الشغيلة و20 فبراير: درسٌ لمُستقبل النضال العُمالي


المناضل-ة
2023 / 2 / 20 - 14:29     


الاستبداد مُستحكم، والمَسألة الاجتماعية مُتفاقمة بمخلفات الأزمة الصحية (كوفيد 19) ومُجمل تأثيرات الوضع الاقتصادي العالمي المتأثر بحرب روسيا على أوكرانيا وتداعياتها، وبوجه خاص التضخم المُدمر للقدرة الشرائية… يَتعاظم نُضج الشروط الموضوعية لانتفاض شعبي قد تطلقه أي شرارة في لحظة لا قدرة لأي كان على التنبؤ بها، ما يقتضي الاسترشاد بعبر ما سبق من تجارب النضال، هذه التي يُمثل حراك 20 فبراير أبرزَها.

اهتز المغرب في العامين 2011-2012، في سياق السيرورة الثورية بالمنطقة، بموجة احتجاجات وتحركات مطلبية بالغة التنوع. فقد أتاح المناخ الإقليمي تدفقا أقوى لحالة نضالية صاعدة منذُ النصف الثاني من التسعينات. هذه الحالة النضالية غيرت المشهد السياسي ببرُوز قوى مُناضلة مُتحررة من تحكم اليسار التاريخي، الأهم فيها حركة الشباب المعطلين والتعبئات الشعبية بمناطق مهملة (إقليم ازيلال، نواحي خنيفرة، زاكورة، طاطا، ايفني، صفرو، حركة تنسيقيات مناهضة الغلاء…). وتمثل مكمن الضعف الرئيس في عدم تضافر هذه القوى مع الحركة النقابية العُمالية، واقتصارها على مطالب اجتماعية بلا أفق سياسي. لا بل تزامن صُعود هاتين القوتين النضاليتين مع استفحال أزمة الحركة النقابية العمالية الفاقدة لكل استقلال، سواء عن قوى سياسية “معارضة” غير عمالية أو عن النظام. فمع استعداد الاتحاد الاشتراكي لدوره في حكومة الواجهة، بدأ اختمار أزمة “نقابته” ثم تفجرها لاحقا من جهة، ومن جهة أخرى اجتازت بيروقراطية الاتحاد المغربي للشغل انعطاف وفاة المحجوب بن الصديق بسلام ضامن للاستمرارية إثر توافق المؤتمر العاشر [شهران قبل انطلاق 20 فبراير]. وسيكون لوضع الحركة النقابية هذا، ولعدم التضافر مع تعبئات المعطلين والجماهير الشعبية تأثير حاسم على مصير الظاهرة السياسية المستجدة تحت اسم حركة 20 فبراير، أي المكون السياسي لدينامية 2011.

تحركت تحت مظلة 20 فبراير كل الاتجاهات السياسية المعارضة للنظام كلٌّ بدرجة. وإن كان الطاغي برنامجيا ضمن توجه الحراك هي شعارات إصلاح الملكية بتحويلها إلى برلمانية، مُعبرة عن أهداف ما تبقى من يسار ليبرالي تاريخي (أبرز تعبيراته الاشتراكي الموحد) وهو يسارٌ مناهضٌ للريع نصيرُ وَهم رأسمالية تَنافُس حُر طَاهرة، فقد انضوى أيضا تحت لوائها يسار جذري وقسم الإسلاميين المستنكف عن لعبة النظام، مرورا بالشباب المتأثر بالموجة الثورية بالمنطقة. هذا الأخير تبنى إجمالا مطالب اليسار الليبرالي، فيما اكتفت جماعة العدل والإحسان بعموميات سياسية لمسايرة الحراك [الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية]، وسعى اليسار الجذري إلى إبراز مطلب مجلس تأسيسي لكن دون وقع بفعل مستوى الوعي والخبرة السياسية لمجمل ضحايا الاستبداد، لعوامل تاريخية لا يتسع لها المقام.

بعد فشل سعي النظام لخنق الحراك، وتأكده من الخطر الكامن فيه في محيط إقليمي ملتهب، وبضغط ومساعدة من حلفائه الإمبرياليين، سارع إلى خطوتين رئيسيتين تلخصان سياسته التي ستفضي إلى هزم الحالة النضالية لعامي 2011-2012: يوم 27 فبراير 2011 توصل الناشطون رموز 20 فبراير من وزارة الداخلية بقرار منع المسيرات، أي العزم على ردع الحراك بالقمع، وهو ما تأكد بنحو خاص في شراسة التصدي لمحاولات نقل الحراك إلى الاحياء الشعبية، لاسيما بالدار البيضاء. وفي اليوم عينه كان لقاء مستشار الملك مع قيادات الحركة النقابية العمالية، ما سيفتح باب تنازلات غير مسبوقة للأجراء لقاء الابتعاد عن حراك 20 فبراير، وكذلك كان. وكان ذلك حسماً لمصير هذا الأخير، الذي سيستمر كيانا بلا عمود فقري طالما ظل بعيدا عن أماكن العمل، أي عن سلاح الإضراب وشل آلة الإنتاج والإدارة والمواصلات.

وهذا ما يسر نجاح مناورات النظام السياسية إزاء حراك 20 فبراير (دستور وحكومة واجهة جديدين…)، وغيرها (تنازلات للمعطلين وتساهل مع البناء الشعبي بلا ترخيص ومع باعة الرصيف…).

مهما يكن من أمر أكد مُجمل سيرورة 2011-2012، ولاحقا حراك الريف/جرادة، أن القضاء على الاستبداد وتأمين حق الحياة اللائقة للجميع أمر يعني استبدال سلطة بأخرى، تنجزه القوة الاجتماعية المؤهلة له بحكم مكانتها في البنيان، اعتمادا على برنامج يبني اقتصادا ومجتمعا مغايرين، وذلك بأدوات نضال متنوعة، حيث يتبوأ حزب سياسي ثوري موقع القيادة فيها.

وقد تجلت هذه الحقيقة بدرجات متفاوتة وأشكال متباينة في الخضات العمالية والشعبية التي هزت بلدان عديدة عبر العالم في العقدين الأخيرين. وإن ما زالت الحركة العمالية ببلدنا وبالعالم بعيدة عن الاندفاع في رفع راية الديمقراطية والحل الجذري للمسألة الاجتماعية (البديل الاشتراكي المُسيَّر ديمقراطيا) فذلك مؤشر على المستوى الذي هوى إليه وعي الشغيلة الطبقي بفعل انهيار الاتحاد السوفياتي ومجمل المنظومة البيروقراطية. ولا شك أن طبقتنا سائرة إلى استعادة دورها عبر سبل متعرجة وبكيفيات جديدة، ووتائر مختلفة، يفرضها السياق التاريخي، فلتنصب جهود الثوريين- ات على ضم طلائع النضال إلى المنظور الاشتراكي الثوري، مستعينين بدروس نضالات طبقتنا بانتصاراتها وهزائمها، فلا خلاص بسواه.