الفصل السادس- اليوتوبيا البروليتارية: العلوم، والعائلة والحياة اليومية

لين مالي
2023 / 2 / 20 - 12:39     



المصدر:

Mally, Lynn. Culture of the Future: The Proletkult Movement in Revolutionary Russia. Berkeley: University of California Press, 1990. http://ark.cdlib.org/ark:/13030/ft6m3nb4b2/

اقترحت البروليتكولت برنامجاً موسعاً يوتوبياً لتحويل روسيا عقب الثورة. أعلن بافيل ليبديف-بوليانسكي عام 1918: “علوم جديدة، فن، آداب، وأخلاق، باختصار، ثقافة بروليتارية جديدة، تتصورها صفوف البروليتاريا الصناعية، تحضّر إنساناً جديداً بنظام جديد من العواطف والمعتقدات”. الثقافة البروليتارية، روح الاشتراكية، ستنتشر في كل مكان، وبالتالي سيكون للبروليتكولت موطئ قدم في كل مكان كذلك.


كان هناك عنصر يوتوبي في كل الرؤى الثورية للمجتمع الجديد. تنبأ الفلاحون الحالمون بعالم من دون مدن، وتوقع العمال الراديكاليون وجود مصانع من دون أصحاب عمل. أراد الفنانون اليساريون تدمير المتاحف وجلب الفن إلى الشوارع والمنازل المشتركة. (2) حتى لينين، أكثر السياسيين براغماتية، أصيب لفترة وجيزة بهذه الروح؛ ففي عمله الشهير، الدولة والثورة، تصوّر بنية حكومية بسيطة للغاية وشفافة بحيث يتمكن أي طباخ من إدارة الدولة. كان البروليتكولتيون، الذين تصوروا أنفسهم مبدعي ثقافة المستقبل، يوتوبيين بطبيعتهم. لقد كانوا مقتنعين بأن بإمكانهم تحقيق مجتمع وثقافة كاملين، بالاعتماد على القيم الإنسانية بدلاً من التحيزات الطبقية. أعلن الشاعر البروليتاري فاسيلي أليكساندروفسكي: “أعتقد أننا نبني المستقبل بجهدنا الشاق، أجهِدْ عقلك وعضلاتك، أتعب نفسك بنار العمل، حتى تنتشر قيامة روسيا في كل العالم”. (3)

لتحقيق هذه الأهداف الكبيرة، أمل البروليتكولتيون إلى تغيير أكثر بكثير من الإبداع الفني. كانت القيم الإيجابية والجماعية التي كوّنت فناً جديداً تنتشر في كل الحياة- مكان العمل والمدرسة والبيت. أملوا بتغيير بنية المعرفة ونسيج الوجود اليومي. هذه المشاريع كانت يوتوبية فعلياً: فقد هدفت إلى تحقيق الكمال لكن استعصت على كل الطرق العملية لتنفيذها. مع ذلك، إن تعبيرهم يظهر مدى اتساع رؤية البروليتكولت: الحب، التعلم، الصداقة والمجتمع كلها يجب أن تكون تعبيراً عن روح العصر الاشتراكي.

العلوم البروليتارية

نظراً إلى افتتان البروليتاريين بالآلات ومكان العمل، فليس مستغرباً أن يصبح بعض المشاركين مولعين بفكرة العلوم البروليتارية: أثبتت هذه الفكرة بأنها واحدة من أكثر اقتراحات الحركة إشكالية، فقد أثارت ردوداً فظيعة من أولئك الذين اعتقدوا أن العلوم هي خاصة بفئة معينة من الناس تضع الإملاءات الثابتة للطبيعة موضع السؤال. (4) التأكيدات المستمرة بأن البروليتكولت لا تريد تحدي قوانين نيوتن لم تلقَ آذاناً صاغية في أغلب الأحوال. (5)

النظرية التي أثارت كل هذا الشغف كانت من بنات أفكار ألكسندر بوغدانوف. على الرغم من أن الأخير كان طبيباً وكان مقتنعاً بالدور الإرشادي في التطور الاجتماعي، إلا أنه لم يكن يقصد العلوم الطبيعية وحدها. فالكلمة الروسية نوكا- nauka، كالكلمة الألمانية ويسينشافت- Wissenschaft، تنطبق على كل التخصصات العلمية، من دراسة الأدب إلى الفيزياء. سعى بوغدانوف إلى إدخال كل المعرفة ضمن نظام منظم واحد سماه تكتولوجي أو علم التنظيم. (6)

بالنسبة لبوغدانوف إن جميع أشكال العلوم، حتى أكثرها تجريدية ونخبوية، تعكس وتديم النظام الاجتماعي الذي ولّدها. ساعدت الطريقة التي جرى بواسطتها هيكلة المعرفة العلمية ونقلها وتطبيقها في نهاية المطاف تحت الرأسمالية على تقوية النظام الرأسمالي. يعتقد بوغدانوف أن الهدف الأساسي للعلم هو تنظيم القوى العاملة. على الرغم من أن الرأسماليين قد طبقوا المعرفة العلمية لتعزيز ممارسات العمل الاستغلالية، فإن النظام الاشتراكي مع البروليتاريا على رأسه سيعيد هيكلة المعرفة العلمية لتتناسب مع أهدافه الاجتماعية والاقتصادية. أكد بوغدانوف في عمله الأكثر شهرة: “إن الطبقة العاملة بحاجة إلى علم بروليتاري، وهذا يعني علماً مقبولاً ومفهوماً وخاضعاً للمساءلة عن مهمة الحياة بالنسبة للبروليتاريا، علم منظم من وجهة نظر البروليتاريا، علم يتيح للقوى القيادية [البروليتارية] للصراع بأن تتوصل إلى تحقيق مُثلها الاجتماعية. (7)


لم يرفض المدافعون عن علم جديد إنجازات الأجيال السابقة، إنما شعروا بأنه على البروليتاريا تطبيق هذه المعرفة بطرق مختلفة. عندما ادعى أحد النقاد أن البرجوازية والطبقة العاملة سيستعملان نفس الطرق لعلاج الأمراض. رد أليكسي ساموبيتنيك-ماشيروف أن ذلك ليس صحيحاً بالضرورة. استعمل الرأسماليون الوصفات والأدوية، ولكن البروليتاريا ستستعلم عن الأسباب الاجتماعية للمرض وتحاربها من خلال رعاية صحية وتأمين طبي أفضل. (8)

مع ذلك، كان لدى بوغدانوف وأنصاره أكثر من مجرد تطبيق واعٍ اجتماعياً للمعرفة المكتسبة. فقد أصروا على أن الطبقة العاملة ستعيد هيكلة المعلومات العلمية بشكل جذري. كان العلم في ظل الرأسمالية شديد التخصصية ومجزأً ونخبوياً. ستجمع البروليتاريا المعرفة ضمن نظام موحد مرتبط بالحياة والعمل. (9) ولتحقيق هذا الهدف، لا يمكن بكل بساطة تعميم التعلم العلمي أو دمقرطته لأن مثل هذا الأسلوب يعني نقل الحقائق المقبولة بشكل يسهل الوصول إليها. وليس كافياً بلترة مؤسسات التعليم العالي. بدلاً من ذلك، يجب أشركة العلم؛ فيجب تعديله وتفحصه لتلبية احتياجات نظام اجتماعي منظم بشكل جيد. (10) وبكلمات شخصية من رواية بوغدانوف اليوتوبية، المهندس ميني: ” يجب أن تتقن البروليتاريا العلم من خلال تغييره. بأيدي العمال يجب أن يصبح أكثر بساطة، وأكثر انسجاماً وحيوية. يجب التغلب على التجزئة، وأن يكون أقرب إلى القوى العاملة التي هي مصدره الأساسي”. (11)

لتحقيق هذا البرنامج الطموح، اقترح بوغدانوف إقامة جامعات بروليتارية تقوم على تجاربه الخاصة في الحلقات الدراسية وفي مدارس كابري وبولونيا. (12) اختار عنوان “جامعة” لأنه أثار نوعاً من المعرفة الشاملة التي أمل بتحقيقها. كانت الصفة الطبقية [البروليتارية] لتمييز المؤسسات الجديدة عن المدارس النخبوية وعن “جامعات الشعب”، والتي كانت متاحة للجمهور بشكل واسع. وكما أوضحت، زميلة بوغدانوف، ماريا سميت، الجامعات البروليتارية لن تعد العمال وفق الأنظمة التعليمية القديمة، وليس مجرد إعداد لمحرضين ثوريين. إنما هدفها تحضير قادة بروليتاريين، لخلق “عقل الطبقة العاملة”. (13)

تبنت منظمة البروليتكولت والعديد من المنظمات المحلية بكل حماس هذه المقترحات. (14) مع ذلك، لم يكونوا لوحدهم في شغفهم بالتعليم العلمي. خلال السنوات الأولى من الحكم السوفياتي انتشرت مؤسسات التعليم العالي بمعدلات مذهلة. (15) ليس عبر مؤسسات الدولة إنما أيضاً عبر النقابات والمصانع والتعاونيات والعديد من المنظمات القاعدية ساهمت في هذا التوسع الكبير. لم تستطع البروليتكولت حتى الادعاء احتكار مصطلح “جامعة البروليتاريا”، الذي استعمله الكثير من الرعاة الآخرين. (16)

بدأت أول تجربة قصيرة الأمد للبروليتكولت في التعليم العالي في ربيع العام 1918 مع افتتاح الجامعة البروليتارية في موسكو. كان لبرنامجها نكهة بوغدانوفية واضحة. مجلة الجامعة، والتي صدر عدد واحد منها فقط، أعلنت أن المؤسسة تهدف إلى إعادة تقييم ثقافة الماضي بضوء الروح الجماعية للبروليتاريا. بشكل ملحوظ، احتوت كذلك على أطروحة بوغدانوف الأكثر شهرة حول العلم البروليتاري. (17) ولكن البروليتكولت تشاركت قيادة الجامعة مع سوفيات المدينة وقسم الناركومبروس المحلي. أدت المعركة بين ثلاثة أطراف حول من يدير الموظفين ويقدم الدروس إلى زوال الجامعة. ألقى بوغدانوف باللوم في فشلها على عوامل داخلية. فقد شعر أن أعضاء الهيئة التعليمية لم يعملوا سوية وأن الجسم الطلابي، المؤلف بشكل أساسي من أصحاب الياقات البيضاء، لم يمثل وجهة نظر بروليتارية. (18)


بعد هذه البداية الخاطئة افتتحت البروليتكولت مدرسة جديدة اعتمدت مُثُل بوغدانوف التربوية. لقد كان منخرطاً في تخطيط المنهج لهذه المؤسسة الجديدة، وقد وضع الخطوط العريضة للدروس بحيث تعطي صورة عن كيف كان يأمل بتحقيق علم بروليتاري. كان للمدرسة ثلاثة مستويات، كل واحد يدوم سنة واحدة. السنة الأولى تكون مخصصة لدروس توجيهية، يتعرف الطلاب فيها على مبادئ البحث العلمي ويتعلمون كيفية التعبير عن أنفسهم خطياً وشفهياً. سيستكشفون التخصصات العلمية الطبيعية، من بينها الرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلم وظائف الإعضاء، بهدف تقييم مساهمة كل واحدة منها في مسار العمل. حيث كان ذلك ممكناً، أراد بوغدانوف تطبيق التجارب والتقنيات العملية كأدوات تربوية، وليس عن طريق المحاضرات والكتب فقط. بعد هذه الدراسات الاساسية في طبيعة العلوم يتجه الطلاب إلى دراسة المجتمع. يتضمن المنهج صفوفاً بالاقتصاد، والتاريخ الروسي، والاشتراكية وبنية الدولة والاقتصاد. هنا أيضاً، شدد بوغدانوف على تطبيق مقاربة شخصية وتشاركية. استعمل الطلاب الوثائق الأصلية ودراسات الحالة لتعلم حس التطور والنضال التاريخي. (19)

بعد السنة الأولى من الدروس التمهيدية، بات بوغدانوف كارهاً للبرامج المتخصصة بشكل واضح أكثر. وبدلاً من تقديم كل موضوع على حدة، اقترح وضع خطة دراسة موضوعية. افتتحت السنة الثانية مع نظرة عامة حول التقنيات المنهجية للبحث العلمي، ومبادئ التطور والنظريات الأساسية للطاقة، وطرق تطبيق البيولوجيا على مسار العمل. بعدها يتعرف الطلاب على العلوم الاجتماعية، والبداية مع دروس تستكشف تاريخ التكنولوجيا في المجتمع. وتنتهي الدورة مع صف حول المادية الديالكتيكية كأساس لنهج علمي للعالم. كانت مقاربة بوغدانوف المتكاملة والوحيدة للعلم والمجتمع أكثر وضوحاً في مقترحاته للسنة الأخيرة. كان متوقعاً من الطلاب أن يدمجوا معرفتهم في نظام موسوعي، ويتوج علمهم بدورة باسم “المنظمة العامة للعلوم”. (20)

لتجنب مشاكل الجامعة الأولى، انطلقت البروليتكولت لإيجاد طلاب لها في أوساط الطبقة العاملة. فقد نشرت مجلات البروليتكولت والناركومبروس إعلاناً للتسجيل في الجامعة الجديدة. كان من المفترض أن يُرشَح الطلاب من قبل منظمات الطبقة العاملة، والتي تعني بشكل عام النقابات والسوفيتات والجيش الأحمر. كان العمال والفلاحون الفقراء مرحب بهم، ولكن جرى تشجيع أصحاب الياقات البيضاء إلى التوجه إلى أماكن أخرى. في مقال كتبه ستيفان كريفتسوف، قائد في البروليتكولت المركزي، قدم شرحاً واضحاً لمقاربة الجامعة التربوية الفريدة. الجامعة لن تدرّس التخصصات بمعنى ضيق، ولن تحاول خلق “رواد في العلوم”. إنما ستشجع الجامعة “البناة-المهندسين المنخرطين في كل جوانب المساعي البشرية”. (21)

في آذار/مارس عام 1919، افتتحت مدرسة البروليتكولت الاختبارية مع الكثير من الأبهة والاحتفاء في موسكو. وقد سميت جامعة كارل ليبكنخت، على اسم القائد في سبارتاكوس والذي كان قد اغتيل مؤخراً [وقتها]. تحدث في الحفل الافتتاحي لوناتشارسكي، وبوخارين وممثل نمساوي من الأممية الثالثة. (22) ادعى بوغدانوف أن القسم الطلابي سيتبع بالفعل المبادئ التوجيهية التي وضعتها المنظمة المركزية وأن المشاركين الـ 400 قد جاؤوا فعلياً من أوساط الطبقة العاملة والفلاحية، مع رهط قليل من المثقفين العماليين. تدل المعلومات القليلة المنشورة عن السير الذاتية لعدد قليل من الطلاب على صحة كلامه. (23)


ازدهرت جامعة كارل لينكنخت لأشهر قليلة فقط قبل إغلاقها مؤقتاً في أواخر تموز/يوليو عام 1919. شعر رئيسها ن.ف. روغزينسكي، الذي جاء من قسم تعليم الكبار في الناركومبروس، بأن المنهج والموظفين لا يعبروا عن بشكل حقيقي عن حاجات البروليتاريا. بدلاً من ذلك، اقترح أن تندمج الجامعة مع جامعة سفيردلوف، التي تعطي دورات قصيرة الأمد لمحرضي السوفيتات والحزب، بهدف تأسيس مؤسسة جديدة تسمى جامعة سفيردلوف الشيوعية. على الرغم من الاندماج من الناحية الفنية، إلا أن هذا الاقتراح عنى الخسارة الكاملة لسلطة البروليتكولت لأنه كان على اللجنة المركزية للحزب الشيوعي والناركومبروس تولي مسؤولية الجامعة الجديدة. (24) شرح مسؤولو الحزب الخطوة أنها إجراء مؤقت بسبب متطلبات الحرب الأهلية. (25) مع ذلك، قد يكون النهج المبتكر لبوغدانوف هو الذي دفع كذلك للعمل على ذلك. وما إن فتحت جامعة سفيردلوف أبوابها في بداية عام 1920، ندد رئيسها الأول، ف.اي. نيفسكي بفكرة الجامعة البروليتارية بشكل عام ونظرية بوغدانوف حول العلم التنظيمي تحديداً. (26)

وبالكاد جرى اختبار منهج بوغدانوف غير المعتاد خلال فترة وجود الجامعة القصيرة، أعطت استبيانات الطلاب التي نشرت بعد زوالها مراجعات متضاربة. بعض الطلاب أفاد أن تجربتهم كان متواضعة. أكد أحد المشاركين: “لقد تعلمت ما يجب قراءته وكيف أفهم ما قرأته”. ولكن آخرين قدموا تقييماً أكثر إيجابية. فقد أفاد طالب متحمس: “أنا على قناعة كاملة بضرورة تطوير أسلوب علمي جديد، فقط بهذه الطريقة يمكن أخذ العناصر المهمة والضرورية من الثقافة البرجوازية بهدف خلق وتقوية ثقافة وأيديولوجيا بروليتارية حقيقية”. (27)

من الأكيد أن العديد من الطلاب السابقين اهتموا بالمدرسة ما يكفي حتى يحتجوا على إقفالها المفاجئ. ففي رسالة مؤثرة إلى اللجنة المركزية للبروليتكولت، تساءلوا عن إذا كانت المدرسة الجديدة ستلبي احتياجاتهم حقاً. هدفت جامعة كارل ليبكنخت إلى تثقيف بعض المثقفين البروليتاريين وفق برنامج صارم مدته 3 سنوات، ولكن جامعة سفيردلوف خططت لإعداد محرضين خلال 4 أشهر. (28) ولكن أحد النقاد الذي كتب في إيزفيستيا قد حاجج أن هذه هي النقطة بالتحديد. مقتبساً من ماركس، ادعى س. نافيكوف، أن الجامعة البروليتارية السابقة أملت بتعليم الطلاب أن يكون لهم رؤية ثورية للعالم، ولكن الجامعة الشيوعية الجديدة أرادت تعليمهم كيفية تغيير العالم الرأسمالي إلى آخر اشتراكي. (29)

من الأكيد أن فشل جامعة كارل ليبكنخت لم يضع حداً لتجارب البروليتكولت في العلم البروليتاري. افتتحت العديد من المنظمات الإقليمية مدارسها الخاصة التي هدفت إلى تثقيف الطبقة العاملة بروح جديدة. قال أحد المنظمين المركزيين عام 1919: “انتشرت في كل أنحاء روسيا موجة بناء جامعات العمال”. في أوريل، تبرع العمال بأجر يوم عمل إضافي لتمويل هذا المشروع. وقد افتتحت مؤسسات بروليتارية جديدة للتعليم العالي في سمولينسك، وتولا، وبينزا، وسورموفو، وتساريتسين، وبالاشوف. (30)

رغم ذلك، إن العديد من هذه المدارس لم تكن خاضعة لسيطرة البروليتكولت المباشرة، ولم تتبع منهج بوغدانوف التعليمي المفصل. وأفضل مثال على ذلك “جامعة كارل ماركس للثقافة البروليتارية” التي تأسست في مؤتمر البروليتكولت الإقليمي عام 1919. فمنذ البداية، رعى قسم الناركومبورس المحلي المشروع بشكل مشترك وقد فتحت المدرسة أبوابها للموظفين ذوي الياقات البيضاء إضافة إلى العمال الصناعيين والفلاحين. تضمن المنهج، الذي كان بالكاد مبتكراً، دروساً في اللغات الأجنبية والاقتصاد والمحاسبة. (31)


أزعجت هذه التجارب بوغدانوف لأنه شعر بأنها تشوه صورته عن العلم البروليتاري. وتذمر من أن أغلب المؤسسات الجديدة لا تستحق فعلياً الاسم الذي أطلقوه عليها. على الرغم من عدم وجود خطأ في هذا المسعى، إلا أنها بالكاد ما ساهمت في تطوير علم جديد. لم يكن المقصود من منهجه أن يكون نظاماً صارماً، ولكن من أجل الحصول على لقب جامعة بروليتارية، كان على المؤسسة محاولة توحيد المعرفة العلمية وإعادة تقييمها. (32)

مع مجهودهم بهدف تأسيس مؤسسات بروليتارية فريدة للتعليم العالي، كانوا محبطين للغاية، بدأ قادة البروليتكولت المركزيون بانتهاج مسار مختلف. واقترحوا أن تفتح المجموعات المحلية “استديوهات علمية” على غرار ورش العمل الفنية التي قدمتها فعلياً. قدمت ماريا سميت، المؤيدة المتحمسة للعلم البروليتاري، وصفاً مفصلاً لهذه الحلقات في المؤتمر الوطني للبروليتكولت عام 1920. كان مقرراً أن تجذب 40 إلى 50 مشاركاً، من البروليتاريا الصناعية. بشكل مثالي، كان لدى هؤلاء العمال خبرة لسنوات مديدة في العمل بالمصانع والتي أعطتهم أدواراً قيادية في الحركة العمالية. وبسبب طبيعة الموضوع، اعترفت سميت بأنه على الأرجح يجب أن يكون المدرسين من المثقفين، ولكنها أكدت على أنهم من الماركسيين وعلى علاقة وثقى بعمال المصانع. كما أنها حددت ملامح المنهج الدراسي: نسخة معدلة جداً لبرنامج الجامعات البروليتارية. يتعرف الطلاب فيها إلى الرياضيات والفيزياء والتكنولوجيا، والبيولوجيا والاقتصاد السياسي، ونظريات الثقافة البروليتارية. (33)

لم تكن استديوهات العلوم تحظى بشعبية كبيرة على الإطلاق مع المنظمات المحلية، وربما يعود ذلك بشكل جزئي إلى أن المركز [قيادة البروليتكولت] اقترحها فقط عندما بدأت البروليتكولت بالتراجع السريع مع نهاية عام 1920. من الواضح أنها أدت إلى مشاكل مرهقة في التوظيف فيها والتي كانت أصلاً تفتقد إلى الموظفين المؤهلين. بالإضافة إلى ذلك، كان الطلاب المستهدفون من العمال الأكثر تقدماً وتطوراً سياسياً، وهي فئة كانت قليلة العدد [بعد الحرب الأهلية خاصة].

جاءت المحاولات العفوية لبدء أقسام العلوم في الأقاليم بالكثير من النتائج المتشابهة التي حصلت في الجامعات البروليتارية الإقليمية. فقد كانت الجلسات طويلة جداً في التقديم وقصيرة في التوليف. فقد ادعى قسم العلوم في بروليتكولت سمولينسك، مثلاً، “أنه سيقضي على الانقسام بين العلم والعمل ويبحث عن الأساليب العلمية الجديدة”. (34) ولكن الممارسة لم تلبِ هذا الطموح. ألقت مجموعة من المعلمين والأطباء محاضرات في البيولوجيا وعلم الجراثيم والمشاكل الصحية إلى جانب مناقشات حول المشكلات الحالية، مثل “لماذا لا نملك الخبز”.(35)

كانت ردة فعل بوغدانوف على البرامج المحلية من هذا النوع سلبية كما كان متوقعاً. بحيث وجه نفسه اللوم إلى عمل “قسم التعليم الاشتراكي” في بروليتكولت بتروغراد، الذي قدم دروساً باللغات الأجنبية والميكانيك والبناء. (36) في اجتماع اللجنة المركزية للبروليتكولت حاجج بوغدانوف في شهر آب/أغسطس عام 1919 بأنه لا يوجد ما هو اشتراكي إطلاقاً في مناهج القسم. لقد شعر بالإهانة خاصة لأن المجموعة كانت تخطط للسفر إلى أميركا لتعلّم التكنولوجيا. بعد توصية من بوغدانوف، أمرت اللجنة المركزية بإغلاق القسم من دون تأخير. (37)


جرى مقاومة تطور العلم البروليتاري على عدة مستويات؛ فقد عرقلته أجهزة الدولة، ومشاكل التوظيف، وكذلك الأذواق العادية للأعضاء المحليين والمعلمين. على الرغم من أن القضية بقيت على جدول أعمال البروليتكولت، لكن طرق تحقيقها جرى تقليصها على الدوام. تشكلت مجموعة صغيرة من استديوهات العلوم في الأقاليم خلال السنوات الأولى من السياسة الاقتصادية الجديدة، ولكنها لم تدم طويلاً إنما قدمت مجموعة صغيرة جداً من الدورات. (38) على المستوى الوطني افتتحت حلقة علمية عام 1921. على الرغم من أنها كانت مرعية من اللجنة المركزية، لكن لم يكن لها طموحات جامعة بوغدانوف البروليتارية. كانت معظم الدروس حول الفنون والتربية السياسية. تطرقت مجموعة قليلة إلى العلوم الطبيعية. أما الدورات الشاملة المتعددة الاختصاصات، والتي كانت ميزة منهج بوغدانوف المبتكر، كانت مفقودة تماماً. (39)

تحول منظمو البروليتكولت إلى النوادي العمالية كأداة أساسية لنقل التعليم العلمي. بحيث يمكن أن تصل هذه المؤسسات الشعبية إلى جمهور أوسع من استديوهات للبروليتكولت أو الجامعات، وبالتالي، يبدو أنها كانت قادرة على تقريب الجماهير من الوعد بعلم جديد. ولكن، وفي الوقت الذي بدأ به البروليتكولتيون هذه الدروس خلال السياسة الاقتصادية الجديدة، تقلصت أجندتهم التعليمية من جديد. تناولت الدروس التي اقترحوها أسس النظرية الاشتراكية، والتخطيط الاقتصادي، وممارسات العمل العقلانية. (40) لم يكن ذلك تعليماً لليوتوبيا التي من شأنها أن تحطم التصورات التقليدية للعالم.

العائلة البروليتارية

في كتاباتهم عن القيم والأعراف الاجتماعية، برز منظرو البروليتكولت كناقدين حادين للعائلة البروليتارية، التي رأوا فيها أنها تغرس قيم الاغتراب الطبقية المتجسدة بالوصولية والمنافسة والفردية. كشفت تحاليل البروليتكولت فهماً واضحاً لتأثير العائلة على السلوك الاجتماعي. مع ذلك، كشفوا عدائية عميقة لخصوصية المنزل. كانوا ينظرون إلى العائلة بداية على أنها قوة سلبية تشكل تهديداً للجماعية البروليتارية. وبالتالي اقترح البروليتكولتيون الالتفاف على الأسرة عن طريق جذب جميع أفراد العائلة إلى العالم الجماعي والعام للحركة العمالية.

قبل عام 1917، أعطت الحركة الاشتراكية الروسية، كقرينتها الأوروبية، اهتماماً قليلاً لقضايا الأسرة. كان هناك اعتقاد شائع أن تحرر النساء سيحصل حتماً بعد الثورة الاشتراكية، تماماً كما سيعيد توسيع فرص العمل للنساء من خلال هيكلة أشكال الأسرة. في الوقت عينه، لم يعتقد معظم الاشتراكيين أن هذه المشاكل كان لها أهمية قصوى. إنما بصعوبة ومثابرة كبيرتين تمكنت بعض المنظمات النسائية من إقناع الحزب الاشتراكي الديمقراطي بتطوير برامج موجهة خاصة للعاملات. (41)

كان لدى الراديكاليين في البروليتكولت سجلاً أفضل في هذه القضايا مقارنة مع العديد من رفاقهم البلاشفة. على الرغم من أن الطلاب الذين شاركوا في مدارس كابري وبولونيا كانوا جميعاً من الرجال، إلا أن ألكسندرا كولونتاي جاءت إلى بولونيا لتقديم محاضرة حول التحريض بين العاملات. (42) في كتاباته الفبيريدية هاجم ألكسندر بوغدانوف بشراسة العائلة البروليتارية. في روايته اليوتوبية، النجم الأحمر، التي كتبها من أجل جعل نظرياته السياسية والاجتماعية أكثر شعبية، التي تدور حول إعادة تعريف الأدوار الجنسية التي شعر بأن الثورة ستحققها. تلقى الأولاد تربية جماعية في المريخ الاشتراكي. تولت النساء، المحررات من استبدادية المنزل، ذات الوظائف التي يشغلها الرجال وحتى أنهن ظهرن شبيهات بهم. كانت مارتيان نيتي، بطلة الكتاب، طبيبة موهوبة ومستكشفة للفضاء. لم يكن للعائلة النووية أي مكان في مدينة بوغدانوف الفاضلة. (43)


عندما وصل البلاشفة إلى السلطة، جعلوا من الأسرة عنصراً أساسياً من برنامجهم الاجتماعي الواسع عبر تطهير قانون الأسرة من أكثر مواده القمعية. فقد جرى تبسيط الطلاق وتشريع الإجهاض، وفرضت الأحكام الاقتصادية التي تعطي أجراً متساوياً للعمل المتساوي. كما أسست المناضلات قسماً خاصاً في الحزب الشيوعي، الجينوتديل، لتأمين إعلام النساء بحقوقهن الجديدة وتشجيعهن على تولي المناصب القيادية. (44) لاقت هذه الإجراءات مقاومة من الرجال، الذين كانوا مترددين في التنازل عن امتيازاتهم سواء داخل المنزل أو خارجه، وكذلك من قبل النساء اللواتي رأين في إجراءات الدولة تهديداً شديداً للأمان الذي وفره الزواج. (45) ولكن بالنسبة للبعض، مثل البلشفية النسوية، ألكسندرا كولونتاي، لم تكن البرامج الثورية كافية. فهي كما بوغدانوف، تصورت مجتمعاً حيث لا تكون الأسرة النووية فيه ضرورة اجتماعية. (46)

في الجدال السوفياتي المبكر حول مستقبل الأسرة، وقف العديد من البروليتكولتيين إلى جانب الجذريين. فقد أرادوا رؤية الوظائف الاجتماعية للأسرة، وخاصة تربية الأولاد، تتولاها المؤسسات العامة، وهو مسار من شأنه أن يؤدي في نهاية المطاف إلى زوال العائلة القديمة. مع ذلك كان هناك فجوة كبيرة بين الغايات والوسائل. لم تطور أي من المنظمات الوطنية أو الإقليمية برامج واقعية لتطبيق أفكارها. كانت آراء بوغدانوف عَرضية، على الرغم من نقده المقنع لسلطة الأسرة المتدهورة، (47) إلا أنه لم يقترح كيفية الانتقال من الاستبداد الفردي للنظام القديم إلى المجتمع الشيوعي الذي تخيله في رواياته.

يعود فشل منظمات البروليتكولت بوضع الأسرة البروليتارية في صلب ممارساتها بشكل جزئي إلى جذور هذه المنظمات في الحركة الاشتراكية ما قبل الثورة. نمت العديد من المجموعات المحلية انطلاقاً من نقابات ونوادي المصانع، والتي كانت محصورة بالرجال بشكل أساسي. كانت الجهود المبذولة لتشجيع مشاركة النساء قبل عام 1917 باردة بأفضل الأحوال. (48) استمر العديد من المنظمات المحلية بهذه الرؤية بعد الثورة. عندما تفحص بافيل ليبيديف-بوليانسكي دور نوادي البروليتكولت في أول مؤتمر وطني عام 1918، افترض أنها ستكون بمثابة ملجأ من الأسرة. وقد حاجج أن كل نادٍ يحتاج إلى مكتبة لأن شقق العمال صغيرة للغاية ومظلمة وكانت تتقطع قراءتهم بسبب ضجيج الأولاد. “من الضروري خلق جو في النوادي حيث يستطيع المرء تعلم العمل في الحياة العامة، وتحريره من براثن الحياة العائلية التافهة”. (49) على ما يبدو أن من تُركوا في الخلف، في ضجيج الشقة- من المفترض أنهم النساء والأطفال- لا يعنيه أمرهن.

عززت انتاجات البروليتكولت الفنية هذه الصورة للطبقة العاملة ومؤسساتها كمساحة للذكور الراشدين. كانت التجسيد الأكثر انتشاراً هو العامل المستعمل في الأشعار واللافتات والأغاني من خلال وصفه كحداد ذكر جبار له عضلات ضخمة ويديه خشنتين، وهي موضوعة تكررت في الفن الاشتراكي في غربي أوروبا كذلك الأمر. (50) كانت العائلة البديلة التي هي مهمة حقاً للطبقة العاملة، [موجودة] داخل أُلفة ورشات العمل ودفء المنظمات العمالية. كانت هذه العائلة البديلة محصورة تقريباً بالرجال. كانت النساء والأطفال موضوعات ثانوية، وتقريباً غير موجودين/ات، ضمن الموضوعات المتمركزة حول الصناعة في إبداعات البروليتكولت. “أنا ابن العامل”، أعلن أحد المؤلفين البروليتاريين. (51) خصص ميخائيل غيراسيموف كلماته الأكثر رقة لمكان العمل. في واحدة من قصائده أشار إلى مصنعه الحبيب الغارق تحت الدخان بصوته الفولاذي الأجش. (52) كان المصنع، وليس المرأة، هو موضوع رغبته. في أعمال أخرى، كان دور النساء يقتصر على الحد من حركة الذكور في العالم، كما هو حال مسرحية الحرب الأهلية الشهيرة لا تذهب (ني خودي)، حيث توسلت البطلة زوجها حتى لا ينضم إلى الجيش الأحمر. (53)


ولأن قادة البروليتكولت قدموا المنظمة على أنها الطليعة الثقافية للطبقة العاملة، لم يكن لديهم سبب ملح لإيجاد طريقة مبتكرة لإعادة هيكلة العائلة. يمكن للحركة أن تشمل الأسرة فقط إذا امتدت وتضمنت العاملات، ولكن النساء كن تقليدياً أقل مهارة ضمن البروليتاريا. كما كانت مستويات الأمية بين النساء مرتفعة بسبب عدم حصولهن على فرص تعليمية قبل الثورة. غالباً ما أدت أحكام الأهل المسبقة، وزملائهم العمال، وحتى النساء أنفسهن، إلى القول إن تعليم النساء كان ترفاً لا حاجة له. (54) بالنسبة للعديد من العمال والمناضلين السياسيين تبقى النساء رمزاً لعدم المعرفة، والإيمان بالخرافات التي على الطبقة العاملة التخلي عنها. (55)

كشفت الحلول التي قدمها البروليتكولتيون لتحويل الأسرة البروليتارية عن المكانة المتميزة التي قدموها لعالم المؤسسات الاشتراكية التي يهيمن عليها الذكور، وكذلك عن شكوكهم العميقة بسلطة النساء داخل البيت. كانوا يهدفون إلى التقليل من سلطة العائلة عبر استقطاب النساء والأطفال إلى البروليتكولت، وحيث كان ممكناً، استبدال المهمات الخاصة بأخرى عامة. هذه السياسة ساعدت على إتمام وظيفتين: أعادت تثقيف النساء لقبول بدورهن الجديد في ظل الاشتراكية في حين حدّت من قدرة العائلة على تشويه قيم الأجيال الآتية.

غالباً ما كانت النقاشات حول الأسرة كناية عن نقاشات عن النساء والسلطة التي هي بحوزتهن لتدمير أهداف الثورة. أصر العديد من المعلقين في البروليتكولت على أنه يجب تعليم النساء تقييم ماذا منحتهن الثورة. (56) والأهم، أنه على المشاركات [في البروليتكولت] تعلم تغيير مقاربتهن المحدودة للمجتمع والعائلة والبيت لأن النساء كن مطية لقيم الطبقات الأخرى. وكما أصر أحد الخطباء في المؤتمر الوطني عام 1918، أفضل طريقة لاستئصال التصرفات البرجوازية الصغيرة في الحياة اليومية هي في إعادة تعليم النساء برامج البروليتكولت. (57)

مع ذلك، حتى الخطوة المتواضعة للغاية في هذا البرنامج، والقاضية بتشجيع العاملات وزوجات العمال الانضمام إلى نشاطات البروليتكولت، لم ينظر إليها على محمل الجد في المنظمات الإقليمية. ترأست حفنة من المثقفات منظمات محلية مهمة، ووصلن إلى مناصب قيادية في اللجنة المركزية الوطنية، ولكن السجلات المحلية تظهر أن المشاركات كن دوماً أقلية. (58) وعندما انضمت ب. ن. زوبوفا إلى المجموعة المسرحية الجائلة على خطوط الجبهة عام 1920، رافقتها امرأتان فقط. (59) بعض المجموعات لم تحتوِ على أي امرأة على الإطلاق. (60)

وقد بذلت المنظمات الأكثر نجاحاً في إشراك النساء جهوداً خاصة لكسب اهتمام النساء. وضمت البروليتكولت في كوستروما، وهي مدينة تحتوي على مصانع نسيج يعمل فيها نسبة عالية من العاملات، أعداد كبيرة من النساء في ناديها الأساسي. حرصت منظِّمة النادي، م.أ. روستوبتشينا، على أن يكون المحرضون الذين يعملون على إقناع النساء على الانضمام من النساء، وخططت كذلك لإقامة حلقات قراءة تستهدف بشكل خاص العاملات. وبحسب الأرقام المنشورة، أثمرت هذه الجهود. في البداية كان أغلب أعضاء النادي من الرجال، ولكن ارتفعت نسبة مشاركة النساء لتصل حتى 35 بالمئة وفي أي يوم قد يشكلن ما نسبته 40 بالمئة من مستخدمي/ات مرافق النادي. (61)


بداية، عملت منظمة بروليتكولت في تولا على استقطاب النساء. ناشد فاسيلي إيغناتوف ومساعده، زعيم الحزب المحلي، غريغوري كامينسكي، مباشَرة النساء في الإعلان الأول للمنظمة:

“الرفيقات العاملات! في الماضي، إذا تعرضتن للضرب والتعب، اليوم قد بدأ يوم جديد بالنسبة لكن. اليوم، أنتن إلى جانب آبائكن وأزواجكن وإخوانكن تشاركن في بناء حياة شيوعية جديدة مع حقوق متساوية. لا تبتعدن عنها. لا تنغلقن على أنفسكن في غرفكن، في الزوايا، والطوابق السفلية. شاركن بكل شجاعة في بروليتكولتكن. امنحن وقتكن لهذه المنظمات وقمن بدور إبداعي في بناء القيم الثقافية الطبقية. شاركن، ولا تخجلن من أعماركن أو شبه أميتكن أو حتى أميتكن الكاملة”. (62)

شروط العضوية التي جرى تفصيلها في بداية عام 1919 انتقدت سلوك الذكور الذي قد يسيء للنساء، مثل اللغة الفظة والمضايقة واستعمال ألقاب مهينة. (63)

ولكن التجارب في تولا أوضحت أن الأمر تطلب أكثر من برنامج متقدم أو بوستر لزيادة أرقام مشاركة النساء. على الرغم من أن منظمة تولا قد طورت بسرعة استديوهات ثقافية متنوعة، من بينها ورشة عمل حول تقنيات السيرك، إلا أنها لم تتضمن قسماً تعليمياً عاماً ولا برامج لمحو أمية النساء شبه الأميات اللواتي توجه الملصق إليهن. عام 1921 كان عدد النساء 8 من أصل 54 مشارك في الاستديو فقط. (64)

في مواجهة الأدلة على انخفاض مشاركة النساء، تراجع بعض أعضاء المنظمة إلى إعادة تكرار الشعار القديم السائد في الكتابات السوفيتاتية المبكرة: أنه مع ترسخ الاشتراكية وتطور التكنولوجيا ستحل مشاكل الأسرة تلقائياً. وقال أحد الكتّاب في تامبوف: “حتى الآن لا يزال وضع النساء سيئاً للغاية، ومن مسؤوليتنا تحريرهن منه”. لكن الحل الوحيد الذي اقترحه الكاتب تمثل بالأمل الغامض بأن تتولى الآلات يوماً ما المهام المنزلية الصعبة على النساء، مثل الإصلاح [الثياب…] والغسيل. (65)

على الرغم من أن وضع النساء بقي قضية هامشية للكثير من الأعضاء، إلا أن مصير الأطفال البروليتاريين قد حظي بالكثير من الاهتمام. جسدت النساء كل مشاكل الماضي، في حين كان الأطفال أمل المستقبل. عند معالجة مشاكل الشباب، كشف البروليتكولتيون عن مشكلة أخرى في العائلة القديمة: لقد أعاقت الطاقة الراديكالية المحتملة لدى الطفل. بحسب رأي إحدى المناضلات في بتروغراد، إيلينا باغداتيفا، كان على البروليتكولت أن تكون مشاركة في رعاية الأطفال لحمايتهم من الآثار المضرة لـ”الأم البرجوازية الصغيرة، والأب المبتلع للمال، والجدة المتعصبة”. (66) المدرسة ومكان العمل يجب أن يصبحا مهمين للطفل بمقدار أهمية العائلة. حتى أن البروليتكولت في موسكو قد أصدرت “شرعة حقوق الطفل”، التي كفلت للأطفال إمكانية اختيار شكل التعليم الخاص بهم، ودينهم، وحتى كان بإمكانهم اختيار أهلهم. (67) وقد أخذ البعض هذه الأفكار إلى نهايتها المنطقية. لقد أرادوا تحميل البروليتكوت مسؤولية كل أطفال البروليتاريا من خلال أخذهم من منازلهم من سن مبكرة. وكان ذلك ضرورياً، بحسب أحد المشاركين الذكور، بهدف محاربة التأثير المحافظ للأهل، وخاصة الأمهات. (68)


تجاوزت هذه الطموحات موارد البروليتكولت وكان صعباً على الناركومبروس أو العائلات العمالية الموافقة عليها. لكن افتتحت دورات أكثر تواضعاً في بعض المنظمات المحلية عبر افتتاح برامج خاصة بالأطفال، والتي استهدفت الأطفال بين 8 و16 سنة. الأكثر نجاحاً كانت تلك التي افتتحت في تولا عام 1919. (69) حتى أنها أصدرت جريدتها الخاصة بها، وحررها وأصدرها الأطفال المشاركون فيها.

كشفت محتويات جريدة تولا، التي كان عنوانها بروليتكولت الأطفال، عن عداء الشبيبة لحدود الحياة الأسرية التقليدية. أمل الشباب الثوري المتحمس بتحقيق ثقافة بروليتارية خاصة بالأطفال المستندة إلى إحساس متطور جداً بالقيمة الذاتية للأطفال واستقلاليتهم. في هذه المقالات، ظهر الأطفال والشبيبة كثوار حقيقيين الذين كانوا بحاجة إلى إلهام الراشدين المختلفين والمتمردين على الأعمال الثورية. كتبت فتاة عمرها 14 سنة: “علينا فعل الكثير لتوعية وتنظيم بقية الأطفال، علينا توعية وتنظيم آبائنا وأمهاتنا، وإخواننا وأخواتنا للدفاع عن الثورة”. (70) وبحسب زعيم المنظمة الشاب دمتري بوجيداييف، بروليتكولت الأطفال ستحرر الشباب من استبداد العائلة البرجوازية الصغيرة وتعطيهم مهام اجتماعية مفيدة. (71)

على الرغم من عدم تطوير أي منظمة إقليمية أخرى شبكة كبيرة كتلك في تولا، إلا أنها رعت نشاطات خاصة بالأطفال. فقد تضمنت البروليتكولتات في كل من ريبينسك وسيزران أقساماً منفصلة للأطفال، وفي تفير ورجيف وفلاديكافكاز وبوشكينسكي استديوهات خاصة بالأطفال. (72) بعض الحلقات في المصانع دعمت مرافق رعاية الأطفال. وبحسب أحد المنظمين في شيليابينسك، جاءت أكثر ردود الفعل حماسة لمحاولته تأسيس بروليتكولت من سكرتيرة السوفيات المحلي، التي أخبرته أن الأمهات سيبدأن بتكوين مجموعات لأطفالهن. (73)

رغم ذلك، لم يرقَ ذلك إلى سياسة متسقة أو متماسكة. لم تكن برامج البروليتكولت بكل بساطة مساوية لمهمة التحويل الاجتماعي. كالعديد من الراديكاليين السوفيات، افترض منظمو البروليتكولت أن العائلة ستتلاشى لوحدها لأن مهامها الأساسية في تربية الأطفال تتولاها مؤسسات الدولة والعمال. تذكرت امرأة حضرت الجلسة الأولى من مؤتمر الجينوتديل عام 1918: “بدا لنا أن العالم البرجوازي قد سحق وأن ما تبقى- العائلة السابقة وعلاقات الملكية، وتبعية النساء، وحتى “الاقتصاد المنزلي”- قد زالت للأبد. خلال قراءة تقارير هذا المؤتمر وقراراته، سيندهش المرء بكل بساطة لـ[رؤية] السهولة التي توقعوا فيها حصول التحول الكامل للعالم القديم، وتربية الأطفال برعاية الدولة، وتغييرات العلاقات الزوجية، و”تدمير الاقتصاد المنزلي”، وسوى ذلك”. (74)

مع بداية السياسة الاقتصادية الجديدة كان واضحاً أن الأعراف الاجتماعية القديمة لا يمكن انتزاعها بسهولة. لن تتولى الدولة كل وظائف المنزل، ولن تتلاشى الأسرة من تلقاء نفسها. عندها فقط بدأ البروليتكولتيون بأخذ الحاجة إلى تدابير براغماتية بجدية أكبر، بدلاً من التنبؤ الصاخب بزوال الأسرة. من خلال تركيز جهودهم على النوادي العمالية حاول المنظمون البروليتكولتيون ابتكار طرق لزيادة مشاركة النساء، مثل تقديم مراكز الرعاية النهارية ومجموعات النقاشات الخاصة التي تناولت احتياجات النساء. وبمجرد دخولهن النوادي، تعلمت النساء الاشتراكية وإنجازات الثورة، كما تلقين دورات خاصة بتربية الأطفال. (75)


معظم هذه الاقتراحات لم تتحدَ الأدوار المحددة اجتماعياً، جرى حث النساء على أن يصبحن اشتراكيات أفضل من خلال أن يصرن أمهات اشتراكيات أفضل. بدلاً من اقتراح أن يتحمل الرجال جزءاً من عبء العمل المنزلي، اقترحت الأدبيات في البروليتكولت أن تشكل النساء مطابخ جماعية وترشيد عملهن المنزلي. هذه الاقتراحات كانت على بعد سنوات ضوئية من عالم بطلة بوغدانوف المريخية، لكنها اعترفت بأن الطبقة العاملة مكونة من رجال ونساء، وهو أمر كانت الحلقات البروليتارية السابقة تكره فعله.

النوادي- المنازل العامة

خلال السنوات السوفياتية المبكرة، كان البروليتكولتيون ينظرون بشكل متزايد إلى الأندية كوسيلة أساسية لتغيير العادات والقيم الاجتماعية. كان هناك مفارقة في هذا النهج، لأنه، وعلى العكس من الجامعات البروليتارية، لم تكن النوادي بناء يوتوبياً. إنما كانت مؤسسات عمالية قديمة ومحترمة. كما كانت نقطة محورية مهمة في الحياة السياسية والثقافية للعمال قبل وقت طويل من ثورة تشرين الأول/أكتوبر لأنها أمنت مكاناً للاجتماع والاستماع إلى المحاضرات وقراءة الكتب، وإذا تطلب الأمر، لإخفاء النشاط السياسي تحت ستار العمل الثقافي. في السنوات الأولى من السلطة السوفياتية كانت النوادي تحظى بشعبية كبيرة وكانت ترعاها مجموعة رائعة من المنظمات المحلية. (76) يدين العديد من البروليتكولتيين، من بينهم أعضاء أول منظمة في بتروغراد، بجزء كبير من وجودهم إلى جهود أعضاء النوادي.

ناشدت الأندية مناضلي البروليتكولت لأنهم يستطيعون ربط الإبداع الثقافي مع القضايا التي تؤثر مباشرة بالحياة اليومية للعمال. خلال السنوات الصعبة في الحرب الأهلية كانت النوادي منزلاً للعديد من العمال الذين واجهوا ظروفاً متقهقرة بسرعة. (77) حيث قدمت الطعام والدفء والألفة في زمن الاضطراب الاجتماعي الكبير. جرى تحويل العداء الذي شعر البروليتكولتيون تجاه خصوصية المنزل وفردية القيم العائلية إلى تأييد إيجابي للنوادي باعتبارها “منزلاً عاماً”. (78) بالنسبة للبعض، كانت النوادي نموذجاً للمجتمع الاشتراكي المستقبلي. (79)

وبسبب ارتباطها بالمجتمعات المحلية، كانت النوادي جذابة للعديد من المؤسسات الوطنية الساعية إلى علاقة وطيدة مع الجماهير العمالية والبروليتاريا الصناعية على وجه التحديد. خلال الحرب الأهلية والسنوات الأولى من السياسة الاقتصادية الجديدة، تنافس كل من الناركومبروس والحزب الشيوعي والمنظمات العمالية الوطنية والبروليتكولت على التأثير في شبكة النوادي بهدف بناء الصلات مع “الجماهير العمالية الواسعة”. ولأن أغلب النوادي كانت تقدم نوعاً من المحاضرات والدروس، فقد كانت وسيلة جذابة لأولئك الراغبين بإضفاء الروح الاشتراكية الجديدة.

في البداية، دعا البروليتكولتيون إلى الانتماء الواسع إلى النوادي الموجودة على أمل أن تكون هذه الأندية ساحة تمرين لنشاطاتها. حاجج مندوبو بروليتكولت موسكو إلى المؤتمر عام 1918 أن نوادي المدينة يمكن أن تحضر الأعضاء إلى نشاط إبداعي أكثر صرامة. يجب أن تكون غرف [لتناول] الشاي، كافيتيرات، وغرف للقراءة للاستعمال العام. تتمثل مهمة البروليتكولت بالإشراف على العمل الثقافي في هذه الهيئات المستقلة، والتي ستكون مرتبطة بأجهزتها الخاصة، وليس بجزء منها. (80)


رغم ذلك، أثبت هذا المسار أنه متواضع جداً بالنسبة إلى القادة المركزيين، الذين وضعوا خطة طموحة أخرى لنوادٍ خاصة بالبروليتكولت. اقترح فيدور كالينين بيئة فكرية مثالية، تقريباً كجامعة مصغرة، حيث يجد العمال المعلومات حول الشؤون النقابية، والبرامج الحكومية والمشاكل القانونية. تقدم الأندية عدداً لا يحصى من المحفزات والاستديوهات الثقافية إضافة إلى المحاضرات وحلقات الدراسة. كان حجم الأنشطة متسعاً للغاية بحيث دعا كالينين النادي “استديو أممي لتحقيق عملي لبرنامج ثقافي بروليتاري، ومختبر حي يتضمن كل جوانب حياة العمال”. (81) بكلمات أخرى، أمل بتحويل النوادي إلى مركز للدراسة المركزة، مع إعطاء وقت قليل للترفيه. نالت هذه المقاربة المميزة على موافقة المؤتمر الوطني الأول عام 1918. ونصحت المنظمات المحلية بتشكيل قسم خاص بالنوادي وبالبدء بتأسيس نواديها الخاصة، والتي ستكون “قلب وعقل الطبقة العاملة”. (82)

وبحسب الإرشادات المركزية، كان على نوادي البروليتكولت تقديم الخدمات التربوية، من ضمنها دروس في العلوم الاجتماعية والتاريخ الفني والقانون والنظرية الاشتراكية. إضافة إلى ذلك، كان من المفترض أن تقدم مجموعة واسعة من ورشات العمل الفنية الإبداعية. (83) ولكن كانت الوظيفة الأساسية الأخرى للنوادي هي في تحويل الحياة اليومية حتى تعكس قيم الاشتراكية. رغم ذلك، لم يصدر المركز تعليمات محددة في هذا المجال؛ إذ كان من المفترض، ظهور أنماط جديدة من التفاعل الاجتماعي والجماعية في مختبر النادي نفسه.

خصصت المنظمة الوطنية موارد كبيرة لتوسيع النوادي، وحتى تمويل المجموعات التي لم تكن جزءاً من شبكة البروليتكولت. (84) شجعت مطالبها الطموحة لتنفيذ برامج شديدة التنظيم بعض المنظمات المحلية لمحاولة مَركَزة كل الأندية البروليتارية تحت سيطرة البروليتكولت، من بينها تلك التي ترعاها منظمات أخرى. مع ذلك، لقيت هذه الأفعال معارضة منسقة، على الأخص من قسم تعليم الكبار في الناركومبروس. أسست بروليتكولت بتروغراد، مثلا، قسماً للنوادي بحيث ساعد حوالي 129 نادياً في المدينة. (85) ولكن، سارع الناركومبروس على تحدي دور البروليتكولت وعين نفسه منسِّقاً أساسياً لنوادي المدينة في السنة التالية. (86)

كما جاءت نتائج المَركَزة بنتائج عكسية لأنها قوضت القاعدة الاجتماعية للنوادي. أجرت بروليتكولت موسكو دراسة حول نوادي المصانع عام 1920 وخلصت أنها لم تكن بأجمعها منظمة: بدلاً من عملها منفصلة، كان على المصانع ذات التمويل الضعيف تنسيق جهودها ومواردها وافتتاح نوادي المدينة الإقليمية التي يمكن أن تخدم عدة مصانع في الوقت عينه. (87) ولكن بدا أن العلاج أسوأ من المرض. عندما شكل الناشطون مجموعة واسعة من الحلقات المناطقية، اكتشفوا أن الحلقات الجديدة كانت بعيدة جداً عن مكان العمل وبالتالي ليس ميسراً الوصول إليها للعديد من العمال بسبب فقر حال النقل العام. أرغم قسم موسكو على الاعتراف بأن محاولاته العقلانية كانت فاشلة. (88)

كان نادي العمل الاشتراكي الأول في كوستروما من أكثر حلقات البروليتكولت نجاحاً وتوثيقاً. ساعد الأعضاء على العثور على مقر لهم، والأثاث، والطعام وكذلك ساعدوا في إنشاء مركز للمعلومات العامة. (89) بالإضافة إلى الوظيفة العملية، قدمت مجموعة من المحاضرات حول مواضيع متنوعة، من الفيزياء إلى الزراعة، وكذلك رعت دورات محو الأمية والاستديوهات الفنية. وكانت ردود فعل أعضاء نادي كوستروما المنشورة مليئة بالثناء الحماسي. “رفاقنا يملؤون القاعة”، كتب أحدهم. “البيانو بدأ بالعزف، رن الهاتف، بدأ المحاضر بالكلام. استمعت واستوعبت كل شيء برأسي وحاولت عدم خسارة أي شيء جديد ومشرق”. (90)


على الرغم من أن معظم الحلقات الأخرى لم تكن متطابقة مع تنوع برامج كوستروما، إلا أنها رغم ذلك كانت مواقع تجمّع شعبية للعمال. دعم العمال والموظفون النوادي من خلال الاشتراكات والحسومات من الأجور والرسوم الخاصة بالمناسبات. كانت مقاهي النوادي مهمة كمصدر للطعام للمدن والبلدات الجائعة، وعندما كانت الإمدادات شحيحة، عانى الحضور. وزعت المكتبات المجلات والجرائد والكتب، وقدمت لجان البرنامج محاضرات ودروس ومجموعات نقاشية. في بروليتكولت مصنع كامينكا شارك العمال والموظفون في الحلقات الفنية، ودروس محو الأمية، واستمعوا إلى المحاضرات والموضوعات العلمية مثل “ما هي الكهرباء؟”، بسّطت القراءات الشعبية العامة للأعضاء أعمال تولستوي وغوغول وليرمونتوف وحتى العم توم كابين. (91)

على الرغم من هذا الدليل بوجود شبكة حية، إلا أن المنظمين المركزيين كانوا غير راضين عن التطبيقات المحلية. إحدى المشاكل كانت أن العديد من البروليتكولتات لم تحتوِ على نوادٍ على الإطلاق. تلك كانت الحالة في كولبينو وبوليكوفا، على الرغم من احتوائهما على استديوهات فنية ناجحة إلى هذا الحد أو ذاك. وانطبق الأمر نفسه على المجموعات الأكبر في أرخانغيلسك وإيكاتيرينبورغ. (92) اشتكى المنظمون من أمور مشابهة في موسكو. حيث افتقروا إلى الموظفين والمال والمساحة اللازمة لفتح الأندية. أفاد أحد الناشطين في تفير أن العمل هناك قد بدأ بطيئاً لأنه لم يكن بإمكان المصانع الكبرى في المدينة توفير غرف لأنشطة النادي. (93)

لكن الأندية الموجودة لم يرضَ عنها النقاد كذلك. وقد انتقدت إما بسبب “نهجها التربوي الصارم” أو بسبب مستوى العمل الثقافي المتدني. كان صعباً العثور على مزيج مثالي من التعليم والإبداع والألفة. (94) في نادي البروليتكولت بمصنع بوديمسكي، في مقاطعة فياتكا، لم تنظم أي محاضرات أو دروس خاصة. المكون التربوي الوحيد كان قراءات عامة من الثقافة البروليتارية. بدلاً من ذلك، تركزت النشاطات حول المسرح الحي الذي كان يقدم مسرحيات كلاسيكية ومعاصرة. (95) في نوادي بروليتكولت ايفانوفو-فوزنيسينسك قدمت دورات تعليمية أساسية وغير ذلك القليل [من الأنشطة]. اشتكى المنظمون من عدم قدرتهم على الاستمرار في ورش العمل الإبداعية لعدم وجود عدد كافٍ من المدربين ولأن المشاركين كانوا غير محضرين بشكل جيد. (96)

رغم ذلك، كان النقد الأكثر جدية، هو أن عمل النوادي المحلية كان تافهاً، الأمر الذي حافظ على التصرفات البرجوازية الصغيرة. بحسب رأي المنظمين المركزيين لطالما تميزت النوادي العمالية الروسية بطبيعتها الجادة، كنقيض النوادي العمالية في أوروبا الغربية، حيث كان الأمر شبيهاً تقريباً بالبارات. (97) وجهة النظر الرصينة جعلت من عمال النوادي غير متسامحين مع المجموعات التي كانت ترى في النوادي أماكن ودية لتناول الطعام والشراب والحوار والأسوأ من كل ذلك، الرقص. ستيفان كريفتسوف، الذي لطالما كتب عن حياة النوادي في الثقافة البروليتارية، تابع انتقاد الحلقات التي تصرفت كمقاه وقاعات للرقص “أو ما هو أسوأ”. “بدلاً من إنشاء نادٍ في ياروسلافل انتهى الأمر بإقامة بمطبخ”، تذمر كريفتسوف. “الأمر نفسه ينطبق على النادي في بتروفسك. أطلقوا عليه اسم الرفيق لينين ويجب أن يكون له أهداف أوضح وأسمى، مثل توحيد العمال وتوعية اهتمامهم بالفن وحبهم له. بدلاً من ذلك، أقاموا نوعاً من اتحادات الحب الحر”. (98)


باتت هذه المواقف القمعية أكثر وضوحاً عندما واجهت البروليتكولت منافسة متزايدة من منافسيها الثقافيين. في نهاية عام 1920 حوّل الناركومبروس قسم تعليم الكبار إلى اللجنة الأساسية للتعليم السياسي، التي حاولت الهيمنة على كل أشكال أنشطة النوادي. (99) وفي وقت بدأ تأثير البروليتكولت بالتضاؤل، بذل قادتها أقصى جهودهم لتمييز نواديهم عن تلك العائدة لبقية المؤسسات بهدف تبرير تأمين استقلالية البروليتكولت المستمرة. كانت نوادي البروليتكولت متفوقة على حلقات النقابات والناركومبروس، حاجج القادة المركزيون، لأن العمل الإبداعي كان في صلب برامجها. وحدها كانت ملتزمة بتغيير مظاهر الحياة اليومية. (100) أعلنت القيادة الوطنية للبروليتكولت أن نواديها تهدف إلى تسهيل الابتكار الفني والعلمي، وعدم تلبية المطالب الأولية للطلاب ذوي التعليم السيء.(101)

أصبح تحويل الحياة والعادات اليومية موضوعاً أكثر شيوعاً لمناضلي نوادي البروليتكولت، وخاصة خلال السنوات الأولى من السياسة الاقتصادية الجديدة. قلق قادة البروليتكولت من أن تنشيط التجارة الرأسمالية سيشجع السلوك البرجوازي الصغير. يمكن للأندية، رغم ذلك، أن تكون حصناً ضد هذا الخطر. لأنها تؤمن “الخلية الإبداعية الأساسية لبلترة الحياة اليومية”. (102) ولكن في تحول ملحوظ عن سنوات الحرب الأهلية جرى تحديد القيم التي كان مقرراً نشرها سابقاً. وبشكل أقوى من ذي قبل، وصف منظمو البروليتكولت الأشكال الصحيحة للسلوك البروليتاري التي يفترض اعتمادها في النوادي: تغيير الأعراف بحيث يصبح العمال أكثر دقة في مواعيدهم، وأكثر رصانة، وأكثر معرفة بالسياسة والاقتصاد.

تكمن التناقضات الغريبة داخل عمل نوادي البروليتكولت. من جهة، كانت النوادي آخر معاقل المنظمة الاختبارية، الأماكن حيث يجب تغيير العلم، والعائلة والحياة اليومية. من جهة أخرى، يبدو أن قادة البروليتكولت كانوا حاسمين بتقويض العناصر التي جعلت من هذه الحلقات شعبية. على الرغم من مدح الأندية لأنها أقامت صلات مع الجماهير الواسعة، طالب البرولتيكولتيون ببرامج تعتمد على مشاركين متعلمين ومدربين جيداً. على الرغم من تقديرهم لجذور الأندية في المجتمعات المحلية، حاولوا مركزتها وتوحيد عملها. لقد اعتبروا أن الأندية كانت أفضل تعبير عن إبداع العمال، ولكن بدأوا بإملاء نفس القيم التي كان من المفترض أن يحققها مثل هذا الاستقلال الذاتي.

استلهم البروليتكولتيون من رؤية حماسية يوتوبية للمستقبل انعكست على كل ما تولوه. وكما يصفها مؤيدو المنظمة، حتى الأحداث الثقافية العادية مثل دروس البيانو والمحاضرات حول العلوم كان لديها القدرة على تغيير العالم. وعلى الرغم من عدم تخليهم أبداً عن الصورة المتعالية للمجتمع الجديد، إلا أن يوتوبية البروليتكولت أخفتت على نحو كبير خلال السنوات السوفياتية الأولى. ابتعد أنصار العلم البروليتاري عن المخططات الكبيرة، وبدلاً منها انتقلوا إلى إعطاء الدروس المتواضعة التي تشجع الوعي السياسي والانضباط العمالي. توقف منتقدو الأسرة عن انتظار زوالها؛ وابتكروا خططاً محددة لعقلنة الأعمال المنزلية. وأولئك الذين قدموا وعوداً ضبابية هادفة إلى إعادة صياغة العادات والأعراف الاشتراكية في خضم الثورة، انتهى بهم الأمر بحملات تحريضية لتعزيز الرصانة والالتزام بالمواعيد.


لم تكن خسارة الحماسة الثورية فريدة من نوعها بالنسبة للبروليتكولت. كان على مناضلي الحزب الشيوعي الذين اعتقدوا أن الملكية والتجارة الخاصة قد زالتا أن يقبلوا بالسياسة الاقتصادية الجديدة. شهد منتقدو التبقرط السياسي عملية مركزة سريعة بددت حلمهم بمجتمع من دون دولة. واجه دعاة التجارب التربوية الذين أملوا بإزالة الفروق بين العمل الذهني والبدني تحدياً من الاحتياجات البراغماتية للاقتصاد السوفياتي. في كل مكان رفع المناضلون السياسيون أصواتهم ضد الكماليات اليوتوبية- رفاهية إدارة العمال للمصانع، رفاهية التعليم المتساوي، وحتى “رفاهية النقاش والمحاججة” وهي طريقة لينين لإفشال النزعات المعارضة داخل الحزب. (103) كانت الحرب، من خلال مزيجها الغريب من البطولة والمشقة، قد غذت المخططات المتطرفة. ولكن عندما بدأت المهمة الصعبة المتمثلة بإعادة الإعمار، بدت هذه المخططات غير متناسبة مع هذه المهمة بشكل غريب.

كان التحول في تكتيكات البروليتكولت استراتيجية واعية بشكل جزئي حيث أدرك المشاركون أن الثورة لن تقوض المؤسسات الاجتماعية القديمة تماماً كما أملوا. بدلاً من توقع نهاية العائلة أو لوم النساء على تأخرهن، اختاروا الطريق الأبطأ للدمج والتعليم. بدلاً من بدء مؤسسات معقدة ومكلفة، حولوا أمكنة العمل التعليمي إلى نواديهم الخاصة.

مع ذلك، لم تكن هذه الدروس طوعية بشكل كامل. اقترح ناشطو النوادي برامج أكثر تخصصاً من أي وقت مضى كطريقة لتمييز عملهم عن المجموعات الأخرى وبالنتيجة حماية استقلالية منظماتهم. لم تُمنح حتى مخططات بوغدانوف لإقامة جامعة بروليتارية خلاقة الفرصة حتى يتم اختبارها. عكست براغماتية المنظمة المجال، الشديد التقلص، المخصص لها من منافسيها الثقافيين. بحلول نهاية الحرب الأهلية. كان الناركومبروس والحزب الشيوعي قد نفذ صبرهما من أجندة البروليتكولت الثقافية الطامحة وكانا حريصين على تسريع زوالها من اليوتوبيا.

الهوامش:

[1] P. I. Lebedev-Polianskii [V. Polianskii, pseud.], “Pod znamia Proletkul’ta,” Proletarskaia kul’tura , no. 1 (1918), p. 3.

[2] See Richard Stites, Revolutionary Dreams (New York, 1989); Katerina Clark, “The City versus the Countryside in Soviet Peasant Literature of the Twenties: A Duel of Utopias,” in Bolshevik Culture , ed. Abbott Gleason, Peter Kenez, and Richard Stites (Bloomington, 1985), pp. 175–89; and René Fueloep-Miller, The Mind and Face of Bolshevism , trans. F. S. Flint and D. T. Tait (New York, 1965).

[3] V. D. Aleksandrovskii, “Veriu ia—my griadushchee vynianclaim,” in Proletarskie poety pervykh let sovetskoi epokhi , ed. Z. S. Papernyi and R. A. Shatseva (Leningrad, 1959), pp. 102–3.


[4] See, for example, the comments of a Tver medic, Pervaia Tverskaia gubernskaia konferentsiia kul’turno-prosvetitel’nykh organizatsii (Tver, 1919), p. 24.

[5] See M. N. Smit, “Proletarizatsiia nauki,” Proletarskaia kul’tura , no. 11/12 (1919), pp. 27–33, esp. p. 31.

[6] For explanations of Bogdanov’s organizational science see Zenovia A. Sochor, Revolution and Culture (Ithaca, 1988), pp. 45–56; Ilmari Susiluoto, The Origins and Development of Systems Thinking in the Soviet Union (Helsinki, 1982), pp. 46–69; Alexander S. Vucinich, Science in Russian Culture, 1861–1917 (Stanford, 1970), pp. 446–54; and idem, Social Thought in Tsarist Russia: The Quest for a General Science of Society, 1861–1917 (Chicago, 1976), pp. 206–30. For a highly critical view see Dominique Lecourt, Proletarian Science? The Case of Lysenko , trans. Ben Brewster (London, 1977), pp. 137–62.

[7] A. A. Bogdanov, “Nauka i rabochii klass,” 1918, reprinted in O proletarskoi kul’ture, 1904–1924 , by A. A. Bogdanov (Moscow, 1924), pp. 200–221, quotation p. 208.

[8] Protokoly pervoi Vserossiiskoi konferentsii proletarskikh kul’turno- prosvetitel’nykh organizatsii, 15–20 sentiabria, 1918 g ., ed. P. I. Lebedev- Polianskii (Moscow, 1918), p. 39.

[9] Bogdanov, “Nauka i rabochii klass,” pp. 213–15.

[10] Ibid., pp. 216–18; and M. N. Smit, “Blizhaishchie etapy proletarizatsii nauki,” Proletarskaia kul’tura , no. 17/19 (1920), p. 79.

[11] A. A. Bogdanov, Engineer Menni, in Red Star , by A. A. Bogdanov, ed. Loren R. Graham and Richard Stites, trans. Charles Rougle (Bloomington, 1984), p. 187.

[12] A. A. Bogdanov, Kul’turnye zadachi nashego vremeni (Moscow, 1911), pp. 69–74; and idem, “Proletarskii universitet,” Proletarskaia kul’tura , no. 5 (1918), pp. 9–21.

[13] M. N. Smit, “Proletarizatsiia nauki,” Izvestiia TsIK , June 8, 1919.

[14] See the Moscow Proletkult’s endorsement of proletarian universities, Pervaia Moskovskaia obshchegorodskaia konferentsiia proletarskikh kul’turno-prosvetitel’nykh organizatsii, 23–28 fevralia, 1918 goda (Moscow, 1918), pp. 6–8; and the national organization’s endorsement, Protokoly pervoi konferentsii , p. 42.


[15] On early Soviet education see Oskar Anweiler, Geschichte der Schule und Pädagogik vom Ende des Zarenreichs bis zum Beginn der Stalin Ära (Berlin, 1964), esp. pp. 78–153; Sheila Fitzpatrick, The Commissariat of Enlightenment (Cambridge, Eng., 1970); N. Hans and S. Hessen, Educational Policy in Soviet Russia (London, 1930); R. H. Hayashida, “Lenin and the Third Front,” Slavic Review , vol. 28, no. 2 (1969), pp. 314–24; David Lane, “The Impact of the Revolution on the Selection of Students for Higher Education,” Sociology , no. 7 (1973), pp. 241–52; F. Lilge, “Lenin and the Politics of Education,” Slavic Review , vol. 27, no. 2 (1968), pp. 230–57; James C. McClelland, “Bolshevik Approaches to Higher Education, 1917– 1921,” Slavic Review , vol. 30, no. 4 (1971), pp. 818–31; and idem, “The Utopian and the Heroic: Divergent Paths to the Communist Educational Ideal,” in Bolshevik Culture , ed. Abbott Gleason, Peter Kenez, and Richard Stites (Bloomington, 1985) pp. 114–30.

[16] See V. Smushkov, “Narodnye universitety,” Vneshkol’noe obrazovanie (Moscow), no. 2/3 (1919), columns 34–43.

[17] Izvestiia Moskovskogo proletarskogo universiteta , no. 1 (1918), pp. 1– 10.

[18] On the university’s closure see the July 13, July 24, and August 6, 1918, minutes for the collegium of proletarian culture in Narkompros, Tsentral’nyi Gosudarstvennyi Arkhiv RSFSR [henceforth cited as TsGA RSFSR] f. 2306, op. 17, d. 1, ll. 2–3, 6–6 ob.; A. A. Bogdanov, “Proletarskii universitet,” Proletarskaia kul’tura , no. 5 (1918), pp. 15–16.

[19] A. A. Bogdanov, “Proletarskii universitet,” Proletarskaia kul’tura , no. 5 (1918), pp. 17–19.

[20] Ibid., pp. 19–22.

[21] S. Krivtsov, “Proletarskii universitet,” Vneshkol’noe obrazovanie (Moscow), no. 1 (1919), pp. 18–30, quotation p. 20.

[22] “Torzhestvennoe otkrytie proletarskogo universiteta,” Izvestiia TsIK , March 25, 1919.

[23] Bogdanov, cited in Izvestiia TsIK , May 17, 1919; and M. F., “82 pokazaniia: Ankety sredi studentov Moskovskogo proletarskogo universiteta,” Proletarskaia kul’tura , no. 11/12 (1919), pp. 48–57.


[24] Izvestiia TsIK , May 17, 1919; and “K zakrytiiu proletarskogo universiteta,” Proletarskaia kul’tura , no. 9/10 (1919), pp. 56–59, esp. p. 57. See also Fitzpatrick, Commissariat , pp. 101–3.

[25] See Elena Stasova’s announcement to the Proletkult central committee, August 2, 1919, Tsentral’nyi Gosudarstvennyi Arkhiv Literatury i Iskusstva [henceforth cited as TsGALI] f. 1230, op. 1, d. 3, l. 101.

[26] V. I. Nevskii, Otchet raboche-krest’ianskogo Kommunisticheskogo universiteta imeni Ia. M. Sverdlova (Moscow, 1920), p. 7.

[27] M. F., “82 pokazaniia,” Proletarskaia kul’tura , no. 11/12 (1919), pp. 48–58, quotations pp. 50, 51.

[28] Ibid., pp. 52–58; and “Vypiska iz protokola obshchego sobraniia studentov byv. Moskovskogo proletarskogo universiteta,” TsGALI f. 1230, op. 1, d. 3, ll. 103–103 ob.

[29] S. Novikov, “Kommunisticheskii universitet,” Izvestiia TsIK , June 17, 1919.

[30] “Khronika Proletkul’ta,” Proletarskaia kul’tura , no. 6 (1919), pp. 31–33, quotation p. 31.

[31] Pervaia Tverskaia gubernskaia konferentsiia , p. 55; Proletkul’t (Tver), no. 1/2 (1919), pp. 43, 47. See similar accounts of other provincial efforts in Proletarskaia kul’tura , no. 13/14 (1920), p. 89; no. 15/16 (1920), p. 87.

[32] A. A. Bogdanov, “O provintsial’nykh proletarskikh universitetakh,” Proletarskaia kul’tura , no. 9/10 (1919), pp. 53–56.

[33] M. N. Smit, “Blizhaishchie etapy proletarskoi kul’tury,” Proletarskaia kul’tura , no. 17/19 (1920), pp. 32–40; on Bogdanov and science studios see Proletarskaia kul’tura , no. 20/21 (1921), p. 36.

[34] “Provintsial’nye proletkul’ty,” Narodnoe obrazovanie , no. 31 (1919), p. 21.

[35] “Zerkalo studii,” Trud i tvorchestvo , no. 1 (1919), p. 14.

[36] “Otchet o deiatel’nosti otdela obshchesotsialisticheskogo obrazovaniia za pervoe polugodie 1919 goda,” Griadushchee , no. 5/6 (1919), pp. 30–31.


[37] August 12, 1919, Proletkult central committee meeting, TsGALI f. 1230, op. 1, d. 3, l. 69.

[38] For a discussion of local studios see the Proletkult plenum, June 28, 1922, TsGA RSFSR f. 2313, op. 1, d. 19, ll. 22–22 ob.; for the curriculum of the Rzhev science studio see Gorn , no. 6 (1922), pp. 155–56.

[39] For the course plan see “Otchet po rabotam Nauchnoi Kollegii,” Gorn , no. 8 (1923), p. 238.

[40] See, for example, “Obshchestvenno-nauchnyi kruzhok,” Rabochii klub , no. 1 (1924), pp. 5–9; and V. F. Pletnev, Rabochii klub: Printsipy i metody ego raboty , 2d ed. (Moscow, 1925), pp. 22–38. For more on club education during the New Economic Policy see Chapter 8.

[41] On the organizing efforts of the Social Democratic Party among working women see Richard Stites, The Women’s Liberation Movement in Russia: Feminism, Nihilism and Bolshevism, 1860–1930 (Princeton, 1978), esp. pp. 233–78; Rose L. Glickman, “The Russian Factory Woman, 1880–1914,” in Women in Russia , ed. Dorothy Atkinson, Alexander Dallin, and Gail Lapidus (Stanford, 1977), pp. 79–83; idem, Russian Factory Women: Workplace and Society, 1880–1914 (Berkeley, 1984), pp. 242–80; and Anne Bobroff, “The Bolsheviks and Working Women, 1905–1920,” Soviet Studies , vol. 26, no. 4 (1974), pp. 540–67.

[42] S. Livshits, “Partiinaia shkola v Bolon’e, 1910–1911 gg.,” Proletarskaia revoliutsiia , no. 3 (1926), p. 133.

[43] Bogdanov’s 1911 article, “Sotsializm v nastoiashchem,” addressed family matters. See Bogdanov, O proletarskoi kul’ture , pp. 94–99. See also Bogdanov, Red Star , pp. 23–140, esp. pp. 68–74.

[44] On the Zhenotdel see Stites, The Women’s Liberation Movement in Russia , pp. 317–46; Carol Eubanks Hayden, “The Zhenotdel and the Bolshevik Party,” Russian History , vol. 3, no. 2 (1976), pp. 150–73; and idem, “Feminism and Bolshevism: The Zhenotdel and the Politics of Women’s Emancipation in Russia, 1917–1930” (Ph.D. diss., University of California, Berkeley, 1979).

[45] On the social consequences of Bolshevik family laws see Barbara Evans Clements, “The Birth of the New Soviet Woman,” in Bolshevik Culture , ed. Abbott Gleason, Peter Kenez, and Richard Stites (Bloomington, 1985), pp. 220–37; Beatrice Farnsworth, “Village Women Experience the Revolution,” in Gleason, Kenez, and Stites, Bolshevik Culture , pp. 238–60; and Wendy Goldman, “Freedom and its Consequences: The Debate on the Soviet Family Code of 1926,” Russian History , vol. 11, no. 4 (1984), pp. 362–88.

[46] Barbara Evans Clements, Bolshevik Feminist: The Life of Aleksandra Kollontai (Bloomington, 1979), pp. 149–77, 225–41; and Alexandra Kollontai, Selected Writings , ed. and trans. Alix Holt (New York, 1977), pp. 113–50, 201–92. For a broad range of contemporary views on the family see William G. Rosenberg, ed., Bolshevik Visions (Ann Arbor, 1984), pp. 73–141.

[47] See A. A. Bogdanov, Elementy proletarskoi kul’tury v razvitii rabochego klassa (Moscow, 1920), pp. 48–49.

[48] See I. N. Kubikov, “Uchastie zhenshchin-rabotnits v klubakh,” Vestnik kul’tury i svobody , no. 2 (1918), pp. 34–37.

[49] Protokoly pervoi konferentsii , p. 96.

[50] On Western European imagery see Eric Hobsbawm, “Man and Woman in Socialist Iconography,” History Workshop Journal , no. 6 (1978), pp. 121– 38.

[51] Martyn, “Ia syn truda,” Krasnoe utro , no. 1 (1919), p. 18.

[52] Mikhail Gerasimov, “Vozvrashchenie,” in Stikhotvoreniia , by Mikhail Gerasimov (Moscow, 1959), pp. 95–96.

[53] See “Khronika Proletkul’ta,” Proletarskaia kul’tura , no. 20/ 21, p. 53. For a similar view of women see Il’ia Sadof’ev, “Nashel,” Griadushchee , no. 12/13 (1920), pp. 4–8.

[54] Glickman, Russian Factory Women , pp. 132–45.

[55] See S. A. Smith, Red Petrograd (Cambridge, Eng., 1983), pp. 192–97; and Clements, “The Birth of the New Soviet Woman,” pp. 220–25.

[56] See, for example, Ivan Knizhnik, “Na grany novoi kul’tury,” Griadushchee , no. 11 (1920), p. 2; I. Fuks, “Rabotnitsa v svete novoi kul’ture,” Griadushchaia kul’tura , no. 3 (1919), pp. 14–15; and P. Rabochii, “Zhenskoe tvorchestvo,” Zori griadushchego , no. 1 (1922), pp. 121–22

[57] Protokoly pervoi konferentsii , pp. 98–99.

[58] See, for example, “Svedeniia o studiitsakh Izhevskogo Proletkul’ta,” TsGALI f. 1230, op. 1, d. 1221, l. 73; and “Spisok studiitsev,” Tver, 1921, d. 1525, ll. 66–69.

[59] “Vospominaniia P. N. Zubovoi,” TsGALI f. 1230, op. 2, d. 14, l. 3.

[60] Proletkul’t (Tver), no. 3/4 (1919), p. 54.

[61] M. Rostopchina, “Kul’tura nasha,” Sbornik Kostromskogo Proletkul’ta , no. 1 (1919), pp. 8–10, 15, 19–20, 28–29.

[62] “Ot Proletkul’ta k Tul’skomu proletariatu,” 1919, TsGALI f. 1230, op. 1, d. 1536, l. 74. On the drafting of this appeal see N. A. Milonov, “O deiatel’nosti Tul’skogo Proletkul’ta,” in Aktual’nye voprosy istorii literatury , ed. Z. I. Levinson, N. A. Milonov, and A. F. Sergeicheva (Tula, 1969), p. 147.

[63] “Ustav,” 1919, TsGALI f. 1230, op. 1, d. 1536, l. 1.

[64] Statistics on Tula studio participants, December 15, 1921, TsGALI f. 1230, op. 1, d. 1538, ll. 28–29.

[65] I. Fuks, “Zhenshchina v svete novoi kul’tury,” Griadushchaia kul’tura , no. 3 (1919), pp. 14–15, quotation p. 14.

[66] E. Bagdat’eva, “Detskii Proletkul’t,” Griadushchee , no. 6 (1918), p. 14.

[67] Moskovskaia konferentsiia , p. 39.

[68] Protokoly pervoi konferentsii , pp. 62–717, 53.

[69] Report from V. V. Ignatov, July 8, 1919, TsGALI f. 1230, op. 1, d. 1538, ll.9 ob.–10.

[70] Aleksandra Vagina, “Tovarishchi-deti,” Detskii Proletkul’t , no. 4 (1920), p. 2; see also A. Sokolova, “K rabochim,” ibid., no. 1 (1919), p. 3.

[71] D. Pozhidaev, “Detskii gubernskii Proletkul’t,” Proletarskoe stroitel’stvo , no. 2 (1919), pp. 28–29.

[72] Local questionnaires from Rybinsk, TsGALI f. 1230, op. 1, d. 117,ll.96–97; from Syran, d. 114, l.125; and from Tver, d. 1527, l.55. For Rzhev see Griadushchee , no. 9/12 (1921), p. 100; and for Vladikavkaz see Proletkul’t (Vladikavkaz), no. 1 (1919), p. 13.

[73] There were child-care facilities at the Tula Armaments Works and the Tomna factory in Kineshma; see the local questionnaires in TsGALI f. 1230, op. 1, d. 1540, ll. 4–4 ob. and d. 117, l.34. On efforts to start child-care in Cheliabinsk see the May 25, 1920, report by a local organizer, d. 1238, l.5 ob.

[74] V. Golubeva, “Vserossiiskii s”ezd rabotnits i krest’ianok,” Kornmunistka , no. 11 (1923), p. 18. See also Hayden, “Feminism and Bolshevism,” p. 139.

[75] See, for example, V. F. Pletnev, “Zadachi i metody raboty kruzhka po bytu,” Rabochii klub , no. 1 (1924), pp. 29–31; and M. R. [M. A. Rostopchina], “Rabota kluba po bytovom fronte,” Rabochii klub , no. 2 (1924), pp. 37–38.

[76] On clubs in the revolutionary period see G. E. Bylin, “Rabochie kluby i kul’turno-prosvetitel’nye komissii profsoiuzov i fabzavkomov Petrograda v mirnyi period razvitiia revoliutsii,” Uchenye zapiski VPSh VTsSPS , vol. 2 (1970), pp. 108–18; Gabriele Gorzka, “Proletarian Culture in Practice: Workers’ Clubs in the Period 1917–1921,” in Essays in Soviet History , ed. J. W. Strong (forthcoming); A. K. Kolesova, “Deiatel’nost’ rabochikh klubov po Kommunisticheskomu vospitaniiu trudiashchikhsia v 1917–1923 gg.” (Candidate dissertation, Moscow State University, 1969); idem, “Prakticheskaia deiatel’nost’ rabochego kluba v 1917–1920 godakh,” Uchenye zapiski Moskovskogo gosudarstvennogo instituta kul’ tury , vol. 17 (1968), pp. 231–49; and I. N. Kubikov, “Rabochie kluby v Petrograde,” Vestnik kul’tury i svobody , no. 1 (1918), pp. 34–37.

[77] Gorzka, “Proletarian Culture in Practice.” See also idem, “Alltag der städtischen Arbeiterschaft in Sowjetrussland, 1918–1921,” Archiv für Sozialgeschichte , no. 25 (1985), pp. 137–57.

[78] The term is Mikhail Zverev’s, “Klub ili obshchestvennyi ochag,” Griadushchee , no. 5/6 (1919), p. 23.

[79] Stefan Krivtsov, Protokoly pervoi konferentsii , p. 90; and A., “Rabochie kluby,” Proletkul’t (Vladikavkaz), no. 1 (1919), p. 15.

[80] Moskovskaia konferentsiia , pp. 8–14.

[81] F. Kalinin, “Rabochii klub,” Proletarskaia kul’tura , no. 2 (1918), pp. 13–15, quotation p. 13.

[82] Protokoly pervoi konferentsii , pp. 49, 90–100, quotation p. 90.

[83] See “Primernyi ustav rabochego kluba,” Proletarskaia kul’tura , no. 7/8 (1919), pp. 62–67.

[84] See, for example, the discussion on funding for the Moscow club “Third International,” TsGALI f. 1230, op. 1, d. 3, ll.35, 37.

[85] “Rezoliutsiia klubnoi sektsii po dokladu t. Kudelli,” Griadushchee , no. 5/6 (1919), pp. 28–29; and Vneshkol’noe obrazovanie (Petrograd), no. 4/5 (1919), pp. 70–71.

[86] Petrogradskaia obshchegorodskaia konferentsiia rabochikh klubov: Stenograficheskii otchet (Petrograd, 1920), pp. 3, 12. For a similar conflict in Moscow see Vladimir Faidysh’s March 10, 1919, report in the Moscow Proletkult, TsGALI f. 1230, op. 1, d. 35, l.2; lzvestiia TslK , January 11, 1919, p. 4; and Gorn , no. 2/3 (1919), pp. 126–27.

[87] Gorn , no. 2/3 (1919), pp. 126–27; no. 5 (1920), pp. 71–80, 86–87.

[88] Gudki , no. 1 (1919), p. 4; no. 2 (1919), p. 27; and Gorn , no. 5 (1920), pp. 86–87.

[89] M. Rostopchina, “Kul’tura nasha,” Sbornik Kostromskogo Proletkul’ta , no. 1 (1919), pp. 6, 10.

[90] “Vpechatleniia rabochikh ot klubnoi zhizni,” ibid., p. 36.

[91] April 1, 1919, protocol of a local club meeting, TsGALI f. 1230, op. 1, d. 1265, l.25.

[92] Local questionnaires from Kolpino, TsGALI f. 1230, op. 1, d. 430, l. 93; from Polekova, d. 117, l. 51; from Archangel, d. 117, ll. 77–77 ob.; and from Ekaterinburg, d. 117, ll. 80–80 ob.

[93] “Klubnoe delo v Tveri,” Proletkul’t (Tver), no. 3/4 (1919), pp. 35–36.

[94] See, for example, P. Knyshov, “O soderzhanii klubnoi raboty,” Gorn , no. 4 (1919), pp. 55–57.

[95] Local questionnaire, TsGALI f. 1230, op. 1, d. 117, l. 58.

[96] “Material k istorii Proletkul’ta,” TsGALI f. 1230, op. 1, d. 1245, ll. 6–7; local questionnaire, d. 117, l. 50 ob.

[97] O. Zol’, “Kluby—iacheiki proletarskoi klassovoi samodeiatel’nosti,” Griadushchee , no. 5 (1918), p. 9; and Protokoly pervoi konferentsii , p. 91.

[98] “Khronika Proletkul’ta,” Proletarskaia kul’tura , no. 7/8 (1919), p. 68. See also Proletarskaia kul’tura , no. 5 (1918), p. 41; no. 6 (1919), p. 34; no. 11/12 (1919), pp. 61–62.

[99] On the formation of Glavpolitprosvet see Fitzpatrick, Commissariat , pp. 186–96. On Glavpolitprosvet and Proletkult club work see A. K. Kolesova, “Preodolenie v deiatel’nosti rabochikh klubov vliianiia oshibochnykh teorii Proletkul’ta,” Uchenye zapiski Moskovskogo gosudarstvennogo instituta kul’tury , vol. 15 (1968), p. 317.

[100] See Proletarskaia kul’tura , no. 17/19 (1920), p. 82.

[101] See “Deklaratsiia, priniataia plenumom Vserossiiskogo Ts. K. Proletkul’ta 19 dekabria 1920,” Griadushchee , no. 4/6 (1921), p. 58.

[102] Ibid.

[103] Desiatyi s”ezd Rossiiskoi Kommunisticheskoi partii: Stenograficheskii otchet (Moscow, 1921), p. 2.