عودة إلى إشكالية اللغة والهوية


عذري مازغ
2023 / 2 / 15 - 20:56     

الجدل في المغرب حول إشكالية اللغة خصوصا في المواقع الافتراضية أخذ اتجاهات متعددة وصلت حدودا من التطرف والشوفينية القاتلة والعنصرية وخرجت عن سياقها الموضوعي.
لا ندافع عن اللغات المحلية بهدف الحفاظ على النوع تجاه انواع أخرى، بل لهدف تربوي محض هو إيصال المعارف إلى هؤلاء الناطقين بهذه اللغات المحلية وهذا هو السياق الذي يجب أن تسير فيه معالجة الإشكالية.
لسنا ضد العرب ولا ضد الفرنسيين في سياق الصراع التقليدي بين البرجوازية المغربية المفرنسة والبورجوزاية المغربية المعرنبة فهذا الصراع الفاشي بن البرجوازيتين هو ما بلور المواقف الفاشية اتجاه اللغات بشكل عام، لكن الشيء الذي تتفق حوله هاتين الفئتين الاجتماعيتين هو تهميش القطيع الآخر الذي يمثل الشعب من حيث حرمانه من المعرفة بدواعي زائفة.
الذين يخشون من اللغات المحلية هم بحدس غريزي يرفضونها خوفا على وظائفهم وتميزهم الاجتماعي الذي يميزهم كنخبة لأن هذا التميز يمّحي مع تبلور الوعي المعرفي بسرعة مع اللغات المحلية إذ بها تتقارب مستويات الوعي. إن المعرفة العلمية ليست علمية إلا بهم وباللغة التي يتقنونها وحتى صانع الفن الزليجي ليس فنانا إلا إذا لبس لغتهم الفرنسية أو العربية الفصحى ولذلك هو يسمى عاملا أو حرفيا وليس بمعيار لغتهم فنانا. أي أن لديهم دائما حس فاشيستي لتحقير فئات المجتمع الأخرى ليجدوا في اللغات المستوردة مرتعا لقشلتهم الطبقية، وحتى إذا اغتنى عامل الزليج بفضل فنه وحرفته وتجاوز اقتصاديا الموظف الصغير والمتوسط الذي يسمى في البلدان العربية بالبرجوزاي بفرنسته او عربنته، يبقى صغيرا فقط لأنه لا يلوك لغتهم النخبوية.
لست ضد العربية ولا الفرنسية ولا اي لغة أخرى فنحن نحتاج هذه اللغات في نقل المعرفة إلينا وعادة يلجأ لتعلمها الباحث لضرورة ما لكن لست مع توظيفها في صراع اجتماعي أيديولوجي يظهرها كأنها هي أس المعرفة العلمية علما ان اللغات بشكل عام هي وعاء لحمولة معرفية ما
إليكم بعض النتائج لهذا التحقير (أقصد تحقير الشعب من هذه الفئتين):
في المغرب شرع قانون للترشيح في الإنتخابات إلى البرلمان يقصي الفئات الغير متعلمة إن لم تحصل على شهادة الباكالوريا وهو وبغض النظر عن الجوانب التي يلوكها الكثير في تبرير الأمرهو إقصاء لجانب مهم من الشعب في حق دستوري وحق من الحقوق السياسية لهذا الجزء الكبير من الشعب (وهو امر سكتت عنه حتى الجمعيات الحقوقية وزكته ربما) بينما في حقل الإقتصاد نجد مقاولين ناجحين في أعمالهم الاقتصادية دون حتى حصولهم على شهادة ابتدائبة حيث خبّر الأعمال الإقتصادية بالمراكمة والتجربة الميدانية (سيقول البعض بأن الامر غير صحيح وسأقول له بان الكثير منهم اشتروا شواهد جامعية والجامعة المغربية تفوح بهذا دون ذكر الفضائح التي اثارتها الصحافة في السنوات الماضية ودون الخوض في فضائح الغش في امتحانات الباكالوريا تورط فيها بورجوازيون تخرجوا من مدارس بيع المخدرات ونجحوا فيها نجاحا باهرا وولجوا بشواهدهم المشتراة مجلس المستشارين والبرلمان).
مع ذلك، في جلسات البرلمان المتعلم كما يجب أن يفترض بسبب هذا التشريع، هناك برلمانيون لا يتقنون حتى تركيب جملة مفيدة وهذ ما يزكي طرح إقصاء جزء مهم من الشعب المغربي في حقه في الترشح، وحتى في النضال الوطني برزت شخصيات هامة أمازيغية لعبت دورا كبيرا في التحرر بشكل كبير دون ان تتعلم بمدرسة القرويين بفاس والتي أزيحت من الطريق بسبب قوة تأثيرها السياسي بالقتل والاغتيال (عباس لمسعدي مثلا الذي بأنفة الأمازيغي الحر رفض تهميشه من طرف المهدي بن بركة بسبب أميته في تحدي معلوم كونه لا يتكلم اللغتان التي يتقنهما المهدي بن بركة وعلال الفاسي الذي هو من أمر باغتياله).
الحق الوطني السياسي حق وطني سياسي لا يلغى بالتعليم بل قد يلغى بأمور أخرى جنائية ومعنى هذا أن الأمية ليست جريمة كما يفصح التشريع هذا، ثم إن امور التدبير سياسي هي أمور مكتسبة تظهر من خلال الأبحاث السوسيولوجيا على مستوى الاسرة ان الكثير من النساء الأميات كن افضل من ازواجهن المثقفين والمتعلمين .
يقول بعض الاكاديميين الذين صادفتهم في الفضاءات المفترضة أن الدارجة المغربية والامازيغية لها دور وظيفي أو هي لغة وظيفية واللعب على هذه المصطلحات غريب حيث لا أجد مفرقا بين ان تكون لغمة ما علمية واخرى وظيفية، هذه لغة تدليس في سياق المعرفة النسبية: ما هو علمي عندك هو وظيفي عندي، اللغة الوظيفية لا معنى لها إلا في سياق التميز النخبوي، نفس المعطى حول فن الزليج: هو حرفي في الثقافة السوسيولوجية لكن هو فنان بالنسبة لي وعليه نفس القياس: اللغة الأمازيغية والدارجة المغربية هما لغتنا وظيفيتان، بمعنى لغة التسويق اليومي (وهذا هو المقصود) لكن بالنسبة لي اللغة الوظيفية هي الفرنسية والعربية وغيرها من اللغات المستوردة لأنها ببساطة تخدم مصالح طبقات اجتماعية معينة، أي انها وظيفية اكثر من لغة التسويق بالمعنى المفترض من طرف النخبة، لانها ببساطة تخدم فئة معينة تريد الهيمنة الطبقية المطلقة.
حتى المؤسسات الإمبريالية التي اختارت ان تخدم مصالحها بالتوجه إلى المغرب اختارت اللغة الدارجة المغربية (في هذا الصدد كانت هناك مؤسسة أمريكية تلح على الدارجة المغربية وهناك ايضا معهد سيربانتيس الإسباني الذي دعا مديره اوربا بتعلم الدارجة المغربية)، لماذا؟ ببساطة لأنها الطريق الأسهل لنخر الوعي المغربي، بمعنى ان الآخر يرى ضرورة هدم في تعلمها علي قياس المثل العربي: "إذا تعلمت لغة قوم أمّنت شرهم" والحقيقة إذا تعلمت لغة قوم ستعرف كيف ستنخرهم (وهنا ظهرت مواقع افتراضية تشكر المغاربة على حسن ضيافتهم لتزويد طاقة متابعيهم). باختصار هل هذه المؤسسات تعتبر هذه اللغات غير ناقلة للمعرفة (أي معرفة ولو للتدجين) ام انها تعرف وظيفتها العلمية في التدجين؟
سياسة التعريب: تعني نقل العلوم الكونية إلى العربية في سياق عام وهو أمر مشروع، فالعربية الحية هي هذا التحديث للعربية بدخول مصطلحات علمية إلى معجمها مثلا: السوسيولوجيا دخلت العربية كمفهوم مستقل برغم أنها تعني بالترجمة القحة علم الاجتماع بمعنى اصبح مفهوم السوسيولوجيا متداولا أكثر من مفهوم علم الإجتماع، هنا تصبح العربية مواكبة للعلم لكن في المقابل وبنزعة الرفض الغيبي لا يمكن تمزيغ (من الامازيغية) السوسيولوجيا بالقول "تاسوسيولوجيت"، لان الامازيغية بوحي أكاديميينا النخبويين يرفضون هذا ومن خلال ذلك تتحدد الامازيغية أو الدارجة المغربية كلغة تسويق (وظيفية) بدلا من كونهما لغتان حيتان.
حياة اللغة!
ما هي اللغة الحية؟ (وانا أكتب هنا بدون مراجع لأستحضر تحديدات لسنية للغة من خلال مراجع موثوقة تركتها بالمغرب ) وعموما هناك لسني ألماني حدد تعريف اللغة هكذا: "اللغة هي لهجة تحولت إلى لغة بقوة الحديد والنار" بمعنى أن اللغة هي لهجة قوم مسيدة على قوم آخرين وحتى ابن خلدون بحدسه التاريخي بلور هذه الفكرة من خلال مقولته المشهور: "الناس على لغة ودين ملوكها"، بمعنى ان السيادة والهيمنة السياسية هي من يحدد انتقال اللهجة إلى لغة .
لغة القرآن في معظمها لغة ميتة، لا احد مثلا يستعمل "همزة لمزة" في العربية المعاصرة واكثر من ذلك لا احد يتسوق باللغة الفصحى: "أيها النادل! اعطيني كأس بن نصفه حليب ونصفه بن" فحياة اللغة ليست بتسييدها الرغمي بل في تداولها من طرف المجتمع.
اللغة الميتة هي اللغة التي لا يعيش بها الناس في تعاملاتهم اليومية وعليه فاللغة الفرنسية ميتة في المغرب لان اغلب الشعب لا يتعامل بها في التسويق اليومي وكذلك اللغة العربية الفصحى و حتى الإنجليزية (هذه اللغات حية في بلدانها)
اللغة هي وعاء صوتي نعبر من خلال مستويات موجية في الفم ، هذه المستويات هي ما تشكل أحرفا في النطق، هذا الوعاء يمكن تحميله بأي معرفة سواء كانت خرافية أو علمية.
إشكال الهوية!
الهوية بالنسبة لي هي ما أنا فيه، مثلا: انا ابن الاطلس المتوسط، لغتي الاصلية أمازيغية ودارجة مغربية، تعلمت لغات أجنبية أخرى بفضل التمدرس، وهويتي الثقافية تتحدد بالتأثيرات الثقافية التي وصلتنا في منطقتنا، حتى أصدقائي ممن تخرجوا في العلوم الفيزيائية والبيولوجية والجيولوجية تعلموا اللغات الأخرى لهدف علمي، بمعنى حتى ف لغتهم اليومية لا يستعملون تلك اللغة وأكثر من ذلك يشرجون لنا معارفهم العلمية بلغتنا، اكثر من صديق لي شرح لي الفيزياء النوووية بالدارجة وحتى الامازيغية المغربية.
احتقار لغة قوم هو عمل عنصري يهدف إلى وضع تفوقي، الموقف من اللغات الاخرى برفضها هو أيضا موقف عنصري، الحضارة الإنسانية متنوعة ومتناسلة..
لست ضد إفريقية او إفريقي يقول بأن المعمار المغربي إفريقي لأنها تحتفل بشيء هو من قارتها، ولست ضد عربي يحتفل بالمعمار المغربي لكن ضد ان ينسب المعمار إلى حضارة ليس فيها هذا المعمار فالهوية هي آنيا كما هي، تربة ثقافية فنية لغوية مجالية هي الإنسان ومحيطه ولا يهم من أين أتى (في سياق التأثير لثقافات أخرى).
في الدولة المدنية مثل دول أوربا: الهوية هي حيث تعيش وتدفع ضرائب اختزالا، لكن هي ايضا الإنسان الذي يتعلم لغة المنطقة ويتكيف مع عاداتها، بمعنى لم يعد المحدد فيها هو حفظ النوع فالإنسان بشكل عام يتحول إلى أن يكون إنسان عالمي .