الفتح الاسلامي الثاني-العراقي بعد الجزيري؟/3


عبدالامير الركابي
2023 / 2 / 4 - 18:51     

تبدا الدورة الثانية الازدواجية الرافدينية العباسية القرمطية الانتظارية، بعد السومرية البابلية الابراهيمية، بالتحول الجزيري الى الابراهيمية، والانتقال من القبيلية المتازمة الى العقيدية، دلالة على ترابط ووحدة الكيانيه شرق المتوسطية وتفاعليتها، وعلى اسبقية الاكتمال الازدواجي المجتمعي للمنطقة، بمقابل احادية الامبراطوريات الشرقية الفارسية، والرومانيه المحتله، وعلى الفعالية النمطية الازدواجية لعالم الانماط الثلاثة والمجال الوسط، الشرق متوسطي (1) كما على مفعول المجتمعية اللاارضوية، وخصوصية حضورها برغم تعرضها لمايقارب الافناء اصطراعيا ذاتيا على يد بابل، التي بلغت وقتها درجة من القدرة على سرقة الالهه اللاارضوية/ مردوخ بدل انليل/ والتماهي سلوكا على مستوى الحكم بالاشتراطات اللاارضويىة، (2)ماقد دفع انذاك بالصراع للانتقال الى مابعد ذاتية مكانية، نحو الكونية بالتعبيرية النبوية الابراهيمية واستراتيج الوعد خارج ارضه.
ويبقى من خاصيات الارضوية الاحادية، الفعل الافنائي التسلطي، بمقابل اللاارضوية ومجالها كما حال الامبراطورية الاحادية العبودية الاقطاعية الفارسية، مع كيانيه الجزيرة كملتحق بالاصل الازدواجي، ومانجم عنه بعد قرون من حلول الانقطاع، من نهضة عقيدية احترابيه في الموضع المؤهل لها، لتعود من جديد اليات الصعود الازدواجي الكوني الناظم للعملية التاريخيه الكونية، خارج المفاهيم والرؤى القصورية على تعدد مصادرها، ومنها الفارسية البدائية الساذجه، المتناقضة مع ذاتها، تلك التي ترى في الفتح الاسلامي عمل عرب حفاة اسقطوا الامبراطورية الفارسية، من دون ملاحظة كون الامبراطورية التي يتحدثون عنها،انتهت من يومها، وان فارس لم تعرف بعد دخول العرب الحفاة اليها، اية حركة استقلالية الاتلك التي ترفع راية اسلاميه، مايعني بوضوح وبعد القرون، بان ماكان حصل لم يكن احتلالا بقدر ماهو تغيير بنيوي، انهى الاحادية الامبراطورية الفارسية، ونقل فارس الى الاسلام فماعادت تعبر عن نفسها الا به، هذا سوى ان سقوط فارس قد اعقبة بالاحرى خمسة قرون من الوقوع تحت قيادة واثر فعل بغداد وارض الرافدين، التي لم تكن في يوم من الايام "حافية"(3)، مع قدرتها الاستثنائية المشهودة كينونة وفعلا، بما نقل فارس وكل الشرق الواصل الى الصين، من الاحادية الى الازدواج، بالاسلام الابراهيمي الذي تحول في هذا الجزء من العالم الى كينونة، لاعلاقة لها بما سبقها.
بالمقابل فان فارس ظلت تحتل المنطقة لاكثر من عشرة قرون، وحين غادرتها مطرودة فانها لم تترك خلفها زرادشتيا واحدا، في حين انقلبت هي الى الاسلام، بينما عرفت ابان احتلالها للعراق في القرن الثالث، حركة النبي الميساني البابلي العراقي "ماني" في القرن الثالث الميلادي، والذي قال قبل النبي محمد بالختام النبوي، ولم يكن له جيش ولا مقاتله احترابيون استثنائيون، لكنه امتلك جيوشا من الاختراقية المفهومية اضطرت الفرس الى قتله بعدما امتدت دعوته الى الصين،وعادت الى اوربا لتدخلها، اما فارس فانها يوم عادت الى الحلم الامبراطوري على قاعدة الازدواج، فانها عبرت عن ذاتها في القرن السادس عشر بالحركة الصفوية، باسلام الفتح العراقي الثاني الشيعي، ولما ظهرت ملامح احياء امبراطوري احادي حديث، بعد زمن من وقوع ايران تحت الاحتلالات، وظهر الشاه(4)، تم الانقلاب عليه بقوة الاسلام الخميني، اي مرة اخرى باسلام الفتح الثاني العراقي.
يقصر كليا المنظور الذي يحصر ظاهرة الاسلام بالجزيرة العربية، وكان ماحققته منجز من ابتكارها، وليس احدى طبعات منظور كوني عراقي ختامي، وجد ضمن مسارات واليات تفاعلية كونيه تاريخيه تصيرية، الدورة الثانيه منه قمة من القمم الانقلابيه التي ستفضي الى تغيير مسارات التاريخ، منتقلة بها من الاحادية الارضوية، بتحفيزها انبثاق الاله، العنصر الانقلابي المجتمعي الحاسم الذي لاتعود المجتمعية بعده ماكانت، منذ ان ظهرت وتبلورت تاريخيا.
متغيران كونيان تمخضت عنهما الدورتان الازدواجيتان لارض مابين النهرين، الاول مع الدورة السومرية البابلية الابراهيمه، التعبيرية اللاارضوية النبوية الحدسية، واختراقيتها الكونية التي حولت غالبية المجتمعات، واكثرها حضورية فعالة كونيا، الى الازدواج، وانقلابية نوعية تولدت عن الحضور الامبراطوري الازدواجي العباسي الكوني، وما نتج عنه من انعكاسات على مستوى المعمورة، تمثل في الانقلاب البرجوازي على المنقلب الاوربي، ومن ثم التحول الالي، منتهى العملية المجتمعية بصيغتها الاحادية الارضوية اليدوية.
على هذا المنوال لعبت بؤرة الازدواج ومحرك الفعالية الكونية ارض مابين الهرين، دورها على مستوى المعمورة بما يقلب مفهوم الاحادية الكهفي الى التاريخ، والى التصيرية الكونية كما هي غالبة من قبيل الدلالةعلى القصورية العقلية البشرية، تاكيدا لماقبل "انسان" اعقالا، في الزمن المقرر ل "الانسايوان" وكل ماقد استطاع مقاربته من اشكال النظر لتاريخ العالم ومساراته، خارج الحقيقة الكبرى، هذا ونعلم ان حضور الازدواجية لاارضويا من اسفل، ابان الطور الجاري الحديث عنه، اي الثاني، قد وجد اليوم قاصرا، ودل عند نهاية المطاف على مايستوجب الاقرار بان التحققية اللاارضوية ماتزال غير ممكنه، بما يوجب اعلان "الانتظارية"، والاحالة الى قادم، او الى دورة اخرى جرى وسمها ب "المهدوية"،ومع الاسماعلية والقرمطية، والخوارجة والحلاجية، والزنجية واخوان الصفا، والمعتزلة، وغابة الانتفاضات الكوفية البصرية، فلقد وقفت الفعالية الابراهيمه الثانية التكرارية في دولة اللادولة ، المعاد صوغها اليوم مابعد اسلام الجزيرة داخل موضعها البنيوي اللاارضوي، فلم ترق الى المطلوب، وظلت محدودة مقارنه بالابراهيمه الاولى، فلم تتجاوز اثارها حدود ماهو ابراهيمي اصلا وختاما، مع انها عمت المنطقة، ومن اليمن والبحرين، الى الجزيرة نفسها قرمطيا، الى الاسماعيلية في ارض الشام، الى الفاطمية الذاهبة الى المغرب العربي، ومنه الى مصر، التي انتقل التشيع منها الى ارض الشام، لتصبح المنطقة الشرق متوسطية تحت حضور الفتح اللاارضوي الثاني، المختلف، والساكن بين تضاعيف المنطقة بلا سلاح، ولا احترابيه، بينما ارسي في مصر شاهد يقارب الاهرامات، اسسه الفاطميون العراقيون باسم "الجامع الازهر"، بجانب تعريب مصر واسلمتها، بعدما كانت قبل القرن التاسع مسلمه و"عربية" في نطاق لايتعدى العاصمة، ولم يتوقف الفتح الثاني على المنطقة الشرق متوسطية لوحدها، بل امتد شرقا وان لم يتخذ بعدا شاملا ماعدا في ايران لاحقا.
هذا وقد بقيت المنطقة المعروفة بالعربية تحت اثار الفتح الثاني حتى وقت مقارب لانتهاء الدورة الثانيه بسقوط بغداد، حين يبدا وقتها اسلام الشرق، اي اسلام مابعد بغداد، بعد اسلام الجزيرة، واسلام الازدواج الامبراطوري، ماوراء فارس، كما شمالا، بعد ان تاقلم المجال المذكور مع الاختراق الابراهيمي، واعاد صياغة بنيته ازدواجيا، متحولا ومعبرا عن ذاتيتة المكتسبة المستجدة، وقد تغيرت بنية، لياخذ بالحضور بواجهه اسلاميه امبراطورية، كان اخرها العثمانية التي استمر حضورها لاربعة قرون، باسم الفتح الاسلامي الشرقي، علما بان العثمانيين ظلوا يتبنون مذهبيا المذهب الحنفي العراقي، لانه يجيز لغير القريشي ان يكون خليفة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يراجع بهذا الخصوص، اي تعيين نوع بنيه المجال الشرق متوسطي العراق والجزيرة ومصر وساحل الشام / ارضوتوبيا العراق ونقلاب التاريخ: من الابراهيمه الى ظهور المهدي، كيف يرد التاريخ العراقي على التحدي الامريكي/ عبدالامير الركابي/ دار الانتشار العربي/ بيروت.
(2) من الامثلة ماكان بلغه سلوك حكام بابل من التواضع غير المالوف لدى اي من الحكام على مستوى المعموره، وهو سلوك عائد الى الازدواج المنوه عنه" فكان الملك يلعب في الاحتفالات الدينيه اللاحقه دورا مهما حيث يدور في ارجاء المعبد ويلقي كافة شارات حكمه امام الاله، ثم يقدم تقريرا عن اعماله في السنة المنصرمه، ويعترف بذنوبه وعليه ان يعلن براءته عن وقوع بعض الاحداث التعسه والمصائب، وبعد ذلك يتلقى صفعة على وجهه من رئيس الكهنه مع جر الاذنين منبها اياه بتادية كل الواجبات الدينيه على اكمل وجه. وبعد ذلك يسمح له بحمل شارته الملكية" / رحله الى بابل القديمه/ الدكتورة ايفلين كنكل/ ترجمة الدكتور زهدي الداودي/ منشورات رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين العراقيين/ دار الجليل/ دمشق/ والوارد اعلاه يمارسه اليوم من بموقع الحكم من حثالة التاريخ كما يعلم الجميع.
(3) اول موضع احتله اول امبراطور في التاريخ البشري، سرجون الاكدي، كان عيلام شرق ارض مابين النهرين، قبل ارض الشام والاناضول.
(4) عام 1921 حين اقيمت الحكومة العراقية من قبل الاحتلال الانكليزي، رفضت ايران الاعتراف بها رسميا، واستمرت على موقفها لعشر سنوات.