن يخاطب قلوبنا كقصيدة ويؤثّر في الذّهن بصور وأفكار جديدة إلى حدٍّ مدهش. ينبغي له أن يفتح أعيننا على الأسباب الحقيقيّة للتغيّرات المذهلة، المُربِكة، المثيرة التي تحدث حولنا، كاشفاً عن الإمكانيّات التي يعجّ بها واقعنا الحاليّ. ينبغي له أن يدفعنا إلى الإحساس بعجزٍ خانقٍ لأنّنا لم ندرك هذه الحقائق بأنفسنا، ويجب أن يرفع السّتار الذي يُخفي الإدراك المُقلِق بأنّنا كنّا متواطئين ثانويّين، نعيد إنتاج ماضٍ بنهاية مسدودة. وأخيراً، يجب أن يمتلك القوّة السمفونيّة لبتهوفن، اي حثّنا على أن نصبح فاعلين في مستقبل يُنهي المعاناة الجماعيّة ويُلهم البشريّة كي تعي إمكاناتها من أجل حريّة أصيلة"[3].
إن الذي يميز ماركس من بين كل الفلاسفة الذين عرفتهم البشرية، هو أنه الوحيد الذي قرن أفكاره الإنسانية بشروط تحققها المادية والاجتماعية والإنسانية، ولذلك أضحت فلسفته شعار كل الساعين إلى تحرير الإنسان من قيوده واغترابه، ومن كل أشكال الاستغلال الرأسمالي تحت راية الاشتراكية، ومن هذه النقطة بالذات يمكن القول إن فلسفته هي وحدها، من بين كل الفلسفات، الفلسفة العلمية والثورية بحق.
لكن هل يعني ذلك أن ليس في الامكان قول أي شيء عن الإنسان الشامل الذي تكون مسألة الشروع في خلقه القضية المركزية في الفلسفة الماركسية؟
الواقع -كما يقول بحق المفكر التقدمي السوري الراحل د. حامد خليل- أنه ليس لدى ماركس في هذا المقام، وقد كان في ذلك متفقاً مع روح منهجه التاريخي، سوى صورة شعاعية لجنين الإنسان الاشتراكي الذي كان يتكون في احشاء النظام الرأسمالي .
وبهذا الصدد لخص "دوبيثر" في كتابه "الإنسان الاشتراكي " تلك الملامح على نحو يتفق تماماً مع موقف ماركس من صورة الجنين المذكور، فقد قال إن الإنسان المذكور لن يكون نتاج مجتمع طبقي تناحري عدائي، ولن يكون هناك مجال لوقوعه، وهو المنتج الاجتماعي، تحت سيطرة نتاجه ومحيطه الاجتماعي بدلاً من أن يكون السيد عليهما.
إنه لن يكون لعبة قوى السوق العمياء، ولا آلة اقتصاد حربي رأسمالي جديد تسيره الدولة على هواها. ولن يكون ذلك الإنسان المستعبد المستلب الذي كأنه في الماضي، ولا تلك النسخة الرديئة عن ذلك البورجوازي المتشيء كما هي عليه حاله في دولة المستغلين والطامحين إلى جمع الثروة فحسب ، ما يعني أنه بوصفه عاملاً اجتماعياً لن يكون في مقدوره أن يكون ذاته الا في مجتمع جماعي رفيع التطور.
فالمجتمع المذكور هو هو وحده الذي سوف يوفر له امكانية تلبية حاجاته المادية والروحية بطريقة أمنية لا تحف بها المخاطر، وعقلانية لا تخضع للنزوات.
وفي اطار مجتمع كهذا، فان الإنسان المذكور سيتمكن من تلبية حاجاته المذكورة واستخدام أوقات فراغه بتبصر، بدلاً من أن ينساق إلى صوت الدعاية التجارية الخافت أو الراعد، يوجهه كما يحلو له ، وكذلك سيكون في مقدوره في المجتمع المذكور وحده، تنمية طاقاته البيولوجية والفكرية، وتطوير شخصيته وتحقيق وحدتها، ونبذ جانباً كل تلك التركة الثقيلة، الموروثة منذ آلاف السنين، من الفاقة المادية واللامساواة والاضطهاد.
وعندها فقط، سيكون في وسعه ان يخفف من حدة الطلاق القائم الآن بين العمل المادي والعمل الفكري، ذلك الطلاق الذي نجم عنه اغتراب الإنسان عن نفسه وعن الناس الآخرين، وانقسام البشرية إلى حكام ومحكومين، وطبقات متناحرة، وصراع ، وحروب، واستعمار، وتمييز عنصري، وتجارة رقيق، وتشريد شعوب، وتدمير شامل لكافة القيم الإنسانية الحقيقة.[4]
على أن "ماركس" -كما يضيف د.حامد خليل- لم يكن مثالياً كهيجل لكي يرى أن تحرر الإنسان وارتقائه على النحو المذكور هي مسألة وعي فحسب، وإنما دفعته علميته إلى أن يفهم بعمق بالغ الشدة أن المسألة المذكورة هي فعل تاريخي نضالي من جهة ، وتتوقف على تحرير كل البشرية وارتقائها من جهة أخرى ، وهذان هما الشرطان الاساسيان اللذان قرن تحقق أفكاره النظرية بهما، واللذان بدونهما تظل تلك الافكار مجرد أفكار طوباوية ليس لها أية قيمة.
رأى ماركس أن الوصول إلى الإنسان المذكور، أو على الاقل التحول باتجاهه، لن يتأتى إلا بفعل نضالي يستهدف قبل كل شيء إلغاء كافة الشروط المادية التي قادت إلى التشكل الطبقي المذكور، لكن ذلك لن يحدث الا على أساس طبقي، ويعود السبب في ذلك إلى أن كل اغتراب بشري وكل عبودية وقهر وتمزق وتشيؤ للإنسان عبر التاريخ، إنما تنشأ كلها من علاقة واحدة بالذات، هي علاقة الإنسان العامل بالإنتاج.
ولذا فان تحرير الإنسان من شروط لا إنسانيته المذكورة، لا يمكن تحقيقه إلا على يد طبقة المنتجين هؤلاء، فالتحرير المذكور هو في حقيقته تحرير الإنسان من علاقته المذكورة بالإنتاج. وهذا يستدعي حكماً تحرير كل انسان مرتبط بهذه العلاقة، أي تحرير الطبقة العاملة التي هي وحدها المرتبطة بها
ويمكن صياغة هذه المسألة بطريقة أخرى فنقول إن الطبقة العاملة هي وحدها، بين كل الطبقات، التي يكون تحريرها هو تحرير للإنسانية بالكامل، والسير بعد ذلك باتجاه الإنسان الشامل، فتحريرها يعني شيئاً واحداً فقط وهو الغاء أسلوب العمل السائد الذي هو أصل كل تشكل طبقي لا انساني للإنسان ، وعندما يتم ذلك تكون قد تحققت الشروط المادية الاجتماعية والإنسانية الضرورية لتحقيق الافكار الإنسانية النظرية تحقيقاً فعلياً، وبالتالي تمهيد الطريق لخلق الإنسان الشامل.
ولتوضيح تلك الشروط بين ماركس في البيان الشيوعي أن التحرير المذكور للطبقة العاملة، الذي هو المقدمة الاساسية للسير نحو الإنسان الشامل، يتوقف على الغاء الملكية الخاصة، والغاء الحرية البورجوازية المتمثلة بحرية التجارة، وحرية البيع والشراء، وحرية زيادة رأس المال واستغلاله على حساب المنتجين، وحرية استغلال الآخرين. هذا هو الشرط المادي.
كذلك يتوقف على اقامة ملكية اجتماعية، ملكية الشعب بأسره، لكافة وسائل الانتاج. وهذا هو الشرط الاجتماعي الذي بمقتضاه تقوم علاقات اجتماعية حقيقية بين الناس. وأخيراً يتوقف التحرير المذكور على تقويض كل العداوات القومية المكرسة لخدمة الطبقات المستغلة، واحلال التعاون بين الامم محلها. وهذا هو الشرط الإنساني.
يعتبر ماركس أوّل مفكّر "أوروبيّ" خلّف نظرية عن العالم الحديث، تستوعب القيم المعبّرة عن الحداثة الأوربية، ممثّلة في الفلسفة الكلاسيكية الألمانية في أوجها مع كانط وهيجل، وفي علم الاقتصاد الإنجليزي مع آدم سميت ودافيد ريكاردو، وفي التجربة الديمقراطية كما تجلّت في الثورة الفرنسية.
نحن إذن – كما يقول المفكر الفرنسي جاك بيدي Jacques Bidet - أمام قذيفة مرعبة ضدّ "المجتمع البرجوازي"، تشتغل بواسطة سلسلة من المفاهيم المبتكرة، صيغت بلغة خاصة، هي لغة الرجل الذي كان أول من أعطى لعموم الحركة العمالية وبالتالي للإنسانية جمعاء، فلسفة ثورية، علمية، لتغيير النظام الرأسمالي وإزالة كل أشكال الاستغلال الطبقي، وبناء المجتمع الاشتراكي، او مجتمع المستقبل للإنسانية جمعاء.
لهذا كثيراً ما توصف الماركسية –كما يقول د. صادق العظم- بأنها " "النظرية العلمية للتحرر الذاتي للبروليتاريا"، أي انها ليست مجرد أداة عملية وتعبوية مفيدة ابتدعها كارل ماركس ومعه انجلز، لإنجاز هذا التحرر، بحيث تستنفد أغراضها بعد استخدامها، أو تطرح جانباً مع تبدل الأوضاع والظروف المحيطة، إنها أيضاً ثورة كوبرنيكية مؤسسة لعلوم الأفعال استندت إلى أهم علوم العصر وأبرزها وانطلقت منها ، ومن إنجازاتها مراعية الشروط المطلوبة في المعرفة العلمية من احترام الحقيقة إلى توخي الموضوعية مروراً بطرح النظريات والفرضيات ومحاولة التثبت من صحتها وخطئها بمراجعتها على الواقع المتحرك، لهذا جاءتنا الماركسية كنظرية موضوعية في الاجتماع والتاريخ وكحركة سياسية في الوقت ذاته، جاءتنا كثورة علمية كوبرنيكية وكممارسة ثورية اجتماعية في آن معاً، إذ لا يكفي أن تعطينا المعرفة العلمية السيطرة المعروفة على الطبيعة، بل مطلوب أيضاً ألا تبقى هذه السيطرة في خدمة مصالح البعض القليل على حساب المصالح الحيوية للأكثرية الساحقة من بني البشر، ولا يكفي أن تساعدنا العلوم الاجتماعية على المزيد من التحكم بالحياة الانتاجية ودورتها، بل المطلوب أيضاً الا يبقى هذا التحكم في خدمة المصالح الطبقية للبعض القليل على حساب المصالح الحيوية للأكثرية الكبرى من أبناء المجتمع المنتجين".
إن الديمقراطية الثورية بحاجة إلى إطار تنظيمي منضبط ونوعي في انتماء أعضاءه والتزامهم، يؤدي إلى استيعابها وتطبيقها بشكل خلاق، ضد كل مظاهر الهبوط الفكري والسياسي لكي تأخذ مجراها الحقيقي الثوري الفاعل والمؤثر في إطار المنظور الطبقي الماركسي، لا أن تتحوّل إلى شعارات غير قابلة للتحقيق أو إلى وسيلة لامتصاص هذه الحالة النقدية أو تلك دون المعالجة الجدية لها.
وهنا، لابد من أن أشير إلى أن هذا التوجه المطلوب يقتضي بالنسبة لأحزاب اليسار في كل بلدان الوطن العربي، التركيز على الديمقراطية الداخلية، وعلى الوعي بهوية الحزب الفكرية، النظرية الماركسية ومنهجها المادي الجدلي، والوعي بمكونات واقع بلدانها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بما يخدم ويحقق أهداف ومصالح جماهير العمال والفلاحين الفقراء، لأن الثورة أساسها الوعي، وحين يُفتقد الوعي تختلّ العملية كلها، وتفشل الثورات، وتتحوّل قيادة الأحزاب الثورية إلى سلطة بيروقراطية أو رخوة أو هابطة أو قمعية أو توفيقية انتهازية.
فالوعي في مناخ الديمقراطية النقيضة للتكلس البيروقراطي المركزي الشديد، هو صمام الأمان الذي يحول دون الوصول إلى تلك النهايات المحزنة، وهو الذي يسهم في تحديد التصوّرات الاستراتيجية، والخطوات التكتيكية، وتحديد الظرف المناسب والزمان المناسب لتحقيق أو ممارسة أي شكل من أشكال النضال.
وفي كل الأحوال فإن التأكيد على الديمقراطية، نهجاً وممارسةً، في الحزب وفي المجتمع، قضية مركزية، لأنها وسيلة الوصول إلى الوعي، وضمانة تحديد الأهداف تحديداً صحيحاً، وضمانة تحقيق التفاعل الضروري اللازم للنضال الثوري وتطوره، ارتباطاً بتطور حرية الرأي والنقد والانتخاب، وهي قضايا جوهرية في الحزب وفي المجتمع أيضاً، وإن اتخذت أشكالاً مختلفة في كل منها.
ففي المرحلة الراهنة من هذا القرن الحادي والعشرين، أصبحت الرأسمالية الأجنبية والمحلية الكمبرادورية في بلداننا العائق الأساسي في وجه النضال التحرري الوطني ضد الامبريالية والصهيونية، ثم تطورت لتصبح في ظل العولمة الراهنة عائقًا أساسيًا في وجه التطور الاقتصادي التنموي والمجتمعي بالمعنى الطبقي، ذلك ان مصطلح العولمة -كما يقول الراحل سمير أمين- "يستخدم غالبا دون أن يحمل معنى محدد، ليخفي حقيقة هامة: هي انه يتم تطبيق استراتيجيات منهجية طورتها القوى الامبريالية التاريخية (الولايات المتحدة ، أوروبا الوسطى و الغربية، و اليابان والذين يشكلون ما أسميه بالثالوث) لنهب موارد الجنوب العالمي ، و الاستغلال المضاعف للعمل ، في ارتباط مع التمركز و التعاقد من الباطن.
في هذه الظروف، يجب أن يصبح الهدف الرئيسي هو النضال من أجل تأسيس جبهة أممية من العمال والشعوب لمواجهة زحف الرأسمالية الامبريالية المعاصرة.
كما ان شعوب الثالوث (الولايات المتحدة وغرب ووسط اوروبا و اليابان) تخلت عن مبدأ التضامن الدولي ضد الامبريالية، المبدأ الذي استبدلته في أحسن الأحوال بالحملات الانسانية و برامج المساعدة الخاضعة لرأس المال الاحتكاري. أما القوى السياسية الاوروبية التي ورثت تقاليد اليسار فهي الآن تدعم الطرح الامبريالي المعولم، كما
 تراجعت السمات الاساسية للكفاح الطبقي المعادي للرأسمالية في الشمال، او تم تقزيمه الى أشكل تعبير مبتسرة بشدة، لمصلحة الطرح الجديد عن الثقافة المشتركة، او الفئوية التي تفصل الدفاع عن بعض الحقوق عن الصراع ضد الرأسمالية.
أما في بعض دول الجنوب، فقد انحسرت تقاليد النضال التقدمي المعادي للامبريالية لصالح أوهام رجعية متخلفة تتخفى في الأديان والأخلاق الزائفة. وفي دول أخرى في الجنوب، أدي نجاح النمو الاقتصادي وتسارعه عبر العقود الأخيرة الى تغذية الوهم القائل بامكانية بناء رأسمالية وطنية متطورة قادرة على المشاركة الفعالة في تشكيل العولمة"[5].
 الأمر الذي أدى الى تكريس عوامل ومظاهر التبعية والتخلف والخضوع والارتهان للشروط الإمبريالية الصهيونية راهنًا، ما يعني أن الصراع من أجل اسقاط أنظمة التبعية الكومبرادورية هو اليوم هدف مركزي، يتوازى تمامًا مع هدف النضال ضد الإمبريالية والصهيونية، إن لم تكن له الأولوية لضمان تحقيق أهداف التحرر الوطني بآفاقه الاشتراكية.
هنا بالضبط، أشير إلى أن أهمية الفلسفة الماركسية التي تتجلى في كونها تجمع بين إعمال الفكر والعقل من أجل التغيير والنهوض والثورة على كل أشكال الاضطهاد والاستغلال والقهر، وهي بالتالي تجيب على كل أسئلتنا إذا ما استخدمنا منهجها المادي الجدلي وطبقناه على واقعنا في بلدان الوطن العربي بصورة جدلية وواعية، وهو هدف لا بد أن يحمله ويناضل من أجله كل مثقف تقدمي، إذ اننا أمام تحديات هائلة، تحديات الصراع مع الاستبداد الكومبرادوري في انظمتنا، وتحديات الصراع مع العدو الصهيوني وتحديات العولمة الإمبريالية، وتحديات التبعية والتخلف الاجتماعي والأصولي، وتحديات الواقع السياسي والاجتماعي المفكك والمهزوم، إلى جانب تحديات الاقتصاد والتنمية المستقلة والأمن الغذائي والمياه، وتحديات البطالة والفقر، وأخيراً تحديات المستقبل الذي تسوده الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والاشتراكية.
غني عن القول، بأن "شعوبنا لم تعش، بعد، المرحلتين التنويرية للإصلاح الديني والمجتمعي، ولم تنهض فيها الثورات العلمية، والفلسفية، والسياسية"، ما يعني أن الديمقراطية لن تهبط علينا بالمظلَّة، ولن تَنْبُت شيطانيًا من الأرض، بل هي تحتاج إلى حراك نهضوي طليعي يمكِّننا من تجاوز كل مظاهر التخلف وامتداداته، العقلية، والثقافية، والقانونية السائدة.
هنا نلمح العلاقة المباشرة بين المغزى المعرفي والسياسي الثوري للبيان الشيوعي، ومفاهيم الديمقراطية والتقدم والثورة، فهي علاقة وثيقة متبادلة، وتأسيسية، ذلك إن جوهر الخطاب الفلسفي للبيان، يتعامل مع المستقبل، فالمجتمعات الناهضة، لن تحملها سوى قوى ماركسية، تقدميه وثوريه وديمقراطية، تمتلك جرأة التغيير الجذرية في سياقها التطوري المتجدد، والبعيد عن الجمود، لإقامة صروح جديدة على أنقاض القديم، وعلى هذا الطريق، وبهدف الارتقاء إلى مستوى المنطلقات التحليلية الاقتصادية الاجتماعية للبيان الشيوعي بكل ابعادها ومنطلقاتها الأيديولوجية ودروسها وعبرها ودوافعها صوب التغيير الثوري، فإننا مطالبون بتحقيق المهمات الحضارية النهضوية التقدمية الديمقراطية التي تحققت في أوروبا.
إن تحقيق هذه المهمات، يستلزم مشاركة جماهير الشعب، في جميع قطاعاته، مشاركةً فعالة، فالتقدم المنشود لا يمكن أن تحرزه الصفوة وحدها بمعزل عن جماهير الشعب، كما أنه ليس في مقدور الجماهير وحدها، المشاركة في هذه العملية الحضارية الضرورية ما لم تُهَيأ لذلك ماديًا ومعنويًا، وخاصة امتلاك عوامل التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بالمعنى التنويري النهضوي، كمقدمة لا بد منها لعملية النهوض الديمقراطي التقدمي.
الكتلة التاريخية:
في هذا الجانب، من المفيد الإشارة إلى أن الأزمة التي تعاني منها حركة التحرر الوطني العربية في مرحلتها التاريخية الراهنة، ليست فقط أزمة قيادتها الطبقية البرجوازية، بل هي أزمة البديل الثوري (الديمقراطي) لهذه القيادة، وهذه الأزمة (أزمة البديل) هي أزمة سياسية بالدرجة الأولى، بمعنى أنها أزمة الخط السياسي الذي سارت وتسير فيه الأحزاب والتنظيمات والفصائل التي يفترض فيها أن تكون هذا البديل الثوري أو اليساري الماركسي الديمقراطي، فما زالت هذه الأحزاب والقوى والفصائل متخلفة عمومًا في ممارساتها السياسية عن الفهم الذي يؤكد أن طريق التحرر الوطني – كهدف – لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إجراء تحولات اجتماعية عميقة؛ تزيح عن السلطة تلك الطبقة أو الطبقات المسؤولة عن الأزمة والعاجزة عن حلها؛ فالأزمة في تقديري ليست مشكلة "تخلف وتقدم" فحسب على نحو ما يذهب إليه المثقف الليبرالي، لأن هذه الصيغة، تخفي علاقة التبعية البنيوية لنظام العولمة، كما تخفي دور الصراع الطبقي كمحدد رئيسي في صياغة مستقبل حركة التحرر العربية؛ فالمعروف أن حركات التحرر الوطني بتعريفها الكلاسيكي هي حركات تحررية وطنية اجتماعية (طبقية) ترفع شعار التحرر الوطني والديمقراطي معًا، وهي بالتالي معادية للاستعمار بكل أشكاله المباشرة وغير المباشرة من جهة ، ومقاومة لكافة أشكال الاستغلال والاستبداد من جهة ثانية، مطلبها الأساسي الاستقلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي التام والإصلاحات الديمقراطية لصالح الشعب عامةً.
كما تتضمن حركات التحرر الوطني تجمعًا عريضًا من القوى الاجتماعية، المثقفين، الطبقة العاملة، البرجوازية الصغيرة، لتحقيق أهداف التحرر من الاستعمار الاحتلال من ناحية والنضال ضد كافة أشكال الاستغلال الطبقي والاستبداد من ناحية ثانية، ومواصلة النضال من أجل تحقيق الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية ، وهنا بالضبط، أتحدث عن تأسيس كتلة تاريخية بالمعنى الجرامشي، انطلاقًا من أن "مفهوم الكتلة التاريخية تتداخل فيه مختلف عناصر فكر جرامشي حول الثقافة والايديولوجية والمثقفين والهيمنة.
ولعل أبرز ما يعنيه مفهوم الكتلة التاريخية عنده هو استبعاد النزعة الاقتصادية (الاقتصادوية)، وإبراز أهمية الأفكار في الفعل التاريخي، وأهمية التحالف الواسع بين مختلف القوى الاجتماعية المنطلقة للتغيير الجذري، فضلًا عن الربط بين القيادة السياسية والقيادة الثقافية والأخلاقية، ولهذا تتميز الكتلة التاريخية لقوى التقدم والاشتراكية بالديمقراطية أساساً، أي بالترابط والتداخل بين القيادات والقواعد، بين البنية التحتية والبنية الفوقية إلى درجة استيعاب المجتمع المدني شيئًا فشيئًا للمجتمع السياسي، وهذه الكتلة التاريخية تسعى لتحقيق هدفها التاريخي بخوض ما يسميه جرامشي بحرب المواقع، أي الامتداد في أجهزة المجتمع المدني، والنظام السياسي تحقيقاً للهيمنة، وإلغاء للانقسام السياسي بين الحكام والمحكومين، ولتكوين السلطة الثورية الجديدة.
وإذا كنا نقر –كقوى ماركسية- بأن الكتلة التاريخية هي أولًا موقف تاريخي أو هي غير "الحزب" أو "الطليعة"، فإن هذا لا يعني أبدًا تجاوزنا أو إغفالنا لأهمية دور الأيديولوجيا/الماركسية المتجددة المتطورة، ولدور الحزب الثوري الطليعي في قيادة الكتلة التاريخية على طريق تحقيق اهداف الثورة الوطنية الديمقراطية وفق مفهومنا وتعريفنا لهذه الثورة ، التي يجب أن يعتبرها جزءاً لا يتجزأ من سيرورة الثورة الاشتراكية، انطلاقًا من العلاقة الجدلية بين الثورة الوطنية الديمقراطية والثورة الاشتراكية؛ فالثورة الوطنية التحررية الديمقراطية ترتكز إلى تحالف واسع من الجماهير يضم القوة الرئيسية للتحالف الثوري المكونة من العمال والفلاحين الفقراء، الى جانب الشرائح الفقيرة من البورجوازية الصغيرة، (حيث لا وجود للبورجوازية الوطنية في بلادنا، وإن وجدت فهي مرتبطة بالبورجوازية الكومبرادورية الكبيرة).
في هذا الجانب ، أؤكد بوضوح على تخطئة كل من يحاول القفز على المهام الوطنية الديمقراطية والسير رأساً نحو "الثورة الاشتراكية" أو كل من يحاول حصر المرحلة الوطنية الديمقراطية في الأفق البرجوازي المسدود، ذلك ان تلك السيرورة الثورية  تهدف إلى استكمال التحرر الوطني في الميدان الاقتصادي الاجتماعي، كما وترمي إلى القيام بتحولات طبقية/اجتماعية ثورية تضمن إنهاء كل أشكال التبعية للإمبريالية وإنهاء هيمنة الكومبرادور وكافة أشكال الاستغلال الرأسمالي.
فالثورة الوطنية أو الشعبية الديمقراطية - في أوضاعنا العربية الراهنة – هي الثورة التي تلتزم برؤية وبرامج تجسد مصالح وأهداف العمال والفلاحين الفقراء وكافة الشرائح الجماهيرية الفقيرة والمضطهدة، بقيادة الحزب الماركسي الثوري لضمان إنجاز المهام الديمقراطية السياسية والاجتماعية والتنموية الاقتصادية وتكريس أسسها وبنيتها التحتية وقاعدتها الانتاجية، وفي هذه المرحلة سيتمتع المجتمع بالمعاني الحقيقية للمساواة، وتطبيق مفهوم المواطنة والديمقراطية ببعديها السياسي والاجتماعي، طالما أن الجماهير الشعبية تشارك بشكل ديمقراطي ثوري ملموس من خلال مندوبيها في هذه العملية، بما يمكنها أن تتولى بشكل مباشر – عبر الدور الطليعي للحزب الماركسي الثوري في إطار الائتلاف الجبهاوي التقدمي الاشتراكي- إدارة شئون المجتمع، وبما يؤكد على مراكمة عوامل التطور النهضوي للبنية المادية التحتية في جميع القطاعات الإنتاجية (خاصة قطاعات الصناعة والزراعة والاقتصاد والتقدم التكنولوجي وقطاع الخدمات)، بما يعزز تنمية وتوافق البنية الفوقية مع البنية التحتية، حيث سيكون التوسع المستمر في الإنتاج وتحقيق العدالة في التوزيع كفيلين بالقضاء على القاعدة المادية للرأسمالية والاقتصاد الحر ولكل أشكال المنافسة والخوف والعوز، ومن ثم تجاوز أزمة التحرر الوطني في هذا البلد أو ذاك، تمهيدا للانتقال إلى المجتمع الاشتراكي؛ الذي يتحقق فيه نبوءات البيان الشيوعي بصورة خلاقه، واقعية وثورية تقوم على التواصل مع جوهر البيان الشيوعي، لكنها تأخذ بعين الاعتبار كافة المتغيرات التي عاشها كوكبنا منذ صدور البيان حتى لحظة انتشار النظام الامبريالي المعولم من جهة، بمثل ما تستند اليه تلك الرؤية من منطلقات تجديدية ارتباطاً بحركة الزمان ومتغيرات الواقع، تستهدف التفاعل فيما بين المتغيرات الراهنة وبين الروح الثورية للبيان ، بما يحقق الارتقاء بالماركسية كرؤية ثورية طبقية دائمة التجدد في مجابهة الاستغلال الرأسمالي عموماً، والعولمة الامبريالية الراهنة خصوصاً، مستلهمين في ذلك إشارة ماركس وإنجلز في مقدمة طبعة البيان الشيوعي الصادرة في 24/ يونيو/1872م، إلى أن "الظروف تبدلت منذ صدورالطبعة الأولى من البيان، الا أن المبادئ العامة الواردة في تلك الطبعة، لاتزال بالإجمال تحتفظ برونقها وصحتها ودقتها ، وان كانت هناك فصول يجب ادخال بعض التعديل عليها ، وأن البيان نفسه يوضح أن تطبيق المبادئ يتعلق دائما وفي كل مكان بالظروف والاوضاع التاريخية في وقت معين ، فلا يجب اذن تعليق اهمية كبرى على التدابير الثورية المذكورة في نهاية الفصل الثاني ، ونحن لو عمدنا الي انشاء هذا المقطع اليوم ، لاختلف في اكثر من نقطة عن الأصل ، وقد شاخ هذا البرنامج اليوم في بعض نقاطه ، نظرا للتطور الكبير الذي تم في الصناعة ، وللتجارب التي راكمتها الطبقة العاملة في تنظيمها الحزبي وتجارب كومونة باريس التي وضعت لأول مرة السلطة في ايدي الطبقة العاملة لمدة شهرين".
ويواصل ماركس وانجلز "والبيان مع كل هذا، وثيقة تاريخية لا نملك حق تعديلها، وربما أرفقنا إحدى طبعاته بمقدمة تستطبع ملء الفراغ بين عام 1847م واليوم، اما الطبعة الحالية فقد فوجئنا بها مفاجأة، ولم يكن لدينا الوقت الكافي لكتابة مقدمة لها وافية بهذا الغرض".
"هكذا عالج ماركس وانجلز بمنهجهما الديالكتيكي المتغيرات التي حدثت منذ صدور البيان الشيوعي وضرورة اخذ الخصائص والظروف والاوضاع المحلية في الاعتبار. وضرورة اعادة التحليل والدراسة بعد كل متغيرات تحدث، فالبرنامج ليس جامدا، بل يأخذ المتغيرات العالمية والمحلية في الاعتبار ويفقد جوانب قديمة ويكتسب جوانب جديدة"[6].
إنني لا أزعم –كيساري ماركسي وطني وقومي ديمقراطي- أنني أنفرد بالدعوة إلى إعادة تجديد وتفعيل الفكر الماركسي القومي ومشروعه النهضوي في بلادنا؛آخذين بعين الاهتمام ترابط عملية التجديد بالتحولات التكنولوجية والعلمية والمعلوماتية المذهلة في عصر العولمة الراهن ، وآثارها على مجمل الأوضاع الفكرية والنظريات السياسية والاجتماعية والثقافية في كوكبنا ، ذلك لأن هذه الرؤية تشكل اليوم هاجسًا مقلقًا ومتصلًا في عقل وتفكير العديد من المفكرين والمثقفين في إطار القوى اليسارية الماركسية الملتزمة كلياً بالأبعاد الإنسانية في كل ما يتعلق بمستقبل الطبقة العاملة في نضالها ضد أنظمة الاستغلال والتبعية والقهر من ناحية ، وفي كل ما يتعلق بحقوق الطوائف والإثنيات الكردية والامازيغية والنوبية وغيرها، وحقها في تقرير المصير، بعيداً عن كل أشكال العنصرية والتعصب الشوفيني.
لذلك، يجب أن نعمل من أجل أن تستعيد الحركات الماركسية دورها الاستنهاضي الديمقراطي الثوري في بلادنا عبر دور طليعي سياسي اجتماعي اقتصادي ثقافي متميز في تجسيد طموحات ومصالح الجماهير الشعبية الفقيرة في كل بلد عربي من كل فصيل او حزب يساري كخطوة اساسية على طريق الحوار الجاد لتأسيس الحركة الماركسية الديمقراطية العربية.
هنا قد أتفق مع الكثيرين من رفاقي في فلسطين والوطن العربي حول ضرورة اعادة تحديد معنى اليسار الماركسي الديمقراطي باتجاه التطور والتجدد، فماذا يمكن أن يعني، بالملموس، هذا الكلام؟
إنه يعني ان نتخلى عن النظرة العقائدية الجامدة إلى الماركسية، واعادة الاعتبار إلي جوهر" الديالكتيك التاريخي" والمنهج المادي الجدلي ، والاقتناع بأن التاريخ الذي لا نهاية له لا يسير دوما وبالضرورة على خط مستقيم صاعد، وان الصراع الطبقي هو أحد اهم العوامل الرئيسية المحركة له إلي جانب عوامل أخرى، لذلك يجب أن تستعيد الماركسية دورها ككاشف لحركة الواقع وكمنظِّر لها (على الصعد الوطنية والقومية والاممية).
وبالتالي فإن النقد الجاد الكامل والصريح، هو نقطة البداية، لإعادة صياغة فصائل وأحزاب اليسارفي بلداننا ،إلى جانب إعادة صياغة أهداف الثورة التحررية الديمقراطية العربية، وصياغة برامجها والياتها وممارستها على أساس علمي على الصعيد الوطني في كل قطر عربي، بعد أن توضحت طبيعة الطريق المسدود الذي وصلته الأنظمة العربية، وما انتهت إليه مسيرة هذه الحركة بسبب أزمة فصائلها وأحزابها اليسارية، وأزمة قياداتها خصوصاً، وهي ازمة تستدعي المبادرة إلى تقييم ونقد التجربة السابقة، الى جانب دراسة الخصائص والمنطلقات السياسية والفكرية التي تميزت بها تلك الفصائل والاحزاب طوال الحقبة الماضية، والتي كان إهمالها في الماضي أحد الأسباب الرئيسية لتعثر قوى اليسار العربي وتراجعها وفقدانها لتأثيرها ودورها، وهنا باضبط تتجلى أهمية الخروج من الأزمة ، لكي تستعيد أحزاب وفصائل اليسار الماركسي في بلادنا دورها الثوري الطليعي في توعية جماهير الفقراء والكادحين وكل المضطهدين وتحريضهم وتنظيمهم وقيادتهم في مسيرة الثورة.
هذه هي المهمة الراهنة، وهذا هو الهدف الاستراتيجي المركزي في لحظة تفاقم التناقضات الطبقية مع القوى الرجعية وانظمة الاستبداد والتخلف والتبعية، إلى جانب تفاقم التناقضات التناحرية مع دولة العدو الإسرائيلي والتحالف الامبريالي.
ماركس، انجلز، لينين والموقف من التحرر الوطني والحزب الثوري:
في هذا الجانب، أشير إلى أن ماركس ورفيقه إنجلز؛ كانا شديدي الوضوح بالطبع في ما يتعلّق بتحرير الطبقة العاملة وأولويّة وديمومة النضال لإسقاط الأنظمة الإقطاعيّة والبرجوازية، كخطوة لا بدّ منها لإنهاء الطبقات والتحوّل إلى الاشتراكية، لكنّ الرجلَين في بيانهما الشيوعي (1848) وقبل دعوتهما لإطلاق ثورة شيوعيّة تطيح بكلّ الأوضاع القائمة، عبّرا عن تأييدهما لـ “التحرّر الوطني لبولندا”. وكان إنجلز في نصوص سابقة له قد دعم بشكل جليّ “التحرر الوطني لإيرلندا”، ودعا إلى النّضال من أجل استقلال الشعب الإيرلندي بعد خمسة قرون من الاستغلال، بينما لم يملّ ماركس في مواضع كثيرة من المناداة للنضال من “أجل تحرير إيرلندا”، وكتب في 1847 عن “تحرر الأمم المضطهدة”.
وبالتالي، فإن النضال الشيوعيّ للتحرّر الوطنيّ لم ينفصل يومًا عند ماركس وإنجلز عن النضال لتحرير الطبقة العاملة، وقد استمرّا على نهجهما بدعم الاثنين معًا بذات الشغف والقوّة كل الوقت. وقد استمرّ المفكّران في ذات النهج في ما يتعلّق بإيرلندا.
ففي رسالة مطوّلة له، دعم ماركس فكرة تحالف نضال الطبقة العاملة البريطانيّة مع النّضال القوميّ لتحرّر إيرلندا، وأشاد في ذات الرّسالة بالشخصيّة الوطنيّة الصلبة للأمة الإيرلنديّة؛ مشيرًا إلى أن مهمّة الطبقة العاملة في دول الاستعمار هي تكثيف المواجهة مع طبقتها الحاكمة لتخفيف الضغط عن النضالات الوطنيّة للأمم المضطهدة".
وقد وصف ماركس الهند ـــ المستعمرة البريطانيّة ـــ بأنها إيرلندا الشرق، وكان في نصّ سابق له قد حذّر من “أن أولئك الذين لا يقدرون على استيعاب كيف تقوم أمّة بالإثراء على حساب أمّة أخرى، سيكونون أقل قدرة على استيعاب كيف يمكن لطبقة داخل ذات المجتمع أن تثري على حساب طبقة أخرى”.
والسؤال هنا، ارتباطًا بتفاقم أوضاع التبعية والاستغلال والاستبداد من أنظمة الكومبرادور في بلادنا، ومن ثم تبلور ووضوح الأزمة والطبقة المسؤولة عنها، وكان الحل، هو السير على طريق التحرر الوطني والديمقراطي والتنموي وفق المنظور الطبقي الماركسي الذي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال صراعات وتحولات اجتماعية عميقة، تزيح عن السلطة تلك الطبقة أو الطبقات المسؤولة عن الأزمة والعاجزة عن حلها، فلماذا إذن تعثر سيرنا على هذا الطريق؟
 هنا يتضح بجلاء عجز العامل الذاتي، الذي نستنتج منه أن معظم أحزاب وفصائل حركة التحرر العربية في ظل أوضاعها الراهنة ، تعيش -بدرجات متفاوتة - أزمة فكرية تتجلى في التراجع الخطير بالنسبة للهوية الفكرية (الماركسية اللينينية)، على الرغم من أن وحدة الحزب الفكرية هي حجر الزاوية للحزب، وبدونها فإنه قد يتعرض لخطر اسدال الستار عليه، إلى جانب تراجع الأوضاع التنظيمية، من حيث التوسع والانتشار، وكذلك استمرار مظاهر الضعف القيادي والإرباكات الناجمة عن بعض التحالفات غير المقبولة؛ الأمر الذي عزز من أحوال التراجع بين أعضاء الحزب ومؤسساته من جهة وبين الجماهير من جهة ثانية .
ولذلك، فإن النقد الجاد الكامل والصريح، هو نقطة البداية، لإعادة صياغة فصائل وأحزاب حركة التحرر العربية، إلى جانب إعادة صياغة أهداف الثورة التحررية الديمقراطية العربية، وممارستها على أساس علمي، بعد أن توضحت طبيعة الطريق المسدود الذي وصلته الأنظمة العربية، وانتهت إليه مسيرة هذه الحركة؛ بسبب أزمة فصائلها وأحزابها عمومًا، وأزمة قياداتها خصوصًا التي عجزت عن توعية وتثقيف وتنظيم وتعبئة قواعدها وكوادرها لكي تنجز مهامها التاريخية؛ إذ أن هذه الأوضاع القيادية المأزومة، التي جعلت بلدان الوطن العربي، في المرحلة التاريخية المعاصرة، من أقل مناطق العالم؛ إنتاجًا للعمل الديمقراطي الثوري الطويل النفس القادر على حماية نفسه، والمنتج في المدى الطويل لتحولات سياسية ومجتمعية نوعية، ودائمة ومطردة التطور على هذه البقعة أو تلك من الأراضي العربية.
في هذا الجانب، أشير إلى دور الحركات والأحزاب الشيوعية العالمية في دعمها لحركات التحرر الوطني في العالم، خاصة منذ انتصار الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 والنداء الذي وجهه فلاديمير لينين عام 1919 لشعوب الشرق الإسلامي من أجل تحرير نفسها من الاستعمار، ثم فرض مؤتمر الكومنترن فيما بعد على مختلف الأحزاب الشيوعية مبدأ الوقوف إلى جانب حركات التحرر في العالم ودعم نضالها ضد الاستعمار، لكن السؤال المطروح هل استجابت الشعوب المستعمرة لنداء الرفيق لينين؟ والجواب – في ضوء التجارب التاريخية لتلك الشعوب في تلك المرحلة حتى نهاية ستينيات القرن الماضي- هو لا كبيرة، حيث أن سيطرة القوى السياسية شبه الإقطاعية والبورجوازية الرثة في بلدان الشرق حالت؛ دون تحقيق أهداف الجماهير الشعبية في تحرير نفسها من الاستعمار، وذلك بسبب رخاوة تلك القوى الإقطاعية والبورجوازية واستعدادها لمهادنة الاستعمار من ناحية والتزامها ببرامج وآليات في النضال ضد الاستعمار لا تتجاوز الخطابات الإصلاحية السياسية التي ترفض الآليات والبرامج الوطنية والثورية الكفاحية المسلحة أو البرامج والرؤى التي تنطلق من منظور الصراع الطبقي الذي يرى في الوجود الاستعماري من ناحية والقوى الطبقية الاقطاعية والبورجوازية من ناحية ثانية، نوعًا من التوافق والمصالح المشتركة بينهما حالة نقيضه لتطلعات الجماهير الشعبية في التحرر الوطني؛ الأمر الذي يعزز تفعيل المنظور الماركسي الثوري لحركات التحرر الوطني عبر الترابط بين الأهداف الوطنية والطبقية في آن معاً، إذ أن النضال ضد الاستعمار الاستيطاني أو الامبريالية لا يختلف في جوهره في المرحلة الراهنة عن النضال ضد أنظمة التبعية والكومبرادور في بلداننا، وبالتالي لم تعد طروحات الثورة البلشفية، ونداء الرفيق لينين لشعوب الشرق الإسلامي (رغم مكوناتها وتناقضاتها الطبقية الداخلية)؛ قادرة على الاستجابة لمهمات التحرر الوطني والديمقراطي المطلبي التقدمي الهادف إلى الخلاص من كل أشال التبعية والاستغلال الكومبرادوري، وفق برامج تنطلق من المنظور الماركسي الذي بات ضروريًا بإلحاح في هذه المرحلة.
  وبالتالي، فإن معرفة الماركسية والتعمق في دراستها وممارستها تجعل من كل ماركسي في بلداننا أكثر تواصلًا وتفاعلًا مع قضايا العولمة بكل جوانبها وتطوراتها المعرفية العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والمجتمعية والثقافية، ومع القضايا الوطنية التحررية والطبقية داخل كل قطر بالارتباط العضوي المستقبلي مع القضايا الأممية.
ففي عصرنا الحالي تتزايد ظواهر التفسخ الاجتماعي والفقر والبؤس ومظاهر العنصرية والصراعات الطبقية والصراع داخل دول رأس المال وكذلك الصراع بين الدول الإمبريالية الغنية كالولايات المتحدة وغرب أوروبا وبين الشعوب المضطهدة والفقيرة حول العالم ، كما تجري محاولات من قبل وسائل الإعلام في دول رأس المال بهدف تهميش ونقد الفلسفة الماركسية، من أجل إحداث انعطاف وتراجع عن مفاهيم الاشتراكية الديمقراطية الثورية الماركسية نحو طروحات تتبنى المفاهيم الإصلاحية الاجتماعية البرجوازية التي تخدم مصالح طبقة رأس المال والسوق الحرة المتوحشة في عصرنا الحالي، وهذه الممارسات تهدف إلى افساد الوعي الثوري لدى الطبقة العاملة والشعوب المضطهدة، لكي يرتموا في أحضان الانتهازية السياسية، ولكي يبتعدوا عن النضال الطبقي والقومي المثابر والمدروس والثوري سواء ضد الوجود الامبريالي او ضد الحركة الصهيونية وكيانها، وفضح وتعرية منطلقاته التوراتية الفاقدة لأي معنى او ارتباط تاريخي، ومواصلة  مسيرة النضال ضده باعتبار الصراع معه صراعا عربيا صهيونيا تحتل القوى الوطنية الثورية الفلسطينية دورا طليعيا فيه.
وبإيجاز كلي أقول –مستلهما مقولة الرفيق الشهيد مهدي عامل- "أن عملية التحرير الوطني هي، في مفهومها النظري، عملية تحويل ثوري لعلاقات الإنتاج الرأسمالية القائمة بعلاقة تبعيتها البنيوية بالإمبريالية؛ فالقطع مع الإمبريالية والاستقلال عنها يقضيان بضرورة تحويل هذه العلاقات من الإنتاج التي هي في البلد المستعمر؛ القاعدة المادية لديمومة السيطرة الإمبريالية، فلا سبيل إلى تحرر وطني فعلي من الامبريالية إلا بقطع لعلاقة التبعية البنيوية بها هو بالضرورة تحويل لعلاقات الإنتاج الرأسمالية القائمة في ارتباطها التبعي بنظام الانتاج الرأسمالي العالمي"، وبهذا المعنى وجب القول أن سيرورة التحرر الوطني في المجتمعات التي كانت مستعمرة، أعني في المجتمعات الكولونيالية، هي سيرورة الانتقال الثوري إلى الاشتراكية.
يتضح مما تقدم أن الصراع التحرري الوطني (ضد الوجود الصهيوني الإمبريالي) يمتلك عند مفكرنا الشهيد مهدي عامل بعدًا طبقيًا ضمن علاقة جدلية بينهما، وهو استنتاج أكدت على صحته مجريات الأحداث والصراعات العربية، سواء في إطار الصراع ضد التحالف الإمبريالي الصهيوني أو في إطار النضال السياسي والمطلبي الديمقراطي، وهي في جوهرها عندي صراع طبقي، ضد أنظمة الاستبداد والاستغلال والتبعية والتخلف على حد سواء.
في هذا السياق، فإننا -في كل أحزاب وفصائل اليسار الماركسي في مشرق ومغرب هذا الوطن- ندرك بوضوح أن الثورة ليست عفوية، والوعي الطبقي الثوري لا يأتي إلى الطبقة العاملة بشكل عفوي، بل يأتيها من الخارج، أي من طليعتها؛ الحزب الثوري، الذي يُعبّر عن معاناتها ويجسد مصالحها وطموحاتها؛ فالحزب هو مكان تبلور الوعي الطبقي الثوري المرتبط بالماركسية كنظرية ثورية، وهو أداة توعية للجماهير الفقيرة، من هنا أتت ضرورة الصراع الأيديولوجي.
في ضوء كل ما تقدم، وارتباطًا بموضوعنا حول مفهوم التحرر الوطني؛ نستنتج بوضوح أن الماركسية تسلط الضوء على جذر المشكلة، وجذر المشكلة في مشرق ومغرب وطننا العربي هو هيمنة الصهيوإمبريالية وعملائها حكام أنظمة الكومبرادور، على مقدرات شعوبنا العربية وحرمان الجماهير الكادحة والمهمشة من هذه الموارد وثمارها.
وبالتالي فإن تحرر هذه الجماهير من ربقة هذه القوى المهيمنة، يشترط من القوى والأحزاب الماركسية أن تقوم بتنظيم الجماهير وتوعيتها وتحريضها لخوض الثورة وفق المنظور الطبقي، وتلك هي أهم دروس وعبر البيان الشيوعي، ومن ذلك تنبع ضرورة أن تكون قيادة حركة التحرر القومي العربية ماركسية ثورية، بما يضمن تحقيق أهدافها التحررية الوطنية على طريق الثورة الاشتراكية؛ ذلك أن نظر الماركسية إلى الصراع الطبقي ينطلق من أنه "أمر موضوعي"؛ ينتج عن الوجود الموضوعي للاستغلال الناتج عن تحكم الرأسمال. وكان ماركس يبحث في وضع نشوء الصناعة في أوروبا، وكيف أن الرأسمالي يستغل "قوة عمل" العامل من أجل إنتاج فائض قيمة، وهو يزيد في استغلاله من أجل الحصول على الحد الأقصى من هذا الفائض، وهذا ما يجعل العامل يعيش في وضع صعب، حيث الفقر والاستغلال نتيجة العمل الطويل، هو الذي يدفعه إلى التذمر، ومن ثم الاحتجاج، والإضراب، إلى أن ينفجر في ثورة.
هذا هو لبّ النظر للعملية كما وردت في البيان الشيوعي، لكنه يُطرح في إطار أوسع، لهذا، تنطلق الماركسية من فهم وضع مجمل الطبقات، حيث إنه كلما زاد تمركز الرأسمال انحدرت الفئات الوسطى، وزادت أعداد العاطلين عن العمل، تزايدت الحاجة إلى الوعي الثوري ضد الاستغلال الطبقي.
في هذا السياق، اشير الى أن همّ كارل ماركس (وكذلك إنجلز ولينين) كان يتحدد في فهم دور الفكر والتنظيم في تطوير هذه الثورة من أجل أن تنتصر وتحقق مطالب الطبقات الثائرة. هذا ما طرح مسألة الماركسية كمنهجية وكرؤية ونظرية تمثّل العمال، وطرح مسألة الحزب منذ تشكيل عصبة الشيوعيين إلى الأممية الأولى والثانية، ونشوء الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية، فالشيوعية.
فما توصّل إليه ماركس وإنجلز وأكد عليه لينين، هو أن الطبقة المضطهَدة لا تمتلك الوعي نتيجة تشربها بالوعي الذي تعممه الطبقة المسيطرة، ولا تمتلك التنظيم، وأكثر ما تستطيع هو تأسيس النقابات أو الاتحادات أو التجمعات، ولهذا كان على "نخب" تعتنق الماركسية دور بلورة الرؤية والاستراتيجية والخطاب في ترابط مع العمال وبهدف تشرّب العمال الوعي وتنظيم نشاطهم بما هو أبعد من المطالب الاقتصادية، أي الاستيلاء على السلطة".
وإذا كانت الرأسمالية في بلدان  المراكز الرأسمالية الغربية واليابان قد قدمت  الامتيازات أو "الرشاوي" المباشرة وغير المباشرة للبروليتاريا، سواء عبر ارتفاع الأجور ، والتأمينات المتنوعة ، والدعم والحقوق النقابية وغير ذلك من الامتيازات التي أفرغت طبقة البروليتاريا من مضمونها الثوري في محاولة لافراغها من شعورها بالظلم الطبقي  ، وفق ما أشار اليه  "هربرت ماركيوزة" في كتابه الشهير "الانسان ذو البعد الواحد" ، وبناءً على ذلك ، فقد زادت الرأسمالية الامبريالية المعولمة من استغلال ثروات بلدان وشعوب الأطراف، انطلاقا من تطبيق قاعدة " الاستيلاء على فائض القيمة لشعوب بلدان الأطراف في اسيا وافريقيا ومعظم بلدان الوطن العربي، ووسعت من نهبها واستغلالها،  وهو الأمر الذي فجّر الحالات الثورية العفوية في بعض بلداننا ( تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين والسودان )، لكن تفكك وضعف وقصور قوى اليسار في بلادنا وعجزها عن قيادة الجماهير، أدى الى توفير الفرص لقوى الثورة المضادة والقوى اليمينية بمختلف اطيافها ومنطلقاتها الفكرية لمجابهة ثورة الجماهير العفوية وحرمانها من تحقيق أي هدف من الأهداف التي قامت من اجلها سواء في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية او في تحقيق لقمة العيش والكرامة .
 وعليه، فإن أي حديث عن "الإمبريالية" و"التحرر الوطني"، والاستقلال، دون التفات إلى توعية وتنظيم الجماهير الشعبية التي تعاني الفقر والبطالة والقهر، ودون معرفة بأن الوطني مبني على الطبقي وليس العكس هو نوع من العجز والقصور؛ ذلك إن مواجهة الإمبريالية، وتحقيق "التحرر الوطني" والاستقلال، تتم فقط في مواجهة النظم التي تمثّل رأسمالية كومبرادورية تترابط وتتداخل مع الإمبريالية، وهي التي تكرّس التبعية. وهنا نعود إلى درس آخر من دروس البيان الشيوعي، وأساسية الصراع الطبقي، فهو الذي يمثل التناقض الرئيسي الذي يجب حسمه ضد الاستغلال الرأسمالي.
على أي حال، لقد أوضحت الحالات الثورية الجماهيرية العفوية أن الصراع الطبقي قد تفجّر، وإذا لم تنتصر الجماهير الشعبية في المحاولة الأولى، هناك بالضرورة محاولة ثانية وثالثة، نتيجة أن هذه الجماهير لم تعد قادرًة على تحمّل وضع الاستغلال والاستبداد والخضوع، وبالتالي فان النهاية المنطقية هي انتصار الجماهير على تلك الأنظمة شرط توفر أحزابها الطليعية الماركسية الثورية.
فإذا كانت الجماهير الشعبية قد نجحت في كسر حاجز الخوف من أنظمتها وأجهزتها الامنية، فليس من الممكن أن يعود ذلك الحاجز مجددا ، لكن المعضلة أو العقبة الرئيسية الجوهرية في الحراك الجماهير الشعبي المستقبلي، تتبدى في تفعيل واستنهاض أحزاب اليسار الماركسي، حيث لا بد من ماركسيين معنيين  في المبادرة الى المزيد من توعية العمال والفلاحين الفقراء  وكل الكادحين والمضطهدين وتنظيمهم وتحريضهم على الثورة ضد أنظمة الاستغلال الكومبرادوري، وهذا يعني ان تكون تلك الأحزاب بمثابة عقل العمال والفلاحين الفقراء والمضطهدين، وأن يبلوروا رؤية تخصهم، وإستراتيجية  واضحة واهداف محددة وآليات ثورية تقودهم للانتصار، وذلك هو أحد الدروس والعبر الرئيسية التي نستنبطها من روح نصوص ومعاني البيان الشيوعي.
هنا بالضبط، اخاطب رفاقي عرباً وأمازيغ وأكراد وغيرهم في كافة أحزاب اليسار الماركسي في الوطن العربي، قائلا بوضوح ساطع: إن الحاجة إلى وعي النظرية الثورية الماركسية ومنهجها المادي الجدلي، قضية تقرر مصير العمل الثوري كله في بلداننا، فلا إمكانية لتأسيس أو لتواصل حزب ثوري بدونها، وعليكم ان تسألوا؟ الى متى سنظل نردد هذه المقولة التي أصبحت بديهية بلا نشاط فكري ونضال سياسي وديمقراطي وجماهيري وكفاحي مكثف وفعال؟
البيان الشيوعي ومعنى تعريف اليسار الثوري:
إن القراءة المنحازة لروح البيان الشيوعي توصلنا إلى التعريف الثوري اليساري، فليسَ يساريًا من لا يعي ويؤمن بعمق بدور النظرية الثورية أولًا لتفعيل الحركة الثورية، وليس يساريًا من لا يلتزم في الممارسة والنظرية بأسس النضال الطبقي والصراع السياسي والديمقراطي والثوري ضد أنظمة الاستبداد والاستغلال والتخلف وضد قوى اليمين الليبرالي والرجعي، وضد كل أشكال التبعية والتخلف والاستبداد والخضوع، وليس يساريًا من لا يمارس -وفق الزمان والمكان المناسبين- كل أشكال المقاومة المسلحة والشعبية ضد الوجود الصهيوني والقواعد الأمريكية المنتشرة في بلدان الوطن العربي... وليس يساريًا –بل خائنا- من يستعين بأعداء وطنه بذريعة الديمقراطية، وليس يساريًا من يشارك في حكومة من صنع الاحتلال أو يتحالف معها، وبالطبع ليس يساريًا أيضًا من يعترف بدولة العدو الصهيوني ويتناسى دورها ووظيفتها في خدمة النظام الإمبريالي .
 وفق هذا المنطلق، يجب أن نعيد تحديد معنى اليسار عمومًا، والماركسي المتطور المتجدد خصوصًا، الملتزم بالمنهج المادي الجدلي، فلا مكان هنا للتلفيق أو التوفيق ناهيكم عن الارتداد الفكري صوب الأفكار الهابطة والانتهازية والليبرالية الرثة؛ إذ أنَ هذه المنهجيات المُضَللة أساءت كثيرًا جدًا لليسار العربي كله وأدت إلى عزلته عن الجماهير وعن سقوطه المدوي في آن واحد، هذه تعريفات جوهرية وقيم عامة لليسار، ومن وجهة نظري، ليس يساريًا من لا يدافع عنها.
وبالتالي، بات من الضروري تحقيق الفرز انطلاقاً منها، وأن لا يُكتفى بالتسميات أو الألوان الحمراء، بل أن يجري الانطلاق من المواقف والسياسات علاوة على الوعي المتجدد للماركسية ومنهجها، ولهذا حينما يجري التأسيس لعمل يساري أو وحدة قوى يسارية، يجب أن ينطلق من هذا الفرز، ويقوم على أساسه، وإلا استمرت التوجهات السياسية الانتهازية والارتدادات الفكرية وتفاقم مظاهر التفكك الشللية والتحريفية الانتهازية والمصالح الطبقية الخاصة؛ فاليسار ليس تسمية بل موقف وفعل أولًا وأساسًا؛ ذلك إنَّ القول بدور تاريخي لليسار العربي ليس إلا فرضية على جميع فصائله وأحزابه واجب إثباتها عبر التفاعل والتطابق الجدلي بين النظرية والواقع المعاش (الملموس) عبر الممارسة اليومية المتصلة بكل مقتضياتها السياسية والكفاحية والمجتمعية والجماهيرية .
إنَّ ما تقدم، يتطلب من احزاب وفصائل اليسار ترسيخ الأسس العلمية الصحيحة (السياسية والفكرية والجماهيرية والتحررية والاعلامية والمجتمعية والإدارية والمالية)، لبناء حركة ثورية ديمقراطية صحيحة وممأسسة تطرد كل مظاهر ازماتها الفكرية والتنظيمية والسياسة، بما يمكنها من جسر الفجوة بينها وبين جماهيرها، والتوسع الكمي والنوعي في أوساطها، واستعادة ثقتها بما يمكنها من مواجهة هذه التحولات السريعة المعقدة على المستوى المحلي والقومي والعالمي، وإلا فإن مسيرتها في الظروف الصعبة والمعقدة الراهنة من اجل تحقيق اهداف الثورة الوطنية الديمقراطية ستضل الطريق.
 خلاصة القول، ما زالت المهمة الملحة التي تنتظرنا هي العودة مجدداً إلى استيعاب نصوص البيان الشيوعي، ووعيها بعمق معرفي، ومن ثم تأويلها بما يخدم متطلبات النضال الثوري في مرحلة العولمة الامبريالية الراهنة، وهو أمر يستدعي تحويل نضال أحزاب وفصائل اليسار الماركسي وحركة الجماهير الشعبية الفقيرة في بلادنا، إلى حركة تحرر شاملة ترفد حركة الثورة العالمية ضد الرأسمالية الإمبريالية المعولمة برمتها، ولا بديل عن الماركسية الثورية المتجددة أبدًا بحكم طبيعتها الداخلية مرشدًا ومضمونًا لهذه السيرورة الثورية؛ إذ لا مستقبل لشعوبنا وكل الشعوب الفقيرة في كوكبنا، إلا من خلال الالتزام الواعي بالرؤية الماركسية ومنهجها، بقيادة الأحزاب الماركسية الثورية المُعَبِّرَة عن مصالح الجماهير الشعبية وتطلعاتها، ما يعني بوضوح أن منطلقاتنا الفكرية أو المعرفية ذات العلاقة بالرؤية أو المنظور الطبقي للصراع  ضد قوى الاستغلال والتبعية في بلداننا من ناحية وضد الوجود الإمبريالي الصهيوني من ناحية ثانية، ينبغي أن تقاس  بعلاقتها بالتحرر الوطني، وبالسؤال المصيري: إلى أي مدى تقوم تلك الأفكار عبر الحزب الطليعي الماركسي في تفعيل النضال والكفاح الجماهيري بالدفع الثوري الى الأمام لتحقيق أهداف التحرر الوطني  بعيداً عن أي شكل من أشكال الإعاقة للحركة التحررية  الوطنية الديمقراطي الثورية؟
وهنا أود التأكيد على أهمية انحياز المثقف الماركسي لمصالح وأهداف الطبقات الشعبية الفقيرة؛ إذ أن هذا الانحياز الواعي والمسئول هو الأساس الأول في تحديد ماهية موقفه السياسي، ورؤيته الفكرية أو الأيدلوجية وفق ما يتطابق مع تطلعات الطبقات الشعبية وأهدافها المستقبلية، حيث أن مجتمعاتنا بحاجة ماسة إلى مراكمة عوامل إنضاج ثورة وطنية ديمقراطية وانتصارها تمهيدًا لبناء مقومات القوة الكفيلة بهزيمة وطرد الوجود الصهيوني والامريكي من بلادنا، وبدون ذلك لن نستطيع تحقيق اي هدف تحرري ونحن عراة، متخلفين وتابعين ومهزومين يحكمنا الميت (شيوخ قبائل وأمراء وملوك عملاء ورؤساء مستبدين)؛ أكثر من الحي (النهوض الوطني والقومي التقدمي الديمقراطي)، ففي مثل هذه الأوضاع يحكمنا الماضي أكثر من المستقبل... فما هي قيمة الحياة والوجود لأي حزب أو مثقف تقدمي إن لم يكن مبرر وجوده تكريس وعيه وممارساته في سبيل مراكمة عوامل الثورة على الأموات والتحريض عليهم لدفنهم الى الأبد لولادة النظام الثوري الديمقراطي الجديد للخلاص من كل أشكال التبعية والعمالة والاستبداد والتخلف وتحقيق أهداف ومصالح وتطلعات العمال والفلاحين الفقراء وكافة الكادحين والمضطهدين.
وعليه أقول بكل وضوح، مستلهماً روح البيان الشيوعي، إنّ الثورة لا تنضج بمقدماتها فحسب، بل تكتمل بتوفير الوعي المعمق لكافة العناصر الموضوعية للوضع الثوري والعامل الذاتي (الحزب) ووحدتهما معاً، وهي أيضاً لا يمكن أن تندلع –بالصدفة أو بحفنة من المناضلين المعزولين عن الشعب، بل بالحزب الثوري الديمقراطي المؤهل، الذي يتقدم صفوف الجماهير الشعبية الفقيرة، واعياً لمصالحها وتطلعاتها وحاملاً للإجابة على أسئلتها، ومستعداً للتضحية من أجلها، واثقاً كل الثقة من الانتصار في مسيرته وتحقيق الاهداف التي تأسس من أجلها .
هنا، لا بد لي من أن أؤكد بوضوح شديد على أن النضال الوطني التحرري هو اليوم في ظروفنا العربية المحكومة الى حد كبير في مصر والسودان والعراق والاردن والمغرب وتونس والسعودية والخليج وفلسطين ..الخ، لشروط التبعية لنظام العولمة الإمبريالي، هو جزء من النضال الطبقي للكادحين والفقراء والمضطهدين، وهو نضال لا يتميز عن النضالات التاريخية السابقة شدةً واتساعًا فحسب، بل يتميز أيضًا، بتطوره، نوعيًا وكيفيًا شرط توفر التنظيم الماركسي الطليعي الكفيل بإدخال الوعي الطبقي الثوري في صفوف الفقراء، بما يمكنهم من التحول الى حالة نوعية في النضال التحرري والديمقراطي الاجتماعي والاقتصادي ضمن منظورهم ومصالحهم الطبقية واهدافهم الوطنية.
هذا هو  المعيار الرئيسي للحكم على سيرورة التحرر الوطني في بلداننا ارتباطاً بالعلاقة العضوية بالمنظور الطبقي الماركسي كضمانة استراتيجية لتحقيق انتصار الجماهير الشعبية، ولهذا أرى أن من واجب قوى اليسار الماركسي العربي، أن تكون معنية بتحديد الموضوعات الأساسية التحررية الوطنية من جهة والطبقية المجتمعية من جهة ثانية، التي يشكل وعيها، مدخلًا أساسيًا لوعي حركة وتناقضات النظام الرأسمالي، وحركة واقع بلدانها بكل مكوناته وآفاق صيرورته التطورية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، انطلاقًا من إدراكها الموضوعي، بأن التعاطي مع الماركسية ومنهجها؛ بعيداً عن كل أشكال  الديماغوجيا والجمود وتقديس النصـوص، كفيل بتجاوز أزمتها الراهنة، إذا ما أدركت بوعي عميق طبيعة ومتطلبات واقع بلدانها بكل جوانبه الاقتصادية والسياسية والمجتمعية، وامتلكت برامح واضحة واليات وطنية تحررية وديمقراطية طبقية للنضال.
هنا يتبدى لنا مجدداً السؤال اللينيني: ما العمل؟ ما هي العملية النقيض لذلك كله؟
إن الإجابة عن هذا السؤال مرهونة بصحوة حقيقية نشطة، سياسيًا وفكريًا وتنظيميًا، من قبل أحزاب وحركات اليسار الماركسي في بلادنا في كل أرجاء المشرق والمغرب، ومن ثم الالتزام بعملية النضال الحقيقي السياسي الديمقراطي والجماهيري من منظور طبقي، من أجل تحقيق الأهداف التي تتطلع اليها جماهيرنا الشعبية، وخاصة إسقاط رؤوس وأنظمة التبعية والاستبداد والتخلف والاستغلال، وتأسيس النظام الاشتراكي الديمقراطي الجديد.
" اننا في مرحلة "خريف الرأسمالية" تلك الحالة التي لم يتم حتى الآن تعزيزها بانبثاق "ربيع الشعوب" والبعث الاشتراكي. ان احتمالية حدوث أي اصلاحات تقدمية كبيرة على الرأسمالية بمرحلتها الحالية تعد وهما. وبالتالي لا بديل آخر غير احياء اليسار الراديكالي الأممي القادر على تنفيذ وليس مجرد وضع تصورات للتقدم الاجتماعي. لقد أصبح حتميا القضاء على الرأسمالية المأزومة بدلا من محاولة انهاء أزمة الرأسمالية[7].
وعلى هذا الأساس، فإنني أدعو ندعو إلى البدء في تفعيل عملية الحوار والبحث، بين كافة أحزاب وفصائل اليسار الماركسي في الوطن العربي -بكثير من الهدوء والتدرج والعمق- بهدف إيجاد آلية حوار فكري من على أرضية الحداثة والماركسية، حول كل القضايا السياسية والاقتصادية والمجتمعية التحررية والطبقية والإنسانية، بما يخدم ويعزز الدور الطليعي -الراهن والمستقبلي- لقوى اليسار الماركسي في بلادنا، رغم كل الصعوبات والتعقيدات التي تفرضها أنظمة التبعية والاستبداد والاستغلال الطبقي ، ورغم الهجمة العدوانية الصهيونية الإمبريالية على شعوبنا من جهة، ورغم ما يعتري هذه المرحلة من ادعاءات القوى اليمينية بكل أطيافها ومنطلقاتها الرجعية المتخلفة أو الليبرالية الهابطة تجاه ضرورات الماركسية وراهنيتها من الجهة الأخرى... الأمر الذي يفرض على أحزاب وفصائل اليسار الماركسي أن تبدأ بعملية الاستنهاض الذاتي للخروج من أزماتها، واثبات وجودها ودورها في أوساط جماهيرها في كل قطر عربي أولاً، عبر برامج سياسية ومجتمعية تستجيب لمنطلقات الثورة الوطنية التحررية الديمقراطية بارتباطها المستقبلي الوثيق بالثورة  الديمقراطية الوحدوية ضد التحالف الإمبريالي والوجود الصهيوني والقوى الرجعية والطبقية وكافة قوى الاستبداد والتبعية والتخلف في وطننا العربي، بما يوفر أداة ورافعة نهضوية ديمقراطية تقدمية وثورية تسهم بدورها التاريخي الراهن في تجاوز الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة والمتخلفة والمأزومة صوب تحقيق مهمات الثورة القومية الديمقراطية والمشروع النهضوي على طريق بلورة المجتمع الاشتراكي الموحد.
ختاماً، إنني؛ إذ اؤكد على أن اللحظة الراهنة من المشهد العربي، هي لحظة لا تعبر عن صيرورة ومستقبل وطننا العربي، رغم كل المؤشرات التي توحي للبعض أو القلة المهزومة، من أصحاب المصالح الأنانية الضيقة، أن المشهد العربي المهزوم والمأزوم الراهن؛ يوحي بأن المطلوب قد تحقق، وأن الإمبريالية الأمريكية وصنيعتها وحليفتها الحركة الصهيونية وإسرائيل، قد نجحتا في نزع إرادة العمال والفلاحين وكل الكادحين والمضطهدين العرب، ذلك إن وعينا بأن المشهد الراهن –على سوداويته- لا يعبر عن حقائق الصراع الاجتماعي/الطبقي، والكامنة في قلوب وعقول هذه الجماهير وطلائعها السياسية الثورية المتمثلة في حركات وأحزاب وفصائل اليسار الماركسي في بلدان وطننا العربي التي تناضل من أجل استعادة دورها الطليعي المنتظر لحركة التحرر العربية في مسيرة نضالها الوطني والقومي التحرري والمجتمعي الطبقي على طريق تحقيق أهدافها الثورية .
الماركسية نظرية متطورة ومنهج حي وليست عقيدة جامدة :
إن احزابنا وفصائلنا اليسارية في مغرب ومشرق الوطن، إذ تؤكد التزامها الواعي بالماركسية ومنهجها ، انطلاقاً من كونها نظرية علمية ، وهنا لا بد من التأكيد على الكيفية التي نتعاطى بها مع المنهج الجدلي (الماركسي) في الممارسة الحياتية ليس من أجل التخلص من الرواسب الاجتماعية الرجعية السائدة، بل أيضاً من أجل مراكمة ووعي منطلقات أخلاقية تتفاعل بصورة جدلية خلاقة مع إستراتيجية  احزابنا ورؤيتها الثورية ، إذ أن هذا المنهج ليس منهجاً دوجمائياً من ناحية، ويتعارض مع فكرة الحقيقة الوحيدة المطلقة والنهائية من ناحية ثانية، فالمنهج المادي الجدلي ، يهدف لتطوير النظرية لكي توجه الممارسة الحياتية التي بدورها تطور وتغني النظرية، وهذا بالضبط ما قصده "كارل ماركس" بقوله "إنني لم أضع إلا حجر الزاوية في هذا العلم (المادية التاريخية) " ما يؤكد على أن نظرية المعرفة الماركسية (الخاضعة للتطور والتجدد) هي جزء من صيرورة حركة الحياة ومتغيراتها التي لا تعرف الجمود أو التوقف، ولا تعرف الحقيقة النهائية ما يعني بوضوح شديد رفضنا التعاطي مع الماركسية في إطار منهج أو بنية فكرية مغلقة أو نهائية التكوين والمحتوى، بل يتوجب علينا أن نتعاطى معها كمنهج أو بنية فكرية تتطور دوماً مع تطور الانجازات والاكتشافات العلمية في جميع مجالات الحياة وحقائقها الجديدة، إذ أن الماركسية تكف عن أن تكون نظرية جدلية إذا ما تم حصرها في إطار منهجي منغلق أو في ظروف تاريخية محددة، لأننا بالمقابل ندرك أن الانغلاق أو الجمود هو نقيض لجدل الماركسية التطوري ، كما هو نقيض لمنهجها وثقافتها ومشروعها الإنساني الهادف إلى بلوغ الحرية الحقيقية التي تتجسد في العدالة الاجتماعية والاشتراكية والتحرر الشامل للإنسان، من كل مظاهر القهر والاستغلال والاضطهاد والتبعية.
وبالتالي فان القضية النظرية أو الهوية الفكرية لأحزابنا وفصائلنا، تتجلى في الإجابة على السؤال الذي طرحه د.سمير أمين: ماذا يعني أن تكون ماركسياً اليوم؟ وأجاب عليه قائلاً: أن تكون ماركسياً يعني أن تبدأ من ماركس، ولكن لا تتوقف عنده، أو عند أحد كبار خلفائه في العصر الحديث ، حتى لو كان لينين أو ماو . وهناك فرق بين أن تكون ماركسياً، أو أن تكون ناطقاً بالماركسية. أن تبدأ من ماركس، يعني أن تبدأ بالجدلية المادية، دون أن تعتبر جميع النتائج التي توصل لها باستخدامها كانت صحيحة في وقته، ومن باب أولى اليوم. أما إن فعلنا ذلك فهذا يعني أننا حولنا ماركس إلى نبي، الأمر الذي لم يدعيه على الإطلاق، بل ترك أمر متابعة التطورات الاقتصادية الاجتماعية بما يضمن ان لا تتكلس رؤانا ومواقفنا عند لحظة تاريخية محددة، وهذا يعني أهمية، وضرورة متابعة أحزابنا وفصائلنا لمجمل التطورات المعرفية للمفكرين والفلاسفة الماركسيين ما بعد ماركس حتى اللحظة، وهي خطوة لابد منها بصورة دائمة، تأكيداً لإخلاصنا للأسس وللأفكار التي طرحها ماركس وانجلز في البيان الشيوعي، من حيث الحرص على روح نصوصه وجوهره المعرفي الثوري.
وهذا يستدعي، في ضوء خبراتنا وتقييمنا لتجارب الاشتراكية، أن لا نختزل رؤيتنا، وخاصة في مجتمعاتنا العربية، التي لم تحقق فكرة تبلور الطبقات الاجتماعية كآلية أو وحدة تحليل للصراع على مستوى التطور الاجتماعي، ما يعني عدم المبالغة في التركيز على الصراع الطبقي وحده ، وتجاهل العلاقات الاخرى مثل العلاقات القومية والاثنية والدينية..الخ .
كما أن الجانب المنهجي، أي المنهج التاريخي الديالكتيكي المادي، يوفر المنهج الإجمالي للتعاطي مع المعطى العربي المعقد، سواء في قراءة واقعه الراهن ومهامه المركبة، أو في قراءة ماضيه ومستقبله، تراثه وخياراته التاريخية، وعلى هذا المنهج أن يثبت جدارته في فهم الشرط العربي الراهن عبر استيعاب الماركسية والقراءة العميقة للواقع المعاش.
إن أهمية هذه الرؤية بالنسبة لكافة أحزاب وفصائل اليسار في بلادنا مرتبطة بما يجري من أزمات سياسية واقتصادية عالمية وإفقار للشعوب بما يؤكد على عودة ماركس من جديد وعلى الاشتراكية كخيار وحيد للمستقبل.
الماركسية في المشهد الراهن للنظام الرأسمالي العالمي:
  اليوم في عصرنا الراهن، عصر بداية تراجع العولمة الأحادية الأمريكية لحساب تعددية قطبية (تضم بالإضافة للاتحاد الأوروبي واليابان دولاً متطورة مثل: الصين والبرازيل والهند إلى جانب الدور المركزي لروسيا) بسبب تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي تفجرت في نهاية العام 2008 ولم تتوقف تراكماتها حتى اللحظة سواء في بلدان المركز / النظام الرأسمالي العالمي عموماً أو في بلدان الأطراف خصوصاً حيث ستتعرض هذه البلدان الفقيرة لمزيد من الانعكاسات الخطيرة للأزمة المالية تضاف إلى ما تعانيه شعوبها من اضطهاد وإفقار وتخلف وتبعية بسبب تزايد بشاعة الاستغلال الرأسمالي لمواردها.
وفي ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية من ناحية و تزايد استغلال موارد الشعوب الفقيرة أو ما يسمى الاستيلاء على فائض القيمة للشعوب من ناحية ثانية ، فإن الحاجة إلى الاشتراكية على الصعيد العالمي ، تتزايد كضرورة موضوعية وتاريخية، في وضع تزداد فيه مكانة ودور اليسار الماركسي العالمي في ظل بروز مؤشرات وتراكمات الأزمة البنيوية الشاملة للنظام الرأسمالي، ارتباطاً بتعمق مظاهر  الصراع الطبقي والاجتماعي في بلدان المراكز والأطراف ، ويتوضح الصراع ضد النظام الإمبريالي العالمي ، بمثل ما تتوضح الحاجة إلى إبراز وتفعيل الطابع الأممي لنضال القوى والأحزاب اليسارية على النطاق العالمي والعربي وفي الطليعة منه نضال حزبنا/جبهتنا، الذي أصبح ضرورة موضوعية مكملة لنضالنا الوطني والقومي بعد أن بات كوكبنا في ظل العولمة وحدة سياسية واقتصادية واحدة رغم كافة أوجه الاختلاف والتناقضات الجارية في إطاره.
 كل هذه المتغيرات، إلى جانب استعادة قوى اليسار العالمي لدورها ووصولها إلى السلطة في العديد من بلدان العالم في أمريكا اللاتينية وآسيا، ستعزز حاجة شعوب الأطراف عموماً وقواها وأحزاب اليسار فيها إلى الاشتراكية أكثر بما لا يقاس من الحاجة إليها في عهد ماركس.
ذلك أن الحكم على الاشتراكية والفكر الماركسي لا يكون بما أصاب التجربة السوفييتية من انهيار، وإنما الحكم الصحيح عليهما يكون عبر ما تعانيه الرأسمالية العالمية اليوم من عجز عن تقديم حلول للمشكلات الأساسية للواقع الإنساني من ناحية، وبشراستها العدوانية والاستغلالية إزاء شعوب العالم الثالث عموماً وشعوب أمتنا العربية وشعبنا الفلسطيني خصوصاً من ناحية ثانية.
هكذا تبرز الاشتراكية كضرورة ما تزال تتطلع إليها هذه الأوضاع التي تزداد تردياً في حياة شعوب العالم عموماً وشعوب بلدان الجنوب في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية خصوصاً.
في إطار هذه الضرورة، ووعينا لها، يأتي التزام أحزابنا الشيوعية وفصائلنا الماركسية في بلادنا، لتؤكد على تبني الماركسية كمنهج للتحليل وكنظرية في التغيير الثوري، خاضعة للتطور والاغتناء ارتباطاً بالمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتكنولوجية، إلى جانب الاستفادة من المسار التطوري والتجديدي للفكر الماركسي ما بعد لينين إلى يومنا هذا عبر العديد من المفكرين والقادة الذين قدموا اضافات اغنت الماركسية كنظرية في التغيير الثوري وكمنهج للتحليل.
ففي مواجهة دعاة "موت الاشتراكية" نؤكد بثقة أن أزمة الاشتراكية من أمراض النمو وليست من أمراض الموت، ودليلنا على ذلك استنهاض حركات اليسار في فنزويلا وبوليفيا والبرازيل وغيرها، إلى جانب تزايد دور الحركات اليسارية المناهضة للعولمة، ارتباطاً بتفاقم أزمة الامبريالية الأمريكية والنظام الرأسمالي العالمي ليس فقط على الصعيد الداخلي، بل أيضاً على الصعيد الخارجي كما في العراق وأفغانستان وأمريكا اللاتينية والعديد من بلدان آسيا وأفريقيا التي تتعرض شعوبها اليوم لأبشع أشكال الاستغلال والاضطهاد والمعاناة.
إن القائلين بموت الماركسية ينسون أو يتناسون أن المهم بالنسبة للماركسيين ليس قدسية النص، فليست الماركسية مجرد وصف للرأسمالية في زمن ماركس، رغم ما في هذا الوصف من نفاذ إلى الجوهر، إنها منهج علمي وعملي تكوّن في النضال الديمقراطي الثوري للشيوعيين، وأثبت صلاحيته بهذه الصفة، ولا يزال، كدليل عمل وبحث ونضال.
إن سقوط التجربة الاشتراكية السوفيتية ـ الذي يتخذ منه دعاة "موت الماركسية" "برهاناً" على صحة ادعائهم، إنما يفتح المجال لتجارب أرقى، تستفيد من دراسة ونقد التجارب السابقة، وذلك في ظروف جديدة مختلفة، لا يمكن التنبؤ بتفاصيلها سلفاً، ظروف يولّدها التطور الذي أثبت بسرعة فاجأت الكثيرين أنه يعمّق التناقضات التي لازمت التطور الرأسمالي، ويتكشّف عن تناقضات جديدة يمكن أن يؤدي تفجرها الى تهديد الوجود البشري في بيئته الطبيعية وطبيعته الإنسانية، إذا ما استمر إخضاع التقدم العلمي والتكنولوجي لمصالح رأسمالية إمبريالية فالتة من كل عقال وذات أحجام كونية لم تعهدها البشرية من قبل".
السؤال هنا: هل هذا يعني أن العالم قد دخل طوراً جديداً من التطور الرأسمالي يتخطى أطواره السابقة (ماركس ورأسمالية المزاحمة الحرة، ثم لينين ورأسمالية الاحتكارات الإمبريالية) حسب زعم دعاة الاستسلام للعولمة الرأسمالية، مكررين بذلك طروحات تعود لأواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين؟ وجوابنا على هذا السؤال، بوضوح ووعي: هناك ولا شك اختلافات وتطورات هائلة، وخاصة في مجال تطور القوى المنتجة، لكن، من حيث الجوهر، لا يزال التناقض الأساسي الذي يحرك كافة التناقضات في المجتمع الرأسمالي في تطوره المتفاوت، هو هو التناقض الذي كشفه ماركس وانجلز في البيان الشيوعي كتناقض بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج"، فهناك من جهة، التطور العاصف للقوى المنتجة على أساس الثورة المتواصلة في مجالات العلم والتكنولوجيا، بحيث تفقد عمليات الإنتاج المادي كل طابع فردي، أو حتى قومي، وتتجاوز حدود الدول، حتى الكبرى منها، وتكتسب الطابع الجماعي بتقسيم متجدد للعمل، وبترابط مختلف مجالاته في آن.
وفي هذا المجال يمكن التأكيد، أن الحل الوحيد الممكن لهذا التناقض الأساسي، يكمن في الاشتراكية، التي لا تزال، كما كانت في زمن ماركس، ماثلة على جدول أعمال البشرية، وأن الطبقة العاملة، (مع إدراكنا للمتغيرات التي طرأت عليها بفعل التطور التكنولوجي الهائل) متمثلة بفكرها ونظرتها الى العالم ووعيها وبرنامجها الديمقراطي الثوري هي ـ وليست الطغمة المالية ـ الطبقة التي تتطابق مصالحها مع مصلحة المجتمع البشري، واهدافه في البقاء والتطور السلمي، وفي الإخاء بين الأفراد والشعوب، وفي المساواة والحرية.
ولهذا نحن معنيون في كافة الأحزاب الشيوعي والفصائل الماركسية في بلداننا، بتحديد الموضوعات الأساسية الذي يشكل وعيها مدخلاً أساسياً لوعي  حركة وتناقضات النظام الرأسمالي من جهة، وحركة الواقع الاجتماعي الاقتصادي في بلداننا، بكل مكوناته من جهة ثانية، انطلاقاً من ادراكنا الموضوعي بان التعاطي مع الماركسية ومنهجها بعيداً عن كل أشكال الجمود وتقديس النصوص ، كفيل بتحفيزنا صوب المزيد من النضال التحرري والطبقي، خاصة واننا نعي بوضوح أن إخفاق النموذج السوفيتي للاشتراكية لا يبرر الشطب بالقلم الأحمر على الماركسية. تماماً كما أن موت المريض داخل غرفة للعمليات بسبب خطأ الجراح لا يبرر إلغاء علم الجراحة.
وفي هذا السياق ، لا يمكننا في أحزابنا وفصائلنا المشار إليها، تجاهل بعض مظاهر الانكفاء والتراجع التي أصابت الماركسية ووصلت ذروتها في نهاية القرن العشرين ، فبفعل قسوة الصدمة، أو بدافع من الانتهازية والوصولية، هناك من غرق في الإحباط وهناك من فقد الاتجاه، وهناك من تنصل من ماضيه، وهناك من هجر الماركسية، وهناك من هرول إلى الخندق المضاد عبر التحامه في صفوف سلطات الأنظمة البيروقراطية التابعة، الحاكمة، أو في صفوف الأحزاب الليبرالية أو الرجعية اليمينية "الجديدة"، أو عبر اللجوء إلى تأسيس إحدى المنظمات غير الحكومية تحت غطاء الليبرالية الجديدة وشعاراتها الهادفة إلى تزييف الوعي وتخفيف بشاعة ممارسات بلدان المركز الرأسمالي، مثل حقوق الإنسان والحكم الصالح والتنمية المستدامة والجندر...الخ، وهي كلها اعتبارات هامة لابد من أخذها في الحسبان في الفكر التحرري، غير انها تتحول الى سلاح ايديولوجي غايته إجهاض النضال التحرري ذاته عندما يُصار إلى رفعها إلى مستوى البدائل عن الوعي الطبقي.
لكن يخطئ كل الخطأ من يعتبر الماركسية قد اندثرت، كما يخطئ كل الخطأ من يحكم على مستقبل الاشتراكية على ضوء حاضرها المأزوم، وسوف تثبت الأيام أن عاجلاً أو آجلاً، أن أزمة الماركسية مجرد لحظة عابرة في تاريخ البشرية.
وكما قال بحق الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر فإن "الماركسية غير قابلة للتجاوز لأن الظروف التي ولدتها لم يتم تجاوزها بعد" فلا زالت البشرية في عالمنا اليوم تعاني من: التفاوت الطبقي، الاستغلال الطبقي، القهر الطبقي، ولم يحدث في تاريخ البشرية أن بلغ الاستغلال والقهر الاجتماعي والإفقار المستوى الذي وصل إليه اليوم، إلى جانب كل أشكال العدوان والحروب التي تمارس لحماية مصالح النظام الرأسمالي كما هو الحال في بلادنا. الأمر الذي يؤكد على أن الماركسية هي النظرية العلمية الوحيدة القادرة على مساعدة البشرية في كفاحها للخلاص من الاستغلال الرأسمالي وكل أشكال الاضطهاد الوطني والقومي. ما يعني أن الاشتراكية اليوم باتت ضرورة حتمية لاستمرار الحضارة البشرية، وضمان لا غنى عنه لبقاء الجنس البشري، إذ ليس هناك ثمة خيار آخر –خاصة لبلداننا في الوطن العربي والعالم الثالث- فإما الاشتراكية أو البربرية.
وفي هذا السياق فإننا بالقدر الذي نؤمن بأن الماركسية إذا ما كفت عن تجديد نفسها إنما تكف عن أن تكون نفسها، ذلك إن تجديد الماركسية لن يتحقق على يد مفكرين ماركسيين يبدعون من داخل الأبراج العاجية، فتطوير الماركسية مستحيل بمعزل عن الممارسة والتجربة على أرض الواقع، لذلك فإن جميع الماركسيين في   كافة الأحزاب والفصائل اليسارية مطالبين بدراسة واقع بلدانهم وتطبيق النظرية على هذا الواقع تطبيقـاً خلاقـاً.
وبتطبيق الماركسية على أرض الواقع، فإنها تعيد إنتاج نفسها بشكل أكمل وأرقى وتصبح قادرة على تلبية معطيات الواقع الجديد، فالعالم اليوم يعيش فترة مخاض معقدة لمرحلة جديدة في تاريخ البشرية، ومواجهة متطلبات الامبريالية الرأسمالية المعولمة وحليفها الصهيوني في بلادنا العربية التي باتت عبر انظمتها في حالة غير مسبوقة من الخضوع والارتهان والتخلف والتبعية، ومن أجل تجاوز هذا الواقع المهزوم والمأزوم وتغييره، فإن المطلوب من كافة قوى اليسار الماركسي في بلادنا، جهداً مكثفاً ومتصلاً على صعيد التنظيم من خلال تكريس الديمقراطية الداخلية بعيداً عن سطوة المركزية أو عبارة الفرد، وكذلك تعميق الهوية الفكرية والبحث العلمي والواقع العالمي والمحلي الجديد بما يمكنها من صياغة رؤاها الإستراتيجية وبرامجها السياسية والاقتصادية والكفاحية والمجتمعية الديمقراطية النقيضة لسياسات الهيمنة والخضوع والتبعية وكل أشكال الاضطهاد والاستغلال.
لقـد حققت الماركسية على الصعيد العالمي – وبفضل ثورة أكتوبر المجيدة- إنجازات ضخمة في الماضي ولازال وجودها وثقلها في الحاضر، وتنتظر الماركسية آفاقاً مبشرة في المستقبل، وإذا ما بدت الآفاق أمامنا مسدودة مظلمة، فليكن ذلك حافزاً لكل قوى اليسار لتكثيف النضال في سبيل تجاوز الأزمة ومواكبة ركب الحياة.
الماركسية المعاصرة وواقع  التخلف في العالم الثالث عموماً  وبلدان الوطن العربي خصوصاً:
لا شك أن تقدم الرأسمالية المعاصرة، في إطار العولمة الراهنة، يجد أحد أسبابه في نهب العالم الثالث، وربط دوله بعجلة الاقتصاد الرأسمالي عبر آليات متجددة لتبعية وإعادة الإنتاج التابع في بلدان العالم الثالث ، وقد عمق النهب الإمبريالي للعالم الثالث من الهوة بين المركز الامبريالي وبلدان الأطراف التي تعرض العديد من دولها إلى عملية تفكيك داخلي بشع لحساب الطوائف والاثنيات المتناحرة ، كمظهر أو نتاج لجوهر المخطط الامبريالي ، ونتيجة هذا الأمر ولأسباب عديدة أخرى استمرت قضايا التخلف والتبعية والفقر مستفحلة في العالم الثالث، وأضيفت إليها معضلات جديدة كالتصحر وتلوث البيئة، واستنزاف الموارد والمديونية وغيرها، وقد ناءت شعوب العالم الثالث تحت وطأة وثقل توحش العولمة إلى جانب الدكتاتوريات الحاكمة في تلك البلدان، حيث لم تفلح كافة محاولات التنمية فيها، فاستمر تشوه اقتصادها وتخلف قواها المنتجة، وباتت معضلة الديمقراطية –وما تزال- في هذا الجزء من العالم مسألة تفصيلية على درجة كبيرة من الأهمية .
إن التناقض بين العالم الثالث والمراكز الامبريالية مرشح اليوم لمزيد من التفاقم وتعمق الفجوات بين بلدان الأطراف وتلك المراكز، بما سيؤثر تأثيراً كبيراً على مصائر العالم والتقدم الاجتماعي.
وبالتالي فإن الحديث عن تجديد الماركسية يجب أن يعني استيعابها لواقع العالم الثالث وخصوصيته والتطورات التي شهدها ارتباطاً بالمتغيرات العالمية الراهنة، وعلى ماركسيي العالم الثالث، الاستفادة من خبرة التجربة التاريخية السابقة للعمل على إنتاج الماركسية وتطبيقها وفق خصوصية الواقع في هذا البلد أو ذاك، وذلك عبر الكشف المتصل عن القوى ذات المصلحة في التقدم الاجتماعي والتنمية المستقلة، وعلى الماركسيين في هذا العالم، ونحن من ضمنهم النضال من أجل الديمقراطية الحقيقية بأبعادها السياسية الاجتماعية والاقتصادية، وبناء أسس ومقومات المجتمع المدني، ونبذ سياسة حرق المراحل أو القفز عن قوانين التطور الموضوعي، والبحث الجاد عن الطرق الخاصة للانتقال إلى الاشتراكية بمفهوم خاص يراعي –دونما أي ارتهان أو تذيل- الخصائص الاجتماعية والنفسية والتاريخية والتراثية والعادات والتقاليد ... الخ .
إن صياغة واضحة للمشروع الاشتراكي العالمي أو الأممي الجديد انطلاقاً من بلدان المراكز والأطراف، سوف تسهم في دفع أحزاب وحركات اليسار في المراكز والأطراف الى الانخراط في مشروع اممي اشتراكي أصبح أكثر أهمية -وإلحاحاً- من أي وقت مضى، الأمر الذي يفرض تعزيز الحركة المناهضة للرأسمالية والحرب والعولمة التي تفرضها على العالم من أجل تحقيق أهدافنا في التحرر القومي والديمقراطي والعدالة الاجتماعية بمقدماتها وآفاقها الاشتراكية.
ففي هذه اللحظة الفارقة غير المسبوقة من حيث انحطاطها في تاريخنا العربي القديم والحديث والمعاصر، تتجلى فيها وتترسخ أبشع مظاهر التبعية والتخلف والاستبداد والاستغلال الطبقي والصراع الطائفي الدموي؛ جنبًا إلى جنب، مع تزايد السيطرة الإمبريالية الصهيونية على مقدرات وثروات شعوبنا، بالتعاون المباشر من العملاء الكبار والصغار ممن يطلق عليهم أمراء وملوك ورؤساء لا هَمَّ لهم سوى مراكمة الثروات لحساب مصالحهم الشخصية على حساب دماء الاغلبية الساحقة من شعوبنا.
 كما ويتجلى أيضًا في هذه اللحظة مفهوم التحرر الوطني والقومي الهادف إلى بلورة وتجسيد حركات وطنية وقومية تقدمية في كل أرجاء الوطن العربي، ليس من أجل النضال التحرري الوطني الهادف إلى مقاومة وطرد العدو الأمريكي الصهيوني، فحسب، بل أيضًا من أجل تفعيل النضال والصراع الطبقي الثوري من منظور ماركسي لإسقاط أنظمه التبعية والتخلف وتحقيق أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية في بلادنا.
لقد وجدت دول حركة التحرر الوطني نفسها بعد الاستقلال أمام مجموعة ملحة من المهام: الدفاع عن الاستقلال السياسي وتوطيده، والنضال من أجل الاستقلال الاقتصادي وإلغاء كافة اشكال الاستغلال الطبقي من خلال استكمال السيادة على الموارد الاقتصادية والطبيعية وإلغاء نفوذ الاحتكارات الرأسمالية العالمية، وتحقيق علاقات اقتصادية عالمية متكافئة، والتغلب على التأخر الاقتصادي وبناء اقتصاديات وطنية مستقلة، وإقامة حياة سياسية ديمقراطية تستهدف تشجيع المبادرات المستقلة للجماهير الشعبية والاستفادة القصوى من مساهماتها البناءة، والقضاء على الأمية، وتطوير شؤون التعليم والثقافة الوطنية.
ومن الواضح أن هذه المهمات الديمقراطية، المطلبية وفق منظورنا الطبقي، قد طرحت في بلدان القارات الثلاث أهدافًا ذات طابع وطني ديمقراطي تَوَجَّه نحو تصفية إرث السيطرة الاستعمارية الطويلة المتمثل بالتأخرأو التخلف الشامل، والاستغلال الاقتصادي، والتبعية للنظام الرأسمالي العالمي، وكذلك نحو إزالة علاقات الإنتاج ما قبل الرأسمالية.
أما بالنسبة لبلداننا ومجتمعاتنا في الوطن العربي ، فلعلنا نتفق أن السبب الرئيس لإشكالية التخلف في بلادنا، لا تكمن في ضعف الوعي بأهمية التنوير العقلاني، أو ضعف الإدراك الجماعي بالدور التاريخي للذات العربية، فهذه وغيرها من أشكال الوعي، هي انعكاس لواقع ملموس يحدد وجودها أو تبلورها، كما يحدد قوةَ أو ضعفَ انتشارِها في أوساط الجماهير، وبالتالي فإن واقع بلداننا الراهن، بكل مفرداته وأجزائه ومكوناته الاجتماعية وأنماطه التاريخية والحديثة والمعاصرة، هو المرجعية الأولى والأساسية في تفسير مظاهر الضعف والتخلف السائدة بل والمتجددة في مجتمعاتنا، إذ أن دراسة هذا الواقع، الحي، بمكوناته الاجتماعية والاقتصادية تشير بوضوح إلى أن العلاقات الإنتاجية والاجتماعية السائدة اليوم في بلداننا العربية هي نتاج لأنماط اقتصادية /اجتماعية من رواسب قبلية وعشائرية وشبه إقطاعية، وشبه رأسمالية رثة، تداخلت عضوياً وتشابكت بصورة غير طبيعية، وأنتجت هذه الحالة الاجتماعية /الاقتصادية المعاصرة، المشوهة، المحكومة بالاستبداد والمصالح الطبقية للأنظمة الحاكمة بحيث يستحيل الحديث عن توفر الحد الأدنى من مفاهيم الحداثة بالمعنى المعرفي المرتبط بمفهو المجتمع المدني او بمفاهيم بالمواطنة والديمقراطية والعلمانية والعدالة الاجتماعية  .
فالمعروف أنه على الرغم من تطور بعض أشكال العلاقات ذات الطابع الرأسمالي في بعض مجتمعات مشرق ومغرب الوطن العربي، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر عموماً، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بشكل خاص، إلا أن هذه العلاقات الرأسمالية الجديدة لم تستطع إزاحة العلاقات شبه الإقطاعية، والقبلية السائدة، والمسيطرة، وبقيت حيازة وامتلاك الأراضي الزراعية، مصدراً أساسياً للوجاهة والمكانة الاجتماعية والسلطة السياسية في بعض البلدان سائدة  حتى منتصف القرن العشرين، حيث »تدنت هذه المكانة، بتدني أهمية ملكية وحيازة الأرض باعتبارها العمود الفقري للتكوينة الطبقية، وذلك بسبب تتابع الانقلابات العسكرية (وأهمها حركة 23 يوليو 1952 في مصر) في العديد من البلدان العربية … وقيام الأنظمة الوطنية وما تبع ذلك من تفكيك للإقطاع، وتطبيق الإصلاح الزراعي من ناحية، وبسبب اكتشاف النفط وبروز أهمية رأس المال (التجاري والخدمي والريعي الطفيلي) في التكوين الطبقي من ناحية ثانية وأشكاله الجديدة التي تداخلت بدورها مع الأنماط القبلية، شبه الإقطاعية السابقة، بل إننا لا نبالغ في القول إن هذه الأشكال أو التكوينات الطبقية شبه الرأسمالية الجديدة، انبثقت في جزء هام منها من رحم التكوينات الاجتماعية القديمة، وهذه بدورها استطاعت التكيف مصلحيا مع »العلاقات الرأسمالية الجديدة«، من حيث الشكل أو التراكم الكمي الرأسمالي فقط، من دون أن تقطع علاقاتها مع جوهر التشكيلات الاجتماعية القديمة، وموروثاته القيمية والمعرفية المتخلفة، التي وجد فيها الاستعمار الغربي، مناخاً مهيَّأً وجاهزاً لتحقيق أهدافه ومصالحه في بلادنا، فلم يتعرض لأي من هذه الموروثات ورموزها الطبقية، التي شكلت في معظمها سنداً للظاهرة الاستعمارية ولرأس المال الأجنبي في عملية دمج بلداننا العربية وتكريس تبعيتها للنظام الرأسمالي العالمي، خلالَ الحربِ العالمية الثانية وبعدها وإلى اليوم بحكم تبعيتها ورثاثتها.
والسؤال الآن: كيف وصل العرب في المرحلة الراهنة إلى هذه الحال الشديدة الانحطاط التي أدت إلى اعادة انتاج وتجديد التخلف بكل مضامينه الاجتماعية والثقافية، وأين يكمن الخلل؟، وأجتهد هنا في الإجابة ، بقولي،  انه يكمن في طبيعة التطور الاجتماعي الاقتصادي التاريخي المشوه والمتخلف، وخصوصاً في مرحلة الانفتاح والبترودولار، التي وفرت المناخ الملائم لإعادة تجديد وانتاج الأفكار والحركات السلفية الغيبية المتزمتة، تمهيدا لهيمنتها على صعيد الفكر والمجتمع العربي، انسجاما مع تزايد تبعية وتخلف وارتهان المجتمعات العربية للنظام الإمبريالي، بما أدى إلىقطع الطريق على المعرفة العقلانية والسلوك الديمقراطي لحساب التخلف والأفكار الرجعية السلفية، التي كانت - وما زالت - تشكل عقبةً في وجه تفتح الرؤية العقلانية التنويرية العربية، وأبقت الأوضاع الاجتماعية/الاقتصادية في بلداننا أسيرة لمناخ التخلف ومظاهره، التي تتبدى في أن " العقل السياسي العربي محكوم في ماضيه وحاضره – كما يقول المفكر الراحل محمد الجابري – " بمحددات ثلاثة هي : القبيلة والغنيمة والعقيدة، أي بعلاقات سياسية معينة تتمثل في القبيلة، وفي نمط إنتاجي معين هو النمط الربوي، الذي يرمز إليه بالغنيمة (الدخل غير الإنتاجي)، وسيادة العقيدة الدينية، ويرى أنه لا سبيل إلى تحقيق متطلبات النهضة والتقدم بغير نفي هذه المحددات الثلاثة نفياً تاريخياً وإحلال بدائل أخرى معاصرة لها.
ولهذا كما يقول المفكر الراحل محمود العالم  فإن  "قضية تجديد العقل السياسي العربي اليوم مطالبة بأن، تحول "القبيلة" في مجتمعنا إلى تنظيم مدني سياسي اجتماعي، وتحول " الغنيمة "أو الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد إنتاجي، يمهد لقيام وحدة اقتصادية بين الأقطار العربية، كفيلة بإرساء الأساس الضروري لتنمية عربية مستقلة، وتحويل العقيدة إلى مجرد رأي، أي التحرر من سلطة عقل الطائفة والعقل الدوجمائي، دينياً كان أو علمانياً، وبالتالي التعامل بعقل اجتهادي نقدي"، ما يستدعي من  الحزب او الفصيل الماركسي  في بلادنا - على الرغم من أساليب القمع والاضطهاد البشعة الت موست تاريخيا وما زالت من أجهزة الأنظمة ضد كافة الأحزاب الشيوعية وقوى اليسار في بلادنا-  مجابهة هذا التمدد الرجعي السلفي غير المسبوق، من خلال النضال ضد كل مظاهر وأدوات الاستبداد والاستغلال ، ومتابعة المستجدات النوعية التي ستدفع إلى بلورة مفهوم جديد للمعرفة، صاعداً وثوريا وديمقراطيا بلا حدود أو ضوابط، بعد أن أصبحت صناعة الثقافة والمعلومات من أهم صناعات هذا العصر بلا منازع ، بما يخدم رؤاها وبرامجها في  مسيرة الثورة الوطنية الديمقراطية.
في هذا الجانب، أشير إلى العلاقة التبادلية، والترابط الجدلي بين حالة التخلف المعرفي، وبين أوضاع التخلف الاجتماعي الاقتصادي في مجتمعاتنا العربية، التي تعيش حالة من الانحطاط والانقطاع المعرفي منذ القرن الثالث عشر الميلادي حتى اليوم، بحيث باتت دول الوطن العربي مجرد حلقات طرفية تابعة ومرتهنة للنظام الامبريالي الأوروبي والأمريكي، وأصبحنا –كعرب- نعيش على هامش الحضارة الغربية.
صحيح ان هناك عوامل خارجية وظروف موضوعية، أدت إلى مراكمة وتكريس أوضاع التخلف والاستتباع، إلا أننا لا يمكن أن نتجاوز العوامل الذاتية المرتبطة بقوة  تبعية الأنظمة الحاكمة في بلادنا وخضوعها للتحالف الامبريالي الصهيوني ، ارتباطاً بالمصالح الطبقية الانتهازية، ودورها الرئيسي في وصول مجتمعاتنا وبلداننا إلى هذه الدرجة من الخضوع والتخلف المعرفي والمجتمعي.
في ضوء ما تقدم ، أعتقد أن من المهم والضروري في اطار عملية النضال الديمقراطي والصراع الطبقي في مجتمعاتنا ، متابعة مخاطر النمط شبه الرأسمالي الذي تطور في بلداننا عبر عملية الانفتاح والخصخصة خلال العقود الخمسة الماضية، وبين النمط القبلي /العائلي، شبه الإقطاعي، الريعي، الذي ما زال سائداً برواسبه وأدواته الحاكمة أو رموزه الاجتماعية ذات الطابع التراثي التقليدي الموروث، اذ أن هذا النمط المشوه من العلاقات الاقتصادية تنعكس آثاره بالضرورة على العلاقات الاجتماعية بما يعمق الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واتساعها الأفقي والعامودي معاً، خاصة مع استشراء تراكم الثروات الفردية غير المشروعة، وأشكال الفساد و»الثراء السريع« كنتيجة مباشرة لسياسات الانفتاح والخصخصة، والهبوط بالثوابت السياسية والاجتماعية الوطنية، التي وفرت مقومات ازدهار اقتصاد المحاسيب وأهل الثقة، القائم على الصفقات والرشوة والعمولات بأنواعها، وهذه الظاهرة شكلت بدورها، المدخل الرئيسي لتضخم ظاهرة الفساد بكل أنواعه، في السياسة والاقتصاد والاجهزة البيروقراطية الادارية والامنية والعلاقات الاجتماعية ، حيث تراكم وانتشر الفساد الكبير- منذ عقود طويلة - لدى "كبار المسئولين من الحكام والامراء والمشايخ والوزراء ومعظم وكلاء الوزارات والمديرين ، ثم تكرست مرحلة الفساد الصغير وانتشرت افقيا بمساحات واسعة في صفوف صغار الموظفين ورجال الشرطة والامن وغيرهم ، بحيث اصبحت الواسطة والوسائل غير المشروعة، هي القاعدة في التعامل ضمن إطار أهل الثقة أو المحاسيب، بعيداً عن أهل الكفاءة والخبرة، ودونما أي اعتبار هام للقانون العام والمصالح الوطنية والمجتمعية ، مما يحول دون ممارسة الحد الأدنى من العدالة ، وغابت تماما امكانية تطبيق الحد الادني من مفهوم المواطنة او الديمقراطية ناهيكم عن تطبيق مفهوم المجتمع المدني أو تطبيقاته السياسية بحكم استمرار تغلغل الفساد والاستبداد الناجم عن استفحال التبعية والتخلف واحتكار الثروات والمصالح الطبقية في الانظمة العربية الحاكمةلا فرق بين نظام ملكي او مشيخي او اميري او جمهوري ...وبالتالي لا خيار أمام احزاب اليسار الماركسي في بلداننا سوى الاندماج في حركة السيرورة الثورية الجماهيرية لتحقيق اهداف العمال والفلاحين الفقراء وكل المضطهدين في الحرية والعدالة الاجتماعية والتنمية بافاقها الاشتراكية
حول أزمة حركة التحرر العربية :
إن هيمنة النظام الإمبريالي المعولم ، إلى جانب تراكمات المصالح الطبقية للطبقات والشرائح الحاكمة في النظام العربي ، أدت إلى تكريس تبعية وتخلف بلدان مغرب ومشرق وطننا العربي، وإعادة هيكلتها و تكييفها بما يضمن إلحاقها بصورة كلية للهيمنة الامبريالية التي تستهدف تجديد الدور الوظيفي للعدو الصهيوني ودولته بما يتوافق مع مستجدات المصالح الأمريكية المعولمة الراهنة ، بحيث تصبح إسرائيل "دولة امبريالية مركزية" في المنطقة العربية والإقليمية يحيطها مجموعات من "دول الأطراف"، المتكيفة –التابعة مسلوبة الإرادة، بما يضمن ويسهل عملية "التطبيع" و"الاندماج" الإسرائيلي في الوطن العربي ، سياسياً واقتصادياً، -وفق جوهر السياسية الأمريكية ، لا فرق بين رئيس جمهوري أو ديمقراطي- تمهيداً للقضاء على منظومة الأمن القومي العربي كله من جهة و بما يعزز السيطرة العدوانية الإسرائيلية على كل الأراضي الفلسطينية –والعربية- المحتلة أو التحكم في مستقبلها من جهة أخرى .
 وفي ضوء هذا الوضع، وتحدياً له، فإننا في كافة أحزاب وفصائل اليسار في الوطن العربي، نؤكد على أن اللحظة الراهنة من المشهد العربي، هي لحظة لا تعبر عن صيرورة ومستقبل وطننا العربي، رغم كل المؤشرات التي توحي للبعض، أو القلة المهزومة، من أصحاب المصالح الأنانية الضيقة، أن المشهد العربي المهزوم والمأزوم الراهن، يوحي بأن المطلوب قد تحقق، وأن الإمبريالية الأمريكية وصنيعتها وحليفتها الحركة الصهيونية وإسرائيل، قد نجحتا في نزع إرادة شعوبنا وجماهيرنا الشعبية الفقيرة، ذلك إن وعينا بأن المشهد الراهن –على سوداويته- لا يعبر عن الحقائق الموضوعية لحركة جماهيرنا الشعبية وتطلعها نحو التحرر والديمقراطية والتقدم والاشتراكية.
حول الماركسية والمستقبل:
إدراكاً منا للضرورة التاريخية للماركسية ، كصمام أمان لمسيرة النضال الأممي صوب الاشتراكية ، فإننا في قوى اليسار الماركسي في بلداننا، وفي إطار التحالف الأممي مع كافة الأحزاب والحركات الماركسية في هذا الكوكب ، نضع نُصب أعيننا هدفاً أولياً ورئيسياً لرؤيتنا الأيديولوجية التي تتلخص في العمل على استعادة الماركسية لدورها ككاشف لحركة الواقع وكمنظر لها ، وبالتالي كمحدد لرؤية تهدف الى تحقيق التغيير الثوري الذي تتطلع اليه أحزابنا   عبر الإسهام في بناء أوسع تحالف أممي ثوري وديمقراطي، يناضل من أجل تحقيق تطلعات جماهير العمال وكل المضطهدين للانعتاق والتحرر الاجتماعي والاشتراكية.
إننا في لحظة تفاقم التناقضات الطبقية عالمياً، حيث يخوض رأس المال الأمريكي حربه ضد الشعوب وضد الطبقات العاملة والفقيرة في مختلف الأمـم.
لذلك يجب أن نعمل- ضمن خطة أحزابنا- من أجل أن تستعيد الحركة الماركسية في الوطن العربي دورها الثوري، بتدرج واقعي مدروس يأخذ بعين الاعتبار خصوصية الحركات والفصائل والأحزاب الماركسية في هذا القطر العربي أو ذاك، على طريق تفعيل الحوار حول الفكرة التوحيدية للحركة الماركسية، تمهيداً لتوليد آلياتها العملية التنظيمية في مرحلة لاحقة.
هذه هي المهمة الإستراتيجية رغم راهنيتها، وهذا هو الهدف الراهن في ظل هذا التراجع الذي طال الحركات السياسية التقدمية في بلداننا، وأفضى إلى إعادة صياغة الوطن العربي وإلحاقه في المرحلة الراهنة تابعاً للتحالف الأمريكي/الصهيوني المعولم، عبر أنظمة وطبقة حاكمة فقدت كلياً وعيها وانتماؤها الوطني والقومي لحساب مصالحها الذاتية الأنانية البشعة.
هنا تتداخل الرؤيتين الوطنية والقومية التقدمية الديمقراطية، مع الحاجة إلى تأسيس عالم إنساني (أممي) وتحقيق الترابط العضوي بين مختلف الأمم لتأسيس عالم خال من الاضطهاد والاستغلال والحروب.
إننا في لحظة إعادة صياغة الأهداف التي تعبر عن الطبقات المعنية بالصراع ضد الرأسمالية، ومن أجل تأسيس نمط إنتاجي بديل، اشتراكي وديمقراطي.
وإذا كان تراجع الحركة الماركسية العالمية قد ادى – راهناً – إلى عجزها، فإن إعادة تأسيسها هي المسالة الحاسمة الآن، هي الهدف الراهن بالنسبة لنا في قوى اليسار الماركسي، كما هو بالضبط هدف كل القوى الماركسية في الكوكب، وذلك هو الوفاء الثوري لكل من ماركس وانجلز والبيان الشيوعي بمضمونه وروحه الثورية الأممية.
وإذا كانت صورة الاشتراكية قد اهتزت أو تراجعت، فإن الوقائع التي نعيشها اليوم، توضح الضرورة التي تفرض أن تعود الاشتراكية حلماً ممكناً، وإن تظل مطمح البشرية عموماً، والمضطهدين والكادحين والفقراء خصوصاً.
إنّ الرأسمالية في ظل العولمة، تزداد توحشاً واستغلالا ونهباً وقهرا للشعوب، وهي تسعى الى تكريس الظروف التي تمنع تطور الأمم والشعوب في الأطراف، لتكريس تخلفها وتهميشها، والرأسمالية هنا قوة إعاقة هائلة وقوة قتل... من هنا تتبدى الحاجة الموضوعية إلى أن يكون التيار الثالث، الديمقراطي، يسارياً في جوهره وشكله، في كل بلد من بلدان مغرب ومشرق الوطن، فهذه الصفة وحدها تمتلك القدرة على إدارة الصراع وتحقيق أهداف وتطلعات جماهيرنا الشعبية.. هنا بالضبط يتبدى إدراك احزابنا وفصائلنا اليسارية في الخيار الاشتراكي البديل بوعي عميق وبالتزام كامل دون أي شكل من أشكال التردد أو التراجع.
في إطار هذه الضرورة، ووعينا لها، تتبدى الماركسية كمنهج للتحليل وكنظرية في التغيير الثوري، إلى جانب الاستفادة من المسار التطوري والتجديدي للفكر الماركسي ما بعد لينين إلى يومنا هذا عبر العديد من المفكرين والمثقفين الماركسيين الذين قدموا إضافات نوعية في الفلسفة والعلوم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، أغنت الماركسية كنظرية في التغيير الثوري وكمنهج للتحليل، الأمر الذي يضع أحزاب وفصائل اليسار العربي أمام خيارين لا ثالث لهما، إما استلهام ووعي المسار التطوري المتجدد للماركسية أو دخول هذه الأحزاب مرحلة التفكك والاندثار في انتظار الجديد، الذي سيولد حتماً من بين صفوفها أو من خارجها .
في ضوء ما تقدم ، فإن الرؤية النقدية الجديدة الهادفة إلى بلورة وتفعيل عوامل القوة السياسية والفكرية والتنظيمية والجماهيرية المتجددة لأحزابنا وفصائلنا، يعني أن تمتلك سمات تسمح لها بأن تحقق ذلك ، وأول هذه السمات أن يمثل كل حزب وفصيل قوة طليعية فكرا وممارسة ، فعلى الصعيد النظري يجب أن نمتلك مقدرة على التحليل العلمي للواقع الملموس، وهذا يقتضي تصفية الحساب مع النهج التقليدي أو الشكلي السائد، والقائم على الجمود وترداد الشعارات، وتنمية الوعي، وامتلاك المنهج المادي الجدلي. وهذه قضية هامة لأنها تعني تأسيس رؤية جديدة، تنطلق من أرضية صلبة، هي جوهر الماركسية، لتقيم على أساسها تصورا لواقع وزمان محددين.
إننا بحاجة لامتلاك الوعي بالماركسية، وهذا يعني وعي التطور التاريخي، ووعي الظرف الراهن، الظرف الواقعي، وأبعاده المختلفة، واحتمالات تطوره، لأن الثورة لا تقوم، ولا تنتصر إلا بوعي الحركة التاريخية، وتمثل "روحها"، ومعرفة كل أبعادها ومتعرجاتها.
إن المقدرة على التحليل ، هي أساس بناء القوة الثورية ، وأساس تماسكها ومقدرتها على أن تتحوّل إلى قوة فاعلة، كما أنها أساس تطورها واستمرارها. فالتماسك النظري يقود إلى تماسك تنظيمي، ويفترض دوراً عملياً منسجماً.
وهذه القضية تطرح قضية أخرى مرتبطة بها أوثق الارتباط، لأن أهمية التحليل تكمن في انه يستند إلى نظرية متماسكة، لتحديد طبيعة الثورة ومهامها ودور الطبقات فيها، وإشكالاتها الأساسية، دور القوى المعادية.
في ضوء ما تقدم، فإن من واجب الماركسيين في بلدان الوطني العربي أن يجعلوا المسألة الفلسطينية إحدى قضاياهم النضالية، وأن ينطلقوا من أن الصراع مع الوجود الصهيوني هو جزء من الصراع مع الإمبريالية، و أن فلسطين جزء من الوطن العربي و بالتالي يجب أن تظلّ كذلك، و انطلاقا من ذلك يجب التأكيد على بلورة حل ديمقراطي للمسألة اليهودية، في إطار دولة عربية ديمقراطية تحفظ الحقوق الديمقراطية لكافة الاقليات اليهودية وسائر الاقليات القومية في الوطن العربي بما ينسجم مع استعادة حقوق شعبنا الفلسطيني كاملة. وهنا يستطيع الماركسيون في بلادنا أن يقدّموا رؤية متماسكة لا تنطلق من التعصّب أو ارث التخلّف أو ردود الأفعال، بل تستند إلى كل ما هو إنساني وديمقراطي في التراث العالمي.
وانطلاقاً من أننا في صراع أساسي ضد النمط الرأسمالي ككل من أجل تشكيل نمط بديل: تحرري واشتراكي. نرى أن من مهمتنا مقاومة هذا المشروع، ومواجهة قوى الاحتلال، ودعم كل القوى المقاتلة ضد الاحتلال والسيطرة والنهب والاضطهاد. لهذا: فإننا نناضل ضد الوجود العسكري الإمبريالي الصهيوني في كل الوطن العربي، حيث يجب ان تقوم القوى الماركسية بدورها الأساس في المقاومة إلى جانب دورها الأساس في المجتمع وقضاياه السياسية والمطلبية الديمقراطية.
إن إنهاء الدولة الصهيونية والوجود الأمريكي في بلادنا، وتحقيق الاستقلال الكامل وإلغاء كافة مظاهر التبعية بكل أشكالها السياسية والاقتصادية في كل البلدان العربية هو شرط رئيسي لاستمرار وضمان استنهاض وتطور مجتمعاتنا على طريق الوحدة التدرجية المنشودة صوب تحقيق الهدف العظيم في إقامة المجتمع الاشتراكي الديمقراطي لكل أبناء هذا الوطن وفق أسس المواطنة والعلمانية وحق تقرير المصير بعيداً عن كل أشكال التعصب العنصري أو الإثني.
أخيراً، إنني أفترض بأن كل رفاقنا في أحزاب وفصائل اليسار الماركسي في مغرب ومشرق الوطن، يؤكدون – بوعي عميق- التزامهم في النضال من اجل المساهمة في بناء البنيان الأممي الثوري، تحقيقاً لضرورات النضال الأممي كما حددها البيان الشيوعي.
وذلك يحتم علينا أن نحدد موقعنا في إطار الصراع العالمي، وأن نحدد رؤيتنا للنظام الإمبريالي العالمي، وموقفنا من هذا الصراع، وكذلك الدور الأممي الذي نحن جزء منه. فلا زالت سمة سيطرة الإمبريالية عالمياً، هي السمة السائدة رغم أزمتها الراهنة.
إن الصراع بين الأمم المضطّهدة المستّغلة، وبين المركز الامبريالي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، هي السمة الأساسية في هذا العصر ، وبالتالي فإن صراع الأمم المتخلفة والتابعة ضد النظام الإمبريالي العالمي، ومن أجل التحرر، وتحقيق التقدم الاقتصادي الاجتماعي، هو السمة الأكثر بروزاً، والمسألة الأكثر مركزية في الوضع العالمي الراهن، علماً بان هذا الصراع لا ينفصل عن الصراع الطبقي داخل الأنظمة التابعة، كما لا ينفصل عن الصراع الطبقي داخل الدول الإمبريالية ذاتها، حيث أن شرط القضاء النهائي على الإمبريالية هو القضاء على الرأسمالية في عقر دارها.
وبالتالي فإن هذا الوضع يتطلب تدخل واضح ومنظم من الأممية العمالية الشعبية. ان تأسيس أممية العمال والشعوب يجب أن يكون هو الهدف الأساسي لكل المناضلين الحقيقيين المعادين للنظام الرأسمالي الامبريالي العالمي اللعين. انها مسؤولية ضخمة وتتطلب عدة سنوات من العمل كي تسفر عن أي نتائج.
وفي ضوء ما تقدم يقترح المفكر الماركسي الراحل سمير أمين" أن يكون الهدف هو تأسيس منظمة (الأممية الجديدة) وليس مجرد “حركة”. وهذا يتضمن التحرك لما هو أبعد من منتدى للنقاش. كما يتضمن تحليل القصور في المقولة التي لازالت سائدة عن أن ”الحركة” ذات طبيعة أفقية و بالتالي فهي معادية للتنظيمات الهرمية تحت ذريعة انعدام ديمقراطيتها: ان التنظيم هو في الحقيقة نتاج تسلسل يولد بطبيعته قيادات.
كما أن خبرات الأمميات السابقة يجب أن تتم دراستها بجدية حتى وهي تنتمي الى الماضي. وذلك لا يجب أن يتم بدافع انتقاء نموذج منهم لابتكار الشكل المناسب للظروف المعاصرة.
هذه الدعوة -كما يضيف سمير أمين- يجب أن يتم توجيهها لعديد الأحزاب والتنظيمات الراغبة في القتال. كما يجب تشكيل لجنة للبدء في المشروع"[8].
لهذا يكون ضرورياً أن تبدأ القوى الماركسية في العمل على تأسيس الأممية الثورية الخامسة بطابعها الإنساني الديمقراطي، المتفاعل مع متغيرات وضرورات التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل في هذا القرن الحادي والعشرين، لتكريسه في خدمة الجماهير الشعبية الفقيرة بعد أن بات هذا التقدم التكنولوجي في ظل العولمة الرأسمالية لعنة على هذه الجماهير.
هنا بالضبط ، يتجلى الدور الهام والحاسم من كافة قوى اليسار الماركسي الشيوعي في العالم، من أجل صياغة علاقات أممية جديدة توّحد نشاط الماركسيين  في هذا الكوكب عموماً، وفي بلدان الأطراف في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا خصوصا في مواجهة تصاعد النهب الإمبريالي، وحالة التدمير التي تدفع إليها مختلف الأمم ، ومن أجل التحضير لتصعيد النشاط الثوري العام ، في مرحلة تفاقم أزمة الإمبريالية الأمريكية، حاكمة النظام الإمبريالي العالمي ومقررة بنيته حتى اللحظة الراهنة رغم المؤشرات العديدة للأزمة الاقتصادية العالمية التي برزت في بنية النظام الرأسمالي منذ نهاية العام 2008، حتى اللحظة الراهنة من هذا العام 2023، وهي في طريقها إلى مزيد من التراكم الذي سيفرض نوعا من التعددية القطبية في هذا الكوكب .
إننا أمميون لا شك في ذلك، لهذا نعتبر أن الأممية لا تقوم إلا على أساس تحالف القوى والأحزاب الماركسية الطليعية المعبره عن مصالح وأهداف جماهير الفقراء والكادحين وعمال الأمم المضطهدة، وقد حان الوقت لإعادة بناء أممية العمال والشعوب.
وفي هذا الجانب أتوجه بالدعوة إلى رفاقنا في قيادات الأحزاب الشيوعية والفصائل الماركسية ليبادروا إلى عقد لقاء خاص لمناقشة السبل المطلوبة للبدء في حوار مع الرفاق في الأحزاب الشيوعية العالمية حول بلورة فكرة الأممية المطلوبة، وهنا أؤكد على اقتراح الراحل د. سمير أمين، بضرورة توجيه الدعوة إلى عدد من الأحزاب الشيوعية في الكوكب للبدء بتشكيل لجنة للتحاور حول الفكرة وتطبيقاتها.
ففي ظل ظروف العولمة الامبريالية، والاستغلال البشع للشعوب الفقيرة، يجب أن يصبح الهدف الرئيسي للنضال في مواجهة التحدي المضاد للتوسع الامبريالي هو – كما أكد الرفيق سمير أمين قبل رحيله- بناء جبهة أممية لعمال وشعوب العالم كله، بما سيوفر الفرص لميلاد تحالف بروليتاريي وكادحي وفقراء الأمم، تحالف ماركسيي الأمم في إرجاء كوكبنا عموما ، والأمم المضطهدة خصوصا ، من أجل صياغة جديدة للنظام العالمي، تقوم على أساس التكافؤ والسلم والعدالة الاجتماعية بآفاقها الاشتراكية .
إننا ندعو إلى صياغة جديدة للعلاقات بين ماركسيي العالم، تقوم على أساس التكافؤ، والعلاقات الرفاقية الديمقراطية، وتعتمد الحوار والنقاش وسيلة في صياغة الأهداف العامة المشتركة، وتناضل من أجل تحقيق الأهداف المشتركة في النضال ضد النظام الإمبريالي العالمي ومن أجل عالم جديد، خالٍ من الحروب، يلغي حالة عدم التكافؤ في العلاقات بين الأمم، ويحقق ظروفاً أفضل من أجل النهوض، والتقدم ومن أجل تحقيق اشتراكية عالمية متطورة.
لقد حانت اللحظة للعمل الجاد المنظم في سبيل تأسيس عولمة نقيضه من نوع آخر، عبر أممية خامسة جديدة ثورية وعصرية وإنسانية… سنناضل معاً عبر مسيرة أحزابنا وفصائلنا الثورية، لأن نكون جزءاً أساسياً من بنيان هذه الأممية التي دعا إلى بلورتها المفكر الماركسي الراحل سمير أمين، عبر إسهامنا في النهوض بأحزابنا من جهة، وبدورنا الطليعي في إعادة بناء الحركة الماركسية في بلادنا عبر الحوار من جهة ثانية، لتجاوز واقع الهزيمة والتبعية والخضوع صوب مستقبل التحرر الوطني والاشتراكية.
-    175 عاماً مضت على صدور البيان الشيوعي، لكنه مازال ملهماً لكل الأحزاب الشيوعية والفصائل الماركسية في الكوكب.
-    175 عاماً مضت ومازال البيان نابضاً بالروح الثورية والدعوة إلى هزيمة الرأسمالية وكل أشكال الاستغلال .
-    175 عاماً تؤكد اليوم في القرن الحادي والعشرين ان حاجة الشعوب الفقيرة للاشتراكية أكبر بما لا يقاس بعشرات المرات من الحاجة لهاعند صدور البيان منتصف القرن التاسع عشر.
-    175 عاماً مرت على البيان الشيوعي، لكنه يجب أن يظل حجر الزاوية في الأدبيات الماركسية ومرشداً للفعل الثوري في بلدان المراكز الرأسمالية عموماً، وفي بلدان الأطراف في آسيا أفريقيا وأمريكا اللاتينية خصوصاً، لكي تبقى راية القوى الثورية الماركسية عالية مرفرفة حتى الانتصار، مرددين معاً كلمات الرفيقة المناضلة الشيوعية الخالدة روزا لوكسمبورغ "إما الاشتراكية أو البربرية".
كل التقدير والاحترام والمحبة للرفاق في كافة أحزاب وفصائل اليسار الماركسي في كوكبنا عموماً وفي مغرب ومشرق وطننا خصوصاً … إلى الأمام.
 


[1] تاج السر عثمان – الذكرى الـ167 لصدور البيان الشيوعي الحوار المتمدن – 14/9/2015.
[2] المصدر نفسه  .
[3]  يانيس فاروفاكيس – كيف تنبأ " البيان الشيوعي" بأزمتنا الحالية ودلَّنا على طريق الخلاص – الغربال أنفو – 23/4/2019.
[4] د.حامد خليل – مشكلات فلسفية – دار الكتاب – دمشق – ط3 – 1990- ص 150/185.
[5]  سمير أمين - عن حتمية تأسيس الأممية الخامسة -  الحوار المتمدن- 2021 / 6 / 12
[6]  مصدر سبق ذكره – تاج السر عثمان.
[7]  مصدر سبق ذكره – سمير امين.
[8]  مصدر سبق ذكره – سمير امين.