أقنوما قداسة في فكر هاني فحص


محمد علي مقلد
2023 / 2 / 20 - 11:47     

أقنوما قداسة في فكر هاني فحص
التوحيد الديني والوحدة الوطنية

المجلس الثقافي للبنان الجنوبي يعني حبيب صادق. أنا ورفاق لي عملنا تحت عباءته عشرات السنين. لم نكن سوى مساعدين. ما أحييت أمسية ثقافية على امتداد ستين عاماً إلا وكانت له يد في تنظيمها. بإسمكم أوجه التحية إليه في شيخوخته الهانئة.
دعاني عام 2012 إلى منصة المجلس لأشارك في سلسلة كان ينظمها تحت عنوان، تجربتي في ساعة. تواضع صديقي الرائع السيد هاني فحص ووافق على أن يقدم الندوة للحاضرين. بعد أن استمع إلى النص الذي تلوته، نصحني بتطويره وتحويله إلى كتاب. وها أنا ألتزمت بنصيحته ونفذت وصيته ودفعت إلى المطبعة كتاباً يحمل عنوان، اليسار الجميل المستحيل. أهداني كلمته في تلك المناسبة لتكون بمثابة مقدمة للكتاب.
وستقرؤون على صفحته الأولى: إلى روح السيد هاني فحص في عليائها أهدي هذا الكتاب.
************
وقفنا على مفترق سياسي بين مشروعين متباعدين، الاشتراكية هي الحل والاسلام هو الحل . الزمن وحده كان كفيلا بكسر شوكة أصوليتينا الدينية والسياسية، وبجعل المفترق نقطة للتلاقي، وبإقناعنا بأن الحل هو بالحوار والسلم والتفاعل لا بالحرب الأهلية والصراع المسلح .
وعلى مفترق فكري بين حرية العقل وتجارة الطقوس، كان ملاذي الآمن اثنان : ديكارت أقنعني بتعديل صيغة السؤال عن الحقيقة، قال : لنقل إن الله موجود، وأنه خلق الكون وقوانينه، لنشغل عقولنا الحرة إذن، لا بالسؤال عن وجوده، بل بالعمل على اكتشاف تلك القوانين. فيما أقنعني هاني فحص، بقوة المثال، بأن الإيمان الحقيقي، أي إيمان، ليس طقوساً احتفالية وموسمية صاخبة بل بحث دائم وصامت عن الحقيقة، وأقنعني، بقوة المنطق، بأن الطمأنينة عدو العلم، وبأن القلق المعرفي هو السبيل الوحيد لبلوغ الحقيقة
**********

كنا نلتقي غداة كل هزيمة، أقوى عزيمة وأشد بأساً وأرسخ إيماناً بالقضية وبالأفكار . إلى أن سألته ذات يوم، وقد تعددت الهزائم، وكنت أقدم له نسخة من كتابي، اغتيال الدولة : ترانا نتشابه كثيراً يا سيد، فلماذا لا نؤسس معاً حزباً واحدًا، وكان جوابه السريع بكلمة: حزب الدولة. من أجل هذا الحزب المنشود راح، بشجاعة، يفضح التعاليم الحوزوية التي تحلل نهب مال الدولة. فعاملته بيئته كأنه المتنبي في قوله: أنا في أمة تداركها الله غريب كصالح في ثمود.
أنت، يا سيد، أنت مولانا في الدين ومولانا أيضاً في العلمنة والدولة المدنية ، إذ لم تعد فكرة التوحيد عندك حكراً على فقه الدين بل عممتها رغم أنف العمائم، على فقه السياسة، حين جعلت وحدة الوطن من المقدسات.
**********
تسابقنا وإياه على تبادل التكريم. هو كرمني في حياته حين قدمني على منبر المجلس الثقافي، وكرمنا جميعاً بحضوره المحبب في قلوب المؤمنين على اختلاف الطوائف. أما في قلوب غير المؤمنين فقد قال له أحد محبيه الظرفاء، لقد بلغ احترامك الرأي الآخر وتسامحك مع الرأي المختلف حد تنصيبك إماماً للملحدين؟
أجمل تكريم له حصل حين تليت آيات من القرآن ورفع الأذان على نيته داخل الكنيسة، أما ثاني أجمل تكريم فهو هذا الذي يضمه صرح علمي يحمل اسم يسوع.
لعلنا في التكريم التالي نتمكن من إقامة الاحتفال في إحدى حسينيات الجنوب.

*كلمة ألقيت في الجامعة اليسوعية بمناسبة منح المجلس الثقافي جائزة هاني فحص للحوار والتعددية.