الفصل السابع- أزمة البروليتكولت

لين مالي
2023 / 2 / 24 - 11:16     


الكاتبة: لين مالي


تزامن تحرير هذا الفصل مع رحيل الكاتب والرفيق فيصل فرحات واستشهاد ثلة من المقاومين من عرين الأسود، هذا النص هو تحية لأرواحهم…
“أنا لستُ يوسفَ، لكنني مثله
قد رأيتُ الكواكب تسجد للشامخين
الذين يقولون: لا… للخنوع”
كميل أبو حنيش

في تشرين الأول/أكتوبر 1920، حين أصبح أسوأ ما في الحرب الأهلية من الماضي، تجمع مندوبو البروليتكوت في موسكو لمناقشة ما بدا أنه المستقبل المشرق لقضيتهم. وعدت المنظمة ذات القاعدة الواسعة بالتنامي حين شهد عصر السلام الجديد عودة العمال إلى المصانع. كان القادة الوطنيون على قناعة أن عمل البروليتكولت سيحسن من نوعية العمل بعد أن انتهت المهام التحريضية للحرب. حتى أنهم توقعوا توسعاً ودعماً دوليين. ولكن سرعان ما تقوضت الطموحات المتفائلة. في ختام المؤتمر أجبرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي البروليتكولت على التخلي عن استقلاليتها طالبةً أن تصبح جزءاً من البيروقراطية الثقافية للدولة، الأمر الذي أدى إلى التراجع السريع للمنظمة.

غالباً ما يُقدّم هجوم الحزب الشيوعي على البروليتكولت على أنه النتيجة المنطقية لعداء لينين الطويل المدة ضد بوغدانوف. (1) على الرغم من كون ذلك أحد الاسباب، ولكن هذا العداء لا يفسر لوحده توقيت أو حدة إجراءات الحزب. بعد كل شيء، كان بوغدانوف جزءاً من البروليتكولت منذ البدايات الأولى، وتولى مركزاً قيادياً قبل سنة من قرار إخضاعها. استقلالية البروليتكولت، وليس بوغدانوف، كان الهدف الأساسي لهجمات اللجنة المركزية في شتاء العام 1920، عندما باتت النهاية القريبة للحرب الأهلية تشكل أزمة أخرى للنظام الجديد. على الرغم من حالة الضيق، كانت الحرب الأهلية قوة متلاحمة بالنسبة للدولة السوفياتية. كان العديد من النقاد يخشون معسكر البيض أكثر من البلاشفة، وبالتالي وضعوا تشكيكاتهم جانباً إلى أن تصبح النتيجة معروفة. ولكن في وقت شارفت الحرب على نهايتها، بدأت النقاشات حول مستقبل البلد من جديد. فقد فقدت الحلول الطارئة للمشاكل العسكرية تبريراتها الأولية. وبدأ مناضلو النقابات بالمطالبة بدور أكثر مركزية في التخطيط الاقتصادي. دعت التكتلات النقدية داخل الحزب الشيوعي إلى إعادة التنظيم واللامركزية. وكردّ على ذلك تحركت قيادة الحزب سريعاً لتقويض المجموعات التي يحتمل أن تكون مزعجة، من بينها البروليتكولت.

كانت المسألة الأساسية في النقاشات السياسية التي بدأت عام 1920 هي الدور المستقبلي للمؤسسات البروليتارية. حركت الدولة (وعسكرت فعلياً) العمال الروس خلال الحرب في حين اقتصر دور النقابات على المهام التأديبية. على الرغم من أن النقابيين قد وافقوا على هذه الظروف في ظل الأزمة العسكرية، ولكن ما إن بدا أن انتصار الجيش الأحمر قد أصبح وشيكاً، بدأ البعض بالاستياء منهم. كان النقابيون يعارضون على نحو خاص مواصلة خطط عسكرة العمال في فترة ما بعد الحرب لمواجهة حالة الطوارئ الجديدة التي تتطلبها إعادة الإعمار الاقتصادي. هدفت هذه المقترحات إلى دمج النقابات في بيروقراطية الدولة. (2)

جرى رفض هذه الإجراءات من قبل النقابيين اليساريين المعروفين باسم المعارضة العمالية. مع وجود أتباع لها في نقابة عمال الصلب في موسكو وسمارا وأورال وأوكرانيا، طالبت المعارضة العمالية بمنح النقابات العمالية استقلالية حقيقية وسلطة لمراقبة الاقتصاد. بدا إصرارها على الاستقلالية شبيهاً بمطالبات البروليتكولت. وبالفعل، تلاقى البيان النظري الأساسي للمعارضة العمالية، الذي كتبته ألكسندرا كولونتاي، مع رؤية البروليتكولت للنظام السوفياتي في عدة نقاط. هاجمت المعارضة العمالية انتشار غير العمال، خاصة الاختصاصيين، داخل النظام السوفياتي؛ كان الحل إزاء تنامي التبقرط في الحزب والدولة هو السماح بالاستقلالية في العمل، وهي كلمة أساسية ضمن مفردات البروليكتولت. (3) كما انتقد مناضلو المعارضة العمالية التنظيم الداخلي للحزب، حيث أصروا على أن تلتفت القيادة البلشفية أكثر إلى القاعدة الحزبية، وتجري نقاشات واسعة النطاق. (4) انضم تكتل آخر، المركزيون الديمقراطيون، إلى بعض هذه الشكاوى، بحجة أن الحزب كان شديد المركزية. (5) على الرغم من أن التكتلين لم يوحدا مطالبهما المشتركة، إلا أن ظهور مثل هؤلاء النقاد الصاخبين أدى في نهاية الأمر إلى حظر تشكيل التكتلات في المؤتمر العاشر للحزب عام 1921.

إضافة إلى هذا الانشقاق بين الحلفاء، كان على البلاشفة التفكير بحل مشكلة الفلاحين الصعبة. خلال الحرب الأهلية، تراجع تعاطف الفلاحين مع برامج النظام بسبب مصادرة الحبوب بالقوة. صيف العام 1920 ساعدت انتفاضة فلاحي مقاطعة تامبوف ضد السلطة السوفياتية على إقناع الحكومة بأن طلبات الشراء الإجبارية لا يمكن أن تستمر طويلاً. كان واضحاً بشكل مؤلم أنه على الدولة التحول إلى اعتماد تدابير غير قسرية إذا أرادت الحصول على قدر ضئيل من الدعم للنظام.

وفي وقت كانوا يفكرون بالمقاربة الاقتصادية الجديدة، بدأ القادة الحكوميون بإعطاء اهتمام أكبر للدعاية والتعليم كطريقة لتعبئة السكان إلى جانب النظام السوفياتي. في آب/أغسطس عام 1920، أسس الحزب الشيوعي قسماً مخصصاً للبروباغندا، الذي عرف عادة باسم البروباغندا التحريضية (Agitprop)، للإشراف على المؤسسات السوفياتية المشاركة في التعليم السياسي. (6) في الوقت عينه، أسس الناركومبروس قسمه الخاصة للتنوير السياسي، غلافبوليتبروسفيت- Glavpolitprosvet، المنبثق من قسم تعليم الكبار السابق. (7) ولأن الواجبات المحددة لهاتين المجموعتين الجديدتين لم تكن واضحة، فمن المحتمل أنهما كانتا على صراع. مع ذلك، أظهر إنشاؤهما المتزامن ظهور تركيز جديد على التربية السياسية كوسيلة لتمكين النظام الاجتماعي.

على الرغم من أن البروليتكولت قد عملت بشكل أساسي كبروباغندا مخلصة لقضية الجيش الأحمر خلال الحرب الأهلية، إلا أنها مع ذلك تضمنت مبادئ تهديدية محتملة. وكان لإصرارها على الاستقلالية نذير شؤم في وقت كانت مجموعات أخرى تدافع فيه عن استقلاليتها وحقها بتولي السلطة. ادعاءاتها حول شعبيتها بين القاعدة العمالية جعلها مصدراً محتملاً للمعارضة. في النهاية، أشرفت على شبكة واسعة من برامج التثقيف الثقافي والسياسي الخالية نظرياً من سياسة الدولة والحزب. وبالتالي، مع الوجود الاستفزازي لبوغدانوف أو من دونه، كان لدى لينين الدافع الكبير للانقلاب ضد المنظمة في حين كانت تمر فيها البلاد في مرحلة انتقالية من الحرب إلى السلام.

نهاية استقلالية البروليتكولت

منذ تأسيسها، واجهت البروليتكولت تحديات محلية لاستقلاليتها من النقابات العمالية، ولجان الحزب المحلية، وإدارات الدولة. كان لعمال الناركومبروس انتقاداتهم الدائمة. لم ترَ ناديا كروبسكايا، رئيسة قسم تعليم الكبار، ولاحقاً، الغلافبوليتبروسفيت Glavpolitprosvet، أبداً أي مبرر لاستقلالية البروليتكولت لأنها لا تعتقد أن المنظمة تخدم أي وظيفة ثقافية محددة. بدلاً من ذلك، كانت “مجرد منظمة تعليمية عادية جداً، وممارساتها وتكوينها لا يمكن تمييزهما عن منظمات الناركومبروس”. (8) منذ عام 1918 حاولت كروبسكايا دمج البروليتكولت في قسم تعليم الكبار، مثيرةً الموضوع في كل فرصة. في أيار/مايو عام 1919، وخلال المؤتمر الوطني الأول لعمال تعليم الكبار، كانت حاسمة باعتبار أن البروليتكولت بجوهرها منظمة تعليم الكبار، وتنتمي إلى الناركومبروس. وبتحريض منها، صوّت المندوبون بأغلبية ساحقة لصالح ربط البروليتكولت بقسمها. (9)

أثار هذا القرار احتجاجات من منظمات البروليتكولت المحلية. تساءل أحد البروليتكولتيين الغاضبين في تامبوف عن سبب استمرار الدولة في إعادة فتح قضية جرى حسمها منذ زمن. (10) عبّرت رئاسة البروليتكولت في إيفانونوفو-فوزنيسنسك عن غضبها واندهاشها. كيف يمكن لأي شخص الاعتراض على استقلالية منظمة عمالية؟ “أسست البروليتكولت منظماتها في المصانع واستقرت بين أوساط الطبقة العاملة. إذا أزلناها، سنقضي على جذور النشاط الثقافي-التربوي بين العمال”. (11)

لتوضيح الالتباسات، التقى ممثلو الناركومبروس والبروليتكولت في حزيران/يونيو عام 1919 لتحديد شروط علاقاتهما من جديد. وافق لوناتشارسكي وكروبوسكايا وليبيديف-بوليانسكي على حل وسط ظهر أنه يقدم شيئاً للجميع. تصبح المنظمات المحلية أقساماً فرعية لأقسام تعليم الكبار المحلية، وبذلك جرى التأكيد الجزئي على قرار كروبسكايا. رغم ذلك، يمكنها الاستمرار بالقيام بعملها بشكل مستقل بميزانيات منفصلة خاصة بها. (12) هذا القرار الغامض لم يحقق الكثير لحل المشكلة. (13) ولكن الصراعات استمرت في العديد من الأماكن الأخرى. لم يكن ممثلو الدولة راضين تماماً، وعندما بدأ قسم تعليم الكبار إعادة التنظيم في صيف العام 1920، اعتبر العديد من مسؤوليه أن هذه فرصة لفرض السيطرة الكاملة على أعمال البروليتكولت. (14)

حتى عام 1920، لم ينحاز الحزب الشيوعي رسمياً إلى أي طرف في هذه المنازعات حول وضع البروليتكولت. بسبب عدم وجود مبادئ توجيهية، ترواحت العلاقات مع البروليتكولت من منطقة إلى أخرى. في حين ساعدت لجنة الحزب الإقليمية في تولا على تأسيس منظمة البروليتكولت، واجه أعضاء البروليتكولت في تامبوف العداء من أعضاء الحزب، والذين رأوا أن المنظمة هي مجرد إلهاء سخيف عن المسؤوليات الاجتماعية الصارمة. (15)

ولكن عندما أصبح واضحاً أن الحرب الأهلية قد شارفت على نهايتها، أنهت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي فجأة صمتها الرسمي وبدأت بالتعبير عن قلقها بما خص وضعية البروليتكولت. كان لينين مسؤولاً بشكل رسمي عن هذا التغير. بداية بدا أنه يوافق على التنظيم الجديد، والذي اعتبره وسيلة لتربية العمال لتولي مسؤوليات ضمن جهاز الدولة. (16) مع ذلك، ما إن لاحظ حجم أنشطة البروليتكولت، أصبح أكثر انتقاداً وبدأ بصياغة أفكاره حول التحول الثقافي. على الرغم من أنه لم يكمل أفكاره حول الثقافة حتى السنوات الأخيرة من حياته، بدأ لينين بالفعل عام 1919 في مهاجمة ما اعتبره أولويات خاطئة بما خص عمل البروليتكولت. (17)

كان لينين محافظاً من الناحية الثقافية ويميل ذوقه إلى الأعمال الكلاسيكية الروسية. وقد تبنى وجهة نظر قاتمة حيال التجارب الطليعية التي نتجت من الثورة. وبدلاً من إهدار الموارد على مثل هذه المشاريع، اعتقد لينين أنه على الدولة معالجة التخلف الثقافي الروسي، وخاصة معدلات الأمية وعادات العمل السيئة. للتغلب على هذه العقبات، كان على النظام الجديد الاستفادة من الموروثات الثقافية من الرأسمالية وتوظيف الخبراء الذين دربتهم الرأسمالية. أصر لينين: “يجب بناء الاشتراكية من هذه الثقافة، لا يوجد موارد أخرى لدينا”. (18) متحدثاً في مؤتمر عام 1919 عن تعليم العمال، أعلن لينين معارضته “لكل أنواع الخلق الفكري”، كل أنواع “الثقافة البروليتارية” (19) سيكون الدليل على الثقافة البروليتارية التنظيم الفعال الذي يزود الدولة المنكوبة بالفحم والخبز.

تركز نقد الناركومبروس على ممارسة البروليتكولت. أشارت كروبسكايا، خاصة، إلى الطبيعة البدائية وغير الاستثنائية للكثير من أعمال البروليتكولت واستعملت هذا الخلاف لتبرير الدعوة لإخضاع البروليتكولت. في المقابل، أحس لينين بالإهانة من نظرية البروليتكولت، على الرغم من أنها لم تكن لها علاقة بممارسة البروليتكولت. وقد عارض أفكاره البراغماتية الخاصة بالثقافة مع المفاهيم “المتحاذقة” التي يتبناها البروليتكولتيون. ما إن دخل لينين المعركة، تعرضت المنظمة للتهديد على ما هي عليه وما تريد أن تكون.

كما أثار التزام بوغدانوف الدائم بالثقافة البروليتارية مخاوف لينين. في السنوات الأولى من الحكم السوفياتي، نشر بوغدانوف على نطاق واسع، كتاباته الأولى والتي أثرت على بعض قادة الحزب الأساسيين، من ضمنهم بوخارين. (20) وعندما اكتشف لينين أن بوغدانوف قد أصدر نسخة جديدة من كتابه Empiriomonism، والذي كان شديد الأهمية في خلافاتهما في فترة ما قبل الثورة، حضّر فوراً لطبعة جديدة من نقده الخاص. نشر عام 1920 كتابه بعنوان المادية والنقد الإمبريقي مع مقدمة جديدة لـ ف. اي. نيفسكي، الذي كان قد هاجم بوغدانوف في جدلية معه حول الجامعة البروليتارية للبروليتكولت في موسكو. على الرغم من أن نيفسكي لم يذكر البروليتكولت بشكل مباشر، إلا أنه انتقد كتابات بوغدانوف الأخيرة بوضوح، من بينها المقالات التي نشرت في الثقافة البروليتارية. (21)

مع ذلك لم يتحرك لينين لإخضاع البروليتكولت حتى حين اكتشف أدلة بارزة حول حجم منظمة البروليتكولت وطموحاتها الكبيرة. خلال مؤتمر الكومنترن الثاني في آب/أغسطس عام 1920 أسس البروليتكولتيون فرعاً دولياً لمنظمتهم مع لوناتشارسكي على رأسها. وكان طموحها المعلن نشر الثقافة البروليتارية في العالم. (22) وعلى ما يبدو انزعج لينين من ادعاءات البروليتكولت، كتب لينين إلى ميخائيل بوكروفسكي، المسؤول الثاني في الناركومبروس، رسالة مستعجلة، (23) تضمنت: ما هو الوضع القانوني للبروليتكولت؟ من هم قادتها؟ من أين تحصل على تمويلها؟ وما هي إنجازاتها؟ أجاب بوكروفسكي بأن البروليتكولت كانت منظمة مستقلة تحت رقابة الناركومبروس. كما وردت تقارير إلى لينين حول قادتها وتمويلها وبرنامجها الثقافي من القادة المركزيين في البروليتكولت فلاديمير فايديش وفاسيلي إغناتوف. مع ذلك، لم ينقلوا شكوكاً واسعة النطاق حول تماسك المنظمة أو التكوين الاجتماعي المختلط لأعضائها. بدلاً من ذلك، كتبوا أن البروليتكولت تضم حوالي 400 ألف بروليتاري. (24)

في مواجهة أخبار عن منظمة مستقلة تدعي وجود هذا العدد الكبير من الأعضاء من الطبقة العاملة، أخذ لينين بسرعة خطوات لإنهاء استقلاليتها. أتاح له مؤتمر البروليتكولت الوطني، المقرر انعقاده في موسكو بين 5 و12 تشرين الأول/أكتوبر عام 1920، الفرصة. كلف لوناتشارسكي إعلام المندوبين أن منظمتهم ستصبح من الآن وصاعداً جزءاً من الناركومبروس. ولكن لوناتشارسكي، الذي دافع مطولاً عن مصالح البروليتكولت، تراجع عن الاتفاق، وخطابه أمام مؤتمر البروليتكولت لم يتضمن أي ذكر بتغيير في وضع المنظمة. (25) تحرك لينين فوراً، داعياً المكتب السياسي إلى سلسلة من الاجتماعات لنقاش البروليتكولت لوضع المقترحات لإخضاعها. (26) من هذه النقطة وصاعداً، تحايل لينين على لوناتشارسكي وتعامل مباشرة مع فصيل أعضاء الحزب في البروليتكولت، برئاسة فاليريان بليتنيف.

كانت للبروليتكولت الوطنية صلات قوية مع الحزب الشيوعي. كان ثلثا مندوبي المؤتمر من أعضاء الحزب، وكذلك كل القادة الوطنيين، ما عدا بوغدانوف. (27) مع ذلك، لم يقتنع هؤلاء الأعضاء فوراً بأن ردة فعل الحزب كانت مبررة. التقى ممثلون عن البروليتكولت مع لينين في حين كان المكتب السياسي مجتمعاً لمناقشة اقتراحاته. وبحسب ملاحظات لينين من الاجتماع، لم يفهموا كيف أن استقلالية البروليتكولت تشكل تهديداً للجميع. (28) واجه فصيل الحزب صعوبة في إقناع المندوبين المجتمعين للموافقة على اقتراح اللجنة المركزية، والذي جرى تمريره فقط بعد نقاش طويل، وتنفيذاً للانضباط الحزبي. (29)

في النهاية، رغم ذلك، وافق مؤتمر البروليتكولت على بيان من خمس نقاط صاغته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي. (30) جعل القرار البروليتكولت جزءاً من بيروقراطية الناركومبروس التي كانت مسؤولة عن أعمالها أمام الحزب. وربما ولتجميل القرار، أوعز الحزب إلى الناركومبروس ضمان حصول البروليتكولت على فرصة للعمل الإبداعي الحر داخل مؤسساتها، الأمر الذي عنى أن النشاط الفني للبروليتكولت سيستمر من دون تغيير إلى حد ما.

لم تكن هذه سوى المناورة الأولى في عملية إعادة تنظيم طويلة. اجتمعت لجنة خاصة في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي مراراً في شتاء عام 1920 لاتخاذ قرارات أكثر دقة لعمل البروليتكولت ولكتابة شروحات للوضع الجديد لمناضلي الحزب المحليين ومناضلي البروليتكولت. النتيجة النهائية صدرت بموجب مرسوم من اللجنة المركزية بعنوان “حول البروليتكولت”، ونشر في البرافدا يوم 1 كانون الأول/ديسمبر عام 1920. لم يكن المرسوم تفسيراً بمقدار ما كان إدانة. بحيث انتقد قادة البروليتكولت، وممارسات الأخيرة التنظيمية، وفهمها لمهمتها الثقافية. (31)

كانت رسالة البرافدا تنتقد بشدة مطالبة البروليتكولت بالاستقلالية، والتي صورتها على أنها محاولة برجوازية صغيرة لتسييس قاعدة مؤسساتية خارج الحكم السوفياتي. اجتذبت استقلالية البروليتكولت العديد من العناصر الغريبة اجتماعياً، من بينهم المستقبليين، والمنشقين و”المنحطين” وأنصار “الفلسفات المثالية والمعادية للماركسية”، على الرغم من عدم ذكر بوغدانوف بشكل مباشر، إلى أنه كان هدفاً كذلك. ربطت اللجنة المركزية البروليتكولت بجماعات المثقفين “المعادين للماركسية وبناة الله God-building” الذين كانوا يحاولون التلاعب بالطبقة العاملة مع أنظمتهم ومخططاتهم “الفلسفية شبه البرجوازية”. كان الحزب سيفعل شيئاً ما بالقريب العاجل لو لم تعرقله حالة الطوارئ العسكرية. ومع نهاية الحرب الأهلية، يمكنه الآن تحويل انتباهه إلى المشاكل الهامة المرتبطة بالثقافة والتعليم. (32)

بعد ذلك، ناشدت اللجنة المركزية جماهير الطبقة العاملة، الذين قد غذوا في السابق “الماخية والمستقبلية” تحت ستار الثقافة البروليتارية. لم يرغب الحزب بكل الأحوال أن يوقف المثقفون العماليون جهودهم لتحسين أنفسهم بواسطة الفنون. بدلاً من ذلك، أمل بوضع هذه الجهود بيد الطبقات العاملة حتى تتمكن الحكومة العمالية من مساعدة المثقفين العماليين. (33) وعندما نقرأ بين الأسطر، اعتبر البيان بشكل ذكي قادة البروليتكولت مثقفين برجوازيين الذين زعموا معارضتهم. برز الحزب، وليس البروليتكولت، كمدافع “حقيقي وأصيل” عن الثقافة البروليتارية. (34)

دلّ هذا الهجوم أن له نتائج أخطر على الحركة من خسارتها الرسمية للاستقلالية التي جرى التوافق عليها في المؤتمر الوطني. فقد تطورت الشروط الدقيقة للوضع البيروقراطي الجديد للبروليتكولت ببطء عبر اتفاقات طويلة ومعقدة مع أجهزة الدولة والنقابات والحزب. في هذا الوقت، ظهر نقد الحزب في الجريدة الأولى في البلاد. وعلى العكس من الانتقادات السابقة، شوهت البرافدا من سمعة البروليتكولت لأسباب سياسية. خلال الشتاء القاسي 1920-1921، حين اندلعت احتجاجات الجائعين والإضرابات في كل أنحاء البلاد، وإسكات البرليتكولت كمؤسسة يحتمل أنها خطرة ومعادية للمؤسسة السوفياتية.

شعرت قيادة البروليتكولت بالغضب والصدمة، فأعدت رداً بعنوان” شرح لا بد منه”، حاولت نشره في البرافدا دون نجاح. (35) دلت هذه الوثيقة على حجم الفجوة الكبيرة بين التصورات الذاتية للبروليتكولت ووجهات نظر اللجنة المركزية [للحزب]. بدأ الرد بشكل مخادع إلى هذا الحد أو ذاك، معرباً عن امتنان المنظمة للحزب لإظهاره اهتماماً أخيراً بعمل البروليتكلوت. ولكن بقية النص نَقَضَت جوهر رسالة الحزب في كل نقطة فيها. كانت البروليتكولت موالية للحزب وللنظام السوفياتي، وهذا أمر أظهره بشكل واضح العدد الكبير من الشيوعيين المنضوين فيها. لم تجمع في صفوفها جماعات “معادية للماركسية”، في الواقع، حافظت على سيطرة أفضل للاختصاصيين فيها مقارنة ببقية المؤسسات السوفياتية الأخرى. كما أصرت قيادة البروليتكولت على أنها لم تروج “للماخية وبناة الله” لأن بوغدانوف ولوناتشارسكي قد تخليا عن هذه الأفكار منذ فترة طويلة. إذ نُشرت أعمال بوغدانوف الآن في المطابع الحكومية والحزبية، وبات مدرساً في جامعة سفيردلوف التي يهيمن عليها الحزب. لقد اكتسب لوناتشارسكي ثقة كافية لتعيينه مفوضاً للتنوير. أما بما خص تأييد المستقبلية، فقد شجبوا صراحة هذه الاتجاهات. (36)

استاء البروليتكولتيون من أن الحزب قرر نشر هجوماً تضمن مثل هذه الاتهامات غير المتوقعة. لقد سمعوا أن الرسالة كانت ردة فعل على التحريض داخل البروليتكولت احتجاجاً على فقدان استقلالية المؤسسة، ولكن “لا نعرف بأي بيان علني من هذا النوع”. في النهاية، أعربوا عن أملهم بعلاقات أفضل بين البروليتكولت والحزب في المستقبل. (37) ولكن لم يكن لهذا الرد أي تأثير، كما لم يكن للوفد الخاص الذي قابل لينين أي تأثير في تغيير رأيه. (38) وقد استنفدت كل طرق الاحتجاج، ولم يكن أمام البروليتكولت سوى بدء عملية إعادة تقييم مؤلمة.

إعادة التنظيم والتراجع

غيّر إخضاع البروليتكولت للناركومبروس من دون رجعة موقع المنظمة بالنسبة للحياة الثقافية السوفياتية. فقدت مقولتها السابق بأنها الطريق الثالث إلى السلطة البروليتارية، الذي كان مشحوناً بالحيوية في أفضل الأوقات، الآن كل مصداقيتها. على الرغم من قلة المشاركين الذين أرادوا أن تتولى المنظمة دوراً متواضعاً كقسم فرعي ضمن الناركومبروس، فقد كان صعباً الآن صياغة مهمة جديدة ضمن الحدود الضيقة التي حددها الحزب والدولة. ولجعل الأمور أصعب، أشعل تدخل الحزب النزاعات داخل المنظمة بين البروليتكولت ومنافسيها الثقافيين الكثيرين.

بدأت الجهود الأولى لتحديد هوية جديدة ضمن جلسة عامة وطنية في منتصف كانون الأول/ديسمبر 1920. دعي إليها لمناقشة نتائج رسالة الحزب، وقد أنتج المؤتمر لجنة مركزية جديدة. وجد الرئيس الوطني، ليبديف-بولينانسكي، نفسه ضمن أقلية في الاجتماع. وقد عارض تسليم المناقشات حول الوضع التنظيمي إلى فصيل الحزب في البروليتكولت، ربما لأن هذا كان سيؤدي إلى استبعاد بوغدانوف، الذي لم يكن عضواً حزبياً. أكثر من ذلك، لم يرغب حتى بالتفكير بإجراء تغييرات جذرية في الاتجاه الثقافي للبروليتكولت. وعندما سقطت كل اقتراحاته، قدم ليبيديف-بوليانسكي استقالته، وهي خطوة قبلت بسرعة. (39)

فكتب باسم مستعار بعد فترة قصيرة من استقالته باسم ف. كونافين. انتهز ليبيديف-بوليانسكي الفرصة للتعبير عن رؤيته حيال إخضاع البروليتكولت في مجلة الناركومبروس “إبداع”. لم يهاجم الحزب بسبب تدخله، إنما تساءل عن سبب اختيار التحرك ضد البروليتكولت في وقت ما زالت فيه النقابات مستقلة. وكعادته، كان ليبيديف-بوليانسكي نقدياً بشدة ضد بيروقراطية الدولة. لم تكن البروليتكولت قوية بشكل كافٍ لتعبئة الناركومبروس بالروح البروليتارية التي كانت بأمس الحاجة إليها؛ بدلاً من ذلك، انتقلت مشاكل الناركومبروس إليها. كان عمل البروليتكولت مشابهاً للغاية مع برامج الدولة، ولن يؤدي التوحيد إلا إلى فقدان البروليتكولت طابعها المميز. كان على البروليتكولت العودة إلى المصانع وكسب أتباع بروليتاريين مخلصين. كان عليها تجنب التعليم والبروباغاندا ومتابعة البحث العلمي والبرامج الإبداعية. وحده هذا المسار سيجنبها من الاختفاء إلى الأبد داخل بيروقراطية الدولة. (40)

مع استقالة ليبيديف-بوليانسكي، فقدت البروليتكولت أقوى مدافع عن الاستقلالية. حل مكانه فاليريان بليتنيف، الكاتب المسرحي الناشط من موسكو الذي قاد فصيل الحزب لقبول إخضاع البروليتكولت. لم يكن العامل السابق، بليتنيف يوماً ضمن حلقة الفبيرد، وبدا تعيينه مصمماً لطمأنة منتقدي البروليتكولت. كانت خطوته الأولى هي البدء بإعادة تقييم متشددة لممارسات البروليتكولت التي كانت موضع عدة شكاوى من الحزب الشيوعي. (41) تحت إشراف بليتنيف قررت المنظمة الوطنية استعمال قوى البروليتكولت للمساعدة على إعادة بناء المجتمع السوفياتي عقب الحرب الأهلية. ستخصص البروليتكولت جزءاً من قدراتها لـ “بروباغاندا الانتاج”، وهي فكرة اقترحتها الغلافبوليتبروسفيت- Glavpolitprosvet لنشر الانضباط العمالي. كما ستعمل على تطبيق برامج الحزب السياسية والثقافية. (42)

لكن في المجالات الأساسية، رفضت القيادة المعاد هيكلتها الرضوخ لانتقادات الحزب. وبشكل لافت، لم يبذل بليتنيف أي جهد لإزاحة بوغدانوف من القيادة الوطنية. شارك بوغدانوف في الجزء الأخير من مؤتمر كانون الأول/ديسمبر على الأقل وكان مندوباً في مؤتمر عام 1921. تضمن العدد الجديد من مجلة الثقافة البروليتارية بشكل بارز واحدة من مقالاته حول “علم التنظيم”. (43) وعلى الرغم من عدائية الحزب الشيوعي للمجادلات حيال مقاربة البروليتكولت، حافظ المؤتمر على التزامه بالثقافة البروليتارية. بالفعل، أعلن القادة الوطنيون أن أفكار البروليتكولت يجب أن تنشر بشكل أوسع بهدف تكثيف الصراع ضد الثقافة البرجوازية وأنماط العيش البرجوازية. كما أن البروليتكولتيين لم يتقيدوا في العمل بالاستديوهات فحسب، وهو مطلب مستمر من قبل ناشطي الناركومبروس. وبدلاً من ذلك، أعاد البروليتكولتيون التأكيد على أهمية النوادي؛ كما ألحوا على أن المنظمة يجب أن توسع شبكاتها الصغيرة من استديوهات العلوم، وهو اقتراح أيده بوغدانوف. (44) وهكذا اتضح أن قرارات المؤتمر المنعقد في كانون الأول/ديسمبر أنه حتى من دون الاستقلالية المؤسساتية فقد عزمت البروليتكولت على البقاء المدافعة الثقافية عن البروليتاريا.

باتخاذ هذه القرارات القوية بدا أن القادة الوطنيين غير مدركين أن المشهد السياسي والثقافي يتغير بسرعة من حولهم. لم تكن البروليتكولت المنظمة الوحيدة التي تواجه تدخلاً حزبياً شديداً. فالناركومبروس نفسه كان عرضة لإعادة التنظيم في شتاء العام 1920. وبسبب تدخل الحزب، أصبح الغلافبوليتبروسفيت- Glavpolitprosvet مشروعاً أكثر طموحاً، حيث تولى نظرياً المسؤولية عن كل أنواع التثقيف السياسي للناركومبروس والسوفيتات والنقابات والجيش والبروليتكولت. هذا التوسع جعل من الغلافبوليتبروسفيت- Glavpolitprosvet خصماً أكثر شراسة مما كان عليه قسم تعليم الكبار في أي وقت. (45)

كما طالت النقابات العمالية إعادة التنظيم. في آذار/مارس 1921، أنهى المؤتمر العاشر للحزب ادعاءاتها [القيام] بدور اقتصادي كبير. وعلى خلفية انتفاضة كرونشتاد وتهديدات أخرى لسلطة البلاشفة، انهزمت المعارضة العمالية، الموصوفة بالانحراف النقابي الخطير، بكل سهولة. على الرغم من أن النقابات قد احتفظت باستقلاليتها الظاهرية، لكن اقتصرت واجباتها بشكل أساسي على التعليم. كان مقرراً أن تكون مدارس الشيوعية، الشرايين بين الحزب الشيوعي والجماهير البروليتارية. وكلما تراجعت مهامها الاقتصادية، كلما ظهرت النقابات كمنافسة جدية للبروليتكولت في الثقافة والتعليم.

مع بدء تطبيق السياسة الاقتصادية الجديدة أصبح صعباً الحفاظ على وضع البروليتكولت السابق. بدأ تطبيق السياسة الاقتصادية الجديدة في المؤتمر العاشر للحزب، وكان ذلك بمثابة أزمة مالية لكل مؤسسات الدولة. تراجعت الحكومة عن طلبات الشراء القسرية من الفلاحين، بذلك تراجعت مداخيل الدولة بشكل ملحوظ. وكنتيجة لذلك، تراجع تمويل كل خدمات الدولة، وخاصة الخدمات الاجتماعية. تراجعت حصة الناركومبروس من الموازنة من 9،4 بالمئة عام 1920 إلى 2،2 بالمئة عام 1921. (46)

على الرغم من هذه الدلالات المقلقة، بدأ بليتنيف المفاوضات للحفاظ على ما يمكنه من استقلالية البروليتكولت. وباعتباره مساوماً حذقاً، حصل على إذن من الناركومبروس للإبقاء على النوادي في البروليتكولت طالما أنها مسجلة في الغلافبوليتبروسفيت- Glavpolitprosvet. إضافة إلى ذلك، نال موافقة مضنية على فكرة استديوهات العلوم. والأهم، كسب بليتنيف ضمانة نظرية بأن تحتفظ المنظمات المحلية بسلطتها على موازنتها. (47) كما ساوم مع النقابات العمالية. في المؤتمر النقابي الوطني المنعقد في أيار/مايو 1921، حين أكد القادة النقابيون على دورهم الجديد كمدارس للشيوعية، كان بليتنيف حاضراً للدفاع عن مصالح البروليتكولت. “لا يمكن للثقافة الاشتراكية النمو إلا على أساس يبنيه العمال أنفسهم”، شرح للجمهور المصفق له. (48) وفي لقاء خاص بالعمال النقابيين الثقافيين، بعد عدة أشهر، أقنعهم بإرسال عمال موهوبين إلى استديوهات البروليتكولت. في المقابل، وعد بالسماح لمنظمات البروليتكولت بالمصانع بأن تعتبر جزءاً من الجهاز الثقافي للنقابات. (49)

صممت هذه الخلافات البيروقراطية لحماية مجال عمل البروليتكولت، لكنها لم تكن كافية لحماية الشبكات في الأقاليم. بالفعل، كان هناك مؤشرات أن البروليتكولت المركزية ترى في المراحل الأولى للأزمة كفرصة للتخلص من العناصر غير المرغوبة، وأعضائها غير البروليتاريين، والمنظمات المحلية العنيدة. وعندما حضر بليتنيف في اجتماع للعمال النقابيين الثقافيين في أيلول/سبتمبر عام 1921، كان قد اختفى ما لا يقل عن نصف منظمات البروليتكولت الـ 300 التي كانت موجودة منذ سنة. مع ذلك، اعتبر هذا التراجع بأنه “طبيعي”. “عندما بدأ شعار الثقافة البروليتارية بالانتشار بين الجماهير، بدأت البروليتكولت بالتنامي كالفطر حتى في أماكن لا توجد فيها شروط مسبقة لعمل ثقافي إبداعي، والذي نريد أن ننشره بشكل أساسي في صفوف البروليتاريا الصناعية”. (50)

في حين حاولت القيادة إنقاذ مصداقية البروليتكولت، كانت الشبكة المعقدة التي أنشئت خلال الحرب الأهلية تتفكك بسرعة. على المستوى المحلي، بعد خسارة البروليتكولت لاستقلاليتها جعلها هدفاً سهلاً للحلقات المنافسة التي أرادت توسيع مواردها الثقافية. فسر العديد من أقسام البوليتبروسفيت- Politprosvet قوتها الجديدة كتبرير لتفكيك أعمال البروليتكولت. فحلقة كولوغريف، مثلاً، أغلقت لوقت موجز من قبل مكتب البوليتبروسفيت- Politprosvet المحلي. (51) كما لجأ عمال الناركومبروس إلى المضايقات، ورفضوا تسليم أموال البروليتكولت. بالإضافة إلى ذلك، استوعبوا أجزاء من البنية التحتية للمنظمات المحلية، وخاصة نواديها. (52)

أدت النغمة النقدية لهجوم الحزب الشيوعي إلى تحويل العديد من الشيوعيين المحليين ضد منظمات البروليتكولت. في ياروسلافل، أغلقت لجنة الحزب عمليات البروليتكولت. أفاد القادة المحليون في ساراتوف أن علاقات الحزب-البروليتكولت قد توقفت في العديد من الحلقات الإقليمية. واشتكى البروليتكولتيون في سامارا وتفير أن العمال المسؤولين الذين كانوا منتسبين إلى الحزب قد عينوا في مهام أخرى. وقد أدت هذه التعيينات إلى انخفاض شديد في عدد موظفي هذه المنظمات. (53)

كذلك، بدأت النقابات في النظر في البروليتكولت كمصدر للموارد والموظفين. في تفير، مثلا، حاول القادة العماليون السيطرة على نوادي البروليتكولت. حاولت البيروقراطية النقابية في سامارا إخضاع كل المنظمة كجزء من جهازها الثقافي. في أورينبورغ واجهت منظمة البروليتكولت عدائية شبيهة من لجنة الحزب المحلية التي استسلمت طوعاً للسيطرة النقابية حتى تحظى بحمايتها. (54)

لكن كان للنتائج المالية للسياسة الاقتصادية الجديدة آثار شديدة على الجميع. ولأن أغلب المنظمات المحلية لم تحقق أبداً استقلاليتها المالية، فقد كانت شديدة الهشاشة عندما قلّت موارد الحكومة. تمتع العديد منها ببعض المساعدة من الحلفاء المحليين، ولكن بات الأخيرون يواجهون قيودهم الخاصة بهم كذلك. خلال الحرب الأهلية حصلت منظمة البروليتكولت في مصنع شويا على إيجار مجاني وتدفئة وإضاءة من المصنع. ولكن مع صدور السياسات المالية الجديدة عام 1921، والتي تطلبت التوازن في موازنات المصانع، طالب المصنع ببدل مالي مقابل هذه الخدمات. (55)

أدت الأزمة المالية في المركز إلى تراجع الأموال في كل الهرمية التنظيمية. ولأن البروليتكولت المركزية قد أمنت أموالها أولاً، فقد بقي أقل بكثير لإرساله إلى المنظمات الإقليمية. والأخيرة بقي لديها [مالاً] أقل لتوريده للمنظمات والحلقات المعتمدة عليها بدورها. وقد عانت المنظمات عند أدنى المستويات، أي منظمات البروليتكولت في المصانع ونواديها، أكثر من غيرها. في ظل هذه الظروف، اختفت بكل بساطة المنظمات الإقليمية ذات العلاقات الضعيفة أو غير الموجودة مع البيروقراطية الوطنية. نفذت المنظمات الإقليمية تطهيراً داخلياً، وأغلقت الفروع التي لم يكن باستطاعتها دعمها أو تلك التي بدا أنها كانت تقوم “بعمل تعليمي صرف”. (56) تضمنت منظمة البروليتكولت في إقليم تفير أربع حلقات عام 1920، مع نهاية العام 1921 بقيت حلقة واحدة فقط. (57)

يوضح وضع البروليتكولت في إيفانوفو-فوزنيسينك خلال السنة الأولى من اعتماد السياسة الاقتصادية الجديدة كيف أدت الصعوبات المالية والمنافسات الثقافية إلى تقويض المنظمة. بدأت المشاكل مع بداية 1921. وفي وقت كان وضع البروليتكولت موضع تشكيك بدأ فرع إيفانوفو-فوزنيسينك يواجه صعوبات مع مكتب الحزب المحلي ومع النقابات. اشتكى القادة المحليون من نقد الحزب الذي أدى إلى انسحاب بعض العمال. وبسبب المشاكل المالية، خفضت البروليتكولت من رواتب موظفي الاستديو إلى مستوى شديد الانخفاض بحيث لم يعد يستطيع دعم الموظفين الذين لديهم عائلات. نقابة عمال النسيج، التي كانت حليفة سابقة، أصبحت الآن تتحدى سلطة البروليتكولت في نوادي المصنع.

حتى أن تدخل قسم البوليتبروسفيت- Politprosvet في المدينة بالنيابة عن البروليتكولت لم يخفف من عداء النقابات. فقد عبرت الرئيسة المحلية، أولغا فلاديميروفا، عن صورة قاتمة للغاية. فقد كان عمل النادي يتراجع وتوقف المشاركون في الاستديو عن تلقي حصص الإعاشة. وأنهت: “يعاني الطلاب من الجوع حرفياً”.(58)

في سمولينسك، قيدت الأنشطة الثقافية بشدة خلال عام 1921. لم تواجه المنظمة مشاكل محددة في بقية المجموعات المحلية، ولكن لم تتلقَ أي مساعدة؛ والأموال المرسلة من المركز لم تكن كافية بكل بساطة لتغطية التكاليف. كان على البروليتكولت تخفيض عدد أعضائها من 200 إلى 85 وإغلاق استديوهات الأدب والموسيقى. وكان فرعها الإقليمي الوحيد المتبقي في لارتسيفو على وشك الإغلاق لأن البوليتبروسفيت- Politprosvet كان يرفض تمويلها. ألقى رئيس البروليتكولت في لارتسيفو اللوم على البروليتكولت المركزية والإقليمية لأنهما سببتا أزمته. كان عليهما إرسال المال أو على الأقل تعليمات حول كيفية مساعدة منظمته على الاستمرار. (59)

تظهر هذه الأمثلة مدى ضعف المفاوضات المركزية لمنع الأزمات المحلية. بالفعل، بدأ بعض المشاركين بالتساؤل إذا كان القادة المركزيون مهتمين باستمرار البروليتكولت كمنظمة جماهيرية. على الرغم من الأخبار المقلقة الآتية من المقاطعات، استمر بليتنيف بوصف تراجع البروليتكولت عام 1921 بأنه “أمر طبيعي”، اختيار كلماته يدل على أن التوسع خلال الحرب الأهلية كان هو غير الطبيعي إلى هذا الحد أو ذاك. وتبعاً لهذا التفسير كانت الأزمة في الواقع فرصة لتطهير المنظمة من الأعضاء الغريبة. مع ذلك، سرعان ما أصيب بليتنيف بالصدمة حين اكتشف أن انهيار البروليتكولت قد بدأ بالفعل.

الطليعة الثقافية

في خريف عام 1921 اجتمع مندوبو البروليتكولت لحضور مؤتمر وطني آخر، ولكن هذه المرة سيطر مزاج مختلف تماماً عن السنة السابقة. أدى التراجع الواضح في الموارد وما نتج عنه من انخفاض في العضوية إلى حصول توترات في العلاقة بين المنظمة المركزية وفروعها الإقليمية. وكأن هذه المشكلات لم تكن كافية، فقد واجهت المنظمة تساؤلات متجددة حول مصداقيتها السياسية.

اندلعت الأزمة الأولى حتى قبل افتتاح المؤتمر. فقد صدر كتيب مجهول الكاتب/ة بعنوان “نحن الجماعيون” لفت نظر قيادة البروليتكولت واللجنة المركزية في الحزب الشيوعي. أعلن الكتاب، الذين لم تحدد هويتهم على الإطلاق، أنهم تكتل من الحزب الشيوعي على صلة بالبروليتكولت والمعارضة العمالية. حيث أدانوا السياسة الاقتصادية الجديدة، واتهموا الحزب الشيوعي بالتخلي عن مبادئ الاشتراكية وديكتاتورية البروليتاريا، وادعوا أن بوغدانوف وتقليد الفبيريديّ هما الإلهام الحقيقي للشيوعية ولمنظمة البروليتكولت. (60)

كانت ردة فعل الحزب الشيوعي سريعة. فقد نشر بوخارين رداً هجومياً في البرافدا حيث اعتبر المنظمة مثالاً على “المنشفية البوغدانوفية” وأدان بوغدانوف على مقاربته السلبية والخاطئة للتغيير الثوري. وحذّر عدداً قليلاً من الناس الذين يريدون تحويل البروليتكولت وسيلة لإحياء المنشفية. (61) على الرغم من أن المكتب السياسي قد أعاد التأكيد على أحكامه السابقة بما خص العقيدة السياسية في البروليتكولت، نشرت مجموعة الحزب في البروليتكولت بيانها الخاص، رافضة فيه كل المحاولات لاستعمال المنظمة من أجل “مصالح مجموعة صغيرة”. (62)

غيّر الكتيب المجهول موقف البروليتكولت الرسمي إزاء أبرز منظريه. على الرغم من أن بوغدانوف كان حاضراً كمندوب في اجتماع تشرين الثاني/نوفمبر، لم يعاد انتخابه إلى اللجنة المركزية في البروليتكولت. في هذا الوقت، وليس عام 1920، أعفي بوغدانوف من منصبه الوطني. (63) على العكس من بوخارين وبقية نقاد الحزب، لم يدين بليتنيف بوغدانوف بالاسم على الإطلاق، ما عدا الاعتراف بأن الجماعيين ينظرون إلى أعماله كمصدر للإلهام. رغم ذلك، سارع على إبعاد البروليتكولت عن تهمة التعاطف مع “الجماعيين”.

أزيح تكتل الجماعيين جانباً بسرعة إلى هامش مؤتمر البروليتكولت. لم يكن واضحاً حتى مقدار الدعم الذي نالته المجموعة. مع ذلك، إن إدانة الجماعيين لسياسات الحزب في ظل السياسة الاقتصادية الجديدة أجبرت قادة البروليتكولت على معالجة هذا التحول الدرامي في مسار البلاد. عبر بدء حقبة جديدة من المساومة الطبقية، تحدت السياسية الاقتصادية الجديدة السبب الأساسي لوجود البروليتكولت. كيف يمكن لمنظمة مكرسة لتحقيق ديكتاتورية البروليتاريا أن تبرر نفسها في هذه البيئة الاجتماعية الجديدة؟

حاول بليتنيف تحويل هذا الضعف الواضح إلى قوة. فقد أصر على أن البروليتكولت لها أهمية متزايدة أكثر من قبل وتحديداً بسبب السياسة الاقتصادية الجديدة. فالتحول الاقتصادي شجع البرجوازية الصغيرة على ترسيخ أيديولوجيتها الغريبة. لذلك، كان على المنظمات العمالية التوحد في جبهة واحدة ضد مثل هذه التأثيرات، وأن تكون البروليتكولت في المقدمة. إذا كانت السياسة الاقتصادية الجديدة تشكل تراجعاً في السياسة والاقتصاد، فإن البروليتكولت لن تسمح بالتراجع على المستوى الأيديولوجي. (64) في جوهر المسألة، حاجج، إن السياسة الاقتصادية الجديدة منحت البروليتكولت مبرراً جديداً وقوياً لاستمرار وجودها.

هذه الثقة اللافتة بالنفس في مواجهة الانتقادات العدائية تميزت كذلك بتعاملات بلتيتنيف مع فروع البروليتكولت المحلية. كان مصمماً على فرض سيطرة مركزية على العمل المحلي، وبالتالي القضاء على العداوات العتيقة بين موسكو والأقاليم. كان تكتيكه المفضل هو تجاهل المشاكل المحلية بشكل تام، خاصة الشكاوى أن المركز ومنظمات موسكو كانت تهيمن على القسم الأكبر من الموارد القليلة لصالحهم. (65)

استمر بليتنيف التأكيد على أن التدهور المؤسساتي حتى الآن كان إيجابياً وطهر البروليتكولت من العناصر الغريبة التي دخلت إلى المنظمة خلال الحرب الأهلية. على الرغم من أنه كان صحيحاً، كما قال، أن المنظمات مثل تلك الموجودة في البلدة الصغيرة إيارنسك، في مقاطعة فولوغدا، كانت تتلاشى، فقد كان ذلك في الواقع تطوراً إيجابياً لأن المنظمة لم تكن تحتوي عمالاً بكل الأحوال. “ربما تحتوي على صانع أحذية منظم بشكل من الأشكال، ولكن ذلك لا يعطينا الحق بالإبقاء على منظمة البروليتكولت هناك، نحن منظمة من أجل البروليتاريا الصناعية”. (66) وحتى يكون أوضح، أعلن بليتنيف: “في الوقت الحالي، وفي مثل هذه الظروف، لا يمكن أن تكون البروليتكولت منظمة جماهيرية. إنها وستكون منظمة للقوى الثقافية والإبداعية لطليعة الجماهير البروليتارية”. (67)

كما هيمنت الرؤية الطليعية على مناقشات الأعمال الإبداعية. لم تكن الاقتراحات المقدمة من قبل القادة المركزيين متناسبة لمنظمة جماهيرية. في كلمتها حول عمل النادي، شددت رايزا غينزبورغ على الحاجة إلى مشاركين بروليتاريين متعلمين ومتقدمين. كذلك ضمن قراءة طويلة ومعقدة حول المسرح، أدان فالنتين سميشلييف بشدة الممارسات المسرحية الإقليمية وأصر على أن تعود البروليتكولت إلى مشاريعها الاختبارية. وأشار إيليا ترينين إلى الممارسات في الفنون المرئية، مقترحاً إقامة مدرسة تدريبية مركزية مع برنامج معمق يمتد طوال أربع سنوات. (68)

الطليعية في خطاب كيريلوف حول الأدب كانت متطرفة على نحو خاص. أراد إلغاء كل استديوهات الأقاليم واستعمال المال لدعم حفنة من الطلاب المتميزين في موسكو. وبسبب الوضع المالي، حتى أفضل الطلاب كانوا في وضع يائس، فلماذا تضييع المال على الأقاليم؟ “أظهر لنا واقع الحياة الصعب والشاق أن كل الأمور التي حلمنا وأملنا بها في عملنا هي بعيدة، بعيدة للغاية”. وبدلاً من هدر المال على العمال غير الموهوبين، يجب على البروليتكولت دعم أولئك الذين أثبتوا أنفسهم. (69) النخبوية الراديكالية كانت كثيرة جداً حتى بالنسبة لبليتنيف، الذي حاجج أنه على البروليتكولت أن تبقى مفتوحة أمام هؤلاء العمال الذين حلموا بأن يصبحوا فنانين في يوم من الأيام. (70)

كما حصل مع الجهود السابقة، أظهرت قرارات المؤتمر أن العلاقات الجديدة مع النقابات والناركومبروس لم تحل إلا القليل من العداوات المحلية. (71) كما أن الحزب الشيوعي كان ملتبساً. في نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر، أرسل المكتب السياسي تعميماً إلى لجان الحزب المحلية تضمن رسالة مزدوجة حيال التعاون المستقبلي. فقد ألح على المكاتب المحلية على دعم البروليتكولت بصفتها “واحدة من أجهزة الحزب وذلك لأنها تؤمن الحاجات الثقافية للبروليتاريا”، وفي ذلك دعم حماسي. وفي الوقت عينه، وجه الشيوعيون داخل البروليتكولت لتطهير المنظمة من العناصر البرجوازية الصغيرة، والجماعيين، وبقايا فلسفة بوغدانوف.(72)

بقيت المشاكل المالية هي الأكثر جدية، وعلاقة البروليتكولت المتناقضة مع الدولة قد زادت من الأزمة المالية. طوال تاريخها، طالبت البروليتكولت بالاستقلالية، وفي الوقت عينه أصرت على أن تدفع الحكومة الفاتورة. ولكن الآن كانت موارد الناركومبروس قد باتت شحيحة، استمرت مطالبات البروليتكولت بالمزيد من المال، والمزيد من حرية العمل التي بالكاد شجعت الكرم [في الدفع]. مع بداية عام 1922، حتى القادة الوطنيين كانوا على علم أن المنظمة كانت تعاني من ضيق مالي. فطلبوا المساعدة المالية من الغلافبوليتبروسفيت- Glavpolitprosvet، فادعت أنها تستطيع دعم ليس أكثر من 50 أو 60 منظمة محلية. أي تخفيض مالي إضافي سيسبب الضرر لقضية الثقافة البروليتارية وصراع البروليتكولت ضد أيديولوجيا البرجوازية الصغيرة. (73)

أخيراً فهموا فداحة الوضع، في شباط عام 1922، نظمت قيادة البروليتكولت مؤتمراً للجنة المركزية. بحلول هذا الوقت، كانت ذبلت كل ملامح التفاؤل. جاء المندوبون من 50 مدينة إقليمية كذلك من موسكو وبتروغراد، وكان يواجههم واقع الخروج من أزمة المنظمة. كان البند الوحيد على برنامج عمل المؤتمر هو تكوين لائحة من المنظمات التي تستطيع البروليتكولت المركزية الاستمرار بدعمها. فقط 38 منظمة لبّت الشروط، إضافة إلى 12 منظمة جديدة لأنها تأسست (أو أعيد تأسيسها) داخل المناطق الصناعية الهامة. (74)

يبدو أن عملية الإزالة كانت سهلة إلى حد ما. فالمنظمات التي لم تبقِ على علاقات وثيقة بالمركز مثل تلك في كلين وكورسك، شطبت من اللائحة، كما تلك الموجودة في مناطق خالية من البروليتاريا. كما أقصى المؤتمر كل المجموعات التي لم تطور برنامجاً ثقافياً “ناجحاً” كما تلك التي كانت تعاني من مشكلات مادية جدية والتي تتطلب دعماً مركزياً كبيراً للاستمرار في العمل. كما أغلقت البروليتكولت في أومسك (لم تتمثل في المؤتمر) بشكل مؤقت بسبب مشاكله المادية الصعبة وما قيل عن علاقاته الضعيفة مع العمال المحليين. (75) كما وثق ليونيد تسينوفسكي، ممثل من أرخانغيلسك، تاريخاً طويلاً للمشاكل الخارجية والداخلية في المدينة. ومع عدم وجود الموارد المحلية للبروليتكولت لاستمرار منظمة أرخانغيلسك حل المؤتمر المنظمة. كما أطلع قائد محلي آخر، نيكولاي بيليايف، كيف أن بروليتكولت تامبوف، إحدى المنظمات الأولى، قد تراجعت في نهاية الحرب الأهلية واليوم تواجه مشكلة الانقراض ما لم يزودها المركز بمزيد من المساعدة. بالنتيجة ذهبت منظمتا أرخانغيلسك وتامبوف ضحيتي إعادة التنظيم. (76)

من خلال هذا التقليص الكبير، أمل المركز بإعادة توجيه موارد البروليتكولت إلى أفضل المنظمات المحلية وإيجاد أموال لمجموعات جديدة افتتحت في المناطق الصناعية الهام. شدد المؤتمر على مسار المركزة. وقد توزعت المخصصات المالية الجديدة للموظفين والدعم بشكل علني لصالح موسكو وإدارة البروليتكولت المركزية. كان قد خصص الناركومبروس حصص إعاشة لـ 1000 موظف و1500 منحة دراسية لعام 1922. وقدم المؤتمر 435 حصة للموظفين (43،5 بالمئة) و690 منحة دراسية (46 بالمئة) لموسكو والاستديوهات المركزية. كان على العمال الموهوبين من الأقاليم الانتقال إلى العاصمة، ختم القائد الوطني في البروليتكولت الوطني فلاديمير فيديش. (77)

على الرغم من حجمها، حتى هذه التخفيضات أثبتت أنها غير واقعية. بحلول أواسط العام 1922، خفض الغلافبوليتبروسفيت- Glavpolitprosvet من دعم الحصص الغذائية بمقدار الثلث، (78) واشتكت المنظمات المحلية بأنها لم تكن حتى تتلقى هذه الحصص القليلة. لم تفتتح المنظمات الجديدة التي أقرت في مؤتمر شباط/فبراير واستمر إقفال المنظمات المحلية. مع نهاية عام 1922 بقيت 10 منظمات من أصل 26 منظمة في المصانع كانت مسجلة على اللائحة الرسمية. (79)

أجبرت الصعوبات المستمرة المنظمة المركزية على إعادة تقييم وضعها من جديد. كانت الخطط في مؤتمر شباط/فبراير لها منطقها الخاص بالنسبة لهم- دعم أقوى المنظمات على حساب الأضعف والوصول إلى المناطق التي يوجد فيها عدد كبير من المصانع. ولكن لم يكن هناك طريقة لوصف الانهيار المستمر بشكل إيجابي. كانت التقارير من الأقاليم قاتمة. وكانت المنظمات المحلية تقفل أبوابها تباعاً بسبب عدم وجود أموال ولم يبقَ أي أحد لقيادتها. على سبيل المثال، على الرغم من واقع وجود دعم محلي من العمال، فقد أغلقت بروليتكولت روستوف على نهر الدون بسبب عدم وجود المال وبقيت كل مطالباتها بإرسال الموظفين دون رد. ترك الطلاب المتبقين حتى يتوجهوا إلى استديوهات الناركومبروس أو معاهد العمال المحلية. أغلقت بروليتكولت كوزنيتسوف أبوابها لأسباب مشابهة، على الرغم من أن القيادة المركزية كان قد صنفت منطقة كوزنيتسوف منطقة ذات أهمية خاصة لعمل البروليتكولت. (80)

عند هذه النقطة، اتفق بليتنيف مع زملائه على أنه من غير المنطقي التقدم بطلب إلى الناركومبروس أو الحزب الشيوعي للحصول على المزيد من الدعم. المصدر الوحيد المتبقي الممكن للتمويل كانت البيروقراطية الثقافية النقابية. وبهدف كسب المزيد من الدعم العمالي المتحمس اقترح بليتنيف انعقاد مؤتمر وطني في شتاء عام 1922، وقد صودف الأخير مع انعقاد المؤتمر الخامس لنقابات العمال. (81) لم يكن هناك المزيد من الاقتطاعات أو المزيد من إعادة التنظيم لتجريبها. مع ذلك، ما زال يأمل رئيس البروليتكولت بأنه إذا تمكن من عرض قضيته ببلاغة كافية، فستجد المنظمة الموارد الضرورية للاستمرار.

على الجبهة الأيديولوجية: نقاشات الثقافة البروليتارية

في شتاء العام 1922، أصبحت البروليتكولت منظمة صغيرة ومحاصرة، لم تكن سوى ظِل الحركة التي كانت تضم في وقت سابق حوالي نصف مليون منتسب قبل سنتين. تراجع عدد أعضائها ليصل إلى ما يزيد قليلاً عن 500 طالب منظمين في 20 حلقة محلية. (82) كما انهارت شبكة المنشورات التي كانت تصدرها. بعد استبعاد مجلة الثقافة البروليتارية من موازنة الدولة، أصدرت المجلة العدد الأخير منها عام 1921. (83) وأصبحت مجلة الموقد في موسكو، التي باتت الآن تمثل المنظمة الوطنية، مجلة البروليتكولت الأساسية الوحيدة المتبقية.

وعلى الرغم من حجمها الصغير للغاية، باتت البروليتكولت موضع نقاش أساسي في الصحافة السوفياتية. ومما لا شك فيه، لم تكن البروليتكولت تشكل تهديداً كافياً لإثارة كل هذا الجدل. إلا أن النقاشات كانت بشكل جزئي حول مصير المنظمة. كانت اختباراً كذلك لمفهوم الثقافة البروليتارية ووسيلة ممتازة لمناقشة مثل هذه “القضايا الملتهبة” حول السياسة الاقتصادية الجديدة التي أطلقها الحزب الشيوعي والدولة. ما هي الطريق الصحيحة لتحقيق التحول الثقافي في روسيا السوفياتية؟ من يمثل الضرر الأكبر- الخبراء والمثقفون الذين تدربوا تحت الرأسمالية أو الطبقة العاملة المتأخرة وغير الراضية؟

هذه المناقشة الشاملة للثقافة البروليتارية التي وافق عليها المكتب السياسي نفسه، أعطت بليتنيف فرصة ممتازة لنقل قضية البروليتكولت إلى الأمة ككل. (84) على الرغم من أن المنظمة كانت حليفة مشبوهة، إلا أن نقدها الصريح للأيديولوجيا البرجوازية منحها بعض التعاطف من بين أولئك الذين يتشاركون مع البروليتاريين مخاوفهم حيال أن السياسة الاقتصادية الجديدة ستؤدي إلى فترة من الرجعية البرجوازية. تكررت مثل هذه المخاوف في المؤتمر الـ 11 للحزب، وحذر بوخارين في مقال له في مجلة الحزب المرموقة “تحت راية الماركسية”، من أن التاريخ قدم العديد من الأمثلة لشعب مهزوم فرض ثقافته على الغزاة. (85) إذا لم يكن للبروليتكولت الإجابات الصحيحة، لأشخاص مثل بوخارين، إلا أنه أثار على الأقل الأسئلة الصحية.

من المفهوم أن بليتنيف كان معنياً بشكل خاص بمستقبل البروليتكولت، والذي اعتبره مرادفاً لمستقبل الثقافة البروليتارية. كانت مقالته الافتتاحية بعنوان: “حول الجبهة الأيديولوجية” بياناً شاملاً لمعتقدات البروليتكولت وفلسفتها. إذا كان الماركسيون عدائيين تجاه البروليتكولت، بكل بساطة لأنهم لم يفهموها. كانت الثقافة البروليتارية النقيض الضروري للثقافة البرجوازية، والخطوة الضرورية قبل تحقيق ثقافة لاطبقية حقيقية لكل البشرية. على الرغم من أن الثقافة البروليتارية تضم بالضرورة عناصر من كل ما سبقها. فإنها ستناضل بلا توقف ضد الفردية البرجوازية. كانت البروليتكولت ضرورية تاريخياً للنضال ضد الأيديولوجيا البرجوازية. (86) لم يذكر السياسة الاقتصادية الجديدة بشكل واضح في المقال، ولكن كانت هناك جدالات شفافة تجرى ضدها في كل مكان. تحدث بليتنيف ضد المساومة الطبقية، استعمال الخبراء، ومشاركة الفلاحين، والبرجوازية، والمثقفين في منظمته. الثقافة البروليتارية هي النقيض الضروري للأمراض الحالية التي يعاني منها البلد، ولا يمكن تحقيقها إلا بواسطة العمال.

كما كان مقال “حول الجبهة الأيديولوجية” دعوة لمزيد من الإيمان بالقوى الإبداعية للبروليتاريا. امتلكت الطبقة العاملة القوة لتصور علم وفن جديدين، “حتى في هذا البلد المتوحش وغير المثقف وشبه الأمي والمفقر” [كذا]. مستعملاً لغة بوغدانوفية لافتة للنظر، دافع بليتنيف عن فكرة العلم البروليتاري من خلال الإصرار على أن البروليتاريا يجب أن تجد أنظمة جديدة للمعرفة، وصلات جديدة بين أنواع المعرفة، وفهم أحادي للعالم. بالانتقال من العلم إلى الفن، أعلن أن الثقافة الجديدة يجب أن يصنعها العمال الفنانون، أشخاص يهدفون إلى تغيير العالم، وليس فقط إلى تجميله. ربما لم تبذل البروليتكولت الجهود اللازمة في السنوات الأربع من تواجدها، ولكن على المرء تذكر أن البرجوازية استغرقت 5 قرون حتى تطورت ثقافتها. “هل يجب أن نعتبر الخطوات التجريبية الأولى في هذا الاتجاه خيالية ورفاهية غير ضرورية؟” سأل بشكل خطابي. (87)

أجاب بليتنيف عن سؤاله بعد شهر. في مقالة له بعنوان “في البروليتكولت”، كرر ووسع وصفه لممارسة البروليتكولت، منوهاً بإنجازاتها الأدبية، وإنتاجها المسرحي (خاصة مسرحياته)، وإتجاهها الجديد نحو الانتاج الفني. كما ضمّن المقالة تفسيراً جديداً لتراجع البروليتكولت. فقد تنامت المنظمة بشكل كبير مع نهاية عام 1920 والمركز لم يؤمن الموارد الكافية لدعم مثل هذه الشبكة الكبيرة. لذلك، بدءاً من مؤتمر العام 1920 فصاعداً، خفض عمداً عدد الفروع المحلية حتى وصل عددها 38 في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1921. (88) من خلال الاستشهاد بهذه الأرقام، والتي تتناقض مع تلك التي قدمها قبل سنة، أمل رئيس البروليتكولت على ما يبدو إظهار أن مطالباته باستمرار دعم الدولة كانت معقولة ومتواضعة، وأن انهيار الشبكة الوطنية المتسعة قد حدث على الأقل بسبب خطأ في بنيتها. أنهى مقالته بالمطالبة باستمرار الإعانات. أدت تأثيرات السياسة الاقتصادية الجديدة عام 1922 إلى خفض جديد في تمويل البروليتكولت عما كان عليه الحال عام 1921. لم يكن هناك سوى 20 منظمة وطلبات آتية من مناطق صناعية لافتتاح فروع جديدة للمنظمة. إذ وردت إشاعات من الحكومة تقول إنها ستزيل الدعم بشكل كلي. “إذا كان هناك من رغبة في حل البروليتكولت، إذاً، وقف التمويل الحكومي سيؤدي بكل تأكيد إلى تحقيق ذلك”. (89)

لكن هذا الدفاع العاطفي خدم فقط في تعبئة خصوم البروليتكولت. كانت ناديا كروبسكايا أول من ردّ. على الرغم من أنها لم تجادل أن الثورة ستلهم أيديولوجيا طبقية جديدة، إلا أنها قد فصلت قضية الثقافة البروليتارية عن منظمة البروليتكولت، والتي كانت محدودة للغاية، ومنفصلة جداً عن الجماهير، وغير نقدية للغاية للفن البرجوازي حتى تخلق ثقافة جديدة. لم تصل البروليتاريا إلى السلطة حتى تحكمها الطبقات الأخرى؛ كان عليها بدلاً من ذلك إقناعهم بصحة وجهات نظرها. بحسب كروبسكايا، لدى البروليتكولت الكثير لتفخر به، لأن استديوهاتها قد أدخلت العديد من العمال في التعليم الفني. ولكنها أنكرت أنها خلقت فناً بروليتارياً فريداً، ورفضت فكرة أن مثل هذا الفن، عند ظهوره، سيصنعه العمال لوحدهم. ستأتي الثقافة البروليتارية من الحياة نفسها، ولا يمكن أن “تفقس” لوحدها. (90)

كانت انتقادات كروبسكايا معتدلة مقارنة بلينين. إثر غضبه من مقال بليتنيف الأول، أرسل لينين احتجاجاً فورياً إلى بوخارين لنشره في البرافدا. ثم بدأ يخطط مع إياكوفليف، الرجل الثاني في قيادة الأجيتبروب- Agitprop، لشن هجوم شامل على بليتنيف. (91). لم يجد رد إياكوفليف المطول، الذي كتبه بمساعدة لينين، شيئاً له قيمة في دفاع بليتنيف عن أعمال البروليتكولت. كانت أفكار بليتنيف عن العمل سخيفة وصوفية. لم يكن لدى البروليتكولت أي مصلحة للإصرار على مقاربة طبقية صارمة وحصرية. وها قد حان الوقت لإقامة السلام مع الفلاحين والاختصاصيين. كما شن إياكوفليف هجوماً على ممارسات البروليتكولت الفنية، وخاصة مسرحياتها. (92)

كان القسم الأكثر إثارة للاهتمام في هذا النقد المستمر هو الصورة التي رسمها للبروليتاريا الروسية. شكك إياكوفليف في أن الطبقة العاملة الحالية كان لديها المعرفة والخبرة لإتمام المهام التي وصفها بليتنيف. لم يظهر إياكوفليف مطلقاً أي تقدير للظروف الثقافية في روسيا الحالية. من دون شك أن جوانب من الثقافة البرجوازية كانت ضرورية لمحاربة التخلف الثقافي الروسي. لقد سلبت سنوات الحرب والثورة البروليتاريا أفضل عناصرها، تاركة شبه الأميين والفلاحين والمضاربين مكانهم. وبدلاً من العمال “الحقيقيين”، ما زال [الأولون] يصلّون لمريم العذراء في أماكن العمل، قدم بليتنيف رؤية رائعة للطبقة العاملة. “بعض عناصر الخيال كانت ضرورية، خاصة في أول فترة من الثورة حين هزت الطبقة العاملة في روسيا صرح العالم البرجوازي برمته بضرباتها القوية”. ولكن زمن الخيال كان قد انتهى، ختم إياكوفليف. (93)

مثل هذا التقييم القاتم للبروليتكولت ومهاراتها كان صدى لتعليقات لينين المهينة في مؤتمر الحزب الـ 11، حيث أصر على أن المصانع مليئة الآن بكافة “العناصر العَرَضية”. (94) قاد هذا التحليل لينين إلى رفض كامل فكرة الثقافة البروليتارية، وهي خطوة إضافية ضمن هذا الجدال. قبل أن تفكر الدولة حتى بما هو خطأ في تراث الرأسمالية، كان عليها تحقيق الإنجازات الضرورية للاشتراكية، مثل محو الأمية وأخلاقيات الانضباط في العمل. (95) كما كتب في واحدة من مقالاته الأخيرة، “أقل أفضل، لكنه أفضل”، إن الحديث المتهور عن الثقافة البروليتارية قد أعمى الكثير من الناس عن أوجه التراجع الثقافي في البلد. “كبداية، سنكتفي بالثقافة البرجوازية الحقيقية؛ كبداية، يجب تجنب الأنواع الأكثر فظاظة من ثقافة ما قبل البرجوازية، أي الثقافة البيروقراطية وثقافة العبيد… أما في المسائل الثقافية، إن الإجراءات المتسرعة هي الأكثر أذية”. (96)

لقد حققت هذه المناقشة الساخنة عكس ما طمح إليه بليتنيف تماماً. على الرغم من أن المنظمة لم تحل، لكن ألغي مؤتمرها المقبل وقرر المكتب السياسي أن يصبح تمويلها ذاتياً. ووفر مالاً كافياً لضمان عدم انهيار البروليتكولت الكامل. (97) خلال مناقشة هذه النقطة في مؤتمر البوليتبروسفيت- Politprosvet بعد شهر، كانت نبرة لوناتشارسكي حلوة-مرة، فقد اعترف أن البروليتكولت كانت مكلفة أكثر مما كان متوقعاً ولم تحقق سوى القليل من النتائج الملموسة. ولكن المنظمة لم تنج، وتعين عليها إيجاد طريقة أخرى للسماح للعمال الموهوبين إيجاد مقاربتهم الخاصة في الثقافة والعلوم والتعليم. (98)

كانت نتيجة تخفيض الدعم المالي، وهو ما كان متوقعاً، أن تقلصت البروليتكولت أكثر. بحلول تشرين الثاني/نوفمبر عام 1922، خلصت المنظمة المركزية إلى أنها لا تملك ما يكفي من المال لتغطية تكاليف التدفئة للمنظمات المحلية.

بحلول كانون الأول/ديسمبر، وقعت المنظمة بعجز مالي. في كانون الثاني/يناير عام 1924، لم يكن هناك سوى 11 منظمة للبروليتكولت في كل الاتحاد السوفياتي. (99) كانت النتائج الأيديولوجية لهذه النقاشات على نفس المستوى من الخطورة. لقد وضعت جميع دعاة إبداع الطبقة العاملة في حالة دفاع في السنوات الأولى من السياسة الاقتصادية الجديدة. ولكن بالنسبة إلى البروليتكولت كانت النتائج أكثر تخريباً. جرى فصل الإبداع البروليتاري والتعبير الفني عن البروليتكولت كحركة اجتماعية وثقافية.

كانت الإجابة المختصرة والبسيطة عن أسباب تراجع البروليتكولت: الصعوبات المالية هي السبب الأساسي. مع نهاية العام 1920 وصاعداً عانت المنظمة من الاقتطاعات المالية المتتالية، وكان لكل اقتطاع نتائج جدية على نطاق ونوعية أنشطة البروليتكولت. ولكن هذه الإجابة المختصرة تخفي سؤالاً آخر. لماذا توقفت مؤسسات الدولة والحزب والمؤسسات المحلية عن دعمها المالي؟ للإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نكشف التشابك المعقد للتفسيرات العملية والأيديولوجية.

بشكل أساسي، يبدو أن زوال البروليتكولت كان محدداً مسبقاً. فالأعضاء في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، ولينين خاصة، لا يثقون بالمؤسسات التي تطالب بالاستقلالية، بدءاً من النقابات والتكتلات الحزبية وصولاً إلى الأحزاب السياسية المعارضة. فبالكاد كان متوقعاً أن يتسامحوا مع منظمة لا تطمح إلى تحقيق الاستقلال الذاتي فقط، إنما تدعي أيضاً أن عدداً كبيراً من أعضائها من البروليتاريين. وكان للينين شكوى خاصة ضد المنظمة التي ربطها ببوغدانوف. وما إن علم بحجم ونطاق أنشطة البروليتكولت في خريف العام 1920، كان مصير المنظمة التغيير الجذري.

أدت نهاية الحرب الأهلية وإدخال السياسة الاقتصادية الجديدة إلى التعجيل في انهيار البروليتكولت. شكلت السياسة الاقتصادية الجديدة بداية إجراءات التقشف المالي لكل أجهزة الدولة حيث كانت البلاد تناضل للتعافي من سنوات الحرب الطويلة. خلال ذلك عانت أغلب المؤسسات التربوية والثقافية من اقتطاعات مالية جذرية. ولكن من المنصف القول إن البروليتكولت جرى تمييزها عبر استهدافها على نحو خاص. وبسبب الاحتياجات المتغيرة للدولة السوفياتية وأصولها المتراجعة، لم تكن الحكومة على استعداد لتمويل منظمة لها إنجازات ثقافية مشكوك فيها وسمعة سياسية مشبوهة.

تميزت السياسة الاقتصادية الجديدة أيضاً في المناخ الأيديولوجي للاتحاد السوفياتي. لقد بدأت حقبة باتت فيها اللغة الجذرية للحرب الطبقية في غير محلها على نحو متزايد. شجع الحزب التحالفات بين العمال والفلاحين وبين العمال والاختصاصيين الضروريين لإعادة بناء الاقتصاد المتعثر. طبعا تضمنت البروليتكولت خبراء وفلاحين في نشاطاتها منذ البداية؛ ولم تكن يوماً منظمة بروليتارية حصرية. مع ذلك، كان القادة المركزيون يدينون دائماً بصوت مرتفع مشاركة الفئات الاجتماعية الأخرى. كانت تصريحاتهم الطبقية جزءاً من جوقة عامة خلال الحرب الأهلية، لكنهم بدوا الآن مشكوكاً بهم وخطيرين.

واصل قادة البروليتكولت تصوير أنفسهم على أنهم مدافعون أقوياء عن الثقافة البروليتارية، لكن لم يعد لديهم حركة كبيرة وراءهم لمساعدتهم على تحقيق أهدافهم. بضعة آلاف من المشاركين، بغض النظر عن جودتهم، بالكاد كان بإمكانهم إثارة نفس الجاذبية الخلاصية والحماسية مثل تنقلاتهم المتجولة والفوضوية في سنوات الحرب الأهلية. لا يبدو يوتوبياً التفكير في أن مثل هذه الأعداد القليلة يمكن أن تغير الأساس الأخلاقي والثقافي لمجتمع بأكمله. بدلاً من ذلك بدا الأمر خيالياً. دُفعت المؤسسة التي وضعت الثقافة البروليتارية على البرنامج الثوري عام 1917 إلى الهامش ولم تعد قادرة الادعاء القيام بدور تكويني في الحياة الثقافية السوفياتية.

الهوامش:

[1] See, for example, Robert C. Williams, The Other Bolsheviks (Bloomington, 1985), pp. 185–87.

[2] On the trade union debates see Edward Hallett Carr, The Bolshevik Revolution, 1917–1923 (New York, 1952), vol. 2, pp. 198–227; Robert V. Daniels, Conscience of the Revolution (New York, 1960), pp. 119–36; Jay B. Sorenson, The Life and Death of Soviet Trade Unionism, 1917–1928 (New York, 1969), pp. 106–28; and Thomas Remington, Building Socialism in Bolshevik Russia (Pittsburgh, 1984), pp. 92–101.

[3] A. Kollontai, Rabochaia oppozitsiia (Moscow, 1921), pp. 37–45.

[4] Indeed, Kollontai insisted on more glasnost ‘, a demand with a very contemporary sound, ibid., p. 44.

[5] On the Democratic Centralists see Robert Service, The Bolshevik Party in Revolution, 1917–1923 (London, 1979), pp. 51–53, 144–46; and Ekkehard Klug, “Die Gruppe des Demokratischen Zentralismus und der 10. Parteitag der KPR(b) im März 1921,” Jahrbücher für die Geschichte Osteuropas , vol. 35 (1987), pp. 36–58.

[6] Peter Kenez, The Birth of the Propaganda State (Cambridge, Eng., 1985), pp. 124–25.

[7] Sheila Fitzpatrick, The Commissariat of Enlightenment (Cambridge, Eng., 1970), pp. 166–76.

[8] N. K. Krupskaia, “Neskol’ko slov o Proletkul’te,” in Pedagogicheskie sochineniia v desiati tomakh , by N. K. Krupskaia (Moscow, 1961), vol. 7, p. 60.

[9] “O Proletkul’te,” Vneshkol’noe obrazovanie (Moscow), no. 4/6 (1919), columns 171–72; and Izvestiia TsIK , May 13, 1919.

[10] S. Kluben’, “Proletkul’t i Narobraz,” Griadushchaia kul’tura , no. 6/7 (1919), pp. 19–21.

[11] “Svedeniia, kasaiushchiesia deiatel’nosti Proletkul’ta,” Tsentral’nyi Gosudarstvennyi Arkhiv RSFSR [henceforth cited as TsGA RSFSR] f. 2306, op. 17, d. 9, ll. 1–4, quotation l. 3.

[12] June 10, 1919, circular from the Proletkult division in Narkompros, Tsentral’nyi Gosudarstvennyi Arkhiv Literatury i lskusstva [henceforth cited as TsGALI] f. 1230, op. 1, d. 240, l. 3. The decision was publicized in many Proletkult journals. See, for example, Proletkul’t (Tver), no. 3/4 (1919), pp. 19–20.

[13] Proletarskaia kul’tura , no. 15/16 (1920), pp. 75, 83.

[14] Fitzpatrick, Commissariat , p. 176.

[15] For Tula see the August 1918 minutes of a provincial party meeting, TsGALI f. 1230, op. l, d. 1536, l. 8; on Tambov see B. V., “O rabote Proletkul’ta,” Griadushchaia kul’tura , no. 4/5 (1919), p. 18.

[16] See Lenin’s greeting to the first Proletkult congress, “Pis’mo prezidiumu konferentsii proletarskikh kul’turno-prosvetitel’nykh organizatsii,” Protokoly pervoi Vserossiiskoi konferentsii proletarskikh kul’ turno-prosvetitel’nykh organizatsii, 15–20 sentiabria, 1918 g ., ed. P. I. Lebedev-Polianskii (Moscow, 1918), p. 3.

[17] For Lenin’s ideas on culture in the last years of his life see Moshe Lewin, Lenin’s Last Struggle (London, 1975), pp. 113–14. There is a large literature comparing Lenin’s understanding of culture with Proletkult views. For the most useful see Peter Gorsen and Eberhard Knödler-Bunte, Proletkult: System einer proletarischen Kultur (Stuttgart, 1974), vol. 1, esp. pp. 76– 102; I. S. Smirnov, “Leninskaia kontseptsiia kul’turnoi revoliutsii i kritika Proletkul’ta,” in Istoricheskaia nauka i nekotorye problemy sovremennosti , ed. M. I. Gefter (Moscow, 1969), pp. 63–85; V. V. Gorbunov, “Kritika V. I. Leninym teorii Proletkul’ta ob otnoshenii k kul’turnomu naslediiu,” Voprosy istorii KPSS , no. 5 (1968), pp. 83–93; idem, Lenin i sotsialisticheskaia kul’tura (Moscow, 1972), esp. pp. 169–213; and Zenovia A. Sochor, Revolution and Culture (Ithaca, 1988), chapters 5 and 6.

[18] V. I. Lenin, “Uspekhi i trudnosti sovetskoi vlasti,” 1919, in Polnoe sobranie sochinenii , by V. I. Lenin, 5th ed. (Moscow, 1969), vol. 38, p. 54.

[19] V. I. Lenin, “Ob obmane naroda lozungami svobody i ravenstva,” in V. I. Lenin o literature i iskusstve , 7th ed., ed. N. Krutikov (Moscow, 1986), p. 289.

[20] This point is made convincingly by John Biggart, “Bukharin and the Origins of the Proletarian Culture Debate,” Soviet Studies , vol. 34, no. 2 (1987), pp. 229–46, esp. pp. 231–32.

[21] V.I. Nevskii, “Dialekticheskii materializm i filosofiia mertvoi reaktsii,” in Soehineniia , by V. I. Lenin, 3d ed. (Moscow, 1931), vol. 13, pp. 317–24.

[22] “Mezhdunarodnyi biuro Proletkul’ta,” Izvestiia TsIK , August 14, 1920. On the bureau in general see Proletarskaia kul’tura , no. 15/16 (1920), pp. 3–6 and no. 17/19 (1920), pp. 2–5.

[23] Although there is no direct evidence to prove that Lenin read the article and was moved to take action because of it, the case for this causal chain is made convincingly by Smirnov, “Leninskaia kontseptsiia kul’turnoi revoliutsii,” pp. 71–73. Once Lenin had subordinated the Proletkult to Narkompros, he disbanded the International Bureau, ibid., p. 81.

[24] Notes by V. P. Faidysh and V. V. Ignatov in Lenin o literature , p. 542.

[25] For a summary of Lunacharskii’s speech see Proletarskaia kul’tura , no. 17/19 (1920), p. 78. Lunacharskii later claimed that his remarks were misinterpreted, but there is no evidence to support this contention. See Fitzpatrick, Commissariat , pp. 177–78.

[26] On the machinations behind the scenes at the Politburo meetings see V. V. Gorbunov, “Bor’ba V. I. Lenina s separatistskimi ustremleniiami Proletkul’ta,” Voprosy istorii KPSS , no. 1 (1958), pp. 33–35. For the text of Lenin’s original proposal, softened by Bukharin, see Lenin o literature , pp. 301–2. On Bukharin’s intervention see Biggart, “Bukharin,” pp. 233–34.

[27] Griadushchee , no. 12/13 (1920), p. 22; and “Neobkhodimoe ob “iasnenie,” TsGALI f. 1230, op. 1, d. 51, 1. 6.

[28] Gorbunov, “Bor’ba V. I. Lenina s separatistskimi ustremleniiami Proletkul’ta,” pp. 34–35. In a widely quoted memoir of the meeting, first published in 1967, Anna Dodonova claimed that party members were quickly swayed by Lenin, but Lenin’s notes indicate otherwise. Dodonova also exaggerated the number of party members at the congress; see A. Dodonova, “Iz vospominanii o Proletkul’ta,” in Lenin o literature , pp. 500– 503.

[29] Proletarskaia kul’tura , no. 17/19 (1920), p. 78; and Griadushchee , no. 12/13 (1920), p.22.

[30] “Rezoliutsii po organizatsionnomu voprosu, vnesena Kommunisticheskoi fraktsiei po predlozheniiu TsK RKP,” Proletarskaia kul’tura , no. 17/19 (1920), pp. 83–84.

[31] “O Proletkul’takh: Pis’mo TsK RKP,” Pravda , December 1, 1920, reprinted in Lenin o literature , pp. 408–10.

[32] Ibid.

[33] Ibid.

[34] Ibid., p. 410.

[35] “Neobkhodimoe ob”iasnenie,” TsGALI f. 1230, op. 1, d. 51,1.6. On publication efforts see Lenin o literature , p. 545.

[36] “Neobkhodimoe ob “iasnenie.”

[37] Ibid.

[38] On the delegation see Proletarskaia kul’tura , no. 20/21 (1921), p. 33; and F. Volgin’s memoirs, published first in Krasnyi Krym , January 21, 1921, and reprinted in Lenin o literature , pp. 503–4.

[39] See the minutes of the December plenum in Proletarskaia kul’tura , no. 20/21 (1921), pp. 32–34; and Dodonova, “Iz vospominanii,” in Lenin o literature , pp. 502–3.

[40] P. I. Lebedev-Polianskii [V. Kunavin, pseud.], “V novykh usloviiakh: O Proletkul’takh,” Tvorchestvo , no. 11/12 (1920), pp. 37–39.

[41] For the organization’s new program, initiated under Pletnev’s leadership, see “Blizhaishchie zadachi Proletkul’ta,” Proletarskaia kul’tura , no. 20/21 (1921), pp. 27–32; and a slightly longer version, “Deklaratsiia priniataia plenumom Vserossiiskogo Ts. K. Proletkul’ta 19 dek., 1920 g.,” Griadushchee , no. 4/6 (1921), pp. 53–59. For a thoughtful analysis of this shift that concentrates on internal Proletkult dynamics see Gabriele Gorzka, A. Bogdanov und der russische Proletkult (Frankfurt am Main, 1980), pp. 46–55.

[42] “Deklaratsiia,” Griadushchee , no. 4/6 (1920), pp. 54, 55, 57–58. See Krupskaia’s proposal for production propaganda in Glavpolitprosvet, Pedagogicheskie sochineniia , vol. 7, pp. 73–82.

[43] See Proletarskaia kul’tura , no. 20/21 (1921), p. 36, and the delegate list for the 1921 congress, TsGALI f. 1230, op. 1, d. 144,1.116. See also A. A. Bogdanov, “Ocherki organizatsionnoi nauki,” Proletarskaia kul’tura , no. 20/21 (1921), pp. 3–19.

[44] “Deklaratsiia,” Griadushchee , no. 4/6 (1921), pp. 54, 58. The national leadership confirmed Bogdanov’s plans for a national science studio in May 1921, Proletarskaia kul’tura , no. 20/21 (1921), p. 36.

[45] Fitzpatrick, Commissariat , pp. 186–209.

[46] Fitzpatrick, Commissariat , p. 291. On the budgetary implications of the New Economic Policy see R. W. Davies, The Development of the Soviet Budgetary System (Cambridge, Eng., 1958), pp. 50–58.

[47] See Pletnev’s comments on his negotiations with Glavpolitprosvet and Narkompros at the second Proletkult congress, Biulleten’ vtorogo s”ezda Proletkul’tov , no. 1, pp. 57–60, 65; no. 2, pp. 90, 94.

[48] Chetvertyi Vserossiiskii s”ezd professional’nykh soiuzov, 17–25 maia 1921 goda: Stenograficheskii otchet (Moscow, 1921), vol. 2, pp. 89–90, quotation p. 90.

[49] Biulleten’ pervoi Vserossiiskoi konferentsii po kul’turno-prosvetitel’noi rabote profsoiuzov (Moscow, 1921), no. 2, pp. 3–6; no. 3, pp. 4–5.

[50] Ibid., no. 2, p. 3.

[51] Telegram from the Kologriv Proletkult to the central organization, January 3, 1921, TsGALI f. 1230, op. 1, d. 1278, 1. 83.

[52] On general conflicts over clubs see Biulleten’ vtorogo s”ezda , no. 2, pp. 12–13. On finances see the reports from local organizations at the February 1922 Proletkult plenum, TsGALI f. 1230, op. 1, d. 146, ll. 8 ob., 11 ob.

[53] Iaroslavl, Biulleten’ vtorogo s”ezda , no. 1, p. 4; Saratov, Tver, and Samara, reports at the February 1922 Proletkult plenum, TsGALI f. 1230, op. 1, d. 146, 11.8, 12, 10 ob.

[54] Tver, report by Vladislava Lie at the February 1922 plenum, TsGALI f. 1230, op. 1, d. 146, 1. 12; Samara, report by A. S. Shein at the February plenum, d. 146, 1. 10 ob.; Orenburg, “Plan ob” edineniia Orenproletkul’ta s kul’totdelom G.S.P.S.” and a letter to the Proletkult central committee, d. 1235, 11.25, 36 ob.

[55] Local questionnaire, 1921, TsGALI f. 1230, op. 1, d. 117, 1.69 ob.

[56] See the report of the Tula provincial Proletkult, July 15, 1921, TsGALI f. 1230, op. 1, d. 1538, 1.25 ob.

[57] Report by the local president at the second Tver provincial conference, 1921, TsGALI f. 1230, op. 1, d. 1525, 1.20; “O sostoianii rabot Tverskogo Proletkul’ta k I/X 22 [October 1, 1922],” d. 1527, 1. 35.

[58] “Material k istorii Proletkul’ta,” TsGALI f. 1230, op. 1, d. 1245, 11.6, 16; Vladimirova’s report on the Ivanovo-Voznesensk Proletkult, February 2, 1922, d. 146, 1.7 ob.

[59] Questionnaire for the 1921 conference, TsGALI f. 1230, op. 1, d. 118, 11. 33, 11; report by the Proletkult head A. I. Smirnov, February 1922, d. 146, 1.11 ob.; “Anketa o roli, zadachakh i tseliakh Proletkul’ta,” March 1922, d. 118, 1.62.

[60] Excerpts from the document are cited in V. V. Gorbunov, V. I. Lenin i Proletkul’t (Moscow, 1974), pp. 172–74; N. Bukharin, “K s”ezdu Proletkul’ta,” Pravda , November 22, 1921; and L. N. Suvorov, “Iz istorii bor’by V. I. Lenina i partii bol’shevikov protiv bogdanovskoi ‘organizatsionnoi nauki,’ “Filosofskie nauki , no. 3 (1966), pp. 87–89.

[61] N. Bukharin, “K s”ezdu Proletkul’ta,” Pravda , November 22, 1921; Biggart, “Bukharin,” pp. 236–37.

[62] The November 18, 1921, ruling is in TsGALI f. 1230, op. 1, d. 14, 1. 104. It was published in Pravda on November 23, 1921, under the title “Resoliutsiia fraktsii s”ezda Proletkul’ta.”

[63] See the delegate list for the 1921 national congress, TsGALI f. 1230, op. 1, d. 144, 1.116, and Biulleten’ vtorogo s”ezda , no. 2, p. 93.

[64] Chetvertyi s”ezd professional’nykh soiuzov , p. 83; and Biulleten’ vtorogo s”ezda , no. 2, pp. 73–74.

[65] Biulleten vtorogo s”ezda , no. 1, pp. 18–21.

[66] Ibid., p. 13.

[67] Ibid., no. 2, p. 77. See also ibid., no. 1, p. 39.

[68] On clubs see ibid., no. 1, pp. 12–16; on theater see ibid., pp. 17–40, esp. pp. 23, 33; on music see ibid., pp. 51–69; on art see ibid., pp. 40–51, esp. p. 49.

[69] Ibid., no. 2, pp. 2–6, quotation p. 2.

[70] Ibid., pp. 7–8.

[71] See reports from local Proletkults at the June 1922 Proletkult plenum discussions, TsGA RSFSR f. 2313, op, 1, d. 19, 11. 2–4; 9–9 ob.; 44–46.

[72] This November 22, 1921, statement is in TsGALI f. 1230, op. 1, d. 51, 1.7, and reprinted in Lenin o literature , p. 410.

[73] “Zaiavlenie,” January 10, 1922, TsGA RSFSR f. 2313, op. 1, d. 19, 1. 1.

[74] “Dlia svedeniia vsekh uchrezhdenii i organizatsii RSFSR,” February 5, 1922, TsGALI f. 1230, op. 1, d. 49, 11.12–12 ob.; “Spisok Proletkul’tov utverzhdennykh plenumom Tsentral’nogo komiteta Vserossiiskogo Proletkul’ta, 2–5 fevralia, 1922 g.,” d. 121, 1.2.

[75] V. L. Soskin and V. P. Butorin, “Proletkul’t v Sibiri,” in Problemy istorii sovetskoi Sibiri , ed. A. S. Moskovskii (Novosibirsk, 1973), pp. 137–38.

[76] Protocols of the February 1922 plenum, TsGALI f. 1230, op. 1, d. 146, ll. 9 ob.–10 ob.; 7–7 ob.; 19 ob.–20.

[77] On staffing and scholarships see Pletnev’s report at the February 1922 plenum, TsGALI f. 1230, op. 1, d. 146, ll. 2–2 ob.; on the distribution of rations, ll. 21 ob.–22. For Faidysh’s comments see l. 21 ob.

[78] See the letter by Vladimir Faidysh to Glavpolitprosvet, August 22, 1922, TsGA RSFSR f. 2313, op. 1, d. 19, l. 67.

[79] Compare the February 1922 list in TsGALI f. 1230, op. 1, d. 121, l. 2 ob. to figures for late 1922 in Gorn , no. 7 (1922), p. 160.

[80] Reports from the June 26–29, 1922, central plenum, TsGA RSFSR f. 2313, op. 1, d. 19, ll. 2–26.

[81] On a new agreement with unions see TsGA RSFSR f. 2313, op. 1, d. 19, ll. 2–5, 19 ob.–20 ob.; on a new conference, ll. 37, 21–30.

[82] “O Proletkul’te,” Gorn , no. 7 (1922), pp. 160–61.

[83] Minutes of June 29, 1922, Proletkult plenum, TsGA RSFSR f. 2313, d.19, ll. 33–33 ob.

[84] On the decision to start the series see Lenin o literature , p. 546. Pletnev’s contribution consisted of three articles, “Na ideologicheskom fronte,” Pravda , September 22, 1922; “O desnitse i shuitse Proletkul’ta,” Pravda , October 17, 1922; and “V Proletkul’te,” Pravda , October 20, 1922.

[85] See Biggart, “Bukharin,” pp. 237–41; and N. Bukharin, “Burzhuaznaia revoliutsiia i revoliutsiia proletarskaia,” Pod znamenem marksizma , no. 7/8 (1922), pp. 61–82, esp. p. 79. Biggart argues that this article was the real beginning of the debate.

[86] V. F. Pletnev, “Na ideologicheskom fronte,” Pravda , September 22, 1922, reprinted with Lenin’s criticisms in Lenin o literature , pp. 304–11.

[87] Ibid., quotations pp. 308, 309.

[88] V. F. Pletnev, “V Proletkul’te,” Pravda , October 20, 1922.

[89] Ibid.

[90] Nadezhda Krupskaia, “Proletarskaia ideologiia i Proletkul’t,” Pravda , October 8, 1922, reprinted in her Pedagogicheskie sochineniia , vol. 7, pp. 139–44.

[91] Lenin o literature , pp. 311, 411.

[92] Iakovlev’s two-part article, first printed in Pravda on October 24 and 25, 1922, is reprinted in Lenin o literature , pp. 411–23.

[93] Ibid., p, 415.

[94] See Sheila Fitzpatrick, “The Bolsheviks’ Dilemma: Class, Culture and Politics in the Early Soviet Years,” Slavic Review , vol. 47, no. 4 (1988), pp. 599–613.

[95] See Lewin, Lenin’s Last Struggle , pp. 110, 113–14.

[96] V. I. Lenin, “Luchshe men’she, da luchshe,” in Polnoe sobranie sochinenii , by V. I. Lenin, 5th ed. (Moscow, 1970), vol. 45, p. 389.

[97] Gorbunov, Lenin i Proletkul’t , p. 195.

[98] Biulleten’ tretego s”ezda Politprosvetov RSFSR (Moscow, 1922), no. 1, pp. 4–5. See also Lunacharskii’s contribution to the proletarian culture debate, “Eshche o voprose proletarskoi kul’ture,” Izvestiia TsIK , November 3, 1922, reprinted in Sobranie sochinenii v vos’mi tomakh , by A. V. Lunacharskii, ed. I. I. Anisimov (Moscow, 1967), vol. 7, pp. 288–93.

[99] November and December 1922 meetings of the Proletkult presidium, TsGALI f. 1230, op. 1, d. 9, ll. 3–4; “Sostav Proletkul’tov i rukovodiashchikh organov,” TsGALI f. 1230, op. 1, d. 121, l. 51.