حزب/اللاحزب الامبراطوري الكوني العراقي؟/4


عبدالامير الركابي
2023 / 1 / 16 - 20:42     

قد نكون بحاجه ماسة للعودة الى ماركس بالذات لوضوح وقطعية ارائه، وبالاخص جملته الشائعة الشديدة البلاهة القائلة: " ان تاريخ الجتمعات ماهو الا تاريخ صراع طبقات" ولاغرابه فيما ذهب اليه واراد ايصاله لغيره، بل الغرابه في اعداد من امنوا ومازالوا يؤمنون بهذه الخرافه المجافية لابسط الحقائق التاريخيه والمجتمعية، مايعيدنا بهذه المناسبه الى سطوة النموذج المنتصر المتغلب، واثر القوة على القناعه، وعلى مايعتبرالحقيقه، وماركس معتبر من اعظم مفكري النهضة والحداثة الغربيه، لابل هو معدود من اهم مفكري البشرية عبر تاريخها المديد، علما بان نظريته والمقوله المحور التي ذكرناها عنه بغاية السذاجه، ولاتستحق الكثير من الجهد العقلي لكي تفند، فالتاريخ بالاحرى هو تاريخ التفاعلية المجتمعية الازدواجية، والازدواج الطبقي هو احدها، وهو قائم تحت طائلة المجتمعية وضمن سقف تفاعليتها لاالعكس، وبخلاف مايوحي منظر الثورة الاشتراكيه، فان التاريخ لم يعرف اطلاقا تتابعية طبقية انتصرت فيها الطبقات المتقابله، والتي يستغل احدها الاخر مباشرة، على بعضها وتحديدا الادنى على المستغل، الا ضمن العملية والاطار المجتمعي، فالعبيد يتحولون في مجرى التفاعليه الى فلاحين، يقابلهم اقطاع اخر تملكي للارض بدل امتلاك الارض والعاملين عليها، والبرجوازية الحاله مكان الاقطاع، يقابلها مناظرجديد تولده المجتمعية بفعل عنصر من خارج العملية المجتمعية، هو الطبقة العاملة، حيث المنتهى المجتمعي البيئي، وحيث لايمكن توقع ظهور بدائل واحد مابعد برجوازي، وآ خر بديل للطبقه العامله، حتى تستقيم العملية المجتمعية وتتوازن تفاعليتها الازدواجية، وقاعدة سيرورتها التاريخيه، علما بان حلول البرجوازية محل الاقطاع استوجب تغييرا في الاليات المجتمعية، وفي المجتمعية كظاهرة، بنقلها من وحدة البيئة، الكائن البشري، وتفاعلهما، الى التصادمية الالية مع الوحدة الثنائية الاولى الطبيعية البشرية، مايعني مجتمعية مختلفة.
ويجبر ماركس المجتمعية كظاهرة على الاصطفاف ضمن صنف واحد هو البيئي اليدوي،حتى يطبق عليها قوانين من خارجها، يفترضها او يسقطها على المجتمعية الالية التي لايعرفها، ولم تتسن الفرصة وقتها وابان القرن التاسع عشر لقراءتها، او التعرف على مترتباتها، واذا كانت هي حالة تواصل واستمرارية مجتمعية اصلا، ام انها يمكن ان تكون من قبيل انتهاء الظاهرة الاجتماعية، وتوقف الياتها، وكل هذا يجعلنا بمواجهة حالة من الاعقال مبهمه وغير مستكملة، قبل توخي المطلوب منها على مستوى التشخيص، عدا عن الاستنتاج والخروج بخلاصات توهمها ماركس مستعجلا، مسقطا منهجياته الانسايوانيه المجتمعية الارضوية الاحادية، على لحظة من التاريخ متعدية للارضوية والاحادية، تلك هي لحظة الانتقال الى الالة، الامر الذي ماعاد يتيح او يسمح باستمرار الغلبة الارضوية باي من اشكالها، او تحوراتها، وبالذات المتاخرة الحداثوية منها، واهم نماذجها الماركسية.
بالطبع تذهب الماركسية بنا على افتراضها المختلق، الى بناء لوحة شامله للاصطراعية المحورة، القائلة باستقلالية اي لامجتمعية "الطبقه"، او وضعها بموضع الاعلى والهدف، مقابل وخارج المجتمع التي هي في خدمته، ونتاج تفاعليته وسيرورته الذاهبة الى مابعد مجتمعية، وسيكون علينا هنا ان نجد في الاقتصاد المتخيل من حيث الديناميات، والتاريخ ومحركاته، والديالكتيك وحضوره، لنخضع لمسارات "المادية التاريخيه" وحتميتها المفبركة، المرسومه بخدمة الافتراضية الذهنية الطبقية التعاقبية.
وهنا ولاشك تتجلى على الاجمال السقطة القصورية الكبرى للغرب الحديث ومنظوره لذاته والعالم، ومااتصل به من توهمية، هي في الجوهر قصور عقلي متجدد امام الظاهرة المجتمعية وابعادها، ومساراتها المقررة ومنتهيات وجودها، وهي خاصية بشرية "انسايوانيه" ملازمه للكائن المومى اليه ف"الانسايوان" بالامكان تعريفه اذا مااعتمدنا اهم واخطر خاصياته، بانه ذلك الكائن القاصر امام الظاهرة المجتمعية، العاجز عن ادراك منطوياتها، مبتدا وانتهاء وبالاخص خلال محطتين، الاولى التاسيسية الرافدينيه، والاخيرة الغربية الاوربية، مع فارق كون الحالة الثانية بالاحرى يمكن ان يترتب عليها خطرهائل، قد يشمل وجود الظاهرة الحية البشرية.
ومهما بلغت العلوم واشكال المعرفة البشرية الانسايوانيه من ارتقاء مواز للتفاعلية المجتمعية التاريخيه، والى اي افق او مدى امتد حضورها وفعلها، فان الناحية والجانب الاساس الذي يظل العقل البشري مع غيابه، في حال ادنى من اشتراطات الوجود ووعيها، هو ادراك الحقيقة الاساس المجتمعية التحولية الازدواجية، والقوانين المودعة فيها، والسائرة بها الى مايتعداها، ذلك لان اي علم، وكل المعارف التي تتاح قبل التحول من "الانسايوان" الى مشارف "الانسان" الذاهب الى مابعد ارضوية، هي اكتشاف ضمن نطاق وممكنات ادنى عقلا وواقعا، مايضع تجاوز النكوص وصولا لادراك عمق الظاهرة المجتمعية بناء عليه، بموقع قاعدة العلم الاساس، الذي به فقط تكتسب المعرفة بعدها الموافق للغاية والمستهدف الكوني، قبله يظل مايعرف بالعلم والاكتشاف خارج ذاته، وفي ادنى مايمكن مما هو مهيا لكي يؤديه من مهام على الصعد التي هو ميسر لها، مايجعل من الواجب تغيير نظرتنا للمعارف والعلوم المتداوله، باسقاط الاطلاقية الانسايوانيه الراهنه عنها، لصالح الرؤية التي تفرق بين ماقبل ادراك الحقيقة المجتمعية، ومابعده.
ثمه اذن في التاريخ البشري حالة معاشة راهنه، تظل قصورية غير قادرة على ادراك ذاتيتها الوجودية وتفاعلها التاريخي بما هو تاريخ " تصيّر" ولزوم لامهرب منه، بموجبه وبناء علية يترقى العقل ويكتسب صيرورته الذاهبة الى حيث يصير بحال تؤهله للاكتمال، ووقتها يدخل الازدواج العقل/ جسدي البشري، خانه التغلب العقلي، بعد ان يكون العقل ويظل واقعا تحت ثقل الجسدية المتبقية غالبة من ايام الحيوانيه، وتستمر ابان طور الازدواج العقل/ جسدي غالبة تحت طائلة الحاجاتية، وان يكن العقل وقتها قد احتل موقعا وحضورا مختلفين، بالقياس الى الطور الحيواني الاطول بما لايقاس حين كانت الجسدية غالبة بصورة كاسحه، الى ان انتصب الحيوان على قائمتين، وحقق العقل قفزته الحالية، وظهر الكائن "الانسايوان".
اذن الكائن الحي هو "حيوان" ابتداء ، ثم "انسايوان" ومن ثم "الانسان"، وهو كائن مزدوج كينونة، مايميز الاول الغلبه الجسدية شبه المطلقة، في حين يتميز الثاني بحضور العقل، انما بظل الغلبه الحاجاتيه الجسدية، الى ان يتجاوز العقل قصوريته، ويتحرر من وطاة الجسدية، ليغدو من وقتها "الانسان"، واما الفارق الحاسم بين النوعين المتاخرين، فهو كامن في المجتمعية وادراكها، وترقي العقل لمستوى كشف النقاب عن مضمرها، وماهي موجودة لكي تبلغه وتؤول اليه، والقوانين الناظمه للعملية المذكورة.
وليست القفزة الادراكية هي لوحدها التي تؤمن الانتقال الاكبر الى "الانسان" ونوع تفاعليته التحولية فوق الارضوية، الذاهبه الى الكون الاخر، اذ لابد هنا من توفر عاملين، مادي من نوع مايعرف بوسيلة الانتاج، ومعرفي هو كشف النقاب عن السر الكامن في الظاهرة المجتمعية، وهاتان الضرورتان هما متحقق خلاصة انتهائي، عندهما تستقر المسيرة المجتمعية، بينما يكون النموذج البدئي اللاارضوي قد ظل طيله هذا الزمن موجودا، من دون تحقق، يعبر الدورات والانقطاعات بانتظار الانعطافة العظمى، فالمجتمعية تبدا لاارضوية، شكل تجليها سماوي مفارق للنمط المجتمعي الارضوي، هو التجلي المطابق لاشتراطات العيش على حافة الفناء، بيئيا كما وجدت في جنوب ارض مابين النهرين، في ارض السواد، وسومر منها كمنطلق اول، ليبقى النوع او الصنف المستقبلي المشار له، بحال لاتحقق، ينتظر توفر الاسباب المادية والاعقالية اللازمه، بينما البشرية غالب على تفاعليتها، ماهو احادي ارضوي مفهوما وبنية، هي صنو ومقابل الجسدية داخل الازدواج البشري المفرد، تظل سائرة تفاعلا باتجاه الغاية المقررة والمقدرلها بلوغها.
فهل افلحنا ياترى في رسم ملامح اللوحة التحولية المجتمعية بدءا ومسارا وغاية، ربما قد امكن لنا ذلك وان يكن بالحدود الادنى الاقرب للمقبول، وهو مانريده ونحتاجه اليوم، لكي نتقدم به الى العالم بالعموم، وبالتحدبد للموضع المتحول اومن جديد، وكما لم يسبق له ان فعل الى نقطة الانعطاف التحولي الاعظم المنتظر، مع الغرق المتاخر في اشتراطات " فك الازدواج"، والطور الثاني من اشتراطات "العيش على حافة الفناء" المستمرة من عام 1980 مع الحرب العراقية الايرانيه، اطول حرب بين دولتين بعد الحرب العالمية الثانيه، وماتبعها من سلسله حروب وحروب كونية واهلية، وحرب متفجرات ضحاياها تساوي ضحايا حرب بين دولتين، وحصار هو الاقسى المضروب على دولة في التاريخ، وافناء كيانيه "دولة" بعد 82 عاما من فبركتها من قبل الغرب المحتل، وصولا الى الافنائية الشاملة بغزو الامبراطورية المفقسه خارج رحم التاريخ، وصولا الى الحال الحالي، حيث اختفاء الكيانيه والذاتيه، مع الخروج على اية قاعدة او نموذجية قائمه، حيث لاعراق اليوم من دون ادراك الذاتيه الغائبة المتعذرة منذ قرابة عشرة الاف عام.
اما الفناء او وعي الذات المتعذرة المؤجله "الغائبة"، الامر الذي يتعدى ارض الرافدين بذاتها ليصبح بمثابة قانون كوكبي، حل على البشرية اليوم انتداء من الانقلاب الآلي، ماصار يفرض بالقوة الضرورية القصوى، الذهاب الى مابعد عقل انسايواني، كان واستمر هو بكينونته، المانع الحائل دون الغوص بين تضاعيف المجتمعية، والكشف عن منطوياتها حتى الساعة، وهو ماسوف نبدا بالخوض فيه، وتلمس بداياته، بتوجية "النداء الاعظم" الى ابناء الارض الاولى البدئية الانتهائية، ارض مابين النهرين، وهو ماسيكون جهدنا القادم.
ـ يتبع ـ/ملحق:
النداء الاعظم: ياابناء ارض الرافدين