إِمَّا الغَلَاء والتَضَخُّم، وَإِمَّا الاشتراكية


عبد الرحمان النوضة
2023 / 2 / 18 - 14:21     

ما يجري حاليا في المغرب، في شهر فبراير 2023، يَدُلّ على الـفَوْضَى في صُفوف الـقِوَى التقدّمية، والتَخبُّط، والتَلَـف، والتَخَلُّف المُجتمعي. (وهو ما سَنُوَضِّحُه فيما بعد).
فـقد اِرْتَـفَـعَت أثمان مُجمل البضائع والخدمات، بشكل ضَخْم، وَمُفَاجِئ. بما فيها أثمان مُشْتَـقَّات البِترول، والخُضر، وأنواع الدقـيق، واللحوم، والخَدَمات الطبية، والمَواد المُصَنَّـعَة، إلى آخره. وَامْتَـدَّ الغَلاء إلى كلّ البضائع والخدمات. وقد ارتـفعت بَـغْـتَـةً أسعار المواد الغذائية الأساسية في طَعَام جماهير الشعب، وعلى الخُصوص منها الخُضار، بِمِـقْـدَار مَرَّتَيْن أو ثلاث مرّات (بين الأسبوعين الثاني والثالث من شهر فبراير 2023). [ولم يَسْلَم مِن هذه الزيادات في الأثمان سوى قِنِّينَة غَاز البُوطَان (butane) الضرورية لِلطَّهْيِ المنزلي، والخُبز العادي المصنوع مِن الدقيق الطري، بِسَبَب دَعْمِهِمَا مِن طرف "صُنْدُوق المُـقَاصَة" العُمُومِي. مع العِلم أن هذا الخُبز العَادِي، أصبح رَدِيئًا، نَتِيجَةً لِمُبالغة الخَبَّازِين في التوفير في صِنَاعَة هذا الخبز، إلى دَرَجَة أن هذا الخُبز غَدَى بِدُون فَائِدَة غذائية]. والاحتمال الأكبر هو أن يَتَـفَاقَم هذا الغَلَاء العَام، وكذلك التَـضَـخُّـم (inflation)، خلال الأسابيع، والشهور، وحتّى السنوات المقبلة. حيث أن الاقتصاد العالمي دخل في طور كَيْفِي جديد.
ولم تَتَّضِح بَعد كلّ أسباب هذا الغلاء المُفاجئ، وَانْـعِـكَاسَاتِه المُجتمعية. لكن يظهر أنه يدخل (ولو جزئيا) ضِمْنَ تَأْثِيرَات جَائِحَة "كُوفِيدْ 2019" (كُورُونَا)، وَضِمْنَ تأثيرات وَمُضاعفات الحرب بِالوَكَالَة في أُوكْرَانْيَا، بين رُوسيا و"الحلـف الأطلسي"، تحت زعامة إِمْبِرْيَالِيَة الولايات المُتَّحِدَة الأمريكية. مع ما يُرافـق ذلك مِن صراع عالمي بين الدول العُظمى حول الانـتـقال من مَرْحَلَة هَيْمَنَة الـقُطب الواحد (الولايات المتحدة الأمريكية)، إلى مرحلة تَـعَـدُّد الأَقْطَاب السَّائِدَة أو القَوِيَة في العالم.
وأمام مَوْجَة هذا «التْسُونَامِي» مِن الغَلَاء في المغرب، أحسّت جماهير شعب المغرب بِالحِيرَة، وَالـقَلَق، والخَوف على مَصِيرها. خاصّة وأن هذا الغلاء تَزَامَن مع مُحاولة إقدام الدولة على الزيادة في بعض الغَرَامَات القَانُونية، وفي بعض الضرائب، وعلى تَمْرِير قَانُون مَنْع الإِضْرَاب عن العَمَل، وتَخْفِيض مَكَاسِب التَـقَاعُد، الخ. كما تَزَامَن هذا الغَلَاء مع انـتشار أزمة اقتصادية مُرَكَّبَة، وَمُعَـقَّدَة، في مُجمل بُلدان العالم التي تَتَّبِـعُ نِظَامًا رَأْسَمَالِيًّا.
وأمام النَّـقْـص المُهْوِل في الـقُدْرَة الشِرائيّة، كان رد فعل الحركات الجماهيرية العَفْوِيَة، والنـقابات، والجمعيات، والأحزاب المُعارضة، وقـوى اليسار في المغرب، هو البداية في القـيّام بوقفات اِحْتِجَاجِيَة، وخوض بعض المُظاهرات المطلبية، المُتَزَامِنَة في مُختلـف مناطق البلاد، تُطالب بِخَفْض الأثمان، وإرجاعها إلى مُستواها القديم.
وأمام خوف الدولة من تصاعد احتجاجات جماهير الشعب، بَدأت الدولة في تَنـفيذ حَملة من الإجراءات المتـكاملة لِطَمْأَنَة جماهير الشعب الغَاضِبَة. وظهر رئيس الوزراء على شاشات التليـفيزيون، وَوَعَد المواطنين بأن «الدولة سَتـفْرِضُ تَخْفيض الأَثْمَان». لكن وُعُود تَخْـفيض الأثمان تَبْـقَى وَهْمِيَة في إطار الرأسمالية. حيث لا يَحِـقُّ لأحد أن يَـفْرِض أَثْمَانًا مُحدّدة على الـفاعلين الاقتصاديّين. وأظهرت قَنَوَات التلـفزات العُمُومية صُوَرَ لِجَان حُكُومِيَة، مُكوّنة من أفراد مِن مُختلف الأجهزة الـقمعية، تَجُوب الأسواق الشعبية، وَتَضغط على بعض التُجّار الصغار (وحدهم)، لكي يُخَفِّضُوا أثمان بَضَائِـعِـهم ! وَتَحْتَجِز هذه اللجان بعض البضائع، على أساس تُهَم مُختلفة، وتحرقها في فضاءات خالية ! الشيء الذي يُـفَاقِم نَدْرَة البَضَائِع. لكن هذه اللجان الحُكومية، تُراقب فقط التُجَّار الصِغَار، الذين هم ضِعَاف، أو أُمِيُّون، أو غير مُنَظَّمِين، أو بِلَا قُدْرَة على الدِفَاع عن النفس. ولا تُراقب هذه اللجانُ الحُكومية لَا تِجَارَةَ، وَلَا مُعَامَلَات، الشركات الكُبرى، ولا المتوسطة، ولا الضَيْعَات الـفلاحية الكبيرة. وَلَا تُراقب البَاعَة الذين يَبيعون بِالجُمْلَة، ولا البَاعَة الوُسَطَاء، وَمَا أَكْثَرَهُم. وذلك كلّه نظرا لِمَا يَتَوَفَّرُ عليه الـفاعلون الاقتصاديّون الكبار مِن عَلَاقات، وَنُـفُوذ، وَقَرَابَة، من دَوَائِر السُلطة السياسية.
وهذه المظاهر الناتجة عَن الغَلَاء مُحَيِّرَة. لماذا ؟ أوّلًا، لأنه في إطار الرَّأْسَمَالِية (كما هي مَوجودة في المغرب)، وَطِبْـقًا لِمَبَادِئ هذه الرَّأْسَمَالية هي نفسها، لا يَحِـقُّ (نظريًّا) لأحد، بما فيه الدولة، أن يُجْبِرَ أيّ فاعل اقتصادي على أن يَبِيع بَضَائعة أو خَدَماته بِأَقَل مِن الأثمان التي يَطْلُبُهَا هُو نَـفْسُهُ. وَلِأَن الرَّأْسَمَالِية (الـقائمة سواءً في المغرب أم في غيره) تَـعْـنِـي (رَسْمِيًّا وَنَظَرِيًّا) «حُرِّيَة المُبَادَرة الاقتصادية»، أي «حُرِّيَة الإنـتاج»، وَ«حُرِّيَة المُبَادَلَات»، وَ«حُرِّيَة التِجَارة»، وَ«حُرِّية المُنَافَسَة». بِمَـعـنـى أن «كل فاعل اقتصادي هو حُرٌّ في أن يُنْتِج، وَأُن يَبِيع بَضَائِعَه أو خَدَمَاتِه، بالأثمان التي يُريد». وأنه لَا يَحِـقُّ لِلدولة، وَلَا لِغَيْرِهَا، أن يُجبروا فاعلين اقتصاديّين على بَيْع بَضَائِعِهم أو خَدَماتهم بِأَثْمَان تَـقِـلُّ عُن الأثمان التي يُريدها أصحاب هذه البضائع. وفي إطار الرَّأْسَمَالِية، كلّ مَن لَا تـعجبه أثمان بَضَائِـع مُحدّدة، لِبَائِع مُعَيّن في السُّوق، ما عليه سوى أن يَبْحَث، وَأن يَـعْـثُـرَ، على بَائِع آخر يبيع بَضَائِـعَ مُشَابِهَة بأثمان أقل. فإن لم يجد هذا البائع، يجب عليه أن يَمْتَنِع عن الشِرَاء إلى حِين أن تـنخفض تلك الأثمان المعنية في السُّوق. وذلك طِبْـقًا لِـ «قَوَاعِد الرَّأْسَمَالِية» القائمة، وَطِبْـقًا لِـ «قَانُون العَرْض والطَلَب»، الذي يَحكم الرَّأْسَمَالِية.
وَإذا لم تَستطع الرَّأْسَمَالية أن تُوَفِّرَ حاجيّات جماهير الشعب بإثمان مَـعْـقُـولة، أو عَادِلة، أو في متـناول قُدرات جماهير الشعب، فهذا يَـعْـنِـي أن الرَّأْسَمَالية فَاشلة، أو غير مُلَائِمَة، أو غير قادرة على تَلْبِيَة حاجيّات الشعب، وأنه يجب التـفكير في بَديل عن الرَّأْسَمَالية.
وكلّ شخص أو جماعة، يُريد الرَّأْسَمَالِية، ويرفض في نـفس الوقت اِرْتِـفَاع الأَثْمَان، أو الغَلَاء، فإنه يَتَنَاقَضُ مَع نـفسه، وَلَا يَعْرِفُ ماذا يُريد.
وكلّ مَن لَا يـقبل الخُضُوع لهذه «المبادئ الرَّأْسَمَالِية» المذكورة أعلاه، وَلِكَيْ يَكُونَ مَنْطِـقِـيَّا مع نَفسه، يجب عليه أن يَرْفُض الرَّأْسَمَالِية بِرُمَّتِهَا، وأن يُساهِمَ في النضال الجماهيري المُشترك من أجل إِنْجَاز الثورة المُجتمعية، ومن أجل تَشْيِيد الاشتراكية. لأن الاشتـراكية هي عكس الرَّأْسَمَالِية. ولأن الاشتـراكية هي التي يكون فيها الاقتصاد خَاضِعًا لِلسُّلطة السياسية. والاشتـراكية هي التي تَكون فيها مُجمل الأنشطة الاقتصادية مُجبرة على أن تـكون في خِدمة الشعب، وليس في خِدِمَة الرَّأْسَمَالِيِّين المُسْتَـغِـلِّين، المُحْتَكِرِين لِمِلْكِيَّات وَسَائِل الإِنْتَاج المُجتمعية. والاشتراكية هي التي يُمكن أن تـكون فيها أثمان البضائع والخَدمات خاضعة لِقَرَارات الحكومة.
وكل أجهزة الدولة، وكل النـقابات، وكل الأحزاب، وكل الشخصيات، الذين يَـقْـبَـلُون الرَّأْسَمَالِية، وَيُرِيدُون وُجودها، وَفي نـفس الوقت، يَرْفَضُون الغَلَاء، وَيَسْتَنْكِرُون ارتـفاع الأثمان، وَيَـعْـتَـرِضُون على التَضَخُّم، وَيَسْتاؤُون مِن الأزمات الاقتصادية، فإنهم يَتَنَاقَضُون مع أنـفسهم، وَلَا يَـعْـرِفُون مَاذا يَرِيدُون. لأنهم يُريدون الرَّأْسَمَالية، ويرفضون نَتائِجَهَا الحَتْمِيَة.
وكلّ مَن يَزْعُمُ أنه، في إطار الرَّأْسَمَالِية، يُمكِن الخَلَاص مِن التَضَخُّم (inflation)، وَيُمكن التَحَكُّم في الأَثْمَان، وَإِبْـقَاءُهَا في حُدُود مَـعْـقُـولة، أو عادلة، أو في مصلحة جماهير الشعب، فَهُو إِمَّا كَذَّاب، أو مُـنَافِـق، وإمَّا أنه جَاهِل، حيثُ لَا يَـفْـهَـمُ الأشياء التي يتـكلّم عنها، وَيَتَنَاقَض في كَلامه واختياراته.
وهكذا، فإن النظام السياسي الـقائم في المغرب، سبق له أن فَرَضَ بالـقُوّة النظام الرَّأْسَمَالِي على الشّـعب، دُون نـقاش ولا استـفتاء شعبي. وظلّ النظام السياسي في المغرب يُدافع على دَوَام الرَّأْسَمَالِية المُـفْـتَـرِسَـة، وذلك بجميع الوسائل، سواء كانـت مَشْرُوعَة، أم غير مشروعة. وَظَلَّت أبواق النظام السياسي، وكذلك خُدَّامُه الانتهازيّون، يَدَّعُون أن «الرَّأسمالية هي الحَلّ لِكُلّ مَشاكل المُجتمع». وَيُؤَكِّدُون أن «الرَّأْسَمَالِية قَادِرَة على حلّ جميع مشاكل المُجتمع بشكل آلِـي». وَزَعَمُوا أن «قانون العَرْض والطَلَب كَـفِيل وَحْدَهُ بِخَلْق جميع التَوَازُنَات الضرورية وَالصِحِّيَة في الاقتصاد الوطني». واليوم، يَـعْـتَرِفُون، وَلَوْ ضِمْنِيًّا، وَلَوْ بشكل غير وَاعٍ، أن «الغَلَاء مُـفَـاجِـئ»، وأن «أسبابه غير مفهومة»، وأن «الأزمات الاقتصادية هي ظاهرة مَأْلُوفَة، وَمُتَـكَرِّرَة»، وأن «التَدَخُّل المُتَكَرِّر لِلدولة لِتَـقْـوِيم الاقتصاد ضَرُورِي»، وبدون هذا التـدخّل المُتَكَرِّر سَتَنْهَار الدولة، وكذلك الرَّأْسَمَالِية.
وجزء هام مِن الغَلَاء يَنْتُج عن اٍرْتِفَاع الأثمان. وَيُمكن أن يَنـتج اِرتـفاع الأثمان هُو نفسه عن شَرَه الرَّأْسَمَالِـيِّين، وعن رغبتهم في الزيادة في أرباحهم الخُصُوصية. كما يُمكن أن يَنـتج اِرتـفاع الأثمان عن التَضَخُّم (inflation). وجزء هام من التَضَخُّم يَتَـجَـلَّـى في نُـقْـصَان الـقُدْرَة الشِرائيّة لِلْأَمْوَال النَـقْـدِيَة (سواء كانـت هذه الأموال مُتَدَاوَلَة، أم مُدَّخَرَة). كما يُمكن أن ينـتج التضخّم عن الطَبْع الزَّائِد لِلْأَمْوَال النَـقدية، إمَّا مِن طَرَف الدولة الوطنية، وَإِمَّا من طرف الإمبرياليات السَّائِدَة على العالم (مثلما هو حاليًّا وضع الولايات المتّحدة الأمريكية). وَيُحتمل أن تـكون بعض الدول الغربية (المُشاركة في "الحلـف الأَطْلَسِي") قد لَجَأَت، خلال سنـتي 2022 و 2023، إلى طَبْع مِئَات المَلَايِير من الدولارات، لِتَـغْـطِـيَـة كُلْفَة دَعْمِها العسكري الهَائِل لأُوكْرَانْيَا، في حربها بالوَكَالَة ضدّ رُوسيا. بِمعنى أن الحرب ضد روسيا في أُوكْرَانْيَا هي في نـفس الوقت حَرب ضدّ بُلدان العالم الثالث.
وبالمناسبة، يجب أن يُدرك كلّ مناضل، أن مَن يُؤَدِّي تـكاليف أَيّة حرب (مثل حرب أُوكرانيا، أو حرب العراق)، ليست هي الأنظمة السياسية الرَّأْسَمَالية، وليست هي الشركات الرَّأْسَمَالية، وَإِنَّمَا الشُّعُوب (سواء كانـت مَهْزُومَة، أم مُنتصرة) هي دائمُا التي تُؤَدِّي كل تَـكَالِيـف الحرب، بـما فيها التـكاليف البشرية، والعسكرية، والاقتصادية، وغيرها.
والغريب أننا نجد في المغرب عدّة أحزاب سياسية، تحمل في اِسْمِهَا الرَّسْمِي كلمة «الاشتـراكية»، أو «الاشتراكي» [مثل «حزب التـقدّم والاشتـراكية»، و«حزب الاتحاد الاشتـراكي»، و«حزب الاشتـراكي الموحد»، و«حزب الطليعة الاشتـراكي الديموقراطي»، و«حزب فيديرالية اليسار الديموقراطي»، الخ]. وفي نـفس الآن، نُلَاحِظ أن مُعظم هذه الأحزاب، بِدَعْوَى «الواقعية»، تَرْفُض «الاشتـراكية»، أو تُـعَـادِيـهَا. وحتّى إذا قَبِلَتْهَا نَظَرِيًّا، فإنها تَـعْـتَـبِـرُ أن «كُلَّ كَلَام عن الاشتـراكية هُو حَالِيًّا مُؤَجَّل» إلى مَا بَعد مُرور ثَلَاثَة أو أربعة أَجْـيَال، أي إلى ما بعد فَوَات قُرابة 70 أو 80 عامًا. والغريب أيضًا هو أن مُجمل هذه الأحزاب، تَـقْـبَـل الرَّأْسَمَالية كَنِظَام شِبْه أَبَدِي، وَتَـلْـتَـزِمُ بها، وفي نـفس الوقت، تَرفض نـتائج الرَّأْسَمَالية (مثل رفض الغَلَاء، والتَضَخُّم، والاستـغلال الرَّأْسَمَالي المُفْتَرِس)، أو تَسْـتَاءُ منها، أو تَسْـتَـنْـكِـرُها. وهذا تـناقض غير جِدِّي.
صحيح أنه، من فتـرة لأخرى، يُمكن أن تحدث أزمات اقتصادية حتّى في إطار الاشتراكية. لكن الـفرق بين الرأسمالية والاشتـراكية، هو أته، في إطار الرَّأْسَمَالِية، تَكُون طبقة الرَّأْسَمَالِيِّين المُسْتَـغِـلِّين الكبار، هي التي تَتَحَكّم بشكل مُطلق في السُّلطة السياسية، وفي الدولة، وفي سِيَّاساتها، وفي كل تَـفَاصيل الأنشطة الاقتصادية، وذلك بهدف إعطاء الأسبقية لِخِدمة مصالح الرَّأْسَمَالِ والرَّأْسَمَالِيَين. بينما في إطار الاشتـراكية، يَـكون الحزب الاشتـراكي الحاكم، أو الحزب الشيوعي الحاكم، أو حزب الكَادِحِين، هو الذي يتحكّم في السُّلطة السياسية، وفي الدولة، وفي الاقتصاد، وفي الرَّأْسَمَال، وذلك بهدف إعطاء الأسبقـية لِخِدمة مصالح عُمُوم جماهير الشعب الكَادِحِ. وحتّى إذا كان النظام السياسي الـقائم إِشْتِرَاكِيًّا، فإنه يَمْزِجُ بين اقتصاد اِشتـراكي واقتصاد رأسمالي، وَيَضـع الاقتصاد الرأسمالي تحت سَيْطَرة الاقتصاد الاشتراكي.
وَتَـقْـتَضِي النَزَاهَة، أن نُصارح جماهير الشعب، وأن نُذَكِّر مُجمل الـقِوَى السياسية التَـقَدُّمِية، وأن نقـول لها بِكُلّ وُضُوح : مَا دُمْتِي تَـقْـبَـلِين العَيْشَ في إطار الرَّأْسَمَالِية، فإنك سَتُـعَـانِينَ حتمًا مِن تَـفَـاقُـم الاستـغلال الرَّأْسَمَالِي، وَمِن اِرْتِـفَاع الأثمان (الـغَـلَاء)، ومن التَضَخُّم (=تَآكُل الـقُدْرَة الشِرَائِيَة)، وَمِن تِـكْـرَار الأزمات الاقتصادية المُتَنَوِّعَة، وَمِن المُعَانَاة من مشاكل مُجتمعية مُتَنَوِّعَة. وإذا كانـت الـقِوَى السياسية التقدّمية تَرْفُضِ هذه المُـعَـانَات المُتَوَالِيَة والمُتَكَرِّرة، النَاتِجَة عن الرَّأْسَمَالية، يجب عليها، منذ الآن، أن تـرفضي الرَّأْسَمَالِية في شُمُولِيَّتِهَا، وأن تُسَاهِمِ، في النضالات الجماهيرية المُشتـركة، من أجل إِنْجَاح الثورة المُجتمعية، ومن أجل تَشْيِيد الاشتـراكية الثورية. أمّا الـقَبُول بالرّأْسْمَالِيَة، وفي نـفس الوقت، رَفْض نَتَائِجِهَا العُضْوِيَة، فَهُو تَنَاقَض مَفْضُوح، وَتَخَبُّط، وَعَبَث، وَضَيَاع لِلْوَقْت.
رحمان النوضة (17 فبراير 223).