تأثيل فلسفة المثقف الإستعماري الكبير


المنصور جعفر
2023 / 2 / 3 - 17:59     

1- في اهتمام مشروع كتابي "التأثيل" بتأريخ تنوع نشأة وتبلور وصراعات بعض الإصطلاحات والأفكار والمعارف المواشجة لها أهتم جزء بسيط من هذا المشروع بعرض معالم حياة وأفكار بعض من أشهر زعماء رأس المال وضمن ذلك عرض موجز عن المثقف الإستعماري الكبير جون إستيوارت ميل وأهم أفكاره.


2- خالف كل ذلك الجزء التعريفي الصغير بما فيه من شخصيات وعناوين كتبها وأهم آراءها الأجزاء الأخرى في كتاب "التأثيل" الذي ناسب أفول وتآكل كثير من الأفكار والإصطلاحات في كل فترة أو مرحلة معرفية لصالح تبلور أفكار وإصطلاحات "العقلانية" و"العلم" ثم الأفكار والإصطلاحات المرتبطة بكلمة "الوعي" وما حول وما بعد كل فكرة واصطلاح مواشج لهذه الكلمات.


.3- ضمن جدل الأفكار والإصطلاحات تناول "التأثيل" جدل بعض النظريات والأوضاع والصراعات التي كونت تلك الأفكار وبعض إصطلاحاتها وكانت كثرة من هذه النقاط وأفكارها وحوادثها مرتبطة بجدلية ("الحرية" و"النظام"). وهي الحدلية اليتيمة التي انحصرت فيها كتابات المثقف الإستعماري الكبير جون ستيوارت ميل، بينما واشحها مشروع كتاب "التأثيل" ضمن مئات الجدليات في سياقات مختلفة وبنظريات مختلفة ونحو هدف مختلف الطبيعة كثير العناصر وبأسلوب وخطاب مختلف.


3- في مشروع كتاب "التأثيل" كانت المساحة القليلة المتاحة لعرض حياة وآراء المثقف الإستعماري الكبير جون إستيوارت ميل وفلسفته حافلة بمعالم موضوعاته عن "الحرية" و"الفردية" و"النفعية" و"تحقيق المصلحة العامة" وكلها من الأفكار الكبرى التي بلورتها الثقافة الحرفية التجارية في طورها الرأسمالي ونقلتها من مثاليات مرحلة إدانة وتحطيم الاقطاع إلى حالة تخفيف وتبرير الأوضاع الرأسمالية وتأسيس تحكم نخبتها.


4- كان ذلك التأسيس إبان فترة البداية الثانية للحداثة وأفول الإقطاع الزراعي وحياة سكان المدن الدائرة في فلكه بالطعام والأخشاب والطوب والناقلات وتصنيع الأدوات البسيطة والربا، وهي فترة قامت فيها الديون وشروط التراخيص ولعبات التجمع التجاري لبعض الرساميل بقتل حياة محلات الحرف/التجارة الصغيرة الأعمال ذات الانتاج الصغير والربح القليل.

ففي نفس ذلك الزمان الدمار بدأت سيادة الصناعة والمصانع الآلية ونزوح أكبر الأنشطة المالية والرأسمالية إلى أرباحها الكبيرة السريعة ثم سيادتها على مختلف أنماط الحياة العملية والسياسية في قلب إنجلترا وهي قلب الإمبراطورية التي جعلت من المستحيل على الشمس ان تغيب عنها. وكذا ما أحدثته داخل المجتمع من تباين حالات زيادة الرسملة والتصنيع ومخالفة الأسعار للأجور تحت شعار "الحرية والإخاء والمساواة" حيث تغايرت وتضادت إمكانات المعيشة والكرامة والحقوق جراء أنانية وجشع التجميع والتوزيع الرأسمالي وتحكمه في موارد وجهود وخيرات الإنتاج الكبير الذي كان بكل سهولة وبلا وازع من ضمير يزدرد أراضي وورش ومحلات نمط الإنتاج الصغير.


5- من المعالم الرائجة عن حياة المثقف الإستعماري الكبير جون إستيوارت ميل كلام عن معاناته من مرض الربو ومن التعبين الجسمي والنفسي الذي سببه له مرض الضيق المزمن في التنفس وجعله متفاعلاً نشطاً مع مكتبة وآداب أبيه الإقتصادي حيث أصبح منذ طفولته وصباه دارساً مثابراً مثابرة ضخمة لأهم معارف وكتب وفلسفات ذلك الزمان. ولعل ظروف الحياة مع قاعات وغرف قصر نشأته منحته فرصة تعرف على آلام بعض خدم وحشم ذلك القصر، لكن نفس ظروف حياة النخبة منحته بطبيعة الحال فرصاً هائلة للتعرف على أهداف وقيم وأساليب كبراء الأساتذة والمصرفيين والموظفين والتجار المحيطين بأبيه وأخوته وبه، من ثم تشبع فكره الناشيء ببعض من معارفهم وآراءهم وفخر أفكارهم ويضاف إلى ذفلك كسبه خبرات وآراء زملاء عمله المترف في "شركة شرق الهند" الإستعمارية البريطانية العظمى.


6- كانت شركة بعض إقطاعيي ورأسماليي إنجلترا للتجارة مع الهند أكبر كارتيل في العالم شركة عملاقة عاشت في الفترة منذ عام 1600 محتكرة لتجارها أسواق وحكومات الهند ثم الصين إلى ان أفلست عام 1858 مع تأجج نضال الهند وبسبب تكاثر طفيلية وفساد تجارها وموظفيها قبل مائة عام من بداية ضبط الحواسيب للأعمال التجارية المالية الكثيرة المتداخلة.

بلغ حجم أعمال تلك الشركة الإستعمارية التي أفلست أضعاف حجم أعمال شركة شرق الهند الفرنسية وشركة شرق الهند الهولاندية وشركة شرق الهند السويدية نأهيك عن شركات التجارة الإنجليزية والاوروبية مع بلاد غرب الهند وشبكات التجارة مع إفريقيا ففي القرن الواحد والعشرين قدر باحث ثروة إنجلترا من نهب وأرباح نهب خيرات الهند بقيمة تتجاوز الخمسة وعشرين ترليون دولار وهو مبلغ هائل قد يفسر جزءاً من ولع المثقف الإستعماري الكبير وسعادته ونظراءه في إنجلترا وأوروبا بفلسفة ومذهب حرية التملك والتجارة وبأنشطة نخبة مجتمعه وبغضه وإياهم لتمرد "الأوباش" مهددي أمن النظام.


7- الجزء الأهم في تكوين آراء المثقف الإستعماري الكبير جون إستيوارت ميل يشمل عدداً من الأمور المرتبطة بمعالم أو ظروف تلك الفترة التي إمتدت منذ ما قبل القرن السابع عشر إلى ما بعد القرن التاسع عشر وشهد فيها التاريخ تحقق ثم فشل أهداف الثورات الليبرالية التي نظم البرجواز قيادتها وإستثمروها سواء في غرب أوروبا وأمريكا ونصف ذلك في إنجلترا.

كسب البرجواز بتضحيات ودماء الثوار الكادحين معارك الفئات الكادحة في المجتمعات ضد النظم الإقطاعية ومن ثم سيدت أمور البرجواز التنظيمية تملكهم الإنفرادي على أهم موارد المجتمع وهو تملك مع تغير في الشكل ومراكز وهيئة الإدارة وحجم العائد والربح يشبه في أنانيته تقسيمه للموارد وظلمه الكادحين نفس نوع ذلك التملك الإنفرادي اللئيم القاسي الذي كان سائداً في كل العالم ومغذياً أو محمياً بالثقافات الدينية والطائفية والعنصرية وبالقساوة والبطش القانوني والشخصي الأوروستقراطي.

8- إرتبطت الأهداف العامة لتلك الثورات التي قالها البرجواز بتحقيق حرية الحرف والحرفيين تحت شعار حرية وإخاء الناس وتساوي فرصهم في تملك الموارد (العامة) ضد أسس وأشكال التمييز ذات الفروق والمقامات الطبقية والفئوية والعنصرية والطائفية، وما يترتب عليها في أمور المعيشة وطبيعة تنظيم المجتمعين في كل بلد تسوده المجتمع الصغير والمجتمع الكبير سواء كانت تلك الثورات وتغييراتها في بروسيا (= الجزء الشمال في دولة ألمانيا الحاضرة) أو في هولاند أو في إنجلترا أو في أمريكا أو فرنسا.


9- في كل هذه الدول أسقطت الثورات البرجوازية القيادة أهم أسس وأشكال التحكم والبطش الملكي الإقطاعي وكهنوته ثم إمتنعت قيادتها عن تمكين إرادة الكادحين ومنعت قبضهم على مقاليد أمور الحقوق والدولة والإقتصاد وبنتيجة أنانية هذا التميز والاقصاء الطبقي نبذت أو فشلت قيادة وتنظيمات البرجوازية في تحسين معيشة الفئات الكادحة وهم غالبية الناس بل إن حكومات البرجواز لم تنجح في تحقيق كل أو أي شعار من شعارات "الحرية" و"الإخاء" و"المساواة" بل ان أمور السياسة والإقتصاد والمجتمع صارت حالة متكاملة من الإستغلال الرأسمالي والإستعمار.


10- .كون ذلك التميز والفشل بفعل استمرار تكاثر وتجمع النشاط الحرفي/التجاري ثم ترسمله بصورة فاتت حد الفاعلية الإجتماعي فإنقلبت إلى ضد لها إما بالفساد أو بالتجمع والتكبر الرأسمالي ضد باقي محلات البرجواز الصغيرة، حيث رسخت البرجوازية الكبيرة الأعمال سيطرة رأسمالية على معيشة غالبية الناس. وكانت تلك الثورات البرجوازية القيادة قد إنتقلت بأعمال الحرفيين من أغلال الملوك وسادة الأراضي والقرى وأصحاب المحلات وصراعاتهم إلى أغلال كبراء البنوك وصراعات محسوبيات ومضاربات الرأسمالية على موارد ووسائل الإنتاج.


11- ضد المعاناة وبؤس المعيشة مع الإنتقال الشكلي لسبب آلام الكادحين من سيطرة الملوك ووكلاءهم إلى سيطرة البنوك ووكلاءهم بدأ تفكير جديد وسط الفئات العمالية ووسط الفئات البرجوازية الصغيرة وزعماء آراءهم داخل دوائر المعرفة وفي دوائر السياسة ومن أشهر معالم هذا التفكير الساخط على الرأسمالية والكاشف لمفارقاتها قصتان بديعتان مؤلمتان:

(أ) القصة الأولى هي "فرانكشتاين" وقد نشرتها كاتبتها ماري شميل عام 1818 وقد تمحورت في شكلها الجامع بين الخيال العلمي والرعب والرومانسية حول تركيب انسان وحشي انفرط إمكان ضبطه وتنظيمه وتسبب في تعاسة صانعه ومجتمعه.

(ب) القصة الثانية هي قصة كتبها شارلز ديكنز عن اليتيم "أوليفر تويست" ورحلة شقاءه وتحريك أطماع الاخرين لحياته عبر عالم من البؤساء اللئام وهو عالم قل فيه وجود الرحمة والمثل الطيبة والعدالة بل إلهه المعبود بإخلاص هو كسب المال. وقد نُشرت تلك القصة بين ماقبل ومابعد عام 1838.


رغم التصنيفات الشائعة لنوعية أدب القصتين الذائعتين إلى اليوم واختلاف الأدبيين على تصنيف طبيعة رسالة كل قصة منهما إلا إن إتجاه كل واحدة من القصتين شابه اتجاه القصة الأخرى إلى إنتقاد إنفلات اللؤم والوحشية وكثرة مفاجآتها القاسية في مجتمع الفردية والتصنيع الرأسمالي ومع صدق هذه الرسالة إلا إن أدب انتقاد ذلك الواقع الرأسمالي وغيره لا يخلو من شماتة مترسبة من بقايا الاقطاع ولا يخلو من خيبة أمل وسخط من كان أجدادهم آو آباءهم أو هم أنفسهم يعتقدون ان الثورات البرجوازية ستفتح طريق السعادة وتبني الإنسان الكامل والمجتمع المثالي والجمهورية أو المدينة الفاضلة.



12- إضافة إلى القصتين البديعتين وإخواتهن صدر كتاب مهم في دويلات ألمانيا التي كانت من أكثر الدول الغرب أوروبية إحاطة بتطورات المعرفة عبر صلتها العضوية بالنمسا جارة العالم الشرقي ودولته العثمانية ومكتباتها العربية اللغة التي حوت خلاصات قيام الفلاسفة والمؤرخين في مجتمعات المسلمين بكتابة ورفع مستوى نفائس وخبرات التأريخ والفلسفة والأدب بكل ما فيها من صراعات وثورات وتصنيفات.

كان ذلك الكتاب الألماني اللغة المديني والعمالي المحور كتاب ذو إحصاءات ونهج كان فريد عصره وأوانه لكنه لم يهز الا قليل من البؤساء المرهقين الكادحين الثوريين الذين استمعوا إلى قراءة بعض متعلميهم لبعض صفحات من الكتاب أو إنطباعات عنها، وأيضاً لم يهز قاعدة طبقة البرجواز وهي القاعدة المكونة من الفئات الصغيرة الأعمال والدخل والمنهكة والقليلة الأرباح، لكن فوق هؤلاء وأولئك هز ذلك الكتاب العمالي البسيط بعض نخب السياسة المتحكمة في أمور الدولة ومعيشة الناس في أوروبا، كان أسم ذلك الكتيب الألماني المنشور عام 1845 والذي أصبح من الكتب الفذة في العالم هو "حالة الطبقة العاملة في إنجلترا".

كشف ذلك الكتيب شبيه النجم الساطع التفاصيل المالية والسكنية والمعيشية والصحية والإجتماعية والثقافية لحالة الإملاق والفاقة والبؤس والشقاء التي كان يعيشها غالبية الكادحين في مراكز الصناعة الرأسمالية للأرباح، في مدن مانشستر وليفربول.


13- في تلك الفترة كانت ثقافة من يقرأون الكتب والصحف أميل إلى توكيد وترسيخ الحجج والتبريرات التاريخية والفلسفية المادية والمعيشية والسياسية التي سوغت تحطيم النظام القديم وثبتت زواله أما داخل بيوت غالبية الناس وفي المحلات فقد كانت سيدة الموقف هي القصص الشفاهية وبعض الكتابية الواقعية والخيالية الفاضحة لفروقات أوضاع المجتمع بفعل خلل التنظيم الرأسمالي وانتشار وتغلغل مظالمه في كل شيء.


14- أسهمت تلك الدراسة الألمانية اللغة والضبط بكتابها وانتشارها في ألمانيا بموضوعها في قلب العالم الصناعي في كشف جزء مهم من الطبيعة الفعلية السلبية للتصورات والأوضاع التي خلقتها الثورات البرجوازية القيادة وما فيها من قهر وإستغلال ونتائج مأساوية في معيشة وصحة وفاعلية غالبية الناس.

كانت تلك الدراسة الصغيرة الحجم والقليلة الجدل والعظيمة الشأن من تأليف رجل كبير الجهد عظيم التواضع طويل الصفات الحسنة هو الداشموند الأديب والشاعر وكاتب المقالات وعقل الفلسفة والتنظير الثوري الإقتصادي والإجتماعي والثقافي والسياسي، ووارث الأعمال الرأسمالية ورجل البر والإحسان، ومنظم العمال وصانع صناع المستقبل وأحد مؤلفي وصاغة ومجهبذي "البيان الشيوعي" الإنسان البطل والشهم النبيل والعاشق الفذ وقلم الأفكار الثورية للإشتراكية العلمية ومحركاتها النقابية والفلسفية الوطنية والأممية في العصر الحديث ضربة الصد ونقطة التحول المؤسس مع رفاقه لبداية الأنشطة العمالية والشيوعية الحديثة، الرفيق فردريش إنجلز.


15- في تلك الفترة التي شهدت استواء التحكم الرأسمالي في قلب العالم ومفاقمته بؤس المعيشة وزيادة معاناة وآلام الناس منه، وتكاثر الكلام والأدب ضده نشأ تفكير جديد في تغيير الأوضاع كان ساخطاً على آلام المعيشة التي يحيى فيها الكداح حياة شاقة مرهقة.
من ثم كثرت في كلام الناس النمطي وفي كلامهم المنضد الإنتقادات البسيطة والإنتقادات الثرة ضد آخر أطوار علم ومذهب الأخلاق (الرأسمالية التعامل) أي القائمة على تمجيد تحقيق أو تحقق الفكرة أو الصيغة الأنانية والإنفرادية لتحقيق حالة المنفعة أو المصلحة العامة والدفاع عن طورها الصناعي.


16- ارتبطت البداية الكبيرة لفكرة المنفعة أو المصلحة العامة بتكون بذرتها عام 1751 في فرنسا بتنظير وزير ماليتها رينيه دي فوير بمقال له طوره الاقتصادي الفرنسي فنسنت دي جورناي ومع علاقات المعرفة الأكاديمية والماسونية نمت الفكرة وازدهرت بفلسفة العلامة الأسكوتلاندي آدم سميث لها كباحث وأستاذ في مجال فلسفة الأخلاق مع إهتمام هذه الفلسفة بمعرفة وتبيين طبيعة جذور وغايات تكون سلوك ما وتقييمه.

وقد أصبح لهذا الجزء من فلسفة الاخلاق قوة آيديولوجية متجبرة ذات تشكلات متنوعة سوقية المحور رأسمالية الحركة ربحية الهدف ذات أنانية تجارية مموهة ومراوغة. لكنها في أي شكل تتلبسه تهدر أي قيمة أخلاقية وكل سعادة اجتماعية، وقد كسبت هذا الوضع الطاغوت بفعل الإهتمام الاخلاقي الأكاديمي العالي الذي أبداه العلامة آدم سميث بأمور صون وصقل فكرة أستاذه الآيرلندي الأسكوتلاندي فرانسيس هاتشينسون عن كيفية معرفة الناس وفرزهم لمعالم وإمكانات تحقيق "السعادة" وكيفية التيقن من تحققها.*


17- ركزت بحوث العلامة الجليل آدم سميث على توصيف "السعادة" وخفضت تصوران عنها كانت محاولات تبيينها بهما تغبشان محاولات تحديدها وإوضاحها وهما:

(أ) المحاولات التي تحاول تصور جذور كل احساس بالسعادة!

(ب) المحاولات التي تركز على وضع افتراض وتصور مسبق لكل اثر من آثار محاولات تحقيق السعادة على كل فرد في دائرة تأثير فعلها!

كما ضياع أمر النوع الأول من المحاولات في البحث عن جذور كل فعل فكذلك أمر إنهماك النوع الأخير من المحاولات في تخيل تنوعات مستقبل تحقيق كل فرد لسعادة ما فهما أمران محيران لأن دائرة جذور كل فعل لا نهائية ودائرة تنوع أثار كل فعل على الطبيعة ولو كان ذلك الفعل خفقة جناحي فراشة هي دائرة دائمة الاتساع لا حدود لها، ويستحيل حسابها حتى بالنسبة للحواسيب العملاقة في العقدين الأولين في القرن الواحد والعشرين نأهيك عن نجاح فرد آنذاك في عد وتصنيف وتقييم كل فعل يصبو إلى السعادة أو تحديد كل جذوره !


18- بهذا التركيز الجيد الذي فتحه للعلامة آدم سميث أستاذه العلم هاتشينسون انتهى العلامة آدم سميث ببحوثه إلى كتابين: الاول كتاب "الشعور الأخلاقي" والثاني كتاب "بحث في طبيعة ثروة الأمم" وبحكم فقر امكانات المعرفة في ذلك الزمان حصرت نتيجة بحوثه هذه الطبيعة والثروة في النمط [العام] لنشاط كل أمة لتلبية حاجات معيشتها بالعمل الحرفي التجاري.

من هذا التركيز أشرقت الفكرة الساطعة آنذاك المهتمة بضرورة تحرير الأعمال الحرفية/التجارية من القيود التي كانت تمنع تزامن أو تفاعل العرض والطلب وهي الفكرة الثورية التي صاغها واشتهر بها قبل صدور كتابه بأكثر من عقد ونصف عقد ىاي عام 1751 وزير مالية فرنسا رينيه دي فوير.


19- اتخذت تلك الفكرة المركزة على أهمية حرية التجارة وحرية التجار في الامتلاك واستثمار العمل والبيع شكل العبارة المشهورة "دعه يعمل دعه يمر" وهي بذاتها كعبارة الحرية وآمالها في تحقيق إخاء الناس في الموارد والسعادة صار باطنها العملي حالة قاتلة محطمة ومدمرة لغالبية حقوق الإنسان.


20- لخصت تلك الفكرة الفرنسية المسماة((دعه يعمل دعه يمر)) تلخيصاً بليغاً كل تطورات التفكير الأناني التجاري في تحقيق الربح (السعادة) منذ العصور القديمة إلى فترة عام 1776 الذي نشر فيه العلامة آدم سميث تنظيره [= تبريره] الفلسفي لأخلاق السعادة الرأسمالية بحجة ضرورتها العملية للحياة!

أفشل العلامة آذم سميث نفسه بنفسه فرغم استعماله لكلمة "الأمم" إلا ان كينونة تنظيره واستعماله للكلمة لم تخرج واقعياً إلى كل الناس أو عمومهم ككل، بل كانت وشيجة نخبة طبقة البرجواز التي كانت آنذاك سيدة الدولة والمجتمع والمهيمنة والمسيطرة على أموره.

كانت هيمنة وسيطرة البرجواز قد انفرضت على غالبية الناس بفعل تعاون إمكانات تحكم شقي طبقة البرجواز معاً وسيطرتهما على موارد ووسائل الانتاج والأمور الضرورية لمعيشة غالبية الناس كالآراضي والأموال والسفن والخامات وعقارات السكن والعمل ووسائل النقل والقوانين والشرطة والجيش وتراخيص المناجم والمزارع والشاحنات والناقلات والمحلات والمرور والوقوق وعلى النقابات.


21-. واقعياً سيطر على سلطة الدولة ومعيشة المجتمع نوعان من جماعات البرجواز جماعات برجواز كبيرة الأملاك والأرباح معالم معيشتها أقرب إلى معالم معيشة الرأسماليين وجماعات برجوازية صغيرة الأنشطة وقليلة الأملاك. معالم معيشتها تشبه معالم معيشة الكادحين.

كانت جماعات وشركات وتناغمات البرحواز ذوي الأنشطة التجارية الكثيرة -ولم يزلوا- جماعات وشركات قليلة العدد ووثيقة الصلة بالبنوك وسلطة الدولة وقوتها، أما الجماعات البرحوازية الصغيرة القدرات والقليلة الأنشطة التجارية والأملاك والكثيرة الجهد والمنخفضة الدخل أو قليلة الأرباح فقد كانت ولم تزل جماعات قليلة المال كثيرة العدد نصفها أشبه في قسوة عمله وضيق معيشته لحالة باقي الكادحين في المجتمع وقليل جدا من البرجوازيين الصغار كاف حاجات نفسه وعائلته لا يستدين أو لا يؤجل دفع إيجار أو جزء من ثمن الة أو مركبة يحتاج إليها لمواجهة ضرورات المعيشة والحياة.


22- بحكم انتشار هيمنة وسيطرة أصحاب الخدمات الحرفية التجارية على غالبية أعمال وأمور معيشة المجتمع تخيل العلامة آدم سميث انهم هم عصب وجود الأمة والمنتج المركزي لخيراتها ولم ينتبه إلى حقيقة إنهم كطبقة إجتماعية مجرد نتيجة زائلة من نتائج الترتيب السلطوي السياسي النقودي لملكية موارد المجتمع بعد موت التنظيم الاقطاعي. وهو كترتيب نقودي لأمور "المجتمع" أتأح للفئة المتسلطة والثرية من البرجواز السيطرة على موارد ومعيشة غالبية الكادحين في المجتمع وهم غالبية الناس أو غالبية "الأمة" على حد تعبير العلامة آدم سميث.
23- بهذا الترتيب تُفهم الصلة القوية بين غباء بحث العلامة وعمائه عن هذه الحقيقة البسيطة وقصور المعرفة في زمانه عن العلم بطبيعة وجود الطبقات الإجتماعية، فإصطلاح "الطبقة الإجتماعية" في قوامه العلمي المعروف في العلوم الإجتماعية المعاصرة لم يتبلور بشكل متكامل إلا في تنظيرات "البيان الشيوعي" المصدر عام 1848 أي بعد 72 عاماً من نشر العلامة آدم سميث لهذه النظرية القديمة الأصل. والتي تعود بعض صورها الأوروبية البدائية إلى حضارات العالم العربي و أثينا وروما وبعض الجذور النيلية الإفريقية لنشأة حضارة كريت ثم حضارة أثينا.

من ثم لم تحظ الثقافة والمعرفة الأكاديمية في زمان العلامة آدم سميث بحضور كامل للكينونة العلمية لإصطلاح "الطبقة الإجتماعية" بالمنحى الإقتصادي السياسي لذلك الإصطلاح الذي رسخته أنواع المعرفة والعلوم الاجتماعية الحديثة بعد عام 1848 وبالتالي لم تحصل جهود المعرفة والفلسفة الإجتماعية في تلك الفترة من القرن الثامن عشر التي خرج فيها التفكير من أزمة السير أو التسيير القدري للإنسان إلى أزمة الفهم الموضوعي لتكوين وشرح طبيعة وفائدة اختيار الإنسان لأعماله.

على هذا لم تتوفر للعلامة آدم سميث ونظرائه في ذلك الزمان إمكانات لإستعمال إصطلاح "الطبقة الإجتماعية" في عملية فحص وتمحيص وتحليل علمي متكامل الخطوات والإجراءات والبيئة للأوضاع الإجتماعية وفلسفاتها ولذلك أحتوت النظرية المحورية للنشاط الرأسمالي على هذا الفهم القاصر المغلوط والقاتل والمدمر الذي لم تزل المجتمعات والطبقات والدول الرأسمالية ترفض إنتقاده نأهيك عن ان تقوم أو حتى تتأهب لإصلاحه.


24- كما سبق القول زادت الانتقادات ضد تصورات فلسفة وعلم الأخلاق وربطها تحقق "السعادة" وسؤدد المجتمعات بحرية أنانيات التملك والنشاط التجاري (الرأسمالي) من ثم شكل كتاب المثقف الاستعماري الكبير جون ستيوارت ميل دفاعين عن "الحرية الفردية" (= حرية الرأسمالي) : كان الدفاع الأول ضد التخرصات الرجعية الدينية والمكفرة للرأسمالية بإنها أو بكثرتها صارت سبباً لتحلل المجتمع! أما الدفاع الثاني فقد كان عن كينونة وفضيلة الانتظام في "المجتمع الحر" وضرورة بقاءه وسلامته ضد خطر تخيله أو استحضره هذا المثقف الإستعماري الكبير عن تصاعد الغضب الشعبي من بؤس المعيشة وهو غضب أصبح ممزوجاً بخبرات وأنشطة المقاومة العمالية والشيوعية!


25- دفاعاً عن منطقية و(علمية) وعملية معالم تلك الفكرة القديمة كتب المثقف الإستعماري الكبير جون إستيوارت ميل ثلاثة دفاعات عنها جمعها في كتاب كان شبيهاً في نوعه وأثره الكبير للباخرة في آخر زمان السفن الشراعية وقد سماه "النفعية" موكداً به فكرة فردية وباطنية الشعور بالسعادة واللذة مبراً اللذة السامية من الإتهامات الرجعية الدينية المؤآخذة، حيث فرق ذلك المحاسب الألمعي بين لذة جسمية ولذة ذهنية، وفي الذهنية فرق بين اللذة الطارفة العابرة واللذة الطويلة الخالدة، وفي الطويلة فرق بين اللذة الخاصة المحدودة النفع وتلك العميمة النفع. وضعها تاجاً للسعادة.


26- بنهج العلامة آدم سميث عن أخلاق حرف الإصطناع والتجارة ابتعدت كتابة المثقف الإستعماري الكبير جون ستيوارت ميل في كتابه المسمى "عن الحرية" عن نقاش الجذور الكثيرة جداً لوجود الإحساس بالسعادة.

كما نأي جون إستيوارت ميل بتمكن عقله الراجح في التحديد وضبط الحسابات عن الدخول به في متاهات ودوامات بيان مصائر كل تحقق لكل سعادة، مقراً باستحالة تقييم كل حالة من حالات السعادة أو حصر كل الحالات وتقييمها تقييماً جامعاً واحداً.


27- في إعادة درسه وشرحه لكينونة تلك "السعادة" وإختزاله كثرة تنوعاتها مع تنوع خبرة وإحساس كل فرد بها، ركز جون تركيزاً شديداً على مزية واحدة بسيطة تجمع أنواعاً من الشعور بالسعادة وهي:

(أ) إن كل نوع من هذه الأنواع يحدث إشباعاً ما لحاجة في نفس صاحبه. أو

(ب) ان كل نوع منها مهما اختلف شكله يمثل حدوثاً أو تحققاً لهذا الإشباع.


28- وصف المثقف الإستعماري الكبير حدوث هذا الإشباع بإنه مقرون بشعور ب"اللذة"، ثم كما في كل الشرائع القديمة التي لم تلغي الإستعباد ولم تضع مانعاً واقعياً من الإكراه غير المباشر، ولم تحدد حق المنتج في جزء من ثمن البضاعة التي أنتجها أو خدم إنتاجها، قام المثقف النخبوي والاستعماري الكبير بتبيين شرط متنوع الفهم ومتغير الظروف لمشروعية لتلك اللذة وحرية تحقيقها أن "لا تؤذى الآخرين" أو تكرههم أو ترغمهم على تحقيقها دون رضاهم دون أن يحدد كتابه او نخبة المغرمين به قدر/نوع ذلك "الأذى" الذي يظنه أو يظنه الآخرون مفيداً لهم وحسبوا ان حدوثه ضرورة لسعادتهم وسعادة المستفيد من أذاهم إذا سمحوا به أو سيسمحوا بحدوث ألمه عليهم!
.

29- بذكاء معين أسبغ الكاتب والكتاب وفلسفته على تحقيق هذا النوع السام والقاتل والمدمر من السعادة ولذتها اسم "النفع". وصفة "النفعية" ثم أجلى هذه طبيعة هذه "النفعية" وربطها بمعنى الإسهام في تحقيق "المصلحة العامة" وهي مصلحة افترض الكتاب صلاحيتها لكل الناس وكل المجتمعات في كل زمان وفي كل يلد.

علة هذا التصور تكمن في جذوره وبيئته كونه تصور أتى جزء مهم من خلاصته من جماع خبرة الكاتب أي دون تحليل واسع وعميق مجتمعي أو طبقي أو وطني أو بتغيير مقارن لوضع دول العالم بل دون بحوث تخيلها نتيجة إجتماعية من تنوع وتداخل وتكاثر المنافع الفذة التي يتحقق كل واحد منها في مجاله بإجتماع فضول الإرادات الحرة لأفراده، وهم في تقدير الكاتب الأشخاص الممتازين في "المجتمع الحر" الذين يهتم كل واحد منهم (العالم أو الطبيب أو المهندس) في مجاله أو تهتم كل فئة تسيير أو ابتكار في مجالها باكتشاف أو إختراع شيء ما قد يفيد الناس، ومن ثم تزيد الخيرات في المجتمع ككل وتتكاثر.


30- إضافة لإنطلاق خياله في هذا التصور الزاهي البديع افسد الكاتب فكرة كتابه بأن:
(أ) نسى تأثير التنظيم التجاري والنقودي لتوزيع الموارد والإمكانات سلباً على أوضاع الناس وأنشطتهم،
(ب) نسى الطبيعة الأنانية القاسية لتنافس أو لتجمع عناصر أو عوالم التمويل والشركات، لتحقيق أكبر ربح،
(ج) نسى شرور التنافس على المناصب العلى،
(د) نسى اثر النقود على النفوس تزيد الطامعين جشعاً وبنقصها تتعس معيشة الكادحين وأطفالهم.


31- يبدو إن كتاب المثقف الإستعماري الكبير المسمى "عن الحرية" وكتابه الآخر عن "النفعية" بتصويره الفلسفي لطبيعة مسميات و بعض تجليات "السعادة" و"النفع" و"المصلحة العامة" قد أخفيا عن أعين قرآءهما وعن نظرهم معاناة الجماهير التي تم ويتم إستغلالها في عملية صنع سعادة المتحكمين في الموارد والأعمال المهمة لمعيشة غالبية الناس.


32- كما إن هذا الكتاب بتبريره غير المباشر للمظالم الناتجة من اشتغال بعض الناس بصنع وزيادة أعمالها التجارية وزيادة أرباحها أخلى المسؤولية المباشرة للنخبة والطبقة الرأسمالية عن صناعة البؤس ومحى من عناصر الذاكرة إختراعهم ملايين الأنواع الجديدة من البؤس وبرأ ذمة النخبة الرأسمالية من ذنوب ظلم وعدوان امتلاكها الأناني ثم توزيعها النقودي لموارد المجتمع وحقوقه. تأخذ الكثير منها لنفسها وتسمح ببعض الفتات للمنتجين خيراتها.


33- بنفس فلسفة كتابه "عن الحرية" وعن حق كل الناس سواسية في "السعادة" أعفى المثقف الإستعماري الكبير جون إستيوارت ميل تكوين وأنشطة الدولة الليبرالية من مسؤوليتها عن الموات والضنك والبؤس الرهيب الذي سببته بنوك تنظيمها على معيشة الناس وتحطيمها حياتهم.


34- كذلك أخلى المثقف الإستعماري الكبير الدولة الليبرالية/البرجوازية من مسؤولية قيامها بتأزيم شعور الناس تأزويماً إرتبط بخلقها ونشرها نوعاً من التقديس لظلمها كدح الناس ومعيشتهم، حيث قامت دولة البرجواز الليبرالية باستعمال مؤسسات سيطرتها وآلات هيمنتها في تبجيل نظامها وكلامها وكتبها ودروسها وكل آدابها المهتمة بفلسفة السعادة الرأسمالية العناصر والأبعاد والمكاسب.


35- في زمان كان أمي المجتمعات تحقق التقديس البرجوازي التجاري والحكومي للنظام الليبرالي المعمد تأسيسه بدماء غزيرة تحققاً متنوعاً ضمن عملية معيشية وإعلامية كبيرة حولت فلسفة وأشكال التغيير الليبرالي ذات الثقافة الحرفية التجارية الأصل والربحية الأنانية اللب تحويلاً باطشاً وآخر ناعماً من حالة بدايتها ونشأتها الأولى كأمل أو ترياق فكري مضاد لآلام فرض "الريع" الإقطاعي أو كقاعدة نظرية لعملية متكاملة لإنهاء أضرار وأسس سيطرة الإقطاع وهيمنته وحالة تقديسه في المجتمعات الأمية الضعيفة الثقافة والمعرفة.


36 - أيضاً لم توضح كتابات المثقف الإستعماري الكبير جون إستيورات ميل إرتباط تغيير البرجواز أو الرأسماليين وحكمهم لطبيعة الفلسفة الليبرالية بأعمال متداخلة لمؤسسات سيطرة الدولة والهيمنة الليبرالية/البرجوازية أنهت بها الشكل المثالي الأول البسيط المألوف في نشوء كل فكرة وفلسفة (إجتماعية) وهو الشكل الذي كانت فيه الأفكار الليبرالية المتفرقة مجرد معابر أو أدوات ذهنية لتحرير أو تنظيف ثقافة الحياة والمعيشة من هيمنة أسس الإقطاع الإنفرادية العسكرية والطائفية والعنصرية والمالية وحكمه المطلق.


37- صيرت أمور السيطرة البرجوازية الفلسفة الليبرالية مولدة لنفس النوع من الإنفرادات التي أسست ودعمت الإقطاع لكن في إطار جديد الشكل رسخته مع سطوة الجيوش والشرطة والملوك الجدد والطائفية الجديدة برلمانات البنوك والبيوع، وتأثير منتجات المطابع، وشائعات الخطر الداخلي والخطر الخارجي، وترويج بمبالغة لأخبار الأرباح والخسائر ولأنباء الجرائم وقسوة العقوبات، وكذا مع أنباء صعوبة المعيشة إعتزاز بـ(أمجاد) توسع الأسكندر وأمجاد توسع إمبراطورية روما وترويج دعوات إلى توسع جديد تصور أمور زيادة الإستعباد والإستعمار ونشر الحضارة طريقاً مريحاً وكبيراً إلى "السعادة".


38- بشكل عام تغيرت مفردات الفلسفة الليبرالية من صور فكرية كانت عند غالبية المجتمعات الأمية صوراً خفيفة زاهية كالأزهار والفراشات باعثة للحبور وصارت مفرزة وداعمة حالة باطشة لجبروت دولة رسملة شؤون المجتمع. فبدلاً أن تكون الفلسفة الليبرالية كما بدأت جزءاً من أمل الناس في الحرية من الاستغلال الطبقي والإخاء في موارد المجتمع وفي مساواة الناس في حقوق التمتع بخيرات إنتاجهم صارت فلسفة لجبروت رأسمالي الثقافة والتبرير عنيف معزز بالعقوبات القاسية والدموية على كل من يخل بسيطرة التملك الإنفرادي على موارد المجتمع.


39- صارت الليبرالية في حقيقتها الرأسمالية حالة إستلاب وشقاء تعززها القوانين والقرارات المدججة بالعنفين المعنوي والجسمي والمحمية والمغذية بأشكال وأنواع من التضليل والتجويع والتهميش والإستغلال والضرائب والتحكم والعقوبات التي أهدرت بها ولم تزل تهدر حقوق وكرامة غالبية الناس وحقوق وكرامة غالبية دول العالم المغلولة بتحقيق سعادة أرباب البنوك والشركات العظمى الإمبريالية.


40- كانت توسعة وتنمية أعمال الشركات العملاقة من أهم منتجات التنظيم الليبرالي لموارد وهي الشركات التي تتحقق سعادة أربابها بسيطرتها على قدر مهم من موارد وأنشطة وخيرات إنتاج مجتمعات دولها ومجتمعات بلاد العالم الأخرى وغلها بأغلال شتى حرية باقي الرأسماليين في زيادة أنشطتهم الإستثمارية نأهيك عن حق المجتمعات في "السعادة"!


41- خلافاً لكلامها الكثير عن "الحرية" صار تبجيل الفلسفة الليبرالية يلزم الطبقات والمجتمعات وحتى الدول المضرورة بالتملك الأناني وأنشطته إلزاماً نفسياً وقانونيا وثقافياً برعاية وحماية ودعم وتبجيل هذا التملك الرأسمالي المسمم لحياتهم، تبجيلاً يتحتم على الناس بفعل تصوير هذا النوع من التملك وأنشطته تصويراً يقدمه ويزخرفه كتاب المثقف الإستعماري الكبير إلى الناس كقمة وخلاصة وسؤدد لأخلاق "العقلانية" و "الحرية" !


42- قدمت كتابات المثقف الاستعماري الكبير التملك الرأسمالي كتجسيد مادي وعيني في المجتمعات لـ"النجاح" و "السعادة" ! كما ربطه بـ"حرية الانسان في صنع السعادة" وهذا تضليل يعمم فرح بعض الأفراد عمومية يسمونها "السعادة" بسيطرتهم على موارد وأنشطة معيشة وحياة بلايين الناس! وهو تضليل لإن النشوة بهذه السيطرة الإستبدادية دالة إلى ضعف في الضمير، وفقر في الشعور بآلام الآخرين، وقلة ذوق، فكذلك فرح إنسان بالتحكم في معيشة وحقوق وحريات غالبية الناس وجعلهم خدماً لتحقيق سعادته، انما هو فرح بشع به يشقي العالم ويتعس!*


43- مع تسلط الرأسمالية عبر التنظيم الليبرالي لموارد المجتمعات ترسخ فشل شعارات "الحرية" و"الإخاء" و"المساواة" بل صارت أقانيم عقيدة إستغلال طبقي وإستعمار وبؤس وطني وعالمي لمعيشة ومستقبل غالبية الناس خاصة مع توسع الصناعة الحديثة وتجارتها الواسعة الكثيرة البضائع والأرباح والزيوف والقليلة الأسياد وتدميرها الناعم وتدميرها الخشن علاقات المجتمع والثقافة والبيئة والمناخ وابادتها إستقلال وأنشطة الحرف والورش ومحلات الأعمال الصغيرة التي كانت تعيل الناس وتبقيهم بالكفاف على الكفاف.


44- من ثم منذ بداية القرن التاسع عشر تبدد الباقي من ألق ثورات القرنين السابع عشر والثامن عشر وظهرت حاجة المجتمعات والمستقبل الإنساني إلى نوع جديد من الثورات أكثر جذرية وشمولية، إجتماعي في دبموقراطيته ونصيرة لسعادة الكادحين حريته.




تأثيل فلسفة جون إستيوارت ميل (2)

1- في عام 1859 أي بعد عشرة أعوام من صدور وانتشار "البيان الشيوعي" وقف كتاب المثقف الإستعماري الكبير جون إستيوارت ميل الذي سماه "عن الحرية" وقفة كان ظاهرها مع حرية غالبية الناس وأفكار مصالحهم ضد إستبداد الحكام، وأيضاً وقف مع حرية رأي الأفراد والأقلية وحق تعبيرهم عنه وقفة كان ظاهرها الدفاع عن كلامهم وأنشطتهم ضد إستبداد الغالبية وهو الإستبداد المعروف بإسم "روح القطيع".


2- أعتبر كتاب المثقف الإستعماري الكبير جون إستيوارت ميل "عن الحرية" إن أساس فعالية المجتمعات وحضورها المفيد هو "الفردية" قاصداً بها على سواء نسبي فردية حياة الإنسان الخاصة وحرية كل انسان في فعل ما يريده في نطاقه الخاص.


3- بشكل كبير أهتم المثقف الإستعماري الكبير جون إستيوارت ميل في كتابه المسمى "عن الحرية" بحرية الإنسان المهندس أو الفنان أو الكاتب أو العالم أو السياسي إلخ، أراد لفكر هؤلاء ونشاطهم حريةً تامة في المجالين الخاص والعام ليسهموا في تقييم أو تقويم الأفكار والأمور العامة، بل حتى تقييم الأمور الخاصة التي تؤذي الآخرين.


4- أساس كتاب المثقف الإستعماري الكبير جون إستيوارت ميل المسمى "عن الحرية" كان أساساً شكلياً ضعيفاً بلا أمور علمية صلبة تقويه بل رؤية مثالية تعتقد ان الخير يتحقق في كل وبكل شيء يواجه الشر! وهو شكل جميل لا حول له ولاقوة سوى قناعة أفراده وآمالهم في مجتمع طبقي وأمي! أكتفى جون لتحقيقه بسيطرة دولته التي تخيلها أقرب إلى العدل في عالم تتبع فيه قوة كل دولة نفوذ ومصالح الطبقة المتحكمة في مجتمعها!


5- تجاهل كتاب المثقف الاستعماري الكبير جون ستيوارت ميل المسمى "عن الحرية" هذه الحقائق المألوفة واكتفى بتعزيز الحرية العامة ضد الحكام، و بتعزيز حرية الفرد وإحترام رأي الأقلية ضد روح القطيع، وبتدعيم الدولة هذه الحرية والفردية متجاهلاً الأمور الطبقية والعوامل الإجتماعية بظن بسيط كان مفاده إن نجاحات وفعالية أي مجتمع قرينة بسعادة وانعتاق وحرية الفرد الممتاز فيه حرية كبيرة من قيود المنع وقرينة إطمئنانه على سلامته من (الأذى)!


6- لكن الكتاب وثقافة مجتمعه البرجوازي سرعان ما تراجعا وربطا التحقق العام للحرية في المجتمع أو إرتفاع شأنها فيه بتنازل كل فرد فيه عن بعض حرياته وسيادته على شؤونه في كل مجال يدخله وذلك كتنازل مفيد لإنتظام هذا المجال وتحقيقه الجزء الذي يختص به من العملية الكبيرة في المجتمع والدولة لتحقيق ما سماه "النفعية" أو "المصلحة العامة!؟


7- ربط المثقف الإستعماري الكبير معنى "النفعية" و"المصلحة العامة" وتحقق وجودها بـشرط "حرية نشاط كل فرد مع صون حريات وحقوق الآخرين من (الأذى) "!؟ وهو معنى ونشاط يتضمن حماية الملكية الرأسمالية وكل نشاط يستغل موارد وحاجات وجهود وخيرات عمل الفقراء ويناهض حق المستغلين في مقاومة أسس وأشكال إستغلالهم.


8- في دائرة عام 1861 أتبع المثقف الإستعماري الكبير جون إستيوارت ميل كتابه المسمى "عن الحرية" بكتاب آخر يكمل رسالته، سماه بموضوعه "النفعية" قاصداً بكلمتها وبكل الكتاب تحقيق "المصلحة العامة"، وقد حدد طبيعتها ومغزاها وكينونتها بتحقيق الخير العام دون أذى لمصلحة آخرين وحريتهم في اختيار أسلوب سعادتهم ! طالما لم يكن مؤذياً لغيرهم دون تنازلهم أو قبولهم.


9- التصورات التي رسمها المثقف الإستعماري الليبرالي جون إستيوارت ميل "عن الحرية" وعن تحقيق "المصلحة العامة" تبدو موضوعية لكنها تحمي تقييد حقوق الكادحين وتدعم سيطرة البرجواز على معيشة وكرامة وحياة غالبية الناس !


10- بهذه الحماية يمثل الكتاب وموضوعه اللطيف شرعنة للوجود والنشاط البشع للدولة الليبرالية أي دولة الإستغلال والقمع الطبقي، بل قيام الكتابين على نشر إعتبار مزوف يصور ان مهمة الدولة مهمة لا طبقية هي حماية أمور وأشكال هذه "الحرية" المزوفة وهذه "الفردية" المزوفة وهذه "المصلحة العامة" المزوفة!


11- وصم أعمال المثقف الاستعماري الكبير جون إستيوارت ميل بإن فيها تزويف لـ"الحرية" وتزويف لـ"الفردية" وتزويف لـ"المصلحة العامة" وصم تكون من رسمه لهذه الأمور الثلاثة دون هيكل طبقي أو دون كينونة طبقية ! وهذا التجاهل للأمور الطبقية أو تهميشها يعد جزءاً مكوناً فلسفياً لتنظيرات الآيديولوجيا الرأسمالية وأنشطتها لقمع حرية أفراد وجماعات الكادحين وعرقلتها نشاطهم السامي إلى تحقيق سعادتهم بإلغاء أسس وأشكال سيطرة وتحكم البرجواز في موارد وسلطات مجتمعات الكدح.


12- غيب الكتاب المهتم ب"الحرية" إتجاه الكادحين الثوري لفرض سيادتهم ككادحين على موارد وجهود وخيرات عملهم وحماية كرامة وجودهم وعزة نفسهم بتحرير وإستقلال أسس معيشتهم من تحكم وإستغلال وتسلط الرأسماليين وحكوماتهم، وأنعتاق كل المجتمع ومستقبله من حهود ومحاولات المتحكمين في إدامة سيطرتهم بقمع مبكر وقمع آني لنوعي شاط الكادحين:
(أ) النوع العفوي: الرافض لضيق المعيشة في كل مرة ترتفع فيها الأسعار،
(ب) النوع الثوري لنشاط الكادحين ضد كل أسس وأشكال الإستغلال الطبقي الإقتصادية والسياسية والثقافية.

وهو في الحالتين نضال مشروع رغم انه يؤذي البرجواز ودولتهم. ومشروع حتى لو كان ضيق المعيشة أو الإستغلال الطبقي مموهاً بإنه نتيجة من أو أساس لحرية أو إرادة أكثرية الأحزاب/الناس أو إنه التعبير الممكن أو التعبير الأسمى عن "المصلحة العامة" أو المجسد الوحيد لـ "السلام" أو التعبير الأوحد عن سلامة ووحدة ووجود "كيان المجتمع" و"حماية السلم الإجتماعي" وعن "وحدة وسيادة وبقاء كيان الدولة".


13- ضد هذا التوحيد الشكلاني بين بقاء المجتمع والدولة وبقاء تسلط طبقة البرجواز تقوم تمايزات وصراعات الطبيعة وتمايزات وصراعات الناس بكشف واوضاح بعض أجزاء الكينونة الطبقية لوجود المجتمع أو الشكل الإجتماعي لتركيب ونشاط القهر الطبقي.

خلاصة ما تكشفه هذه الصراعات في مجالات الفلسفة السياسية هو ضرورة ان يكون التصوير او الفحص الموضوعي لأمور الحريات والحقوق والمصلحة العامة مدركاً لطبيعة وجودها في المجتمع الطبقي وطبيعة تنازع طبقاته على أمرين متداخلين:

(أ) تأريخ أوضاعه وأفكار تنظيم شؤونه،

(ب) النوع الطبقي والتقني والسياسي لإختلاف الأعمال الثقافية والأكاديمية في موضوعات الأمور العامة.


14- ببرود ارتكب كلام المثقف الإستعماري الكبير جون إستيوارت ميل عن "الحرية" و"الفردية" و"تحقيق المصلحة العامة" ثلاث جرائم كبيرة في حق الأمانة الثقافية وهي توأم الأمانة العلمية، وتمثلت هذه الجرائم في:

(أ) تغييبه الوضع الطبقي لأمور المعرفة والفلسفة في عمومها وفي مجال تحديد وفلسفة إصطلاح "الحرية"،

(ب) تغييبه الوضع الطبقي للحريات في كل مجتمع تناوله،

(ج) تغييبه تأثير هذين الوضعين على قرآءة الصراع الطبقي في"فلسفة الحقوق"، وإهماله علاقة هذه الفلسفة أو انتقاداتها بالطبيعة الطبقية والسياسية لمعرفة وطبيعة تصوير وجود الدولة ودورها إزاء حرية كل طبقة.


15- قيام أي كتاب شمولي عن الحرية بتغييب فحص واحدة من المسائل الملازمة لها يعد تقصيراً منه، اما كتابات الاستعماري الكبير جون إستيوارت ميل وهو من أعلام النخبة في عالم الإطلاع والفلسفة والإقتصاد والسياسة فقد كانت كتابات منحازة للتقييد والسيطرة والاستغلال رغم زعمها الحرية وتعزيز المصلحة العامة حيث غيبت بالنسبة للكادحين أهم مسائل الصراع بين طبقتي المجتمع الرئيستين ونجلي بعض مهم من هذه المسائل في صور ونتائج علاقات الأقلية المتحكمة والغالبية المتحكم فيها وأهمها:

(أ) تناقض أفكاره وكتاباته في موضوع دور الدولة في تحقق أو تحقيق "الحرية" و"تحقيق المصلحة العامة" بحكم ربطه تحقق السعادة والمصلحة العامة لكل المجتمع بقيام سلطات هذه الدولة بحماية فردية وإستقلال سعي الإنسان إلى السعادة [ضمن طبقة البرجواز] دون إهتمام نفس سلطات الدولة بحماية فردية كل كادح في سعيه إلى السعادة في نفس المجتمع! فنفس الدولة ترفض سعي الكادح إلى السعادة وتحقيق المصلحة العامة لأنه سعي يرفض قيود طبقة البرحواز على حق طبقة الكادحين وحريتهم في إمتلاك مصيرهم كمنتجين لموارد معيشتهم والسيطرة على جهود إنتاجهم وخيراته. كتابات هذا المثقف الإستعماري الكبير تحلل لطبقة البرجواز الحق في السعادة وحرية السعي الفردي لتحقيقها وتحرم ذلك على طبقة الكادحين.

(ب) في مجال الثقافة والمعرفة بالإمكان وصم تناقضات أهم أفكار وكتابات المثقف الإستعماري الكبير عن "الحرية" و"تحقيق المنفعة العامة" بإنها تضليل كونها -بإسم الحرية- تزخرف أوضاعاً ونتائجاً تمزج بين فكرتين مضادتين لحرية غالبية الناس في كل مجتمع وهما: فكرة "حرية الإستثمار" و فكرة "إستثمار الحرية"، داعمة هاتين الفكرتين البرجوازيتين ضد حرية وحقوق الكادحين في مختلف البلدان التي كانت والتي لم تزل تحت سيطرة سادة الإمبراطورية المتحكمين في قدراتها المالية والثقافية والإعلامية والإستخبارية والعسكرية.

(ج) كذلك في مجال الحقوق والحريات قد يعد تضليلاً تصوير كتابات المثقف الإستعماري الكبير لدور الدولة فكتاباته تهتم بدور للدولة في توكيد وحماية حرية الأقلية في التعبير وفي الإمتلاك لا بدورها في توكيد وحماية حق الغالبية في السيطرة على موارد معيشتها وجهود وخيرات إنتاجها! تقدم كتاباته هذا الإنحياز كشكل طبيعي للحياة والسياسة والقانون بينما على أي دولة العادلة إزاء أي صراع على حق وجودي في مجتمعها بين غالبية وأقلية أن تتخذ أو تختار واحداً من موقفين:

(أ) قيام الدولة بحماية التملك الإنفرادي لموارد المجتمع، أي النوع الأناني والغاشم من التملك التجاري الذي تتحكم به الأقلية الرأسمالية في موارد وخيرات عمل غالبية الكادحين. أو

(ب) قيام الدولة بحماية حق غالبية الكادحين في التحرر من أو الحرية من قيام المتحكمين في بعض موارد ووسائل المعيشة والإنتاج بإستغلال موارد وجهود وحاجات وخيرات معيشتهم تحولهم بها من كادحين أحرار إلى أجراء.

غالباً ما يرتبط استغلال البرجواز للكادحين بتحكم أرباب الموارد والخدمات وسادة التجارة والإستثمار في شاغلي المناصب والتحكم بالأسعار وفي فرص العمل وبعض ظروف البقاء. وبهذا التحكم في بعض موارد الحياة العامة والحياة الخاصة لكل فرد في المجتمع يتحكم هؤلاء الأرباب في معيشة وكرامة الكادحين ومستقبلهم بما في ذلك حرية سعيهم إلى البقاء نأهيك عن "السعادة". من ثم يجب على سلطة الدولة إن كانت تتوخى تحقيق العدل إما أن تقوم بتحرير الكادحين من هذا الطغيان أو ان تحمي الحرية التي حققوها لمعيشتهم ومستقبلهم من المحاولات الداخلية أو الخارجية لخفضها أو لإعادة تقييدها.


16- تحاهل الكتاب أهمية أمور مختلف الدول الليبرالية على طبيعة وجود "الحرية" ومن أهم هذه الأمور الصراع المتنوع بين حاجات الفئات الكادحة ومصالح الفئة البرجوازية المسيطرة، وهو صراع يتجلى في نشاط متزعمي كل فئة كل منهم في مجاله وظروفه على أمور :

(آأ) تحديد طبيعة الدولة؟

(ب) على توجيه فلسفة الحرية؟

(ج)على طبيعة تحديد أو تواصل الكينونات الإجتماعية والشخصية لكل فكر أو نشاط سياسي؟

(د) على توجيه فلسفة "المصلحة العامة" إلى مصلحة واحدة من الطبقتين؟ كذلك صراع مختلف الفئات داخل كل واحدة من الطبقتين على طبيعة تحقيق هذه المصلحة؟ والصراع بين شرائح كل فئة على تحديد موقفها إزاء موقف الفئات الأخرى.

17- تجاهلت كتابات المثقف الإستعماري الكبير جون إستيوارت ميل الصراع الجذري بين مصالح الطبقات في المجتمعات الليبرالية التي تبيح حرية التملك الإنفرادي لموارد المجتمع وأي كان مساق أو شكل شرعنة أو تحقيق كل مصلحة طبقية إما كواحدة من الحريات العامة أو كواحدة من الحقوق والحريات الشخصية؟


18- بإسم السعادة وحرية الأفراد في تحقيقها برر المثقف الإستعماري الكبير تملك الطبقة الأنانية لجزء مهم من موارد المجتمع رغم كونها بتعداد أفرادها أقلية في المجتمع حامياً بفلسفة الحرية تحكمها في معيشة وحياة الطبقة الكادحة رغم إنها بتعداد أفرادها تكون الغالبية في كل دول العالم، وترك أمر إنها في كل الدول الليبرالية محرومة من التحكم في أمور معيشتها وكرامة وجودها!


19. كذلك تجاهلت كتابات المثقف الاستعماري الكبير عن أمور "الحرية" و"المصلحة العامة" تنوع أفكار الصراع بين الطبقتين في مجالات المعرفة والثقافة الملازمة لموضوعاتهم وشرعنتها أو تحريمها أياً كان نوع ومجال ذلك الصراع على شكل نشاط عملي أو كتعبير كلامي عن هذه المصالح بين هيئات كل طبقة أو متكلميها: الطبقة المتحكمة/البرجوازية والطبقة الكادحة.


20- عادة ما تقوم الأدلجة الرأسمالية بتجريد الأمور العامة في المجتمع والدولة وصراعاتها من طبيعتها الطبقية ومن ثم بزعم إنهم "مفكرون أحرار"، "مثقفين مستقلين"، يقدم المؤدلجون تصوراتهم عن شرعية الدولة ووضع الحقوق في المجتمع وفق حساب لا طبقي يلغي الجذور الإقتصادية لسياسات المجتمع والجذور المجتمعية لصراعات لإقتصاد وما إلى الحالتين من سياسات! زاعمين إن وضع الدولة الليبرالي ووضع الحقوق فيها يمثلان "غاية الإنسان" و"نهاية التاريخ" و"سدة تحقيق النفع" أو "المصلحة العامة" وإنجاز شبه الكمال في تجميع ناجح لتنوع "حرية الأفراد" وغير ذلك من عبارات الغرور. التي عادة ما تتجاهل أو تهمش دراسة العيوب الواضحة في الصورة الكبيرة أو تتجاهل أو تهمش السلبيات الظاهرة في كل جزء من من أجزاء اللوحة وتفاصيل وحداتها الصغيرة.


21- الزعوم المغرورة عن تحقيق الليبرالية أقصى الحريات العامة والفردية والمصالح العامة يكررها المدافعين عن حرية الإمتلاك الإنفرادي لموارد المجتمع وهو ما يمثل تزويفاً أو إنكاراً طبقياً وقحاً لطبيعة وحقيقة وجود الدولة والمجتمع والحريات في إطارين طبقيين رأسماليين يتيحان لنخبة الدولة الليبرالية ومجتمعها ما لا يتيحان لغالبية كل مجتمع أو لغالبية دول العالم وهما إطار رأسمالي محلي وإطار رأسمالي عالمي، نأهيك عن إنكاره المعالم الواضحة لسيطرة رأس المال على أمور الاقتصاد والمجتمع والدولة.*


22- النظر إلى الصراع الطبقي في مجالات الإقتصاد والمعيشة والفلسفة السياسية للحقوق والدولة يبين زيف صور التحديد أو التوسع اللاطبقي للشؤون العامة وصور التحديد أو التوسع اللاطبقي للأمور الشخصية، التي قدمها المثقف الإستعماري الكبير جون إستيوارت ميل.


23- المثقف الإستعماري الكبير جون إستيوارت ميل الذي تصوره أدبيات تعظيمه شخصية إنسانية مرهفة سبك تكوينها التمازج بين آلام مرضه بضيق التنفس وإزدهار تفكيره بسعة إطلاعه على كتب مكتبة والده ونشأته وسط العلماء هو من أكبر أساطين المعرفة والإدارة والمحاسبة في "شركة شرق الهند" (قبل افلاسها بأنانيات حرية التملك وتصفيتها)


24- كل الأمور التي أوردها خادم الإمبراطورية جون بكتابه "عن الحرية" وبكتابه عن "النفعية" أو "تحقيق المصلحة العامة" مع كونها صوراً مزوفة فأيضاً بإمكان المنصفين حسبها من محاولات فلاسفة الطبقة البرجوازية وهاماناتها في منتصف القرن التاسع عشر لتقديم تبرير متكامل يمحي فجيعة الثورات الخديج في شعارت بدايتها ويخفي طبيعة وصور نشأة ثم نموء وسيطرة الإستغلال والقهر الرأسمالي في مجتمعات بلدانها.


25- إرتبطت الصور الناعمة والصور الخشنة للقهر الرأسمالي بفكرة وممارسة حرية التملك والمتاجرة، وهي حرية سامة أو حرية خٌلب ظن مفكري الثورات البرجوازية اللب المعادية للإقطاع بشعارات "الحرية" و"الإخاء" و"المساواة" إنها تمثل أموراًموجبةة لوجود النشاط الحرفي التجاري من حيث:

(أ) ظنهم إنها تمثل الخلاص وإنها المنقذة لوجود محلات الحرف/التجارة الصغيرة من ضغوط غرامات وضرائب وعنصرية وتعكر مزاج الإقطاعيين واختلافات ورثتهم!

(ب) توهموا إن إنهاء تحكم الإقطاع يؤبد وجود محلات الحرف/التجارة يستديم سعادة أصحابها في الحياة!

(ج) توهموا ان اسقاط الملوك وتحديد حرياتهم وفتح حق إنفرادي للتملك موارد المجتمع لكل من يستطيع دفع الثمن، وإنقاذه محلات البرجوازية من جبروت الإقطاعيين والكهنة يمثل تحقيقاً للب النفعية والمصلحة العامة!

(د) توهموا ان تغييب جبروت الملوك سيحرر أمور السياسة العامة والعدالة في الدولة ويجعلها متاحة لجميع الناس يحيونها وفق مشيئتهم ! نسوا وجود ملوك المال وتحكمهم في كل مجال.


26- في الواقع كانت التغييرات المعززة للرأسمالية أموراً نخبوية صعبة متاحة لأصحاب القدرات المالية قبل أن توضح المعيشة والحياة وصراعاتها في أوروبا وأمريكا منذ القرنين الثامن عشر والتاسع عشر زيفها بالنسبة لغالبية الناس.


27- كانت إباحة حرية التملك الإنفرادي الكبير لغير الملوك رغم أو مع كل الفلسفة التي أخفت طبيعتها ومستقبل تكوينها لكوارث ومآسي طويلة الأمد كانت مجرد جسر سياسي تجاري الهدف عبر به مجتمع قادة البرجواز في الدول الإقطاعية التنظيم من حالة مساعد التحكم الإقطاعي إلى حال المتحكم.



28- كـ"مصلحة عامة" انتهت سيطرة البرحواز على أمور وموارد بلدانهم إلى مضاعفة أنشطة وعائدات الإستعمار الداخلي وكذلك مضاعفة أنشطة وعائدات إستعمار دولهم لموارد ومجتمعات البلدان الأخرى وهي البلدان التي تم غزوها وإستعمارها بالقوة العسكرية والتقتيل سواء كان ذلك الغزو والإستعمار العسكري قبل تلك الثورات التي قادها البرجواز أو نبع منها. فتحققت مصلحتهم العامة وسعادتهم بتدمير وشقاء الآخرين.


29- أيضاً كشفت بعض أوضاع الحياة الدولية وبعض صراعاتها المرتبطة بعمليات الإستعمار أو المرتبطة بعمليات مقاومته عن دور حرية التملك الإنفرادي والثروات المتولدة من هذه الحرية وإسهامها كمورد وكحجة في تبرير وشرعنة وحماية وترسيخ وزيادة التنظيم الإمبريالي وإدارته موارد غالبية دول العالم لتحقيق المصلحتين العامة والشخصية لسادة أكبر المراكز الرأسمالية العظمى في دول غرب أوروبا وأمريكا الشمالية.


30- تتحق مصالح الإمبريالية على حساب تحقيق المصلحتين الشخصية والعامة لأفراد ثلاثة أرباع مجتمعات ودول العالم أي قمع حرية أفراد الفئات والمجتمعات المستغلة وإشقاء لحياتهم يبتذل وجودهم ويعطل في كينونته وفي مظهره فكرة "تساو الناس في الكرامة" وهي من الأفكار القديمة المتجددة التي إستغلتها الأنشطة الحرفية التجارية في تكسير نظام الإمازات والتمييز الذي قننه نظام الإقطاع في مختلف البلاد أي إن أقصى درجات الحرية والنفعية تنفي أساسها الفكري المثالي، نفياً يتحاشى المحاسب الإستعماري الكبير الإشارة إليه!


31- في هذا السياق التاريخي لتطور عمليات القهر والسيطرة والاستغلال الممتد بقوة منذ ما قبل القرن السابع عشر إلى الفترة الحاضرة في القرن الواحد والعشرين يبدو للممحص إن كلام المثقف الإستعماري الكبير جون إستيوارت ميل عن "الحرية" و"الفردية" و"النفعية" و"المصلحة العامة" كان في فترته تلك وضمن أمور أخرى للكتابات العامة يمثل محاولة واعية أو لا واعية لوقف تطور علمية ونضالية التفكير الثوري، تلك العلمية والنضالية التي اتقدت بقوة في أتون ثورات غرب أوروبا 1848.


32- كذلك تمثل الصور اللاطبقية عن "الحرية" وعن "النفع" أو تحقيق المصلحة العامة التي رسمها المثقف الإستعماري الكبير جون إستيوارت ميل في كتابيه عنهما تمثل تزويفاً أو إنكاراً طبقياً وقحاً لمأساة معاني الحرية والمصلحة العامة في أوج الثورة الصناعية وتكسير تلك الثورة لطبيعة الإنتاج الحرفي وإهدارها كرامة غالبية الناس.

33- في نتيجة عامة أدت جذور وآثار الإستغلال الرأسمالي إلى تجمع وتبلور مقاومات الكادحين وبداية انتظامهم في مقاومة عالمية تجلت معالم طبيعتها بإصدار "البيان الشيوعي" الجليل، ذلك الذي يمثل في التأريخ الثوري الطبقي لتكون الأفكار السياسية وفي التأريخ الفكري السياسي لمعالم الصراع الطبقي مقدمة نظرية وعملية لبداية عمليات فتح وزيادة وتكريب وتجميع ثورات المرحلة الإجتماعية والتمهيد بنجاحاتها حدوثها واكتمال كثير من معالمها للإنتقال من المرحلة الإجتماعية إلى مرحلة بناء الحضارة الإنسانية.



34- في زمانها القديمذاك أي في منتصف القرن التاسع عشر جاءت تصورات المثقف الإستعماري الكبير جون إستيورات ميل عن أمور الحرية والنفعية والمصلحة العامة وقداسة الحرية الشخصية وأعمالها الرأسمالية جاءت كتصورات تضليلية وذلك لأنها:

(أ) قدمت موضوعاتها السياسية الإجتماعية خالية من الحقائق الطبقية، وهي حقائق وضحها "البيان الشيوعي" الجليل بكل ترجماته في العالم قبل عقد كامل من قيام المثقف الإستعماري ميل بإصدار كتابه عن الحرية ثم رديفه عن النفعية والمصلحة العامة.

(ب) تجاهله طبيعة الصراع بين الطبقات، نأهيك عن مواجهة احتمالات نصر وهزيمة طبقة معينة فيه؟

(ج) تجاهله حتمية تطور هذا الصراع لصالح الكادحين بتطور نشاطهم وضبطهم لأهم أمور وإتجاهات التغيير في مجالات المعرفة والحقوق السياسية والثورة الإجتماعية إلخ،

(د) تجاهله إمكانية إستعمال الطبقة الكادحة تطورات العمل والعلم الضبط لتنمية أمور الإقتصاد والمجتمع والثقافة والدولة بأساليب إشتراكية تبني بها عالماً جديداً لا طبقي القوام يلغي الأسس والنظم والنتائج الفكرية السياسية والإقتصادية لأنانية الإستغلال البرجوازي لموارد وجهود وخيرات عمل الكادحين،

(هـ) تجاهله إمكان نجاح بعض ثورات الكادحين في إلغاء مظالم قديمة وبناء وضع جديد لا طبقي بإستعمال أفكار وأساليب وأهداف إشتراكية وديموقراطية شعبية تنتهي بقيادة كل الفئات الكادحة إلى حال تعاونيات كبرى وإدارات ذاتية متناسقة تحسنها في مستقبل زمانها ذاك ومرحلته الإنسانية القادمة مع فلسفات الذكاء الإصطناعي و "ما بعد الوعي" كم من ثورات الابداع الفني والجمالي.

-----------------------------------------------------------------------------------------------------
إضاءات :
1-
https://plato.stanford.edu/entries/mill/

2-
https://www.britannica.com/biography/John-Stuart-Mill

3-
https://socialsciences.mcmaster.ca/econ/ugcm/3ll3/mill/liberty.pdf
https://socialsciences.mcmaster.ca/econ/ugcm/3ll3/mill/utilitarianism.pdf

4-
https://gradesfixer.com/free-essay-examples/contradictions-in-on-liberty-the-weaknesses-of-mills-pillars-of-freedom/

5-
https://core.ac.uk/download/pdf/159598189.pdf

6-
https://www.repository.cam.ac.uk/bitstream/handle/1810/247047/

7-
https://bigthink.com/politics-current-affairs/why-john-stuart-mill-was-a-capitalist/

8- https://gradesfixer.com/free-essay-examples/assessing-the-trolley-problem-by-utilitarian-and-deontological-approaches/

9-
https://www.marxists.org/archive/marx/works/1844/james-mill/

10
https://gradesfixer.com/free-essay-examples/mills-alternative/

11-
https://blogs.commons.georgetown.edu/engl-161-spring2013/2013/02/25/comparing-on-liberty-to-the-communist-manifesto-how-does-each-view-individuality/

12-
https://www.alqabas.com/article/499448

إنتهى