التعليم وتطور الحركة الطلابية ( 3 والأخيرة)


تاج السر عثمان
2023 / 2 / 19 - 01:00     

الحركة الطلابية الفترة ( 1969 – 2018)
1
فترة انقلاب مايو (1969- 1985)
قاوم الطلاب ديكتاتورية مايو التي صادرت الحريات والحقوق الأساسية ، كما في الأوامر الجمهورية رقم (1)، (2) ، وتدخل السلطة الانقلابية في الجامعات والغي قانون الجامعة لعام 1956 الذي كفل استقلال الجامعة وحرية الفكر والبحث العلمي، واصبح النميري راعيا للجامعة الذي يعين المدير ، وتم فصل 17 من أساتذة جامعة الخرطوم ، وحل اتحادات الطلاب بالمدارس الثانوية التي كانت تسيطر عليها القوى الديمقراطية ، وتعطيل نشاطها الثقافي الذي كان مزدهرا كما في طلائع الهدهد في حنتوب الثانوية وطلائع النخيل في مروى الثانوية ، وطلاع القندول في القضارف وغيرها، استنكر الحزب الشيوعي حل اتحادات المدارس الثانوية، وأشار الي أن ذلك يكرّس لنمو تنظيم الإخوان المسلمين في المدارس الثانوية ، كما حدث أيام ديكتاتورية عبود التي استفادوا منها في نمو نشاطهم الارهابي في المدارس والجامعات..
الثانوية. كما رفض الطلاب قرارات التعليم العالي التي أعلنها النميري في خطابه بمدرسة حنتوب.
بعد ردة يوليو 1971 الدموية استفاد الإخوان المسلمون من قمع الشيوعيين والقوى الديمقراطية واليسارية ، وتمكنوا من السيطرة علي الاتحادات الطلابية بالتعاون مع النظام وإدارة الجامعة ،وتم إلغاء دستور التمثيل النسبي ، وفرضوا ديكتاتوريتهم ، وصادروا نشاط الجمعيات ، والغوا الجمعيات العمومية التي تحاسب الاتحاد ، واصبح الاتحاد وأمواله تابعا لتنظيمهم ، كما فعلوا بعد انقلابهم في يونيو 1989 حيث نهبوا ممتلكات واموال وثروات الدولة وهربوها للخارج .
لكن رغم ذلك واصل الطلاب مع جماهير شعبنا مقاومة الديكتاتورية العسكرية كما في مظاهرات أغسطس 1973 ، ومظاهرات الغلاء والسكر 1974 ، ومقاومة حل الاتحادات الطلابية ، وانتهاك استقلال الجامعة ولتنظيم السلطة الواحد الشمولي الاتحاد الاشتراكي الذي فشل في قيام فروع له في الجامعات والمدارس.
في ظل هيمنة " الكيزان" علي الاتحادات الطلابية ، بدلا أن تعبر الاتحادات عن الاهتمامات المتنوعة للطلاب ، أصبحت تعبر عن فكر واحد هو فكر الإخوان المسلمين ومناهجهم في العمل .
من الجانب الآخر كانت الجبهة الديمقراطية ترفع شعار التمثيل النسبي وتدافع عنه ، ونجحت الجبهة الديمقراطية والتنظيمات الأخرى في عام 1979/80 في اسقاط الإخوان المسلمين في جامعة القاهرة الفرع ، وفي جامعة الخرطوم 82/ 1983 ، وكان الطلاب كثيرا ما يتجاوزون اتحادات "الكيزان "، ويخرجون الي الشارع أو يرفضون قراراتهم الفوقية أو اعتصامات لم تشركهم فيها قيادة الاتحاد "الكيزانية" ، مما يدل علي الطبيعة الديمقراطية للحركة الطلابية وإن كانت علي قيادتها في يد " الكيزان" ، كما استمرت مقاومة الطلاب للنظام الفاشي حتي بعد تحالف " الكيزان" أو الإخوان المسلمين مع نظام النميري في المصالحة الوطنية 1977 ، رغم سيطرتهم علي الاتحادات ، ولعل أوضح مثال علي ذلك: انفجار المظاهرات الطلابية عام 1982 العاصفة التي هزت النظام ، وأدت الي أن يحل النميري تنظيم السلطة " الاتحاد الاشتراكي"
وأخيرا كانت انتفاضة مارس – أبريل 1985 التي عندما اندلعت، كان في قيادة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم من الجبهة الديمقراطية والمستقلين والتنظيمات الأخرى المتحالفة معها غير الإخوان المسلمين ، وتحالف الاتحاد مع التجمع النقابي ، كان تعبيرا عن التقاليد النضالية والديمقراطية للحركة الطلابية وتعبيرها السليم عن وجدان ونبض الشارع السوداني.
2
في هذه الفترة ازداد عدد المؤسسات التعليمية العليا التابعة لوازرة التربية والتعليم العالي بعد توحيدها تحت إدارة المجلس القومي للتعليم العالي في عام 1975 ، وأُنشات جامعات وكليات عليا خارج العاصمة الخرطوم الي مدن أخري مثل: جامعتي جوبا والجزيرة ، كلية التربية بعطبرة وكليات ابونعامة وابو حراز، وقامت تخصصات جديدة داخل المؤسسات القديمة : طب الأسنان ، المساحة ، مدرسة العلوم الرياضية ، مدرسة العلوم الادارية ، والإنتاج الحيواني . الخ بجامعة الخرطوم ، كلية العلوم بجامعة القاهرة الفرع، أقسام الاقتصاد والتأمينات بكلية التجارة، وارتفع أعداد الطلاب المستوعبين في الجامعات ، وعدد الطالبات وعدد المدارس الثانوية ، كلية العلوم بجامعة القاهرة الفرع، أقسام الاقتصاد والتأمينات بكلية التجارة، وارتفع أعداد الطلاب المستوعبين في الجامعات ، وعدد الطالبات وعدد المدارس الثانوية.، وبدات ظاهرة الانتساب تشكل نسبة كبيرة ، وكذلك توسع التعليم الاضافي. الخ.
3
فترة الديمقراطية الثالثة ( 1985- 1989)
في هذه الفترة صدر الدستور الانتقالي لعام 1985 الذي كفل الحقوق والحريات الأساسية ، وقانون الصحافة والمطبوعات ، وقانون الجامعة الذي كفل استقلال الجامعة وحرية العمل السياسي والفكري والاكاديمي ، وحرية تكوين الاتحادات الطلابية. الخ.
قامت انتخابات 1986 بقانون انتخابي هزيل وجد معارضة من الطلاب والجماهير ، وفشلت الحكومتان الائتلافيتان في حل مشاكل الاقتصاد ووقف الحرب ، وتدهور الأوضاع المعيشية ،وقامت مظاهرات طلابية كبيرة ضد سياسات حكومة الصادق المهدي وضد الغلاء ، وعدم إلغاء قوانين سبتمبر 1983، وتصفية آثار مايو، والغاء القوانين المقيدة للحريات .
لعبت الجبهة الإسلامية وإعلامها دورا كبيرا في تقويض الديمقراطية الثالثة ، بخلق أزمات في التموين، وتكوين المليشيات ، والتدخل في الجيش بحجة دعم القوات المسلحة ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان، ونشر الاشاعات والأكاذيب، وقيام مواكب آمان السودان، كل ذلك كان تمهيدا للتحضير للانقلاب العسكري، بعد نمو الحركة الجماهيرية، وقيام معرض العيد الأربعين للحزب الشيوعي السوداني، واستعادت اتحادات الشباب والنساء نشاطها ، وقيام اللجان الشعبية في الأحياء التي لعبت دورا كبيرا في درء آثار كارثة فيضانات 1988 ، وانتزاع العاملين لقانون النقابات 1987 رغم عيوبه ، وقيام الاتحاد العام للموظفين والمهنيين الذي طرح مطالب وقضايا العاملين، واسقاط قانون الترابي الذي يفضي للدولة الدينية.
كما حدث توسع في الجامعات في هذه الفترة مثل : قيام جامعة أمدرمان الأهلية التي أسسها البروفيسور محمد عمر بشير عام 1986 ، وهي أول جامعة أهلية تنشأ في السودان بعد جامعة الأحفاد للبنات التي تأسست عام 1966 ، بدأت جامعة أم درمان الأهلية بكليات محددة ، ثم توسعت بعد ذلك.
في ديسمبر 1988 حدث الاضراب السياسي العام ضد زيادة الأسعارالذي اطاح بحكومة الائتلاف الثانية التي كانت تتكون من حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي والجبهة الإسلامية، وتم تكوين حكومة واسعة التمثيل ، ورفضت الجبهة الإسلامية التوقيع علي ميثاق الدفاع عن الديمقراطية.
بعد تكوين الحكومة الموسعة ، ونجاح مبادرة الميرغني – قرنق لحل مشكلة الجنوب ، خططت الجبهة الإسلامية بقيادة الترابي ونفذت انقلابها المشؤوم في 30 يونيو 1989.
4
فترة انقلاب الانقاذ (1989- 2018)
قامت الجبهة الإسلامية بقيادة د. الترابي بالانقلاب الفاشي الدموي ، وصادرت الحريات والحقوق الأساسية ، وحلت البرلمان ومنعت المواكب والمظاهرات والغت قانون الجامعة ، واعلنت ما يسمي بثورة التعليم العالي الذي كان وبالا عليه ، وصادرت استقلال الجامعات والاتحادات الطلابية في الجامعات والثانويات.
كما شردت الأساتذة المؤهلين مما كان له الأثر السلبي علي التعليم العالي ، والغت نظام الاعاشة والسكن ،وقام صندوق دعم الطلاب الذي أوغل في الفساد و تم نهب ممتلكات وأصول الجامعات.
مارست السلطة الانقلابية اقصي انواع العنف ضد الطلاب من قتل وتشريد وتعذيب وحشي ، وقمع مفرط لاضراباتهم ومظاهراتهم ، وكونوا الوحدات الجهادية الطلابية التي حولت الجامعات لساحات حرب ،وسالت الدماء و واشتدت موجة العنف والارهاب ، ومصادرة حرية الفكر والحوار، ومنع فوز قوائم المعارضة في الاتحادات ، وتم استشهاد عدد كبير من الطلاب مثل : ( محمد عبد السلام، التاية، ابو العاص ، . الخ)، كما تم استخدام القمع الوحشي لطلاب دارفور.
لكن رغم ذلك تواصلت مقاومة الطلاب بمختلف الأشكال من اعتصامات ومظاهرات ومذكرات وعرائض ، وقيام اوسع تحالفات تم فيها انتزاع بعض الاتحادات التي استخدم "رباطة" طلاب المؤتمر الوطني العنف لالغائها، أو تجميد الاتحادات ، كما حدث في جامعة الخرطوم والجامعة الأهلية، وكردفان. الخ.
قامت انتفاضات الطلاب في سبتمبر 1995 ، وسبتمبر 1996 ، و2012 ، والتي كانت قوية هزت النظام، وتم مواصلة النضال من أجل شرعية الاتحادا الطلابية وحرية وديمقراطية النشاط الطلابي السياسي والفكري والأكاديمي واستقلال الجامعات، وتوفير مقومات التعليم من سكن واعاشة ، ومقاومة الرسوم الدراسية الباهظة و توفير المكتبات والأساتذة، والميادين الرياضية والمعامل، وابعاد الوحدات الجهادية المسلحة من الجامعات وعودة الطلاب المفصولين ، والتحقيق في اغتيال الشهداء .الخ.
في هذه الفترة يونيو 1989- ديسمبر 2019 ، حدثت متغيرات كبيرة في التعليم العالي حيث بلغت جملة مؤسسات التعليم العالي أكثر من 72 مؤسسة منها 44 جامعة خاصة وأهلية و28 حكومية ، منه 11 بالعاصمة، وبلغ القبول بها أكثر من 250 ألف طالب.
هذا التوسع لم يقابله توسع في الصرف علي التعليم، وفي توفير الأساتذة المؤهلين والمراجع والمكتبات والمعامل والمباني اللائقة ، والبيئة الجامعية مثل : الميادين الرياضية وأماكن النشاط الثقافي والترفيه . الخ من مقومات التعليم العالي. كما تم تصفية نظام السكن والاعاشة والزيادة في الرسوم الدراسية، وحشو المناهج بما يسمي مقرر مطلوبات الجامعة، كما تواصلت اعداد الزيادات في الطالبات مما يتطلب دراسة وحل مشاكل الطالبات.
واصلت الحركة الطلابية مع جماهير شعبنا مقاومة النظام حتي تمت الاطاحة براس النظام في 11 أبريل 2019 ، بعد ثورة ديسمبر 2018 ، والتي ما زالت مستمرة بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 حتي تحقيق أهدافها في الحكم المدني الديمقراطي ، والسلام الذي يخاطب جذور المشكلة ، والديمقراطية والغاء كل القوانين المقيدة للحريات، وتحسين الأوضاع المعيشية ،وديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية بالغاء قانون نقابة المنشأة وقيام نقابة الفئة، واستقلالية الجامعات، وديمقراطية ومجانية التعليم وضد الرسوم الدراسية الباهظة على الطلاب، وحرية تكوين الاتحادات وتوفير مقومات التعليم،واستعادة الأموال المنهوبة واراضي الجامعات ، والتصفية الشاملة للتمكين وتحرير الإعلام من قبضة رموز النظام البائد، وحل كل المليشيات " دعم سريع ومليشيات الكيزان الارهابية" ، والقصاص للشهداء في مجزرة فض الاعتصام ، وسحب قواتنا من اليمن، وتحريرأراضي البلاد الحتلة (حلايب، شلاتين، الفشقة، الخ)، وقيام علاقات خارجية متوازنة تعزز السيادة الوطنية بعيد عن المحاور والاستقطاب.