في أصبوحة لـ «بيت المدى» / سلام عادل.. زعامة وطنية وقيادة ثورية فذة


رشيد غويلب
2023 / 2 / 4 - 22:47     

أقام بيت المدى في شارع المتنبي في العشرين من كانون الثاني الفائت، استذكارا للسكرتير الأسبق للحزب الشيوعي العراقي حسين أحمد الرضي “سلام عادل”، بمناسبة الذكرى الستين لاستشهاده. حضر الأصبوحة جمع من المتابعين والمهتمين، ونخبة من الباحثين، وأدار الجلسة وقدم لها الأستاذ رفعت عبد الرزاق، وشارك في تقديم المساهمات الرئيسية كل من: الدكتور حسان عاكف وأستاذ التاريخ الحديث الدكتور عبد الله حميد العتابي، والباحث الدكتور سيف عدنان القيسي، فيما ألقى الرفيق فاروق فياض عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي كلمة بالمناسبة. نشرت طريق الشعب نصها في حينه.
وبالنظر لاحتواء المساهمات المقدمة في الجلسة على جملة من الآراء والتقييمات التاريخية، نقدم للقراء أهمها معتمدين على فيدو المساهمات المنشور في موقع مؤسسة المدى في الفيسبوك. وبودنا التأكيد اننا اكتفينا بتوثيق هذه المساهمات، دون التعليق او تدقيق المعلومات الواردة فيها، فالمساهمات تبقى في النهاية ملك أصحابها.
بعد الترحيب بالحضور، وفي معرض تقديم الجلسة قال الأستاذ رفعت: “بعد أيام ستمر الذكرى 60 لحدث عراقي مؤلم، حدث اقترن كثيرا بالدم، إنه انقلاب 8 شباط الاسود، ويعد هذا التاريخ لدى الباحثين العراقيين من الأحداث الجسيمة بسبب ما اقترن به من صور الدماء والقتل”، وأن تاريخ الشيوعيين العراقيين حافل بالأسماء والبطولات، وفي هذه القائمة يبرز اسمان مهمان هما: يوسف سلمان “فهد”، وسلام عادل، الذي يمثل استشهاده صورة دموية صارخة لانقلاب 8 شباط 1963.

سيرة حافلة ومنجزات استثنائية
بعد ذلك قدم مدير الجلسة عرضا مختصرا لحياة الشهيد، أشار فيها إلى الآتي: ولد سلام عادل في النجف عام 1922، وأكمل فيها دراسته الأساسية، ثم دخل عام 1940 دار المعلمين الابتدائية ببغداد، وهناك انضم إلى صفوف الحزب الشيوعي العراقي. وبعد انهائه الدراسة في الدار عين معلما في الديوانية، ولكن سرعان ما فصل من الوظيفة بسبب نشاطه الشيوعي، فعاد إلى النجف وعمل خطاطا. انتقل إلى بغداد عام 1949، عام اعدام فهد ورفاقه، والهجوم الشرس للسلطة على الحزب، اعتقل خلاله سلام عادل وأمضى في السجن سنتين. وفي العام التالي أصبح مسؤولا حزبيا للمنطقة الجنوبية، ثم منطقة الفرات الأوسط.
في عام 1955 اختير سكرتيرا للجنة المركزية، فاستطاع توحيد التنظيمات الشيوعية في إطار الحزب الشيوعي العراقي، وأصدر جريدة الحزب المركزية باسم “اتحاد الشعب”. كانت له علاقة مميزة بتنظيم الضباط الاحرار، وهو من الشخصيات القلة الذي أخبروا بساعة الصفر لتنفيذ ثورة 14 تموز 1958. لقد كان الهم الأول لانقلابي 8 شباط اعتقال سلام عادل، فاعتقل في 19 شباط، وتمت تصفيته في قصر النهاية، وفق الرواية الرسمية يوم 7 اذار 1963.

أوجه تشابه بين فهد وسلام عادل
بدأ الدكتور حسان عاكف مساهمته بالتركيز على أوجه التشابه بين ما قام به يوسف سلمان يوسف “فهد” وما قام به وواصله في ظرف آخر سلام عادل فيما يتعلق بوضع الحزب وعمله وتنظيمه. لقد قام الاثنان بإعادة بناء الحزب في ظروف مختلفة، وتشابها في نهايتهما ومسار حياتهما. وانتهى الاثنان على أيدي أعداء الحركة الوطنية الديمقراطية واليسارية، نهاية شرفتهما وخلدتهما في سجل المناضلين الأوفياء المخلصين لشعبهما ووطنهما. بعدها قدم عاكف عرضا تاريخيا لمسيرة الحزب، مؤكدا أن مبدئية فهد وقوة شخصيته وشجاعته مكنته من تجاوز الانشقاقات وتعزيز وحدة الحزب وتعميق دوره السياسي والاجتماعي. لقد فوت فهد على النظام الملكي، والمستبدين اللاحقين فرصة القضاء على الحزب أو تحجيمه.
وذكر عاكف بأن بطاطو اعتبر عام 1949 الأشد عتمة في تاريخ الشيوعيين، وهذ التوصيف يصح على الفترة التي انتهت بانتصار ثورة تموز 1958، ولكنه أصبح، بعد انقلاب 8 شباط، والقمع الوحشي لنظام صدام حسين نهاية السبعينات، أحد أعوام العتمة.
ثم تناول الضربات المتتالية للجان المركزية التي توالت على قيادة الحزب، وإلى السياسات غير الواقعية التي تبناها بهاء الدين نوري وحميد عثمان، واختيار الشهيد سلام عادل سكرتيرا للجنة المركزية، وعمله على توحيد التنظيمات المنشقة عن الحزب مثل “راية الشغيلة” بقيادة الشهيد جمال الحيدري، وجماعة داود الصائغ، أو دمج حزب الشعب بقيادة عزيز شريف، الذي تحول إلى “تنظيم وحدة الشيوعيين”، في إطار الحزب الشيوعي العراقي.
وفي ختام مساهمته أشر عاكف ثلاثة إنجازات مهمة للشهيد سلام عادل وهي:
1 – تحقيق وحدة التنظيمات الشيوعية والماركسية وتعزيزها في إطار الحزب الشيوعي العراقي، مشيرا إلى أن شخصية سلام عادل المرنة والواقعية والوطنية والمنفتحة على التنظيمات الماركسية، كانت وراء تحقيق هذه الوحدة. ولا يغير من ذلك السلبيات التي أشار لها بعض الباحثين والمناضلين، لأن جوهر المتحقق يكمن في توحيد القوى.
2 – قيام جبهة الاتحاد الوطني عام 1957، والتي جاءت بعد النجاح الانتخابي للجبهة الشعبية في عام 1954، والحصول على 11 مقعدا نيابيا. وقد تحقق ذلك بفضل الانفتاح على أحزاب البرجوازية الوطنية، بعد ان كانت هذه الفكرة مرفوضة على أساس التقليل من أهمية دور هذه الأحزاب.
3 – الانفتاح على الأحزاب الشيوعية في المنطقة والعالم، وحضور مؤتمر الأحزاب الشيوعية في بلدان الكومنولث، ولقاء الأحزاب الشيوعية العالمية، وزيارة الصين وبلدان أخرى.

زعامات وطنية
أستاذ التاريخ الحديث، د. عبد الله حميد العتابي بدأ مداخلته بالقول: “امتاز تاريخ العراق بندرة الزعامات التاريخية على الرغم من طول فترة تاريخ العراق المعاصر، وقد أشار إلى جعفر أبو التمن، كامل الجادرجي، فهد، وسلام عادل، والأخير لا يمكن حصره بكونه زعامة شيوعية، اذ أن زعامته كانت عراقية وطنية، وأنه أسس لأصول الزعامة العراقية. وأكد العتابي، أن قراءاته عن سلام عادل قادته إلى أن الشهيد امتلك ذهنية استراتيجية تنظيمية، فضلا عن امتلاكه، منذ صباه، الابداع والابتكار وكأنه خلق ليكون زعيما صاحب رؤية وموقف. وأكد ما ذهب إليه الدكتور حسان عاكف بشأن أهم الإنجازات، معتبرا قيام جبهة الاتحاد الوطني بداية نجاح ثورة 14 تموز 1958. وأضاف إلى ذلك الدور القيادي للشهيد سلام عادل في تنظيم المسيرة المليونية في الأول من أيار عام 1959، التي مثلت قمة صعود الحزب الشيوعي العراقي، ولو جرت انتخابات ديمقراطية جينها لوصل الحزب الشيوعي العراقي إلى السلطة، وأخيرا استشهاده البطولي وحفاظه على قيمه وكبريائه وعدم الخضوع لجلاديه.
وفي ختام مساهمته أشار إلى ما اسماه “تطرف” سلام عادل وخصوصا في التعامل مع البعثيين الفاشست، الذين لم يقدر قوة تأثير امتداداتهم الإقليمية والدولية.

معطيات تاريخية
الباحث الدكتور سيف عدنان القيسي ذكر بما كتبه حنا بطاطو بأن سلام عادل كان وراء إعادة توحيد الحزب الشيوعي العراقي، وأنه كان للحزب الشيوعي العراقي في فترات تاريخية ومحطات صعبة، جناحان الأول الثلاثي الذي مثله فهد وحازم وصارم والثاني مثله سلام عادل وجمال الحيدري ومحمد صالح العبلي وعامر عبد الله، والذين جاءوا فترة الخمسينات الصعبة، التي شهدت الانفتاح الذي أحدثته ثورة 14 تموز. وقدم عرضا لحياة الشهيد مؤكدا أنه ولد عام 1922، وليس عام 1924، كما ذكر حنا بطاطو معتمدا على جريدة البرافدا، وانه انتمى للحزب الشيوعي العراقي عام 1943، بعد ان تعرف على الحزب من خلال نشرات عثر عليها في حقيبة أحد زملائه، ونقل عن الراحل ناصر عبود، أجواء اقتران الشهيد بزوجته الفقيدة ثمينة ناجي يوسف، مذكرا بالرسالة الوجدانية التي وجهها الشهيد إلى خطيبته، والتي تعكس أن الشهيد كان يهتم بحياته العائلية ومشاعره الإنسانية بقدر اهتمامه بحياته النضالية ومما جاء في الرسالة التي كتبت عام 1953 وحفظت في التحقيقات الجنائية: علي أن أخبرك أني لا أملك أي وسائل ماديه ولا أية أملاك ولا درجة دراسية عليا تؤمن لي وظيفه .. أنى من عائله تعاني الصعوبات ولكننا عائله شريفة وذات سمعة جيدة.. وحياتي ليست ملكي ويبقى خطر الاعتقال والتعذيب مسلطا على باستمرار ولكني أستطيع أن أعد .... أن افعل ما يمكنني لتأمين اللازم لتمكينك من أن تعيشي حياة فاضلة”.
وذكر الباحث، بأن عائلة سلام عادل كانت عائلة متدينة ولكن والده لم يمتهن صفته الدينية، بل كان يعمل إداريا أو محاسبا في أحد المطاحن.
وفي تناوله لرؤية سلام عادل الفكرية أكد القيسي: “كان سلام عادل يمثل الجناح اليساري في الحزب وكان مقتنعا بقدرة الحزب على قيادة البلاد وكان يرى مخاطر وسطية الزعيم عبد الكريم قاسم، وان الالتزام بها يمثل انتحارا للحزب”، ولهذا احتفظ الشهيد بلجنة الطوارئ بعد حل تنظيمات الحزب في الجيش، وهذه اللجنة هي التي حاولت مقاومة الانقلاب كما يرى القيسي. وأضاف، عند قيام الانقلاب حاول الشهيد اللقاء بمثلي الأحزاب الوطنية لمواجهة الانقلاب ولكن هؤلاء لم يحضروا اللقاء. لذلك اعتمد الحزب على أكثر من 50 وكرا حزبيا سريا في مواجهة الانقلابيين. وقيل إن الشهيد سلام عادل طالب عبد الكريم قاسم بتسليح الجماهير، لكن الأخير كان يعتبر الجيش ضمانة لسلطته. وكان يعتقد بان بإمكانه القضاء على الانقلابيين، ولا يرغب في طلب المساعدة من الشيوعيين.
وبشأن اعتقال الانقلابيين لسلام عادل أرجع القيسي ذلك إلى اعتراف القيادي الشيوعي هادي هاشم الاعظمي وقيامه بإرشاد الحرس القومي إلى أوكار الشيوعيين السرية، وفي سياق هذه العملية تم اعتقال سلام عادل.
وبشأن لحظة استشهاد سلام عادل وكيفية تصفيته من قبل الانقلابين نقل القيسي عن الراحل آرا خاجادور، أن علي صالح السعدي زعيم البعث إبان الانقلاب، والذي أبعد عن مهامه الحزبية لاحقا كان عام 1970 في براغ لغرض العلاج وطلب لقاءً به لتناول تفاصيل تخص الانقلاب. وفي هذا اللقاء روى السعدي ان البعثي عبد الستار الدوري طلب منه الذهاب إلى قصر النهاية والاطلاع على ما يريد سلام عادل، وانه رفض الفكرة، ولكنه ذهب في النهاية ورأى الحالة المدمرة التي كان عليها الشهيد حيث تم تشويهه وتقطيع أوصاله واقتلاع عينيه، فقام السعدي بأطلاق “رصاصة الرحمة” من مسدسه الشخصي لينهي آلام الشهيد على حد قوله، وقد حدث ذلك في 23 شباط 1963، على عكس الرواية المعروفة، بان الانقلابين أعلنوا عن تصفية الشهيد وعدد من رفاقه في 7 اذار 1963.
وفي سياق عرضه أكد القيسي ان التاريخ كتبه المتسلطون، وان الكثير من وثائق الشيوعيين تم اتلافها واحراقها بعد عام 2003، خلق ذلك صعوبة البحث عن تفاصيل. ولذلك اعتمد الباحثون على مذكرات القادة البعثيين، في متابعة هذه الاحداث.
وفي ختامه للأصبوحة علق الأستاذ رفعت عبد الرزاق على دور الاعظمي بالقول إن هادي هاشم الاعظمي “كان كسير الظهر”، معتمدا على حنا بطاطو.
وفي تقييم الكثير من مذكرات قادة البعث عن أحداث الانقلاب، وآخرها مذكرات محسن الشيخ راضي اتفق الدكتور سيف عدنان والأستاذ رفعت عبد الرزاق على قيام الراضي بخلط الأوراق في محاولة لتبرئة نفسه من المسؤولية القانونية والأخلاقية المترتبة على اشتراكه في جرائم الانقلابيين.