المساعدات الكولونيالية تضليل سياسي و إيديولوجي


كوسلا ابشن
2023 / 2 / 23 - 22:48     

روج الإعلام الفرنسي أثناء الحماية لفكرة الإستعماري الإنساني, الذي قدم الى بلاد الأمازيغ لمساعدة الآهالي على البناء و التقدم و الرفاهية, وقد جسدت المدرسة الإستعمارية هذه الإنسانية في بورتري لإمرأة فرنسية ترمي بالفرنكات على الأرض و المزركيون راكعون عند رجليها يجمعونها, و بهذا البورتري الإحتقاري رمز الإعلام الكولونيالي الى إنسانية الإستعمار الفرنسي. بين الأمس الفرنسي و الحاضر العروبي يعيد المشهد تعاسة شعب تحت الإحتلال القاهر و اللاإنساني.
نتيجة سياسة الآبادة الجماعية و الترهيب النفسي إلتجأ جموع من عامة الأمازيغ الى المناطق الجبلية تفاديا لبربرية النظام الإستعماري و تجنبا للآبادة البيولوجية أو الآبادة الهوياتية. بالسيطرة الكولونيالية العروبية على البلاد, بقيت هذه المناطق مع مجموع المجال الأمازيغوفوني في العصر الحالي معرضة لسياسة التمييز العنصري و الإستبداد السياسي. بين التهميش و الإقصاء من المشاريع التنموية و العزلة عن محيط الحواضري يعاني أمازيغ هذه المناطق من التمييز و من جحيم الكوارث الطبيعية. إستمراريتهم في الظروف الحالية مرتبطة بالصمود للكوارث الطبيعية كما صمدوا دائما للتعريب القسري. رغم البؤس الإجتماعي و المعانات اليومية فهم صامدون في تحدي للطبيعة و في تحدي لسياسة التمييز العنصري للنظام الإستعماري البربري الفاقد لإنسانية الإنسان.
تجاهل النظام الإستعماري هذه المناطق طيلة سبعة عقود من الإحتلال, حتى إنفجرت فضيحة شهداء التهميش , 26 طفل وطفلة وإمرأتين قضوا حتفهم في بلدة انفكو بسبب البرد القارس و غياب و سائل التدفئة, و إنتشر الخبر أنذاك عبر مواقع التواصل الإجتماعي, ما دفع بالسلطة الكولونيالية للتسارع لإحتواء الموقف بإرسال بعض الأغطية لسكان البلدة و بعض كميات من الأغذية المعلبة. و قد شكل الحدث إعادة البورتري الإحتقاري في شكل مهزلة مآساوية نقلتها كاميرات التلفزة المخزنية. فضيحة أنفكو لم تغلق ملف التهميش و الإقصاء و الإستبداد و التمييز العنصري, فقد بقيت هذه المناطق على حالها منعزلة و مقصية و مهمشة, و بكثرة الكوارث الطبيعية التي تضرب هذه المناطق, و التي تفضحها عادة كاميرات المهمشون, يتسارع الإعلام المخزني لتضليل الشعب بأكذوبة إنسانية السلطة الكولونيالية, بتقديم "مساعدات " عينية آنية لآهالي المناطق المنكوبة في إنتظار الكوارث القادمة في ظل سياسة التمييز العنصري و الإقصاء الممنهج.
في هذه الآيام تعرف المناطق الجبلية تساقطات ثلجية كثيفة مع موجة برد قارس يؤدي في كثير من الأحيان الى وفيات بين فقراء هذه المناطق. النظام العروبي اللامبالي بقساوة العيش و لا بالإضطهاد الممنهج للشعب المحلي, فهو في مثل هذه الحلات لا يصدر آمرا لا قبل و لا بعد حدوثه إلا بعد إنتشار أخبار مآساة الكوارث بهدف إحتواء الفضيحة من جهة و جهة آخرى إظهار للشعب المحلي و للعالم الخارجي مدى إنسانية المخزن العروبي. هذه " الإنسانية" التي يتهافت الإعلام العروبي لنقلها للعامة, و كانت هذه المرة أكثر تلميعا, بإستعراض لتعليمات رب القصر الموجهة الى كل المؤسسات الرسمية, للتجنيد من أجل تنفيذ آوامره بهدف تلميع النظام الفاسد و تفادي إنتشار فضائح التمييز العنصري. ما نقلته الأخبار, أن الجيش و الداخلية و الصحة و النقل و الفلاحة و الطاقة و المياه و الغابات, كل هذه القطاعات بسحر ساحر تجندت و إشتركت ميدانيا لمساعدة المتضررين حتى في المناطق الجبلية النائية. هذه الأخبار قد تفرح البسطاء من المحتاجين للدعم إن وصلتهم أيدي المساعدة فعليا, وهم في محنتهم لا يحتاجون لخطابات و تعليمات إستهلاكية و لا لتعبئة نظرية داخل مكاتب موظفي القصر. ما يلاحظ هو تعبئة المجتمع المدني المبادر الأول دائما في مثل هذه الحالات و المتواجد في الميدان لمساعدة المتضررين سواء بتقديم المساعادات العينية من مواد غذائية أو الأغطية أو بمساعدة الآهالي بإبعاد أكوام الثلوج من المسالك و من أعلى سطوح المنازل و فك الحصار عن منازلهم و قراهم, لكن مع غياب جل المؤسسات المخزنية المذكورة من الميدان, لأن مسؤولي هذه المؤسسات هم منشغلون بإدارة أعمالهم الخاصة و صفقاتهم التجارية, و في أوقات الفراغ يقفون أمام الكاميرات لإستعراض مهارات فنون الكذب في تنفيذ أكذوبة التعليمات السامية الإستهلاكية. الواقع الميداني يفضح أكاذيب النظام العنصري, فالمواقع الإلكترونية تكشف عن معانات آهالي هذه المناطق و زيف أخبار الإعلام المخزني, ففي غياب وسائل المواصلات إضطر آهالي جماعة حزامة من اقليم ورززات بحمل سيدة حامل على الأكتاف لمسافة 30 كلم لأقرب مستوصف في المنطقة و سط الثلوج الكثيفة و البرد القارس, و هذه مجرد حالة من حالات كثيرة حصلت. التضليل الاعلامي قد ضخم حجم المساعدات التي قدمت الى المناطق المتضررة و كذب في إدعاء تواجد جميع القطاعات المذكورة سالفا في هذه المناطق المتضررة و المشاركة في عملية مساعدة الآهالي المهمشين. حجم المساعدات و الحضور الميداني لبعض أعوان المخزن, لا يغير الواقع المأساوي للآهالي و لا يرفع عنهم المعانات اليومية و يرفع عنهم حيف التهميش و الإقصاء, فمسرحية المساعدات التي هي أصلا من دافعي الضرائب يستغلها النظام في تلميع سياسة المخزن و إستغفال الشعب بوهم إنسانية الكولونيالية. الكولونيالية تسهر و تنشط على تلميع نظامها لكن من دون إرادة سياسة حقيقية منصفة للشعب. المساعدات المقدمة مقدار بسيط جدا بالمقارنة بما يجنيه النظام الكولونيالي من الأرباح في إستغلال القوى المنتجة من الأمازيغ, و هذه المساعدات كذلك مقدار بسيط جدا بالمقارنة بما ينهبه القصر من ثروات أرض إمازيغن. إنسانية القصر المخزني تضليل سياسي و إيديولوجي لصناعة القطيع و التستر على سياسة التمييز العنصري و إنتهاك الحقوق الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية والثقافية و اللغوية للشعب الأمازيغي في الحواضر و السهول و الجبال.
المفاهيم مثل الإنسانية و الضمير و الأخلاق و المبادئ, غير موجودة في القاموس الكولونيالي و لا يعترف بها. ما تعرفه و تعترف به الكولونيالية العروبية هو إستعباد الشعب الأمازيغي و إستغلاله و نهب ثروات أرضه و منع نضالات أبناء الشعب بكل الوسائل المتاحة من قتل و عنف و ترهيب و سجون و تعذيب و نفي. النظام الكولونيالي جرد من الإنسانية, فطبيعة تشكله و منطق سياسته يهدف الى الإستحواذ و السلطة الشمولية للهيمنة الإقتصادية و السياسية و الثقافية و الإمتيازات الإجتماعية لأعوانه. هذا هو واقع مورك المعاصر, شعب محلي بدون سيادة, يتعرض للمسخ الهوياتي, تنهب رضه, شعب يستغل أبشع إستغلال و مهمش, منفي في الجبال تقدم له المساعدات الموسمية من أموال دافع الضرائب ( الأمازيغ ), ليس حب في أمازيغ الجبال و إنما لتجميل صورة النظام الكولونيالي الهمجي داخليا و خارجيا.
ما يحير هو تشبث الجماعات الأمازيغية بهذه المناطق رغم قساوتها من دون فائدة إجابية, ومن دون التشبث بالموروث المقاوم لأجدادهم, فالمقاومة الأمازيغية للأنظمة الإستعمارية إنطلقت من الجبال قبل الإنتقال الى الحواضر. على أمازيغ الجبال عوض الموت المجاني بالبرد و الثلوج و أنجرافات التربة, أن يستشهدوا رافعي الرؤوس في نضالهم العادل و طرد الطغاة من أرضهم و بلدهم, فليس لآهالي الجبال ما يخسرونه إلا أغلالهم و فقرهم و عزلتهم, و سيربحون أرضهم وحريتهم و خيراتهم و مستقبل أولادهم. لا تنتظروا المساعدات الموسمية مثل المتسولين, خذوا حقكم بأنفسكم, فالحق يؤخذ و لا يعطى و كل ما سلب بالقوة يسترجع بالقوة.