أخيرا العثور على المسرحية المفقودة لنجيب سرور-البيرق الأبيض-.


محمد فرحات
2023 / 2 / 18 - 10:16     

آن لنا أن نحتفل باكتشاف مسرحية البيرق الأبيض التي طال التحدث عنها، ثم التعلل بفقدها في كل بيبلوجرافيا أعمال نجيب سرور، رحمه الله، ولقد كان اكتشاف المسرحية على مراحل استمرت قرابة العام، منذ اللقاء الأول بالأستاذ فريد نجيب سرور، في جنازة أمه العظيمة "ساشا كورساكوفا" الاثنين السابع عشر من يناير سنة 2022، في ظروف أقل ما يقال عنها إنها كانت ظروفًا عصيبة، فقد حضرت السيدة ساشا بناءً على رغبتها من الهند، لتدفن بجانب زوجها الخالد نجيب سرور بقريته إخطاب، أجا، دقهلية. وكانت ظروف نزوح الأسرة السرورية؛ ساشا، شهدي، فريد، لا تقل مأساوية، فقد حُكم على شهدي نجيب سرور بالسجن عامًا سنة 2002 ، في قضية غريبة هي من سوابق القضايا التي ينظر إليها برثاء لما آلت إليه أمور الفكر وما يلازمه من قضايا نشر في وطننا العربي المجيد، فقد نشر شهدي رباعيات أبيه، المشهورة ب"أميات" وهي قصيدة طويلة، تنتقد أحوال الثقافة والفن والسياسة في الحقبة الممتدة من 1967 إلى 1977 بداية من الهزيمة المريرة إلى التسليم الذي لا يقل مرارة، القصد أن شهدي نجيب سرور نشر القصيدة بصوت أبيه على اليويتيوب، وكان قد ألقاها في شقة الفنان زين العشماوي بحضور مجموعة من الفنانين والمفكرين كالسيدة سعاد حسني، محسنة توفيق، منير مراد، كرم مطاوع، سهير المرشدي، سميرة أحمد، شريفة فاضل علي بدرخان، ميرفت أمين، حسين كمال وعصام تليمة وغيرهم، وكان وقتها رهن الاعتقال بمستشفى العباسية للأمراض العقلية، وكان قد بارحها لمدة ليلة بتدبير ورفقة من طبيبه النفسي المشرف على حالته وبصحبته.
ولما حُكم على شهدي غيابيًا بالسجن عام 2002، سافر إلى روسيا، ومنها سافر إلى الهند، لظروف عمله، فكان مهندسًا ببرمجيات الكومبيوتر، وتصميم المواقع، وفي الهند اجتمع شمل الأسرة السرورية 2011، حتى أصيب شهدي بسرطان الرئة عام 2017، وفي صراع شرس ومرير مع المرض سلم شهدي الروح لبريه تعالى في يوليو 2019 ، لتستمر حياة الأسرة السرورية ساشا وفريد، وقبل ذلك وفي عام 2014 تصاب السيدة ساشا بأمراض الشيخوخة تنسى السيدة كل شئ إلا نجيب سرور، ورغبتها بإعادة كل ما كتبه نجيب سرور، ثم أن تدفن بجانب نجيب سرور، ولما اشتد المرض بساشا وشعر فريد بدنو أجلها، استطاع أن ينقلها من الهند إلى مصر، في ظروف صعبة ، وبتدخل الحكومتين المصرية والروسية لدى الحكومة الهندية، حضرت ساشا مصر سبتمبر 2021، ثم رحلت ساشا عن الدنيا يوم 15 يناير 2022 وأخذ فريد في تنفيذ وصيتها بدفنها بجانب زوجها الراحل نجيب سرور، إلا أنه قد واجهته عاصفة من الاعتراضات من قبل جماعات الوهابية المتفشية في القرية، وبدعوى أنها مسيحية وكيف تدفن في مقابر المسلمين، فيباغت فريد الجميع بإعلان وثيقة إسلامها، فقد أشهرت ساشا إسلامها بالأزهر الشريف عام 1979، بعد وفاة زوجها، على إثر خلاف حدث بينها وبين شقيق زوجها على حضانة فريد وشهدي، المهم أنها قد دفنت بإخطاب بجوار نجيب سرور 17 يناير 2022.
فكان الشق الثاني من تنفيذ الوصية وهي إعادة كتابة تراث نجيب سرور وحوسبته تمهيدًا لنشرة إلكترونيًا وورقيا وبكل ما تيسر من صور النشر، فأعلن فريد عن حملة تطوع للمساهمة في المشروع.
تطوع الكثير، ولكن انفض زخم حماستهم بعد قليل جدًا، ولمَّا يستمر إلا واحدٌ فقط في المشروع، وكان بدايات البحث في أوراق نجيب سرور أسطورية حقًا، فقد بوغتنا بوجود أكثر من خمسين ألف صفحة ما بين مسودات لأعمال نُشرت، أو لم تنشر، وكان الاتفاق على إعادة تحريرها إلكترونيًا، وكانت مسرحية "البيرق الأبيض" من جملة ما تم العثور عليه، وقد وجدناها على مرحلتين الأولى كانت مسودة بخط يد نجيب سرور وكانت مسرحية من فصل واحد ومقدمة بحثية في إثبات أن التغريبة الهلالية كان عبد الله النديم كاتبها أو على الأقل من المساهمين في كتابتها، كشأن كل الأعمال الشعبية المتناقلة عبر الأجيال بآلة المشافهة، وإن جزءً منها كان موضوعه الحديث عن أحداث الثورة العرابية ونهايتها المأساوية، وقد اعتمد نجيب سرور على دراسة للناقد والمؤرخ أحمد رشدي، رحمه الله تعالى، وكانت تلك المسرحية بعنوان "سكة أبو زيد." بطلها كان عبد الله النديم وخادمة حسين رحمهما الله، ثم تتداخل الأحداث والشخصيات تمهيدًا لمسرحية ما، علمنا في رحلة بحث آخرى أنها كانت تمهيدًا، لمسرحية "البيرق الأبيض" ولذلك أدرجناها مع نص البيرق الأبيض، وهي مسرحية تاريخية، عنونها نجيب سرور "كوميديا مسرحية" من ثلاثة فصول وعلى مدار ثمانية مشاهد، أنهاها نجيب سرور أيضًا بنهاية مسرحية ما بين الكورس وأعضاء محاكمة عرابي، في شكل مسرحي متكامل، أتركه للنقاد المسرحيين لدراسته.
دراسة ظاهرية لمخطوطة "البيرق الأبيض".
1-تتكون المسرحية من مقدمة عبارة مسرحية من فصل واحد عنونها نجيب سرور ب"سكة أبو زيد" "ملهاة ملحمية مأساوية غنائية". وعليها أستيكر بخط شهدي نجيب سرور معنون" مشروع نص مسرحي باسم سكة أبو زيد "7"" وهي عبارة عن إحدي وثلاثين صفحة مكتوبة بخط اليد، أعتبرناها برولوج للمسرحية الأم "البيرق الأبيض" لتماهي الشخصيات والأحداث بينها وبين المسرحية الأم. وقد أدرجناها في مسرحية "البيرق الأبيض" كمقدمة، وأترك البحث التنظيري للشكل المسرحي للنقاد المسرحيين المتخصصين.
2- المخطوطة الأولى بخط نجيب سرور، وهي عبارة عن مخطوطة، مكونة من تسع وتسعين صفحة بخط يد نجيب سرور، عنونها نجيب سرور، ب"البيرق الأبيض" "كوميديا في ثلاثة فصول"، "تأليف نجيب سرور.".
وعليها إستيكر بخط المحرر الرئيسي في المشروع، مكتوب عليه" نص مسرحية البيرق الأبيض كاملًا، مع ملاحظة وجود أحد الفصول غير المضافة، بعنون "سكة أبو زيد.".
دون فيها نجيب سرور الشخصيات حسب الظهور، وهي ثلاث عشرة شخصية ما بين محورية ورئيسية وهي " رئيس المحكمة، عضو المحكمة، أحمد عرابي، عبد الله النديم، حسين، عبدالعال حلمي، الشيخ الأزهري، علي فهمي، الشيخ الهمشري محمود سامي البارودي، الشيخ محمد عبده، يعقوب سامي، جابر.".
ثم أحداث الفصل الأول التي تبدأ بالمشهد الأول وهو بمحاكمة عرابي، ثم المشهد الثاني وهو ظهور شخصية "عبد الله النديم، وتابعه حسين."، ثم المشهد الثالث وهو عبارة عن "محاكمة عبد العال حلمي." والملاحظ أن نجيب سرور لم يعنون إلا المشهد الأول، والمشهد الثاني والثالث وضعه المحرر من عندياته، لاختلاف الشخصيات والأحداث في كل جزء، وذلك لأن نجيب سرور كان يكتبها كمسودة، سوف يقوم بتبيضها بخطه المنمق الجميل، شأن كل أعماله، قفد يكون للعمل أكثر من مسودة مكتوبة بخط عادي، إلا أنه حينما كان يقرر تبيضه في صورة نهائية، كان يكتبه بخط بديع منمق جدًا، كأبرع خطاط موهوب. وهذا ما سنجده في أخر عشر صفحات من الجزء الثالث من المخطوطة كما سيأتي.
3- المخطوطة الثانية عبارة عن سبع وتسعين صفحة بخط الأستاذ نجيب سرور تحتوي على بقية الفصل الأول، والفصل الثاني من المسرحية ويتكون الفصل الثاني من المشهد الخامس وهو محاكمة علي فهمي، والمشهد السادس، وهو بنفس كيفية المشهد الرابع من حيث السيميوجرافيا، والشخصيات هي عبد الله النديم، وتابعه حسين.
ثم المشهد السابع وهو محاكمة محمود باشا سامي البارودي، ثم المشهد الثامن من المسرحية وشخصياته عبد الله النديم، وتابعه حسين، والشيخ الهمشري، ثم يكمل الأستاذ نجيب سرور الفصل الثامن بملحوظة غاية في الأهمية لكونها تدلل على تاريخ كتابته، والظروف المحيطة به، مما سيكون له أثرٌ بالغ من إسقاطات بارعة من حاضر الكتابة على أحداث المسرحية، والملحوظة أو الهامش الذي كتبه الأستاذ هو " تكملة المشهد الثامن في تاريخ 6 سبتمبر 1967، وما ما يمثله هذا التاريخ، أي ما بعد الهزيمة المرة بأربعة أشهر، من تأثير بالغ في سير حياة نجيب سرور، حيث كانت الهزيمة السبب الرئيسي في مأساة نجيب سرور الشخصية المعلومة، من فقدان للاتزان النفسي والوجداني، واختلال نظام كتابته والتداخل الواضح في الأحداث بين حاضر الكتابة، وموضوعها وهو انكسار الثورة العرابية، وما تحمله من إسقاطات على انكسار ثورة يوليو 1952 ومشروعها الإنساني والاجتماعي والاقتصادي الطموح.
ويتجسد ما قلته في نص جديد محتلف تمامًا يتحدث عن أحداث هزيمة يونيو 1967 بشخصيات جديدة وأحداث مختلفة موضوعها الهزيمة المريرة وأحداث ما بعد الهزيمة من محاكمة الطيران، والحراك الطلابي الساخط على النظام، وذلك من صفحة 72 إلى صفحة 97، وسوف يتم تحرير هذا المشروع المسرحي على حدة. وهذا يدل على أن ما بحوزتنا هي المسودة الأولى للمسرحية.
المخطوطة الثالثة وهي عبارة عن ختام للمسرحية من تسع صفحات، ويتداخل الكورس والمجموعات في السرد وحوار هيئة المحكمة.
والعشر صفحات هي إعادة كتابة للمسرحية من بدايتها، ولكن في صورة العمل الأخير ويميزة الخط الواضح المنمق الذي يميز أعمال نجيب سرور في طورها النهائي، ولكنها تنتهي في الربع الأول من محاكمة عرابي، ولم يكمل التبيض لظروف الاعتقال بالعباسية وما مر بحياة نجيب سرور من أحداث تراجيدية عصيبة إلى موته عام 1978.