حصاد التعليم بعد الاستقلال (12)


تاج السر عثمان
2023 / 2 / 7 - 14:58     

1
تابعنا في في الحلقات السابقة حصاد تطور التعليم بعد الاستقلال الذي كان بائسا ، فرغم التوسع في التعليم العام والعالي، وفتح جامعات حكومية وخاصة جديدة ، اضافة للجامعات الأهلية مثل الأحفاد ، لكن التطور لم يكن كبيرا لا في الكم مقارنة بزيادة عدد السكان، ولا في الكيف ، وزاد تدهورا مع تردى الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، والفشل في انجاز مهام النهضة الوطنية الديمقراطية، كما أن فترات الديمقراطية على قصرها لم تشهد تطورا في التعليم سواء أكان ذلك في السياسات أو الأهداف أو البرامج أو المناهج ، ولم تُحل مشاكل المعلمين باعتبارهم حجر الزاوية في العملية التعليمية.
لكن التخريب الكبير في التعليم تمّ في فترتي انقلاب مايو 1969 عندما تبنت خط القوميين العرب في بداية الانقلاب بالنقل الأعمي للتجربة المصرية ، أو في ايامها الأخيرة في الدجل باسم الدين والتوجه الإسلامي في المناهج بعد قوانين سبتمير 1983 ، وانقلاب الاسلامويين في يونيو 1989 الذي استغل الدين في تدمير البلاد والتعليم ، وبعد ثورة ديسمبر كما في منهج "تاج الحافظين" الذي يواصل في استغلال الدين لأهداف دنيوية،، كما تابعنا ورصدنا ذلك التخريب.
2
تدهور التعليم حتى وصل الى الانهيار الحالي الذي نعيشه كما في الآتي:
- اصبحت البيئة التعليمية غير مناسبة ، كما في انهيار المدارس التي اصبحت أكثر من 60% منها غير صالحة للدراسة ، مع تكدس الفصول في المدارس والمدرجات في الجامعات، اضافة لمشاكل غياب أو ضعف المعامل والمكتبات ، والميادين الرياضية .
اضافة للقوانين المقيدة و للحريات التي تصادر حرية الجمعيات والاتحادات الطلابية والعمل النقابي للمعلمين ، وانتهاك استقلال الجامعات ، وحرية البحث العلمي.
- في الجامعات حدث توسع باسم ثورة التعليم العالي في عهد الانقاذ دون توفير مقومات التعليم من أساتذة ومكتبات ومعامل.الخ، بل تم تصفية السكن والاعاشة في بداية الانقلاب.
اضافة لمضاعفة القبول في الجامعات والمدارس دن توفر مقومات ذلك الزيادات في البنيات الأساسية والمكتبات والمعامل والأساتذة المؤهلين.الخ. فضلا عن تراجع الكفاءة العلمية امام القادرين في القيول الخاص. اضافة لارتفاع نسبة الطلاب الي الأساتذة أدي الى تدهور العملية التعليمية.
- الرسوم الباهظة التى فُرضت علي الطلاب أدت لتسرب الكثيرين من الفصول ، وزادت من جيش الأمية، وجعلت التعليم للقادرين وكرّست طبقيته.
- تدهور أوضاع المعلمين المعيشية والمهنية اضافة للنقص في التأهيل والتدريب ، مما أدي لهجرة الالاف منهم ، فضلا عن قيام نظام الانقاذ بتحويل معاهد تدريب المعلمين الي كليات تربية ، وتدمير بخت الرضا بدلا من تطوير وتقويم تجربتها ، وتأسيس المركز القومي للمناهج والبحث التربوي 1996 ليكون بديلا لها ، وعمل مناهج اتسمت بالحشو والتلقين وبدون مشاركة المعلمين والمهتمين والآباء.الخ أدت لتدهور مستويات الطلاب ، فضلا عن كارثة حذف سنة كاملة في السلم التعليمي، هذا اضافة لعدم التفرغ الكامل للاساتذة بسبب ضعف المرتبات .
أدي الفصل التعسفي في الأنظمة الشمولية والديكتاتوية الي فقدان كفاءات من المعلمين وأساتذة الجامعات مما اضر بالتعليم.
- تراجع التعليم الفني ، حتى اصبح أكثر من 80% من التعليم أكاديميا ، فالتعليم الفني هو ركيزة مهمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، فلا خير في تعليم نظرى غير مرتبط بالعمل، زاد الطين بله تحويل الممعاهد الفنية الي جامعات في التخريب الذي تم في ظل نظام الانقاذ.
- النفاوت في التعليم واضح بين الذكور والاناث ، وأبناء الأغنياء والفقراء ، وبين سكان الحضر والريف انعكاس للتطور غير المتوازن بين اقاليم السودان المختلفة ، بالتالي فهو ليس ديمقراطيا ، ومتاحا للجميع.
- تراجع البحث العلمي في الجامعات .
- تراجع الجامعات السودانية في التصنيف العالمي، وتدهور التعليم فيها مما أدي لهجرة أعداد كبيرة من الطلاب للدراسة بالخارج.
- عدم ارتباط المناهج باحتياجات البلاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، ومراعاة التنوع الثقافي والديني واللغوي والعرقي بالبلاد، والنأي عن التلقين في المناهج ، واعدادها بحيث تحفز الطلاب للتفكير ومواصلة التعليم من المهد الى اللحد ، وتنمية النفكير الناقد والمبدع والخلاق. أدي التهدور في المناهج الى تدنى اللغة الانجليزية والعربية ، ومستوى البحوث العلمية
- عدم مواكبة التكنولوجيا واتباع طرق حديثة في التعليم تربط التعليم بالعمل .
- ضعف ميزانية التعليم التي وصلت الي 1,3% من ميزانية الدولة ، وضرورة زيادتها الي ما لايقل عن 20% اذا اردنا تعليما جيدا ينهض بالبلاد.
لقد ظل تمويل التعليم مشكلة منذ الاستقلال ، وحاولت القوى السياسية التي حكمت التوسع في التعليم على حساب خفض ميزانية التعليم ، حتى وصلت في عهد الانقاذ الى 2% من ميزانية الدولة.
- ساهم التعليم الأهلى، والخلاوى والمعاهد الدينية الاسلامية ، والمدارس المسيحية والمصرية في توسيع قاعدة التعليم ، ومحو الأمية وتوسيع الوعي، وتقليل الفاقد، لكن دون خطة عامة لوحدة وشمولية التعليم العام ، في اطار السياسة العامة للدولة ، وأهدافها في ربط التعليم باحتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومراعاة التنوع الدبني والثقافي واللغوى في السودان.
- نسبة الاستيعاب في سن التعليم 52% ، مما يعني اضافة 48% كل عام الي جيش الأمية ، وحسب تقرير اليونسيف الأخير أن هناك 6,9 مليون طفل خارج التعليم، مما يعنى أننا لم نصل الي استيعاب كل الأطفال في سن التعليم في المدارس ، فضلا عن التفاوت في التعليم بين المدن والريف ، وبين الذكور والإناث كما اوضحنا في الحلقات الماضية.فضلا عن التفاوت الطبقي بانتشار المدارس والجامعات الخاصة برسومها الباهظة ، التي تقود في النهاية الى احتكار السلطة والثروة والتعليم في يد القادرين.
3
الأمثلة اعلاه للتردي تتطلب وضع التعليم في اسبقيات عملنا اذا اردنا التطور والتقدم للبلاد ، وتوفير مقومات التعليم باعتبار ه استثمار بشرى مهم كما في الآتي:
- توفير بيئة التعليم الصالحة من مباني ومكتبات ومعامل وميادين رياضية، ونشاط ابداعي مصاحب للطلاب ، حرية تكوين اتحاداتهم وجمعياتهم ، وإعادة الداخليات الي الجامعات لتقوم بادارتها، وفي الريف السوداني التي بدونها لا يستطيع أطفال الرعاة الرحل مواصلة الدراسة.
- زيادة ميزانية التعليم لتصل على الاقل 20% حسب المعايير العالمية للتعليم الجًيد.
- توفير المعلمين المؤهلين ، وتلبية احتياجاتهم في رفع الأجوروالمعيشة والسكن والاطلاع والتدريب والتأهيل المستمر عاى الجديد في العلوم التربوبة، وشروط الخدمة المجزية.
- أن تتحول الجامعات والمدارس الي مراكز للاشعاع في كل مدينة وقرية.
- استيعاب كل الأطفال البالغين سن التعليم، ومحو الأمية والتوسع في تعليم الكبار.
- التوسع في التعليم الفني ربط التعليم الأكاديمي بالفني في نظام تعليمي شامل.
- مراجعة أهداف وفلسفة التعليم والمناهج التي يشارك في وضعها المعلمون واولياء الامور والمخنصين والمهتمين ،بحيث تلبي احتياجات البلاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتراعي تنوع البلاد الثقافي واللغوي والديني والعرقي، تسهم في مواصلة التعليم مدى الحياة.
- تعديل قوانين التعليم العالي بحيث تعزز الديمقراطية واستقلال الجامعات والبحث العلمي وكفالة الحريات واشاعة الديمقراطية، وانتخاب ندير الجامعة الادارات العليا.
- تحقيق ديمقراطية التعليم بحيث يكون متاجا للجميع غض الظر عن الدين أو اللغة او الثقافة أو الوضع الطبقي أو النوع أو السكن في المدينة أو الريف.
نواصل