الحرب الروسية الأوكرانية وحروب الأستدراج

الإعلامي الروسي العربي الاستاذ خالد الرشد غني عن التعريف، فهو من أبرز مذيعي قناة RT الروسية، واُشتهر ببرنامجه "رحلة في الذاكرة" الذي يستضيف من خلاله شخصيات وقيادات روسية وسوفييتية سابقة ممن لعبت أدواراً مهمة في الحزب الشيوعي الحاكم وفي السياسة الخارجية السوفييتية، وكانت قريبة من دوائر صنع القرار في مواقف وسياسات الأتحاد السوفييتي تجاه أزمة الشرق الأوسط، والصراع العربي الأسرائيلي.وقد أنجز عشرات الحلقات فائقة الأهمية من خلال حواراته مع تلك الشخصيات التي أصدرت مذكراتها، وخصوصاً أولئك الذين اُتيح لهم الإطلاع على مواد الأرشيف السري السوفييتي ما يعزز موضوعياً شهاداتهم التاريخية بما لها وما عليها. شخصياً فقد وجدت في حلقات برنامجه فوائد جمة للإطلاع على ما كان خافياً خلال الحقبة السوفييتية، سيما في ظل تراجع حركة الترجمة من الروسية إلى العربية بعد أنهيار الأتحاد السوفييتي . وكان أن دونت معظم تلك الحلقات، إما تدويناً كاملا، أو بتسجيل أبرز ما ورد في كل حلقة والتي تبلغ طول كل منها زهاء النصف ساعة.
وقد أستضاف مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة الثقافي في الثلاثين نهاية شهر يناير كانون الثاني الماضي الاستاذ خالد الرشد لألقاء محاضرة سياسية بعنوان: " حروب الاستدراج .. تاريخ الصراع " تناول فيها في ضوء إطلاعه عن كثب على مجريات الحرب الروسية الاوكرانية الوسائل التي استخدمها الغرب في هذه الحرب بدعمه اللامحدود لأوكرانيا عسكرياً ومالياً، بما في ذلك وسائل التضليل الدعائي والحصار الاقتصادي المشدد على روسيا. وقد تميز حوار الجمهور مع الضيف بالصراحة، ومن ذلك بأن وجهة نظره يغلب عليها الأنحياز إلى الجانب الرسمي الروسي، لكن مما برره الرشد رداً على ذلك، بأنه حتى بافتراض أن وجهة نظره تتضمن انحيازاً للجانب الروسي، فلماذا لا نوازن بها وجهة النظر الغربية الأحادية التي تكاد تسود الإعلام العالمي؟ وفي المداخلة التي تقدمت بها لفت أنتباه الضيف إلى ظاهرة أختفاء الكثير من حلقات برنامجه من أرشيف القناة على اليوتيوب منذ نحو عامين أو أكثر، أي منذ ما قبل أندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، لكنه ذلك أرجع إلى أعمال التخريب والحصار الذي يشنه الغرب على قناة RT الروسية.
كما أنتهزت الفرصة لإعادة التأكيد على أهمية أستفادة المؤرخين والباحثين العرب من حلقات برنامج الضيف، وألا يفوتوا فرصة فتح الأرشيف السري السوفييتي للباحثين للإطلاع على خبايا الكثير من السياسة الخارجية السوفييتية تجاه المنطقة، وما كان يكتنف هذه السياسة من ملابسات في علاقات موسكو باليسار في الدول العربية التي تربطها علاقة مميزة مع الدولة السوفييتية،و التي كانت تخصع في غالب الأحيان لحسابات مصالح الدولة السوفييتية واعتبارات المحافظة على العلاقة بين الدولتين، سيما أن كتب ودراسات ومذكرات برنامج الضيف جميعها لم تُترجم للعربية بعد .