ضربات روسيه ساحقه للنفوذ الفرنسي


ليث الجادر
2023 / 1 / 23 - 14:00     

اذا كان انهيار الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن المنصرم كان يعني انهيارا سياسيا للمعسكر الاشتراكي الدولي , فانه لم يكن يعني ابدا انهيار النظام الدولي الثنائي القطب الا بكونه مرحله انتقاليه نحو اعاده تشكيل القطبيه , مرحله تعد بها روسيا الاتحاديه التي ثبتت حقها كوريث شرعي للاتحاد السوفيتي وتهيء مقاليد سياستها وفق قوانين اللعبه الراسماليه لان تلعب دور القطب الدولي , انها مرحلة اعاده تنظيم ورثها بما يتلائم مع المنهج الراسمالي الليبرالي , لم تكن روسيا (شبح الاتحاد السوفيتي ) ولا الصين ..بغائبتين عن الفعل والحضور في مشهد القرار السياسي الدولي بمستواه في القضايا المحوريه ’ كما شاع وبشكل عام في الادبيات والتحليلات السياسيه , بل ان مفهوم القطب الاوحد كان وعلى عكس هذا المفهوم الشائع قد نال من فعالية ودور القوى الاوربيه التي صارت تحت وصايه كامله للسياسه الامريكيه , اوربا هنا تحولت الى مفرده تراكل بين الولايات المتحده والصين من جهه وبين مشاغلة الروس وبين الولايات المتحده من جهة اخرى ...سياسة القطب الواحد لايمكن اقرارها بشكل واضح ودقيق الا بهذا المعنى ..الولايات المتحده كدوله ( وهي ليست دوله بالمعنى الدقيق ) وكموؤسسات راسماليه كبرى تدرك جيدا ان نفوذها المستقر الكامل في روسيا او الصين هو ضرب من الخيال , لكنها تعي تماما ان اوربا العجوز هي المرتكز الاقل تكلفة والاسهل ادارة من ان تقوم باسداء خدماتها لها ولراسمالها وطموحاته , وحينما يكون هدف الاطاحه بروسيا والصين هدفا مستحيلا وكلما حلت مناسبه لضروره طرح هذا التساؤل ,يكون خيار انماء الشروط التي تجعل من اوربا مضطره الى الارتماء في احضان الولايات المتحده بمزيد من الخنوع والتطوعيه , امرا مفرغا منه ...هذا هو المعنى السياسي لوصف اوربا بالعجوز , وهذا الوصف يعبر ايضا عن جمود عقائديه اوربا المتمثل بمنهجها التقليدي في انماء قوتها وثروتها عن طريق ترميم ارثها المتهاوي يوما بعد يوم في مستعمراتها القديمه ! هذا الارث الذي تتجسد امام مراى الدب الروسي كقدم ارخبيل الذي يمكن مهاجمته دون الاخلال الفاعل والخطر بخطوط التماس مع النفوذ الامريكي , هذا ان لم يكن يمثل في البعد الستراتيجي خدمة للولايات المتحده ؟! كانت بريطانيا اسرع زعامات اوربا قراءة لهذه الحقيقه , لهذا سارعت للانفكاك من قفص الاتحاد الاوربي واعلن قادتها بشكل صريح بان البركيست انما الخطوه المصيريه الوحيده لان تعود بانكلترا كدوله ذات نفوذ عالمي ..حققت بريطانيا جزء تمهيدي كبير من هدفها هذا بعودتها القويه الى سلطنة عمان وامساكها بخناق مضيق هرمز وهو الحدث الذي بقي مستبعدا عن انظار الاعلام والادبيات السياسيه – وهذا امر ملفت للنظر – كما انها تتقدم بهذا الاتجاه في العراق وبالذات بعد ماعرف ب(الاتفاضه التشرينيه ) ...الدفاع الاستباقي البريطاني هذا جعل انظار الدب الروسي تتركز نحو مناطق نفوذ فرنسا وبالتحديد في الساحل الافريقي ..فروسيا بعد عام 2014 وبعد استحواذها على جزيره القرم بدأت بهجوم ناعم وزاحف نحو التواجد الفرنسي في كل من افريقيا الوسطى ومالي وتشاد , كما انها هيئة لها مرتكزا في السودان وليبيا , ففي تشاد تساند روسيا( جبهة الوفاق من اجل التغيير) وساهمت قوة فاغنر الروسيه باغتيال الرئيس التشادي السابق ادريس دبي ..الذي تحاول فرنسا من ان تبقي على حكمه للبلاد وتدعم بشكل مباشرخليفته وابنه محمد ادريس الذي يراس السلطه من خلال المجلس العسكري الانتقالي منذ عام 2021 ؟..وفي افريقيا الوسطى استدب الامر لصالح روسيا في عام 2021 باعلان وصول دفعه جديده من العسكر الروس البالغ عددهم 600 وليصل العدد الاجمالي الى 1200مقاتل بينما تقلص عدد الوجود الفرنسي الى ما دون 300 ,وكان قبل هذا وتحديدا في اب من عام 2020 قد بدات فرنسا باجلاء قواتها من جمهوريه مالي واكملت انسحابها في اب 2022 لتحل قوات فاغنر ومدربين عسكر روسيين محلها ...وفي مطلع هذا العام طلبت سلطات جمهوريه بوركينا فاسوا وتزامنا مع الاحتجاجات الشعبيه , من فرنسا سحب قواتها في غضون شهر من البلاد , مستعينة بقوات فاغنر الروسيه لتحل محلها في مواجه الارهاب ’ الذي تتهم القوات الفرنسيه بالتعاون المبطن معه!...وليس ببعيد عن الميدان الليبي الذي حققت فيه روسيا انتصارا ساحقا على فرنسا , فانها انجزت مهمه ستراتيجيه تاريخيه حينما اسست قاعده عسكريه في ميناء بورت السودان وهذا القاعده على الرغم من صغرها الا انها متطوره تكنيكيا بالقدر الذي من الممكن اعتبارها قاعده للردع النووي ..ان هذه الصفعات تقدم لنا امكانيه قراءه حقيقه لطبيعة الدور الفرنسي وموقفها المتحمس ضد روسيا والمنحاز بلا قيد لاوكرانيا في الحرب الدائره الان , ويوضح كيف ان دول الاتحاد الاوربي تنطلق في انحيازها لاوكرانيا من منطلق المجال الحيوي لامنها القومي مثل المانيا التي كثيرا ما تتردد في اتخاذ قرارات راديكاليه وبين فرنسا التي تندفع وتدفع بحكم زعامتها للاتحاد الاوربي الى حيث تتلاشى فيه فرص الحوار والتفاوض ..