مرور عابر على - أنفاس مستعملة -, للقاصة - غادة صلاح الدين-


محمود حمدون
2023 / 2 / 3 - 00:02     

" أنفاس مستعملة "
للقاصة : غادة صلاح الدين
صادرة عن دار المفكر العربي
مجرد مرور عابر على مجموعة قصص استثنائية
محمود حمدون
====
العنوان –الغلاف- الإهداء
ثلاثة أمور وقفت أمامها قبل البدء بقراءتها:
-العنوان, جاذب, غريب, لدرجة أن قفز لذهني أن كثيرًا من أمور حياتنا الومية باتت مستعملة, لكن لم أتصور أن يصل الأمر لحد الأنفاس التي تتردد في الصدور , أسئلة كثيرة طرأت على الذهن أمام "العنوان"
-الغلاف, هو حكاية في حد ذاته, يحمل من الجرأة الكثير بخاصة من كاتبة, بخاصة وأن غالبية الأدباء الآن يتحسسون مواضع أقدامهم, يتجنبون ما ثد يثير زوابع ضدهم, يتخيّرون الرمز في تصميم الغلاف أو المتون السردية بنصوصهم, يناورون يمينًا ويسارًا لتمرير أفكارهم. لكنّي وجدتني أمام غلاف يبعث رهبة في النفس, يدفع القارئ دفعًا للانغماس بداخل قصص المجموعة, تحرّكه دوافع ما أو تثيره ذكريات غامضة.
-الإهداء, جديد, فلم أعهد أن تُهدى مجموعة قصص إلى الشعر, أو إلى "الأنقياء", رغم غموض الكلمة, رغم صعوبة تحديد من النقيّ من الناس الآن. لكن للكاتبة أن تخطّ بيمينها إهداءً لمن تشاء وكيفا تشاء.
" أنفاس مستعملة"..
تقع في مائة وستة عشر صفحة, تتكون من ست وعشرين قصة , السادسة عشر منها هي القصة الرئيسة" أنفاس مستعملة".
المجموعة من الوهلة الأولى قد يراها البعض أنها تندرج تحت مسمى " الأدب النِسوي", من حيث التقاء النص هنا مع كثير من معاناة المرأة وقضايا مجتمعية كثيرة تتماس أو تتقاطع مع مشكلات المرأة بوجه عام, ذلك إن نُظر إلى " أنفاس مستعملة", من هذا المنظور الضيق, غير أن الواقع يخالف هذا الزعم إلى حد بعيد, فالكاتبة هنا تثير قضايا مجتمعية كثيرة, تحرّرت بمهارة ورشاقة الأنثى ( الرشاقة العقلية – مهارة السرد) في التنقل بين موضوعات سردية متباينة, أقلّها ما يتعلق بالزاوية النِسوية الضيقة ( كثير من قصص المجموعة تأثرت بشكل خاص بما يدور بأروقة المصالح الحكومية والوظيفة العامة وكم العوار الجاري بها )
لعّل اختيار عنوان المجموعة لم يأت من فراغ, فالقصة الرئيسة " أنفاس مستعملة", تُجبر القارئ بعدما ينتهي منها, أن يعود إليها, يقرأها بتؤدة, أجزم أنها ستثير غضبه, ستلاحقه في صحوه ونومه, ستفزعه إلى حد أن يُنكر القصة كلها, غير أنه بقرار نفسه يعلم أن المجتمع يفيض عن آخره اليوم وربما منذ بعيد بمآسي يندى لها الجبين, أن الخط الأحمر تلاشى منذ فترة كبيرة بين الصح والخطأ, بين الحلال الحرام, أن البيوت مقفلة على مصائب لا يتصورها عقل, أن الكثير منها بات في حكم المسكوت عنه.
الكاتبة جريئة, حادة في صياغتها للقصة , تكبتها بأظافرها أو بسكين حادة بدلًا من قلمها .. أكتفي بفقرة من القصة, تقول فيها على لسان البطلة " أنا زوجة لرجل أكثر من اللازم, يضع بصماته كل يوم في جسدي وأنا أستمتع بذلك, حتى تحوّلتُ إلى سجل من اللحم بلا مشاعر, يخطُ فيه بقلمه كل يوم بضعة اسطر..... "
صراع نفسي مؤلم, غَيرة في محلّها, شك يرتفع ببطئ لمرتبة اليقين, رسالة بعثت بها قارئة لصحفية تستطلع رأيها أو ترجو نصيحة منها.. غير أننا نجد أنفسنا قبالة نهاية مفتوحة , مأنما تُخبرنا القاصة أن الحياة لا تمنحنا تلك الرفاهة.