الزلزال وانتهاء امد الامان الارضي؟*


عبدالامير الركابي
2023 / 2 / 12 - 16:13     

هاهي مناسبة اخرى ماساوية تطل محفزة على الانقلاب المفهومي العقلي للوجود، بما يتلائم مع الاشتراطات المتنامية ملخصة ماقد بلغته الحياة البشرية. الامر الذي يحتم الانقلاب العقلي الملائم، والذي ماعاد ممكنا تحاشيه اليوم من دون المجازفة بذهاب الجنس البشري للفناء، لقد عايشت شخصيا الزلزال الاخير، وافقت من نومي لاجد البناية التي اسكنها تهتز، وفكرت لحظتها بالموت، مع ان عقلي واحاسيسي ذهبت فورا الى ابنائي، ماقد اسقط من اهتمامي ماهو حاصل لي، بينما داخلني شعور بالامان اعتقدت ان مصدره ليس ارضويا، وان التعامل مع الحدث الكارثي، يمكن ان يكون غير ماقد يتولد في مثل هذه الاحوال نتيجة البداهية الموروثة والمتراكمه، والتي هي بالاحرى من زمن وواقع اخر، لم يعد اليوم مما يتوجب على الكائن الحي الرضوخ لوطاته المخالفة للقاعدة الحياتيه المستجده.
وفورا دخل ماهو حاصل في تلك اللحظة عندي قائمة احداث مابعد عام 2019: الكورونا، والحرب الاوكرانية، والفيضانات المدمرة التي عرفتها اوربا في السنه الماضية، هذا علما بانني اقارب منذ بضع سنوات، عالم اللاارضوية ومنطواها التحولي، بينما هو يتسع مدى ليتحول الى حالة شاملة كوكبيه، مع مخالفته النوعية، ربما لحدث كالذي جرى قبل ايام في تركيا وسوريا، فالارض واهتزازها امر مستقل كما يفترض مصدرا، اذا اخذنا بالاعتبار المنشا المفترض، للجوائح والمتغيرات المناخية كما هي مرصودة، وهي بالاجمال منسوبة الى اثار الفعل البشري المخالف لاشتراطات الطبيعة وعملها، مما يترافق مع الانقلاب الالي المنصعي واثاره..
والامر المنوه عنه اعلاه يكاد يتحول الى فكرة مفروع منها، وهي تتوافق مع اجمالي منظور وممكنات اعقال وادراكية، هي تلك التي يتوفر عليها الكائن البشري "الانسايوان"، وهذا قائم على الفصل الكلي بين الحياة والوجود، والتفاعلية المجتمعية، وبين مكان السكن الجاري فوقه كل ماذكر، علما بان الامر لهذه الجهه مكرس كما سبق القول كبداهة، فماعلاقة الارض "الجماد" بالفعالية الحياتيه، ولايعني اعتماد مفهوم مثل هذا، انه لايجد ماقد يبرره، على العكس من ذلك، يبدو الانفصال بين ماهو حي، وماهو من عالم الجماد واضحا وقاطعا، بما يجعل التفكير بالعلاقة الوجودية بالكوكب، امرا خارج اي اعتبار.
من هنا لم يكن حدث من قبل ان نظر البشر ومن هم بموقع الاستدلال، في العلاقة بين "حياة وعمر الكوكب الارضي، ووجود "الكائن الحي"، والكل اليوم يذهب الى ان الارض ككوكب متوفر على اسباب وشروط الحياة، وحين ينظر الى الاكوان العليا، فان البحث ينصب بين الكواكب على الشروط الحياتيه التي يتوفر عليها الكوكب الارضي، حتى يعتبر مايجري فحصه مطابقا للمطلوب، ذلك مع اسقاط مسالة اساس، هي كون الكوكب الارضي لم ينشا بالاصل متوفرا على اشتراطات الحياة، بل امضى ملايين السنين غير صالح للسكن، كتلة من اللهب تبترد، وان لحظة انبثاق او لادة الحياة من ضلع الكوكب الارضي، وجدت فقط عند لحظة بعينها من مسار غاية في الطول، صارت الارض معه بصفتها عنصرا "حيا" قادرة على "الولادة"و "الانجاب"، وهذه الفكرة الاخيرة لايقبلها حتى من يعدون بموقع "العلماء" الافذاذ، ولايتوانى هؤلاء حتى عن افتراض نزول " الحياة" على الارض من خارجها احيانا، نافين عنها خاصيتها الحية والمتشكله النامية اولا، ووحدة الطبيعة والحياة، وتحديدا الكائن البشري، مايقطع بخصوص اصل الحياة كمولود وافراز ارضي، بدليل ليس فقط ظهور الحياة الاولى من داخل كينونة ورحم الارض، بل استمرارها نشوءا وتشكلا مترقيا عبر ملايين السنين من التفاعل التحولي، وصولا الى الكائن المنتصب العقل/ جسدي. ولايمكن تصور امكان سيرورة تفاعليه، ووحدة ايقاع وتواشج كهذا، تكتنفها ملايين الاحتمالات الفنائية، بين مادة غريبه من خارجها، من غير طبيعتها، وحاملها.
ومثل هذا الاصرار على نفي او تجاهل وحدة الكائن الحي والطبيعة، لايمكن الا ان يولد نوعا من الانفصام الوجودي، يخرج"السيرورة التطورية الارضية" من الاعتبار، ومن نظرة الكائن البشري للعناصر الفاعله التي تحكم وجوده، ومنها احتمالية عبور الكوكب الارضي لطور "الامان"، او استمراية السكن البشري، الامر الذي لابد من وضعه في الحساب من هنا فصاعدا، اذا اردنا ان لانكون منفصلين عن الطبيعه موجودين بذاتنا ولوحدنا، هذا علما بان الامر لهذه الجهه، هو الاخر مما يجوز اخذه كبداهة، والا فلماذا تكون الارض اولا وخلال نصف تاريخها تقريبا، غير صالحة للحياة، ولاتكون كذلك عند لحظة بعينها، تصير الارض معها قد بلغت نقطة "الشيخوخة"، بعد ان مرت بطور "الشباب"، ذلك الذي فيه ولدت الحياة والكائن الحي.
من جهتي شخصيا، وسيرا على ماقد اعتمدته من رؤية منشورة خلال سنوات، فانني اريد بهذه المناسبه كما حصل قبلها، ان اعلن اعتقادي بان الحياة على الكوكب الارضي، قد قاربت على الانتهاء، وان هذه النتيجه بدات منذ جائحة الكورونا والحرب الاوكرانيه، وسلسلة الفيضانات المدمرة التي شهدتها اوربا، معتقدا ان المذكور هو سلسلة مترابطة، دالة على طور مختلف من التاريخ البشري، بدات بعد قرابة العقدين من بداية القرن الحالي.
ويبقى ماهو جدير بالايضاح هنا، كجانب مهم يبرر العلاقة بين التدخلية البشرية الضارة بالبيئة والاليات الحياتيه الارضية، وكيف حدث وان توافقت نتائج التدمير الذي يمارسة البشر للبيئة منذ انبثاق الالة، وما نتعبره بداية "شيخوخة" الكوكب الارضي، وتوقفه عن توفير الامان الحياتي للكائن البشري، الامر الذي لايمكن اثباته الا حدسا، وبناء لاجمالي المنظورالمستجد بخصوص المجتمعية، وماهي على مشارفه من متغير انقلابي تحولي اجباري، علما باننا لانعتقد بان الوحدة الطبيعية البشرية قد اصابها الاختلال، او انها انفكت، ولم تعد متواقته ومتلازمه. وهنا يجب الاعتراف بانني انما اذهب هنا لاطلاق نداء تحذيري على مستوى الكوكب، ينذر بتطور كارثي صار البشر تحت وطاته، متوقعا المزيد من الشواهد الدالة على الحاح ضرورة الانقلاب التحولي، او الفناء.
ولست اسقط بهذه المناسبة من المشهد، الاحتمالية الاعجازية، ومرافقة الظواهر فوق الارضوية لواقع الاختلال الوجودي الشامل، الاخذ بالهيمنه على الحياة.
وبكلمه فان ماحدث في تركيا وسوريا قبل ايام، لم يكن "زلزالا"
وانه يستحق ان يؤخذ كدالة، ليست، ولن تكون الاخيرة، على قرب انتهاء امد "الامان الارضي".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• يستحق حدث كارثي كالزلزال الاخير ان نقطع سلسله حلقات الموضوع الذي نحن بصدده لنقول مانراه بخصوص الفاجعه ودلالاتها.