عَظَمة ومحدودية الفلسفة البرجوازية الكلاسيكية


مالك ابوعليا
2023 / 2 / 23 - 00:31     

تأليف مانفريد بور*

ترجمة مالك أبوعليا

تعود أًصول الفلسفة البرجوازية الكلاسيكية الى بيكون وديكارت. يختلف فكرهم اختلافاً جوهرياً عن نمط فكر المُجتمع الاقطاعي. لم ينظر بيكون وديكارت الى الواقع الموضوعي على أنه شيء مُعطَى من الرب ولا يُمكن ارجاعه الا اليه، كما كان الحال مع الايديولوجيا الاقطاعية الاكليروسية. لقد اعتبرا الواقع الموضوعي كواقع يُدركه الانسان ويصل اليه. يقول بيكون في كتابه (الأورغانون الجديد): "ولكن اذا سعى الانسان الى تأسيس وبسط سطوة الجنس البشري نفسه وسلطانه على العالم... فإن هذا ليعتمد كُلياً على العلوم والفنون، اذ اننا لا يُمكن أن نحكم الطبيعة الا بإطاعتها"(1). وطالَبَ ديكارت بفلسفة مفيدة للحياة بأعلى درجة، و"بمساعدة معرفتنا لقوة النار والماء والهواء والنجوم وجميع الأجسام الأُخرى المُحيطة بنا، بدرجة معرفتنا لمِهَن الحرفيين لدينا، سنكون في موقعٍ يسمح لنا باستخدامها بنفس الدقة بأي مجالٍ من التطبيقات، وبالتالي نجعل أنفسنا سادةً للطبيعة"(2).
رسَمَ بيكون وديكارت، بهذه المُطالبات، الى حدٍ ما، التطور اللاحق للفلسفة البرجوازية الكلاسيكية حتى زمن هيغل وفويرباخ، اللذان وضعا لنفسيهما المسألة الواردة ضمنياً في أعمال بيكون وديكارت: كيف يُمكن للانسان أن يُهيمن على الطبيعة ويُدير المُجتمع عقلانياً؟ يفترض طرح مثل هذا السؤال "صورة" مُعينة للانسان، وهي صورة الانسان المُدرِك الذي يمتلك امكانات غير محدودة. أي أننا نُناقش التصور الذي طرحه الفكر البرجوازي الكلاسيكي عن ماهية الانسان، على النقيض من صورة الانسان التي خلقتها الايديولوجيا الاقطاعية الاكليروسية. الانسان، بالنسبة للفكر البرجوازي، هو فرد حُر من أي روابطٍ خارجية مُلزِمة. يُعلن الفكر البرجوازي الكلاسيكي استقلال الانسان عن كل السلطات(3)، ويُنظَر الى الفرد هُنا على أنه (أنا)، على أنه ذات قوية ونشطة قادرة على التصرف واتخاذ القرارات المُستقلة. يصوغ كانط هذا الطرح في كتابه Anthropology from a Pragmatic Point of View، كما يلي: "ان حقيقة أن الانسان قادرٌ على امتلاك مفهومٍ خاصٍ به، ترفعه الى الأبد فوق جميع الكائنات الأُخرى التي تعيش على الأرض. وهو بفضل هذا، شخصية، وهو بفضل وحدة الوعي في جميع التغيرات التي قد يمر بها، فهو شخص واحد ونفس الشخصية، أي كائنٌ مُختلفٌ تماماً في المكانة والكرامة عن أشياء مثل تلك الحيوانات اللاعقلانية التي يُمكن للمرء التعامل معها والتخلص منها حسب الرغبة"(4).
هذا الفهم المُتغيّر للانسان قد واجَهَ الفلسفة البرجوازية الكلاسيكية بمهمة ادراك "الطبيعة الحقيقة" له. لقد سعَت جاهدةً لتفسير الانسان بقوانين الطبيعة، وأن لا تنظر اليه، كما فعل الفكر الاقطاعي الاكليروسي، كشيء خلقه الله. تنظر الفلسفة البرجوازية الحديثة الى الانسان ككائنٍ مُستقل، كذات. ومن هُنا ينبع الطابع الاجتماعي النقدي لصورة الانسان في الفلسفة البرجوازية الكلاسيكية. انها تتضمن مَطلَب جعل النظام الاجتماعي القائم مُتفقاً مع "الطبيعة الحقيقية" للانسان.
ترتبط صورة الانسان الجديدة هذه التي طورتها الفلسفة البرجوازية الكلاسيكية بتقييمٍ مُختلفٍ للعالم بدون (الطبيعة). تُعتَبَر الطبيعة، في النُظُم الفلسفية البرجوازية، في مُعظم الحالات، على أنها شيء (خارجي). مع تطور العلاقات البرجوازية في العالم، تبدأ الفلسفة البرجوازية الكلاسيكية في اعتبار العالم الخارجي كشيء يتدخل في الانسان ويتعارض معه ويحد من أفعاله: العالم في أشكال وجوده المُختلفة، يُصبح عالماً خارجياً (مُعادياً) للانسان نفسه.
تربط الفلسفة البرجوازية الكلاسيكية هذا الوضع بتفاؤلٍ ابستمولوجي. ان الأطروحة الأساسية للفلسفة البرجوازية الكلاسيكية هي إمكانية تحقيق هيمنة الانسان على قُوى الطبيعة والمُجتمع عن طريق العقل وحده، وأن المُحاولات المُتنوعة للتبرير الفلسفي لهذه الأُطروحة تُشكّل بُنية مسألتها العامة والأكثر جوهريةً. في الوقت نفسه، ينشأ من هذه العوامل ذاتها، المُقاربة العامة للمُفكر البرجوازي الكلاسيكي تجاه الواقغ الموضوعي. يتم التعبير عن هذه المُقاربة بشكلٍ أكثرَ وضوحاً في تطور الاتجاه العقلاني في الفلسفة البرجوازية الكلاسيكية (وكذلك في المادية الفرنسية). في هذا الاتجاه، يتم تصوّر الواقع الموضوعي بوسائل وأشكال رياضية وهندسية، ويُفسّر على أنه شيء خلقه وأنتجه العقل، ونتيجةً لذلك، يكون الانسان في وضعٍ يسمح له باستيعاب هذا الواقع. عبّرَ هوبزعن هذه الفكرة لأول مرة، الذي قال، بأن الأشياء التي تحوز أكبر امكانية لاستيعابها هي تلك التي أُنشِأت وفقاً للعقل البشري. ان مفهوم سبينوزا حول تطابق الفكر والوجود، وفكرة ليبينتز حول تناغم المونادات، و"الثورة الكوبيرنيكية" التي وضعها كانط في نظرية المعرفة، هي تنويعات لاحقة للنظرة التي تتبناها الفلسفة البرجوازية الكلاسيكية للواقع الموضوعي، باعتباره واقعاً خلقه الانسان.
يُعبّر كانط عن جوهر "الثورة الكوبيرنيكية" في نظرية المعرفة في مُقدّمة الطبعة الثانية من كتابه (نقد العقل المحض) بالكلمات التالية: "لقد ساد، حتى الآن، الاعتقاد بأن معرفتنا يجب أن تنتظم وفقاً للموضوعات. ولكن كُل المُحاولات الرامية الى تفهّم شيء عنها قبلياً بأفاهيم، مما قد يوُسّع معرفتنا، قد بائت بالفشل انطلاقاً من هذا الافتراض، فلنجرب اذاً، مرةً واحدة، ما اذا كنا نستطيع أن نحل مهام الميافيزيقيا بصورة أحسن، بأن نفترض أن على الموضوعات أن تنتظم هي وفقاً لمعرفتنا، وهو ما يتوافق بشكلٍ أفضل مع ما ننشده من امكانية معرفة قبلية بهذه الموضوعات، معرفة ينبغي أن تُعيّنَ شيئاً عن هذه الموضوعات قبل أن تُعطى لنا."(5). هذه ليست سوى مُحاولة، قام بها العديد من مُمثلي الفلسفة البرجوازية الكلاسيكية، لإثبات فكرة الهيمنة العقلانية على قُوى الطبيعة والمُجتمع، ومُحاولة لحل المسألة الأساسية للفلسفة البرجوازية الكلاسيكية. لقد تحدثنا مُسبقاً عن هوبز وسبينوزا وليبينز وكانط. لكن المشكلة نفسها كمن وراء انكار بيركلي للوجود الموضوعي الخارجي، وهي نفسها تقع في أساس الاطروحة التي وضعها هولباخ باستمرار، وهي أن المادة قادرة على التفكير(6). نظرية فيخته للأنا المُستقلة، التي تفترض وجود اللاأنا Non-Ego (وهي كل ما يوجد خارجنا)، هي مُحاولة لحل هذه المُشكلة، كما كانت بالضبط نظرية شيلينغ حول الحدس الفكري، وتفسير هيغل لمُحتوى المنطق على أنه "صورة الله كما كان في جوهره الأبدي قبل خلق الطبيعة وأي روحٍ فانية"(7).
بقدر ما تمت محاولات مُتنوعة لحل المسألة الأساسية للفلسفة البرجوازية الكلاسيكية في سياق تطورها التاريخي في عملية تشكّل المُجتمع البرجوازي نفسه، فإن هذه العملية نفسها هي الاطار التاريخي-الاجتماعي التي تطورت فيها الفلسفة البرجوازية الكلاسيكية. إن أشكال الفكر البرجوازي الكلاسيكي الموجودة في التاريخ، هي إجابات على المسائل المطروحة في مراحل مُحتلفة من تطور المُجتمع البرجوازي. لم يكن تطور المُجتمع البرجوازي خطياً، ونتيجةً لذلك، لم يكن التفسير الفلسفي لمشاكل ذلك المُجتمع-الاقتصادية والاجتماعية والايديولوجية- نوعاً من العملية النظرية التي سارت على خطٍ واحد ومرت من مرحلةٍ الى أُخرى. على الرغم من أن المطلب الأساسي لتطور كل الفلسفة البرجوازية الكلاسيكية كان الهيمنة العقلاانية على قُوى الطبيعة والمُجتمع، الا أن طريقة التفسير الفلسفي لهذه المسألة اعتمدت على مُستوى تطور المُجتمع البرجوازي في البُلدان الأوروبية المُختلفة ومدى نُضج تلك الشرائح البرجوازية التي كانت الفلسفة تعبيراً عنها(8).

***

حاولت الاتجاهات الفلسفية الفرنسية والانجليزية التي سبقت الفلسفة الألمانية البرجوازية الكلاسيكية، أي العقلانية والمادية والتجريبية، حل المسألة الأساسية للفكر البرجوازي الكلاسيكي. ومع ذلك، كان حلها في هذين المُجتمعين البرجوازيين مُختلفاً وفقاً للاختلافات في مستوى تطور المُجتمعين الانجليزي والفرنسي في القرنين السابع عشر والثامن عشر، ويُمكن وصف الفرق بين هذين المُجتمعين على النحو التالي: كانت البرجوازية الفرنسية لا تزال تشهد ثورتها البرجوازية، بينما كانت ثورة البرجوازية الانجليزية قد انتهت. حدّدَ هذا بشكلٍ أساسي الاختلاف في طبيعة الفلسفة الانجليزية والفرنسية خلال ذلك القرنين، مما وجَدَ تعبيره الأساسي في العقلانية(9) والتجريبية. كلا الاتجاهين الفلسفيين هما ايديولوجية البرجوازية التقدمية. لكنها ليست ايديولوجية البرجوازية التقدمية بقدر ما هي ايديولوجية البرجوازية الفرنسية والانجليزية، وكلٍ منهما يحتوي على شيءٍ مُشتركٍ مع الآخر وشيء يُميز خصوصيته على حِدة.
ما تشترك به العقلانية والتجريبية هي العوامل التي بفضلها أصبحت الفلسفة البرجوازية الكلاسيكية هي نظرة البرجوازية التقدمية العامة الى العالم، أي علمنة الفكر والمُقاربة النقدية لكل شيء تقليدي وموروث، والتوجّه نحو الفرد ودوره المُستقل في المُجتمع (الفردانية البرجوازية)، وما يرتبط به من مطالب الحُرية والمساواة الاجتماعية.
يتضح الفرق بين هذين الاتجاهين قبل كل شيء، في الاختلاف في مُقدماتها الأساسية فيما يتعلق بالواقع الاجتماعي. تنظر العقلانية الفرنسية الى الواقع الاجتماعي على أنه لاعقلاني، أو غير عقلاني حتى هذه اللحظة، أي كواقع لا يتفق، أو لا يتفق حتى هذه اللحظة، مع المطالب التي تطرحها البرجوازية التقدمية. يجب أن يتخذ الواقع طابعاً عقلانياً. هذا الموقف من جانب العقلانية الفرنسية يُميز النظرة البرجوازية الفرنسية الى العالم عندما كانت لا تزال تُناضل من أجل التأثير السياسي وتحقيق مطالبها. العقلانية هي أيضاً سلاح ايديولوجي في صراع البرجوازية الفرنسية الصاعدة ضد المُجتمع الاستبدادي السابق ومؤسساته وايديولوجيته الاقطاعيتين. ان محور جهود هذا الاتجاه، هو العقل. انه معيار قياس كل شيء، ويجب عليه، أن يتم تنظيم المُجتمع والدولة وفقاً لمبادئه.
التجريبية الانجليزية، من ناحيةٍ أُخرى، هي فلسفة برجوازية كانت قد تطورت من قبل، ووصلت الى اهدافها (وان كان ذلك بالدخول في مساوماتٍ مع المُجتمع القديم)، وبدأت في أن تُصبح مُحافظة. لذلك، فإن التجريبية، مثل الطبقة التي تُمثلها، أي البرجوازية الانجليزية المُحافظة، عالجت الواقع الاجتماعي على أنه شيءٌ مُعطى، أي اعتبرته موجوداً كما هو، وليس أنه عقلاني أو أنه لاعقلاني حتى اللحظة، مثلما فعلت العقلانية والمادية الفرنسيتان، بل قَبِلَته (أي التجريبية) على أنه شيء طبيعي وبالتالي أكثر مُلائمةً للانسان.
بالطبع، تحدّثَت التجريبية حول عيوب العلاقات الاجتماعية البرجوازية. يتضح هذا، على سبيل المثال، من خلال تصريح هيوم بأن الأرض، بالنسبة لسكان الكواكب الأُخرى، تبدو كأنها ملاذ للمجانين. ومع ذلك، بالرغم من اشارتها الى هذا الجانب "المجنون" للمُجتمع البرجوازي، فإنها قد اعتبرت هذا الوضع أمراً ضرورياً للغاية، وبأنه ليس شراً يتطلب القضاء عليه. لذلك، العقل، ليس مقياساً للواقع الاجتماعي، بل المُجتمع الحقيقي الموجود في الواقعرهو المقياس، وقد سعت الى التأكيد بأن هذا هو الحال.
يتبدى في نظريتي العقلانية والتجريبية، اختلاف مُقاربة الواقع الاجتماعي، اعتماماً على البُنية القائمة لمُجتمع أو لآخر-الفرنسي والانجليزي. تؤكّد العقلانية الفرنسية على السُلطة غير المحدودة للعقل، وهي تعتبر مفاهيم ومبادئ وأفكار العقل عالمية وضرورية، وهي تسعى بمساعدة تلك المبادئ أن تصوغ قوانين عالمية وضرورية بنفس القَدَر. بالاضافة الى ذلك، انها تُعالج هذه القوانين بعقلانية على أنها قوانين مُشتقة من العقل، وهذه القوانين، في نفس الوقت، بالنسبة للعقلانية- ومن المهم التأكيد على ذلك بشكلٍ خاص.مُلزمة لجميع الناس وكُل فرد.
هذا بالضبط ما تتحداه التجريبية الانجليزية. انها تؤكّد على أنه لا يوجد مفهوم ولا مبدأ ولا فكرة عن العقل يُمكن اعتبارها ضروريةً وذات أهمية عالمية في أي زمنٍ مُعيّن. القوانين التي تمت صياغتها على هذا الأساس، ليست مُلزمةً لجميع البشر، وليست مُتجذّرة في العقل. ما يُطرَح في العادة على أنه مفاهيم عالمية (مبادئ، أفكار)، أو حتى العقل نفسه، هي ليست سوى أعراف أو عادات أو روتين. ما هو حقيقي هو فقط الأشياء الفردية، والحقائق المُنفصلة، وهي على هذا النحو، شيء مُعطى (من وجهة نظر الابستمولوجيا-بيانات حسية)، وهذا وحده هو الذي يجب أن ترتكز اليه الفلسفة والعلم. كَتَبَ لوك، أن الشامل، أو العلمي والعام لا ينتميان الى الوجود الحقيقي للأشياء. على العكس من ذلك، فهي مُجرّد اختلاقات يضعها العقل من أجل استخدامه الخاص، وهي تُشير فقط الى علامات، سواءاً كانت كلمات أو أفكار. الكلمات عالمية وشاملة ان كانت تخدم بمثابة علامات واشارات على أفكار عامة وتُطبّق على الأشياء الفردية بدون أي حدود. الأفكار عالمية ان كانت تُمثّل عدداً من الأشياء الفردية. العلمية والشمولية ليست صفة تُميّز الأشياء كونها أشياء، لأن الأشياء فريدة في وجودها تماماً. وهكذا، ان قمنا باستبعاد الأشياء الفردية، فإن الوعي الذي ينشأ فينا(10)، فقط، هو الذي يبقى مُشتَركاً. وبالنسبة لهيوم، المفاهيم العامة هي أمور فريدة دائماً، ولكنها ليست عالمية على الاطلاق. العام، كما يُزعَم، هو نتيجةً للعُرف أو العادة، وهو ليس نشاطاً للعقل. بشكلٍ عام "العادة هي قائد عظيم لحياة الانسان"، كما يقول هيوم(11). وفي التحليل الأخير "العقل، بوصفه بارد ولامبالٍ، هو ليس الدافع للفعل"(12).
تُقوّض أفكار التجريبية الانجليزية هذه، الأُسس الميتافيزيقية للعقلانية الفرنسية قبل كل شيء. ترتبط مادية القرن الثامن عشر الفرنسية بنظرية المعرفة الحسية التجريبية الانجليزية (لوك في المقام الأول) وتُطورها من مواقع المادية الميكانيكية المُتسقة. هذا ليس سوى جانب من جوانبها الوضعية. الجانب الآخر يكمن فيما يلي. بقدر ما تُعرّف التجريبية الانجليزية الفكر الانساني بعلاقته بما هو مُعطى، فهي تسعى جاهدةً الى هذه الدرجة أو تلك الى القضاء على حدّة النقد الاجتماعي من الفلسفة البرجوازية التقدمية، طالما أن هناك مُطالبة ثابتة من جانبها بالاعتراف بالنظام الاجتماعي "المُعطى" وعدم المساس به. يؤدي توجّه التجريبية الانجليزية الى الخاص والفردي الى التخلي عن ما هو شامل كمفهوم يعني ما هو مُشتَرَك بين الأشياء الفردي. يقود تصوّر التجريبية الانجليزية من ناحيةٍ ابستمولوجية الى الشكّية (هيوم)، ويقود من ناحية اجتماعية-سياسية الى الدفاع عن الامتثالية. كَتَبَ لوك: "هناك أسباب منطقية بأن الناس تعتقد بأن الرب ضروري بالنسبة لهم... لقد قدّمَ لهم ما يلزم من أجل راحة الوجود وبلوغ الفضيلة"(31).
وهكذا، فإن التجريبية الانجليزية تسلب العقل-وهو مفخرة البرجوازية التقدمية وسلاحها الايديولوجي-من عرشه. إنها تُجبره أن يتنازل عن عرشه. أثناء النقاشات الفلسفية لذلك الزمن، اختزلت التجريبية الانجليزية، مسألة العقل الى صيغة فارغة، أو الى شيء يعود الى الذوق الحَسَن(14). ان مُعالجة هيوم للعقل على أنه "نوع من المراحل التي تظهر فيها العديد من التصورات الحسية الواحدة تلك الأُخرى، والتي تختلط مع بعضها بتنوعٍ لانهائيٍ من العلاقات ووسائل التنظيم"(15)، لها نفس معنى أُطروحته التي يقول فيها أنه "يبدو واضحاً أن الأهداف النهائية لأفعال الناس لا يُمكن بأي حال تفسيرها من منظور العقل،، بل تعتمد بالكامل على مشاعر الناس وميولهم النابعة من علاقاتهم بقدراتهم الفكرية"(16).
لقد كانت مفاهيم التجريبية الانجليزية، في جوهرها، هجوماً على العقل، كانت، من حيث تاريخ تطور الفكر البرجوازي الكلاسيكي، من أوائل الجهود المبذولة في هذا الاتجاه. لم تكن التجريبية سوى حلقة في تاريخ الفلسفة من بيكون وديكارت الى هيغل وفويرباخ. في الفترة ما بعد تطور الايديولوجيا البرجوازية ما بعد الكلاسيكية، صعدت التجريبية الى العرش. وفي فترة الفلسفة البرجوازية المُتأخرة وفلسفة عصر الامبريالية (الوضعية ومُختلف الاتجاهات اللاعقلانية المُشابهة لها) تطورت الهجمات على العقل التي ميّزت التجريبية وتكثّفَت بثبات(17).
توافقت فلسفة التجريبية مع مصالح البرجوازية الانجليزية ما بعد الثورية. ولكن استنتاجات هذه الفلسفة لم تتناسب مع برجوازية مثل تلك الفرنسية، التي لم تكن قد أنجَزَت ثورتها بعد. كانت التجريبية، ستبدو، بالنسبة لايديولوجيي البرجوازية الألمانية المُتخلفة، خطيرةً بشكلٍ واضح. كانت هجمات التجريبية الانجليزية على العقل تعني تخلّي الألمان عن التقدم العقلاني للجنس البشري، لذلك، ليس من قبيل الصُدفة أن لا أحداً غير كانط، ومن بعده فيخته وهيغل، اعتبر التجريبية الانجليزية فلسفة هدّامة وخطيرة(18).
في الحقيقة، ومع ذلك، فإن النقاشات بين العقلانية والتجريبية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، والنضال اللاحق الذي قامت به الفلسفة الألمانية البرجوازية الكلاسيكية ضد التجريبية، وكذلك نقد العقلانية، لم تكن مُجرّد نزاعات حول المسائل الابستمولوجية الصرف. كان أساس هذه المُناقشات هو المسألة الأساسية للتاريخ الاجتماعي للمُجتمع الفرنسي والألماني في ذلك الوقت، أي مسألة الانتقال من المُجتمع الاقطاعي الى المُجتمع الرأسمالي. كان الموضوع المطروح، على المستوى الفلسفي، هو وجود الفلسفة ذاته، ودورها في إقامة المُجتمع البرجوازي.

***

إدّعَت الفلسفة البرجوازية الكلاسيكية منذ بداية تطورها أنها طوّرَت أدوات لتحقيق السيطرة العقلانية للإنسان على قُوى الطبيعة والمُجتمع. لقد حاولَت أن تدل على الطريق الذي قد يتمكن الناس، ان ساروا فيه، أن يُحققوا مثل هذه الهيمنة، ورأت في العقل، الذي طابقته مع نفسها، أساساً مُناسباً لتحقيق هذا الهدف. قبل ظهور التجريبية، لم تشك الفلسفة البرجوازية الكلاسيكية في قُدرتها على إثبات ادعاءاتها في مجال الواقع، ولم تشك أبداً في "سُلطة العقل"(19). إن النجاحات في معرفة الطبيعة (تقدّم العلوم الطبيعية الرياضية على وجه الخصوص) والتقدّم في تطور العلوم ككل والفلسفة نفسها، قَد بدَت للفكر البرجوازي الكلاسيكي دليلاً على صحة الطريق الذي اتخذته في تحقيق مساعيها وفي اثبات لامحدودية العقل. كانت هذه النجاحات وتقدّم العلوم، في نفس الوقت، دليلاً كافياً بالنسبة للفلسفة البرجوازية الكلاسيكية، أنه سيكون من المُمكن إقامة شكل عقلاني من التقدم الاجتماعي، طبعاً بعد الإطاحة بالأنظمة والايديولوجيات الاقطاعية المُطلَقة.
وفقاً للفلسفة البرجوازية، يعتمد إنفاذ هيمنة الانسان العقلانية على قُوى الطبيعة والمُجتمع، على تأطير المفاهيم والقوانين والمبادئ العالمية وتطبيقها في معرفة الطبيعة والمُجتمع. كَتَبَ هوبز أن الفلسفة "تفتح طريقاً يجعل من المُمكن المُضي قُدُماً من مُعالجة الأشياء الفردية الى صياغة القوانين العالمية"(20). بالنسبة للفلسفة البرجوازية الكلاسيكية، المفاهيم والأفكار والمبادئ العالمية التي تُمثّل القوانين مُكافئة، للمفاهيم وأفكار وقانين العقل. لكن التجريبية الانجليزية تتحدى هذه الفكرة بالضبط. وبالتالي، تُلقي التجريبية بظلال الشك على العقل، الذي هو أساس وجود وحيوية الفلسفة المُعاصرة لها.
عارَضَت الفلسفة البرجوازية الألمانية الكلاسيكية هذه التجريبية منذ بداياتها. لقد وضعت لنفسها مهمة الارتقاء الى مُستوى تحدي التجريبية الانجليزية. لذلك، كان جدالها مع التجريبية الانجليزية صراعاً على الفلسفة بحد ذاتها. لهذا السبب، يُنظَر الى فلسفة كانط بحق على أنها رد على هجمات التجريبية الانجليزية على العقل وبالتالي، على الفلسفة والعلوم. انها تفسير جديد لسعي الفلسفة البرجوازية الكلاسيكية الأول، من أجل تطوير وسائل بلوغ الهيمنة العقلانية على قُوى الطبيعة والمُجتمع.
تكمن فضيلة كانط في حقيقة أنه اكتشف "الطريق المسدود" الذي وصلته التجريبية الانجليزية في الفلسفة، ومع ذلك، فقد فسّرَ هذه النتيجة التي وصلتها التجريبية الانجليزية ليس على أنه شيء متأصل فيها وكنتيجة طبيعية لمُقدماتها، بل أنه شيء تحدّدَ من خارجها. بالاضافة الى ذلك، لم يحصر كانط الفلسفة في المسائل الابستمولوجية فقط، بل ضمّنها تحليل الوضعيات الاجتماعية والتاريخية، على أساس التفسير النظري، الذي يعتمد، برأيه، على التقدّم اللاحق للجنس البشري. يتضح هذا الأمر بشكل جليّ عندما يسعى الى الجمع بين العقل النظري والعقل العملي، وأيضاً بسبب الدور الذي يُعطيه للفلسفة العملية في نظامه الفلسفي (أوّلية العقل العملي على النظري). وهكذا، يكون فيخته وهيغل مدينان بشكلٍ كبير لكانط بهذا الصدد، فهنا يسيرون على خُطى كانط على الرغم من كُل انتقاداتهم لفلسفته.
وهكذا، يسير تطور الفلسفة الألمانية الكلاسيكية البرجوازية بالتوازي مع تأسيس المُجتمع البرجوازي. ان فهم هذا ضروري إن أردنا أن نفهم تطور الفلسفة في ألمانيا من كانط الى هيغل. هذا ضروري، بشكلٍ خاص، من أجل فهم دور الفلسفية البرجوازية الألمانية الكلاسيكية كمصدر نظري للماركسية. لذلك، عالجت الفلسفة الألمانية البرجوازية الكلاسيكية انطلاقاً من موقفها، مسألة تطور المُجتمع البرجوازي، أو بتعبير أدق، مسألة الانتقال من الاقطاع الى الرأسمالية في ألمانيا في الفترة من القرن الثامن عشر الى القرن التاسع عشر. ان أنظمة كانط وشيلينغ وفيخته وهيغل الفلسفية هي مستويات ومراحل مُختلفة من الانجاز النظري لهذه العملية.
لعبت الفلسفة الفرنسية دوراً مُهماً للغاية في تطور الفلسفة الألمانية في تلك الفترة، والتي تقع أعلى نقطة في تطورها (أي الفرنسية)، في فترة الاعداد للثورة الفرنسية وتنفيذها. كان فيخته وهيغل يُدركان العلاقة بين فلسفتيهما والثورة الفرنسية. أعلَنَ فيخته، في رسالةٍ كتبها عام 1795 أن مفاهيمه الضبابية الأولى حول النظرية العلمية جائت في رأسه عندما كَتَبَ كتابه (في تصحيح حُكم العوام حول الثورة الفرنسية)(21). هذه الشهادة التي اعترف بها فيخته بنفسه مع تقييم هيغل لمنظومات كانط وفيخته وشيلينغ في (محاضرات في تاريخ الفلسفة)، والتي كَتَبَ فيها أنها منظومات فلسفية "عُبِّرَ فيها عن الثورة بشكلٍ فكري"(22). يؤكّد هيغل، في توصيفه هذا لفلسفة أسلافه المُباشرين، على أهمية الثورة الفرنسية في تاريخ العالم: "ذلك المَعلَم العظيم في تاريخ العالم، والذي نستشف جوهرهُ الأعظم في فلسفة التاريخ". أطلَقَ هيغل، في (محاضرات في تاريخ الفلسفة) على الثورة اسم "شروق الشمس الجميل"، لأنها حاولت لأول مرة أن تُطبّق مبادئ العقل التي كانت سائدة في تاريخ الفلسفة منذ زمن اناكساغوراس، بشكلٍ عملي". بالنسبة لهيغل، يترتب على ذلك أن العقل في الثورة الفرنسية يتطابق مع العقل كما يتجسّد في الفلسفة. ان تذكرنا أن العقل المُتجسّد في الفلسفة يُمثّل بالنسبة لهيغل وحدة كل الفلسفة، وأن الروح المُطلقة، مثل أشكال تجلّيها، مُتطابقة دائماً وفي جميع الأوقات مع العقل". يتضح حجم ربط هيغل لفلسفته وفلسفة أسلافه بالثورة الفرنسية، وفي نفس الوقت، بتطور المُجتمع البرجوازي(23).
الحقيقة، أنه لا يُمكن مُعالجة الفلسفة الألمانية البرجوازية الكلاسيكية بمعزلٍ عن تطور المُجتمع البرجوازي. إن مُلاحظة هيغل أن فلسفة كانط وفيخته وشيلينغ، ونُضيف اليها، فلسفة هيغل نفسه "عُبِّرَ فيها عن الثورة بشكلٍ فكري" هي مُلاحظة مُفتاحية لتقييم الفلسفة الألمانية الكلاسيكية.
ان مُقاربة هيغل لنُظُم كانط وفيخته وشيلينغ الفلسفية، مثل التشبيه بين كانط وروبسبير الذي أجراه هاينريش هاينه في المُجلّد الثالث من كتابه (إسهام في التاريخ الدين والفلسفة في ألمانيا) تتوافق تماماً مع تأكيدات ماركس وانجلز، الذي يُمكن أن نُصادفها في أعمالهمها بشكلٍ مُتكرر، أن الثورة السياسية في فرنسا كانت مصحوبةً بثورةٍ فلسفية في ألمانيا، وأن دراسة العلاقة بين الانقلاب الثوري في فرنسا والحركة الايديولوجية في ألمانيا في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر هو مُقدمة الزامية لفهم وتفسير أشكال الايديولوجيا المُتنوعة لذلك العصر، ولا سيما الفلسفة والأدب البرجوازي الألماني الكلاسيكي.
تتجلّى علاقة الفلسفة الألمانية البرجوازية الكلاسيكية بتطور المُجتمع البرجوازي حتى عندما تكون نقاشاتها تبدو وكأنها مناقشات فلسفية مُجرّدة. هذه العلاقة هي رابط ضروري مُستمد من مادة مفاهيمية مُحددة، بالاضافة الى جميع الظواهر الايديولوجية التي تعكس العمليات الاجتماعية. ينعكس تقدّم العصر في هذا الرابط.
وهكذا، فإن الادراك المُتعالي عند كانط يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتفسيره لـ"الهدف النهائي لنظرية الحق ضمن حدود العقل" وهو الهدف الذي يتكون من "أسمى فائدة سياسية، السلام الأبدي"(25). ان تعاليم فيخته عن الذات المُستقلة هي مُقدمة المبدأ الذي صاغه عن أن يعيش المرء بعمله(26). وتُحدد فكرة هيغل عن العقل أُطروحته القائلة بأن المُجتمع البرجوازي "في تناقضه وتشابكه، يُقدم لنا صورة عن الرفاهية بقدر ما يُقدّم صورةً عن الفقر، وعن الانحلال الجسدي والأخلاقي لكُلٍ منهما"(27).
تمت صياغة كل هذه الأحكام والمطالب الفلسفية الألمانية البرجوازية في تعاليم أن تطور المُجتمع ككل هو عملية محكومة بالقانون. لكن في الوقت نفسه، يُمكن للمرء أن يرى فيها أيضاً حدود المُجتمع البرجوازي. يقول انجلز: "بلغت هذه الفلسفة الألمانية الجديدة ذروتها بنظام هيغل الذي تنحصر أفضاله العظيمة في أنه يُقدّم لأول مرة كل العالم الطبيعي والتاريخي والروحي في شكل عملية، أي في حالة حركة مُستمرة وتغير وتحوّل وتطور، ويُحاول أن يكشف عن الترابط الداخلي لهذه الحركة والتطور. من وجهة النظر هذه، لم يعد تاريخ الانسانية يبدو كفوضى وحشية من أعمال العُنف التي لا معنى لها، والتي لا تستحق كلها غير الإدانة والنسيان السريع أمام منصة حُكم العقل الفلسفي الناضج الحالي، بل أصبَحَ هذا التاريخ يتمثل كعملية تطور الانسانية كُلها، وتحوّلت مهمة التفكير الآن الى تتبع المراحل المُتتاليىة لتلك العملية خلال هذا التيه كُله واثبات قوانينها الداخلية خلال كل ما يبدو من صُدَفٍ بحتة"(28).
بالطبع، لم تقدر الفلسفة البرجوازية الكلاسيكية، وحتى أعظم مُمثليها، هيغل، أن تحل هذه المهمة بالكامل. هذه المهمة لم يكن من المُمكن أن تحلها الفلسفة المُتوجهة نحو المُجتمع البرجوازي والتي ترسخت مقولاتها في ذلك المُجتمع. من أجل حل هذه المهمة، من الضروري نقد هذه الفلسفة، أي من الضروري ايجاد موضوع الفلسفة واعادته الى جذوره الاقتصادية-الاجتماعية التاريخية. وعلى هذا الأساس يُمكن أن يُصبح نفي الفلسفة، أي سلبها، تغلباً ايجابياً عليها، ويظهر بذلك صياغة موضوع جديد لمُحتوى الفلسفة، وتُصبح نظرةً عالمية للبروليتاريا، وإدراكاً ومعرفةً واضحةً للعمليات الاجتماعية-التاريخية. على هذا النحو، لم تعد الفلسفة مُتوجهةً نحو المُجتمع البرجوازي القائم، بل تتوجه نحو التغلّب عليه وتجاوزه وانتقاده والقضاء عليه. لم تعد الفلسفة تتأسس على نظام مقولاته وتُشرعن الماضي. على العكس من ذلك، فهي تستمد موقفها من المُستقبل وتجد، في البحث العلمي، أهميةً للمستقبل، من خلال ايجاد الدور العالمي للبروليتاريا، الطبقة الأكثر تقدميةً في العصر، والتي تتمثل مُهمتها التاريخية، في "قلب كُل الأوضاع الاجتماعية التي تجعل من الانسان كائناً ذليلاً، مُستعبداً، مُهمَلاً ومُحتَقَراً"(29).

* * مانفريد بور 1927-2008. فيلسوف ماركسي من جمهورية ألمانيا الديمقراطية. انضم عام 1945 الى الحزب الشيوعي الألماني. بدأ بدراسة التاريخ والفلسفة الألمانية في جامعة لايبزيغ عام 1947، وتخرج عام 1952. حصل بور على الدكتوراه في لايبزغ عام 1957، ثم انتقل الى أكاديمية العلوم الألمانية كمُساعد باحث. أكمل مانفريد تأهيله الأكاديمي في جامعة غرايفيسفالد عام 1962، وفي نفس العام أصبح نائب مُدير معهد الفلسفة هناك. أصبح في عام 1965 أستاذاً للفلسفة في غرايفسفالد.
ترأس بور المعهد المركزي للفلسفة التابع لأكاديمية علوم ألمانيا الديمقراطية بين عامي 1970-1990. كان عضواً أجنبياً في أكاديمية العلوم السوفييتية منذ عام 1971 وموظفاً غير رسمي في مجلس أمن الدولة الألماني. وكان رئيساً للمجلس العلمي للقضايا الأساسية في الصراع الايديولوجي بين الاشتراكية والرأسمالية. كان مُهتماً بمسائل نقد الايديولوجيا البرجوازية، ومسائل فلسفة العلم. حصل على جائزة فريدريك انجلز، والجائزة الوطنية لجمهورية ألمانيا الديمقراطية ووسام الاستحقاق الوطني.

1- الأورجانون الجديد-ارشادات صادقة في تفسير الطبيعة، فرنسيس بيكون، ترجمة د. عادل مُصطفي، دار رؤية للنشر والتوزيع 2013، ص130
2- R. Descartes, Izbrannye proizvedeniia, Moscow, 1950, p. 305
3- يكتب غاليليو: "برأيي، من يُشير الى السُلطات حتى لو بمجرد الاشارة، على أنها تأكيدٌ لطرحه، ولم يلجأ الى أي مُحاججات غيرها، فهو يُنّف على أنه أحمق. من جهتي، أنا أسعى الى طرح المسائل المُتنازع عليها بحُريّة ومُناقشتها دون أي خوف، بوصفي شخصاً مُهتماً بالبحث عن الحقيقة".
4- cited from Fr. Jodl, Geschichte der neueren Philosophie, Vienna, 1924, p. 130
5- نقد العقل المحض، ايمانويل كانط، ترجمة موسى وهبة، مركز الانماء القومي، ص34
6- See P. Holbach, Sistema prirody, Moscow, 1940, Part 1, chapter 7
7- Hegel, Nauka logiki, Vol. 1, Moscow, 1970, p. 103
8- غنيٌّ عن البيان أن مجموعة الأفكار المتنوعة والتشعبة الموجودة في تطور أي علم ليست ذات أهمية ثانوية بالنسبة لها. لكن برأينا، عندما تدور المُناقشة حول المُقدمات العامة لها، فإنه يُمكننا تجاهل تلك الأفكار، وخاصةً تلك التي تُميّز كل مفكرٍ على حِدة.
9- ان الانتقال من العقلانية الفرنسية الى مادية القرن الثامن عشر الفرنسية تقع خارج اختصاص مقالتنا. لم تُمارس المادية الفرنسية تأثيراً مُباشراً على تطور الفلسفة البرجوازية الألمانية الكلاسيكية أو على ظهور فلسفة كانط، لأنه بالنسبة الى كانط، كانت العقلانية والتجريبية هي المادة الفكرية التي وجدها وتأسسَ عليها.
10- See John Locke, "Opyt o chelovecheskom razume," Izbr. filos. proizvedeniia, Vol. 1, Moscow, 1960, pp. 408, 410.
11- D. Hume, Soch 3 Vol. 2, Moscow, 1965, p. 47
12- Ibid., p. 339
13- J. Locke, op. cit., p. 73
14- كَتَبَ ماركس: "جون لوك، الذي مثّلَ البرجوازية الجديدة لجميع أشكالها-الصناعيين ضد العمال والفقراء، التُجّار ضد المُرابين القُدامى، الأرستقراطية المالية ضد دائني الحُكومة-والذي أظهَرَ في أحد كتاباته أن المنطق البرجوازي هو منطق بشري طبيعي".
(K. Marx and F. Engels, - Soch 9 Vol. 13, p. 62. My emphasis - M. B.)
15- Hume, Traktat Uber die menschliche Natur. I. Teil. Uber den Verstand, Leipzig and Hamburg, 1912, p. 327
16- Ibid., p. 337
17- في حين كانت التجريبية في أعلى مراحلها الشكوكية قد أكّدت ضرورة اضافة بيانات تجريبية جديدة الى تلك المُحصّلة سابقاً ومُعالجتها المعرفية، الا أن تلاميذها "الحديثون" عارضوا أي بحث نقدي أياً كان، لأنهم، مُتبعين ماخ، ينظرون الى مهمة الفكر "النظري" على أنها مهمة الفلسفة التي تريد أن تتجاوز كُل ما هو مُعطى. يقول فيتغنشتاين: "ليس من المفروض علينا أن نؤسس لأية نظرية. لا مكان للافتراضات في نظرتنا للأُمور. ينبغي ازاحة كل تفسير وإعطاء مكان للوصف فقط".
تحقيقات فلسفية، لودفيغ فيتغنشتاين، ترجمة عبدالرزاق بنّور، مركز دراسات الوحدة العربية 2007، ص195
18- ذهَبَ فيخته لاحقاً الى حد القول بأنه يشك بأن جميع أنواع التجريبية هي في تحالف مع الرجعية.
(see J. G. Fichte, Sämtliche Werke, ed. I. H. Fichte, Berlin, 1845, Vol. 6, pp. 71 ff
19- أُنظر: علم الأخلاق، باروخ سبينوزا، ترجمة جلال الدين سعيد، مركز دراسات الوحدة العربية 2009.
20- Th. Hobbes, Grundzüge der Philosophie. Dritter Teil: Leere von Burger, Leipzig, 1949, p. 60
21- Fichte, Briefwechsel, edited by H. Schulz, Leipzig, 1925, Vol. 1, p. 61
22- Hegel, - Soch 9 Vol 11, Moscow and Leningrad, 1935, p. 404
23- G. W. Hegel, Sämtliche Werke, Vol. 11, Stuttgart, 1928, pp. 557 ff
24- See Marx and Engels, -Soch 9 Vol. 1, pp. 444-47
25- أُنظر: مشروع للسلام الدائم، ايمانويل كانط، ترجمة الدكتور عثمان أمين، مكتبة الانجلو المصرية 1952.
26- Fichte, Sämtliche Werke, Vol. 3, pp. 212 ff
27- Hegel, -Soch Vol. VII, Moscow and Leningrad, 1934, p. 213
28- ضد دوهرينغ، فريدريك انجلز، دار التقدم 1984، ص29
29- مُقدمة إسهام في نقد فلسفة الحقوق عند هيغل، كارل ماركس، ترجمة هيثم منّاع، دار الجَمَل، ص11

ترجمة لمقالة:
Manfred Buhr (1975) The Greatness and the-limit-ations of Classical Bourgeois Philosophy, Soviet Studies in Philosophy, 13:4, 72-87