واجهات قيادية للنظام الرأسمالي من الطبقات المسحوقة!


سعيد مضيه
2023 / 2 / 25 - 11:51     

يخذلون طبقتهم ويتنكرون لمعناتها

علاوة على الخطب الرسمية تدأب سلطات الحكم والميديا الرئيسة على إخفاء طبقية النظام الرأسمالي ونزعته العنصرية الملازمة، خلف واجهات قيادية رفيعة يلتقطها من الطبقات المستغَلة والمضطهدة . المفكرون وصحفيو التقصي يرون واجبهم السياسي والأخلاقي في الكشف عما تخفيه وتتتستر عليه القوى المتسلطة. فخلال فترة زمنية قصيرة فضح المفكر والأكاديمي ، ريتشارد فالك ما تعمد الرئيس بايدن إخفاءه في تقرير حالة الاتحاد . وفضح سيمور هيرش ، صحفي التقصي، جريمة تفجير أنبوبي الغاز نورد ستريم. أما كريس هيدجز فقد تعمق في طبقية النظام الرأسمالي تتحايل الطبقة المتسلطة لإخفاء استغلالها واضطهادها بالتقاط أفراد من الطبقات المضطهَدة والمستغَلة وتعيينهم قادة الأجهزة العليا للإدارة والجيش والاقتصاد والميديا والاكاديميا، بعد سلب إرادتهم في التغيير." يجري إخفاء آليات تفوق العرق الأبيض ، التي صنعت عنصرية المؤسسات والاقتصاد التي تبقي الفقراء على فقرهم ، خلف شخصيات سياسية جذابة ، مثل باراك أوباما ، الذي أطلق عليه كورنيل ويست لقب" بشارة سوداء للوول ستريت". واجهات التنوع السياسي هذه تخضع لاختبارات دقيقة قبل ان يتم اختيارها من قبل الطبقة الحاكمة. أوباما جرى تعقيم فكره ونفض الغبار عنه وترفيعه من قبل آلية شيكاغو السياسية، إحدى أقذرأليات البلاد وأشدها فسادا".

هذا ما أراد ان يوصله لقرائه صحفي التقصي، كريس هيدجز، ضمن مقال يكشف أساليب التمويه في سياسات الولايات المتحدة. صحفي التقصي، كريس هيدجز، فقد وظيفته مديرا لمكتب "نيويورك تايمز" في الشرق الأوسط إثر تقرير صحفي كتبه يندد بغزو الولايات المتحدة للعراق. ومنذ ذلك الحين وضع اسمه على القائمة السوداء للميديا الرئيسة بالولايات المتحدة وبلدان الرأسمال كافة.
كتب هيدجز في مقالته ونقلتها في 6 شباط الجاري مجلة "كونسورتيوم نيوز" الإليكترونية:

كان للاغتيال الوحشي لتاير نيكولس على أيدي خمسة من الشرطة السود في ممفيس بولاية تينيسي ان يكون كافيا لأن يخسف ضباط الشرطة الفانتازيا الزاعمة ان سياسات الهوية وتنوعها [توجه لضم أفراد من خلفية اجتماعية أو عرقية أو دينية الى الطبقة الحاكمة في إطار تحالف شكلي] سوف تحل مشكلة التضعضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بالولايات المتحدة . ليس الضباط المذكورون سودا فقط، بل وكذلك رئيسة مديرية الشرطة بالمدينة، سيريلين ديفيس، سوداء هي أيضا. لم يهب أي من هؤلاء لمساعدة نيكولاس، فذهب ضحية أخرى لعملية اللينش التي يمارسها البوليس هذه الأيام.
العسكريون، الشركات الكبرى، الأوليغارشية، السياسيون ، الأكاديميون و احتكارات الميديا ، كلهم يدعمون سياسات الهوية وتنوعها ، لأنها لا تعمل شيئا لمقاربة الظلم المنهجي ، أو سياط الحرب الدائمة التي تعصف بالولايات المتحدة . فهي حيلة للترويج، عينة تستخدم للتستر على اللامساوة الاجتماعية المتفاقمة والحماقات الامبريالية، تشغل الليبراليين والمتعلمين بنشاط بوتيك، ليس عقيما وحسب ، بل يفاقم الانقسام بين أصحاب الامتيازات والطبقة العاملة في ضائقة اقتصادية عميقة الغور.المالكون يعيّرون المحرومين لطباعهم وعنصرهم وفقرهم اللغوي وتمظهرهم، بينما يتجاهلون الأسباب الجذرية لضائقتهم الاقتصادية. ليس بمقدور الأوليغارشية ان تكون أسعد مما هي عليه.
هل تحسنت حياة الأميركيين أصحاب البلاد الأصليين كنتيجة لإقرار القانون الذي دفع به تشارلز كورتيز، اول نائب لرئيس الولايات المتحدة من السكان الأصليين [في أوائل عشرينات القرن الماضي]، لإلغاء قوانين أراضي القبائل؟ هل نحن في حالة أفضل مع كلارنس ثوماس، التي تعارض في المحكمة العليا برنامج نشاط الإثبات[ بصدد الأصل العنصري ] أو مع فيكتوريا نولاند أحد صقور الحرب بوزارة خارجية الولايات المتحدة؟ هل ان الحروب المستدامة التي نحرص على استمراريتها أفضل مذاقا لأن وزير الحرب ، لويد أوستين ، أميركي من أصل إفريقي؟هل الجيوش أكثر إنسانية لأنها تقبل في صفوفها المتحولين جنسيا؟ هل تحسنت اللامساواة الاجتماعية وإشراف الدولة عليها لأن سوندار بيتشاي – المولودة بالهند- باتت رئيسة غوغل والفابيت؟هل تحسنت صناعة الأسلحة لأن كاثي واردن ، امرأة ، تسلمت رئاسة مجلس إدارة نورثوب غرومان ، وامرأة اخرى ، فيبي نوفاكوفيك، تسلمت رئاسة مجلس إدارة حنرال ديناميكس؟ هل تحسنت أوضاع أسر العمال مع جانيت يلّين، وزيرة المالية، التي تروج لمزيد من البطالة و" ضد امن العمل" من أجل تخفيض التضخم؟ وهل صناعة السينما أحرزت توسعا حين أدخلت كاثرين بايغيلو، الأنثى مديرة الإنتاج، "زيرو دارك ثيرتي – صفر الثلاثين القاتم"، والذي كان الناطق بلسان السي آي إيه؟ إلقاء نظرة الى هذا المدخل الدعائي من جانب السي آي إيه ؛ فهو يجمل السخف الذي انتهينا اليه.

انظمة كولنيالية

تعْثر الأنظمة الكولنيالة على قادة مطواعين منحدرين من أوساط العامة –"بابا هوك" فرانسوا ديفالير في هاييتي ، انا ستاسيو سوموزا في نيكاراغوا، موبوتو سيسيكو في الكونغو، محمد رضا بهلوي في إيران – مستعدون للقيام بعملهم القذر ، بينما الأنظمة الكولنيالية تستغل وتنهب البلد الخاضع لسيطرتهم . بصورة روتينية قامت قوات الشرطة بأعمال شرسة قمعت التطلعات الشعبية من أجل العدالة نيابة عن الطبقات المضطهِدة[ بكسر الهاء]. والمكافحون من أجل الحرية الطالعون من اوساط العامة ، المدافعون عن الفقراء والمهمشين يضطرون عادة للخروج من السلطة او يتم اغتيالهم، مثلما حدث مع باتريس لومومبا، قائد حركة استقلال الكونغو، والرئيس التشيلي سيلفادور الليندي. تم إطلاق النار على زعيم لاكوتا ، سيتينغ بيل ، وقتل على أيدي أفراد من قبيلته ، ممن خدموا في شرطة الاحتياط في ستاندينغ روك.
إذا ما وقفت بجانب المضطَهدين تنتهي في الأغلب الأعم الى التعرض لمعاملة مثل المضطهَدين. ولهذا السبب اغتال مكتب التحقيقات الفيدرالي ، بالتعاون مع شرطة شيكاغو، فريد هامبتون، وبالتاكيد تولرط المكتب في اغتيال مالكولم إكس، الذي أطلق على ضواحي الفقر بالمدن صفة "كولنياليات داخلية" . تتصرف القوات الشرطية المعسكرة في الولايات المتحدة كقوات احتلال. ولا يختلف أفراد الشرطة الذين اغتالوا تاير نيكولاس عن أولئك العاملين في قوات الشرطة الاحتياطية او الكولنيالية.
نعيش تحت وطاة نوعية من كولنيالية الشركات الكبرى . يجري إخفاء آليات تفوق العرق الأبيض ، التي صنعت أشكال عنصرية المؤسسات والاقتصاد التي تبقي الفقراء على فقرهم ، خلف شخصيات سياسية جذابة ، مثل باراك أوباما ، الذي أطلق عليه كورنيل ويست لقب" بشارة سوداء للوول ستريت". واجهات التنوع هذه تخضع لاختبارات دقيقة قبل ان يتم اختيارها من قبل الطبقة الحاكمة. أوباما جرى تنظيفه ونفض الغبار عنه وترفيعه من قبل آلية شيكاغو السياسية، إحدى أقذرأليات البلاد وأشدها فسادا.

قال لي الراحل غلين فورد ، محرر تقرير "ذا بلاك أجندة" عام 2018 ،"إنها لإهانة للحركات المنظمة ان تدعي هذه المؤسسات رغبتها في ضم هؤلاء البشر . فهذه المؤسسات تخط المسودات؛ انها فصولها الدرامية؛ يختارون الممثلين ، أيا كانوا ، سودا ، بنيين ، صفر او حمر الوجوه" .
اطلق فورد تعبير "صانعي الممثلين" على من يرفعون سياسات الهوية؛ ولئك الذين "يريدون سودا ممثلين في جميع قطاعات القيادة ، في جميع مناحي المجتمع . يريدون علماء سود يجامعة هارفارد، وفي الوول ستريت، لكن مجرد تتمثيل، هكذا الأمر".
يفضح الخدعة إجمالي المبالغ التي كسبتها الشركات الكبرى من الناس الذين يدعي " صانعو الممثلين" تمثيلهم. خسر الأميركيون من أصل إفريقي 40 بالمائة من ثرواتهم منذ الانهيار المالي عام 2008 ، وذلك نتيجة الأثر غير المتناسب لانهيار قيم أسهم العقارات ، وقروض النهب، فقدان العمل والإخلاء بسبب التخلف عن دفع أقساط البيت. السود ثاني فئة من حيث نسب الفقر (21.7 بالمائة)، يتفوق عليهم في المضمار سكان البلاد الأصليون( 25.9 بالمائة)، يليهم الهسبانيون (27.6) والبيض (9.5)، وذلك حسب مكتب الإحصاء الأميركي ودائرة الصحة والخدمات الإنسانية. وكما كان الأمر عام 2021 فقد عانى الفقر من بين أطفال السود والسكان الأصليين نسبة 28 بالمائة و25 بالمائة على التوالي ، يليهم الهسبانيون بنسبة 25 بالمائة والبيض من الأطفال بنسبة 10 بالمائة. ونسبة 40 بالمائة تقريبا ممن لابيوت لهم هم من السود ، والرقم لا يشمل من يعيشون في منازل مزدحمة أو مهجورة بسبب القدم، او يعيشون مع الأسرة او الأصدقاء نظرا لصعوبات مالية. اما في السجون فنسبة الأميركيين من أصل إفريقي تبلغ خمسة أضعاف السجناء البيض، علما أن نسبة السود من بين الأميركيين 14 بالمائة.

تفوق أخلاقي

تتيح سياسات وتنوع الهوية، لليبراليين أم يدمنوا المبالغة في ادعاء التفوق الأخلاقي ، وفي نفس الوقت يؤنبون ، ويراقبون ويهينون أولئك الذين لا يتماثلون لغويا مع الحديث الصحيح سياسيا. انهم اليعاقبة الجدد، يمارسون لعبة تخفي سلبيتهم بوجه تعسف الشركات الكبرى، والليبرالية الجديدة والحروب المستدامة؛ هم لا يواجهون المؤسسات االمولدة للظلم الاجتماعي والاقتصادي، ويسعون لتقديم الطبقة الحاكمة بصورة أبهى . بدعم من الحزب الديمقراطي تشيطن الميديا الليبرالية والأكاديميا ومنابر السوشيال ميديا في وادي السيليكون[ مركز الصناعات الإليكترونية] ضحايا الانقلابات المباغتة للشركات الكبرى وتهجير الصناعات خارج البلاد. وهي تقيم تحالفات سياسية اولية مع التمسكين بسياسات الهوية، بغض النظر إن كانوا بالوول ستريت او البنتاغون. هم البلهاء المفيدون لطبقة المليارديرية ، محاربون في مضمار الأخلاق، يوسعون الانقسامات داخل المجتمع حيث تبذل الأوليغارشية الحاكمة المساعي للحفاظ على سيطرتها .
التنوع هام ؛ لكن التنوع بدون أجندة سياسية تكافح المضطهِدين[ كسر الهاء] نيابة عن المضطَهَدين عبارة عن تزوير ؛ ليست سوى إدراج شريحة صغيرة من المهمشين في المجتمع داخل هياكل جائرة من أجل إدامة حالتهم .
صف مدرسي قمت بتدريسه داخل سجن مشدد الحماية الأمنية بولاية نيو جيرسي كتبوا مسرحية تصف حياتهم . جرى تمثيل الرواية لمدة تقرب من الشهر، على مسرح باسيج في ترينتون بولاية نيوجيرسي ، حيث كانت تعرض كل ليلة؛ وفبما بعد نشرتها دار النشر هاي ماركت بوكس. أصر جميع طلاب الصف ، وعددهم 28 طالبا ، على ان لا يكون الضابط المصحح أبيض البشرة؛ وكانت خدعة أتاحت للناس تبسيط وحجب الجهاز القمعي للبنوك والشركات الكبرى والشرطة والمحاكم ونظام السجن ، وجميعهم يستأجرون التنوع. يجب استهداف أنظمة الاستغلال والاضطهاد الداخلي هذه وتفكيكها ، بغض النظر عمن توظفهم.
في كتابي "صفنا: التوتر والتحول داخل سجن أميركي" استعنت بتجربة كتابة الرواية كي أحكي قصص طلبتي وأعامل على قدم المساواة إدراكهم العميق للقوى والمؤسسات الضاغطة منسجمة ضدهم وضد أسرهم ومجتمعاتهم. يمكنكم مشاهدة المقابلة التي أجريتها من قسمين مع هيو هاملتون، حول صفنا هنا وهنا.
في مسرحيته الأخيرة" راديو غولف " اوضح اوغست ويلسون أين تنحو سياسات التنوع والهوية مفرغة من الوعي الطبقى؛ في الرواية يوشك هارموند ويلكس، تاجر عقارات جاصل على تعليم عال في آيفي ليج أن يبدأ حملته لمنصب اول أسود يرأس بلدية بيتسبرغ؛ وزوجته ، ميمي، تتطلع لشغل وظيفة السكرتير لصحفي لحاكم الولاية. ويلكس، وهو يبجر في عالم امتيازات الرجل الأبيض وصفقاته التجارية وبحثه عن المكانة ولعبة الغولف بنادي الولاية، يتوجب عليه ان يعقم هويته وينكرها. روزفيلت هيكس الذي كان ينام في نفس الغرفة مع ويلكس أثناء دراستهما بكلية كورنيل، ويعمل حاليا نائب رئيس بنك ميلون، شريكه في البيزنيس. ستيرلينغ جونسون، الذي يضغط ويلكس وهيكس لحمل المدينة على إعلان ضاحيته منكوبة كي يستطيعا تدميرها لصالج مشروعهما المقدر بعدة ملايين من الدولارات يقول لوهيكس:
" انت تعرف من تكون؟ احتجت لبرهة من الزمن كي أقفرها ؛ انت أسود ، البيض يضطربون ويقولون عنك نيغرو ، لكنهم لا يعرفون ما أعرف. أعرف حقيقتها . انا نيغر . النيغروز أسوأ خلق الله ، عير ان النيغر لا يدري أنه نيغر ؛ يعتقد انه رجل أبيض.
قوى النهب المرعبة تزعج البلاد؛ اصحاب الشركات الكبرى والعسكريون والطغم السياسية التي تخدمهم هم الأعداء. ليست مهمتنا ان نجعلهم اكثر قبولا ؛إنما لندمرهم. يوحد في وسطنا مكافحون حقيقيون من اجل الحرية من جميع الأعراق والخلفيات الاجتماعية ، ممن لا تسمح لهم كرامتهم خدمة نظام الشمولية المحوَّل الذي دمر ديمقراطيتنا وأفقر المجتمع ووورط البلاد في حروب مستدامة. التنوع ، إذ يخدم المضطهَدين ، شيء نفيس ، لكنه عامل هدم عندما يخدم المضطهِدين .