لماذا فشلت الثورة المضادة في البرازيل ؟


رضي السماك
2023 / 1 / 16 - 20:10     

هذه واحدة من الثورات المضادة الأنقلابية الأسرع فشلاً في أمريكا اللاتينية، ونعني بها ما وقع في مطلع الإسبوع الماضي في البرازيل من أحداث جسام على درجة من الأهمية في خطورتها ودلالاتها، وإذ تابع العالم كله مجرياتها ، فإنها لم تكن واقع الحال مفاجئة لكل من تابع مقدماتها وجذور وأسباب حدوثها، ذلك بأن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في خريف العام الماضي والتي أسفرت عن فوز الرئيس اليساري لولا دا سيلفا على غريمه اليميني المنتهية ولايته جابير بولسونارو لم تكن حاسمة بنسبة كبيرة، بل أقرب إلى التعادل، (9’59% مقابل 1’49%) . ولما كانت هذه النتيجة سليمة غير مزورة، فهذا يعني ثمة أنقسام نصفي عميق في المجتمع البرازيلي، عبّرت عنه نتيجة الانتخابات. وهذا الأنقسام جرى على خلفية الصراع الطبقي الحاد الذي شهدته وتشهده البرازيل منذ عقود طويلة، تخلل معظمها الحقبة الفاشية العسكرية التي أستمرت زهاء عقدين ونصف حتى منتصف الثمانينيات . كما لم يأت ذلك الانقسام من تلقاء نفسه بالكامل بعيدا عن تدخلات القوى الكبرى ذات المصلحة في تعميق ذلك الأنقسام ذاته ، وعلى رأسها الأمبريالية الأميركية، إذ لطالما أعطت هذه الأخيرة لنفسها حق هذا التدخل والوصاية على دول أميركا اللاتينية، والتي اعتبرتها منذ عقود طويلة بمثابة "حديقتها الخلفية" لتسرح وتمرح فيها كما تشاء بلا حساب وبلا رقيب. وبالتالي فلا نتوقع بأن العملية الديمقراطية في هذا البلد الجميل بشعبه وطبيعته ستجري بسهولة وبيسر بعد عقود طويلة من الحقبة العسكرية التي تقف خلفها الولايات المتحدة، هي التي عملت بلا كلل على اسقاط عدد من حكومات الأنظمة الديمقراطية الجنينية الواعدة بالتطور ، ولعل أشهرها حكومة الوحدة الشعبية بزعامة الرئيس الاشتراكي المغدور سيلفادور الليندي في شيلي حيث دبرت له إنقلابا عسكريا بزعامة بزعامة عميلها الجنرال أوجستينو بينوشيت، والذي أنتهى باستشهاده داخل قصره المحاصر بالدبابات عام 1973 والقصف من الجو . وبسبب فجاجة تلك الثورة المضادة في البرازيل من خلال ذلك الأنقلاب الفاشل واخراجه المتعجل السيء لم تترك المحاولة الأنقلابية على الرئيس الشرعي المنتخب لولا دا سيلفا المجال للرئيس الأميركي جو بايدن وحلفائه الغربيين سوى ادانتها على استحياء ، سيما وأنها جاءت في أحداثها أشبه بنسخة مطابقة لما جرى من قِبل أنصار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 6 يناير 2021 حيث حرّض أنصاره على اقتحام مبنى "الكابيتول" بمجلسيه، الشيوخ والنواب، بدعوى تزويرالانتخابات. بينما بعد عامين بالضبط جرى سيناريو برازيلي مشابه للسيناريو الأميركي، لكن تم احباطه، وثبت أن الرئيس السابق اليميني السابق الفاشل في الانتخابات ،جايير بولو سو نارو، هو من يقف خلف التحضير له، وهو الذي حضّر لتلك المحاولةالأنقلابية حيث اقتحم أنصاره مقار السلطة، كالبرلمان ومقر المحكمة العليا، وعاثوا فساداً فيهما مخلفين أضراراً هائلة. وهكذا لم يحدث قط أن عمل الأستعمار الكولونيالي الغربي على غرس وتطوير نظام ديمقراطي لا يرتهن لمصالحة في أي منطقة أحتلها في العالم، سواء خلال الحقبة الاستعمارية الاوروبية ، أم خلال الحقبة الأميركية التي ورثت الأولى، وبرزت بوجه خاص في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فما بالك أن العم "سام" كان لديه وجود فيما يسمى "حديقته الخلفية" منذ القرن الثامن عشر!