دور الامبريالية العالمية في الحروب المحلية (2)


خليل اندراوس
2023 / 1 / 13 - 15:44     

وهنا اريد ان اذكر بعض الحقائق التاريخية لإرهاب الامبريالية العالمية، فلقد كان لومومبا اول رئيس وزراء انتخبه الشعب الكونغولي ديمقراطيا والثابت توليه مهام منصبه عام 1960. وهنا اذكر دور عميل المخابرات الامريكية موبوتو في هذه المؤامرة والذي بدل اسمه عام 1972 الى " موبوتو سيسيسيكو نكوكو ناجيندو وازابانجا" وتعني باللغة السواحلية الافريقية "المحارب صاحب القوة الكاملة في التحمل والارادة الصلبة للانتصار صاحب الفتوحات حامي الشعب".

فموبوتو هذا عشق الصحافة منذ صغره وتولى في مدرسة الكنيسة تحرير مجلة فصله. وعندما بلغ مرحلة التعليم الثانوي عمل كصحفي تحت التمرين لدى صحف محلية.اشتهر موبوتو في الدراسة بتفوقه في اللغة الفرنسية وآدابها التي علمته اياها زوجة القاضي البلجيكي العام الذي عمل والده كطباخ لديها والتحق بعد ذلك بالخدمة العسكرية بالجيش الكونغولي تحت قيادة القوات البلجيكية المحتلة.

استمر موبوتو اثناء خدمته العسكرية بالعمل كمراسل صحفي عسكري لحساب قيادة الجيش كما عمل في الاجازات لحساب مجلة اخبار افريقيا الصادرة باللغة الفرنسية في العاصمة – كينشاسا – ليوبولدفيل.

في العام 1956 ترك موبوتو الخدمة العسكرية وعمل كصحفي محترف لحساب صحيفة ليوبولدفيل اليومية حتى كلفته ادارتها عام 1958 بالسفر الى العاصمة البلجيكية بروكسل كأول صحفي كونغولي الجنسية لتغطية فعاليات افتتاح معرض بروكسل الدولي للتجارة الذي اقيم خلال الفترة من 17 ابريل حتى 19 اكتوبر عام 1958. وهناك انتهز موبوتو الفرصة والتحق بالجامعة في بروكسل واستقر بها لشهور ودرس خلالها اصول الصحافة، وفي تلك الفترة جندته الاستخبارات الحربية البلجيكية للعمل لحسابها وكلفته بالتجسس على "باتريس لامومبا" واول رئيس انتخبه الشعب الكونغولي ديمقراطيا. فقام موبوتو "المثقف" الخائن بالتقرب من لومومبا الثائر الافريقي الذي تصادف وجوده يومها بالعاصمة بروكسل ونجح في اقناع السياسي الافريقي الشاب لومومبا بحاجته الى سكرتير ومتحدث بأسمه، فمنحه لومومبا شرف العمل بجانبه، وعندما نال موبوتو ثقة لومومبا الكاملة عينه رئيسا لأركان الجيش الكونغولي الشعبي وتحت قيادة الجنرال " فيكتور لوندولا". عندها حرك الاستعمار البلجيكي أذرع الفساد في الكونغو ضد الثائر باتريس لومومبا الذي طالب يومها باستقلال الكونغو عن بلجيكا ودخلت البلاد في حرب اهلية وقفت فيها الدول الغربية والولايات المتحدة واسرائيل خلف موبوتو، بينما طلب لومومبا الدعم من الاتحاد السوفييتي فأرسلت موسكو معدات حربية لا حصر لها مع أطقم خبراء عسكريين روس لتشغيلها. حينها قررت وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية (سي آي اي) بالتعاون مع الاستخبارات البلجيكية ومؤسسة الاستخبارات والمهام الخاصة " الموساد" دخول الحرب الأهلية وشكلت الاجهزة الثلاثة ميليشيات عسكرية غربية محترفة حاربت ضد قوات لومومبا لتحقيق اهدافها الاستعمارية المتوحشة.

كما ساعدت تلك القوات موبوتو على تولي زمام الامور في الكونغو (وهذا ما قامت به الولايات المتحدة الآن من خلال التدخل المباشر في الانتخابات التي اوصلت النازي زيلينسكي الى السلطة في اوكرانيا د.خ) في انقلاب لم يكتمل بتاريخ 14 ايلول عام 1960، لكنه نجح في وضع لومومبا رهن الاعتقال المنزلي، وفي 17 يناير عام 1961 قرر موبوتو القاء القبض على لومومبا واتهمه علانية بالعمل لحساب الاتحاد السوفييتي والدول الشيوعية. وتحت تأثير الاعلام الغربي والتدخلات السياسية من قبل الولايات المتحدة تم تشويه الوعي الاجتماعي السياسي لفئات من شعب الكونغو والتي أدت الى المطالبة بالقصاص من لومومبا، فمنح موبوتو للجمهور الغاضب فرصة الاعتداء بالضرب المبرح على لومومبا الذي اختفى يومها حتى أعلن بعدها عن مصرعه في ظروف غامضة بينما حصدت الحرب أكثر من مليون مواطن كونغولي.

وهكذا بدعم امريكي غربي امبريالي اسرائيلي صهيوني وصل الى السلطة في الكونغو أبشع ديكتاتور افريقي عاصرته القارة السمراء واكثرهم فسادا في العصر الحديث. وهذا الحدث الاجرامي اي قتل باتريس لومومبا، دليل على ان الامبريالية العالمية وخاصة الولايات المتحدة وقاعدتها الامامية في الشرق الاوسط اسرائيل يمارسون الطرق الواسعة الانتشار والشيطانية من اجل صيانة سيطرة الدول الامبريالية في البلدان النامية من خلال فرض الانظمة العميلة والانظمة العسكرية الدكتاتورية عليها.

وعندما تهب الجماهير الشعبية للنضال ضد الحكام المأجورين يمارس الامبرياليون سياسات التدخل الاعلامي والاقتصادي والسياسي والعسكري بحجة " الحرية والديمقراطية" ويقمعون الحركات التحررية بقوة السلاح. وتجري مثل هذه الاعمال على الدوام ضد الدول العديدة في افريقيا وامريكا اللاتينية وآسيا. وهذا ما تفعله الامبريالية العالمية في اوكرانيا اليوم. وهذا ما تمارسه الولايات المتحدة في لبنان من خلال خطة مشتركة مع اسرائيل هدفت وتهدف القضاء على حزب الله في لبنان ولقد فشلت الولايات المتحدة واسرائيل في ذلك.

وهنا أذكر بأن ادارة بوش المتواطئة مع اسرائيل وضعت خطة للقضاء على حزب الله في جنوب لبنان حتى يتم التمهيد لضربة جوية امريكية قاصمة للمنشئات النووية الايرانية دون ان يأتي رد ايراني موجع لإسرائيل بصواريخ حزب الله وان يكون استعراض القوة العسكرية في لبنان اشارة واضحة وعبره لإيران في اي مواجهة عسكرية مع امريكا. ومما يفضح الدور الامريكي في الحرب الاسرائيلية ضد لبنان وحزب الله عام 2006 ما نقلته التقارير الصحفية من ان الرئيس الامريكي بوش في ذلك الوقت كان غاضبا من الاداء العسكري الاسرائيلي الضعيف والباهت ضد مقاتلي حزب الله لدرجة انه اتصل بالزعماء الاسرائيليين وسألهم " هل ستقاتلون ام لا؟" وزاد غضب الرئيس الامريكي بوش في ذلك الوقت عندما انتهت الحملة العسكرية الاسرائيلية دون تحقيق الاهداف المعلنة لها او الاقتراب من الاهداف الخفية التي خطط لها البيت الابيض لا بل الاسود مع زعماء اسرائيل.

وهكذا فشلت خطة الولايات المتحدة قصف المنشآت النووية الايرانية بعد فشل اسرائيل في حربها ضد حزب الله في لبنان. وصمود حزب الله وفشل المؤامرة على سوريا هو انتصار لقوى المقاومة والصمود والتحدي لسياسات اسرائيل العدوانية المدعومة من الولايات المتحدة. وهذا الامر لا بد وان يُغير موازين القوى في منطقة الشرق الاوسط وسيعزز صمود الشعب الفلسطيني في وجه السياسات العدوانية للحركة الصهيونية اليمينية التي وصلت الى السلطة في اسرائيل من امثال بن غفير وسموتريش واشتداد الرجعية السياسية في البلدان الرأسمالية كإيطاليا، وفرنسا وبريطانيا واسرائيل والنظام النازي في اوكرانيا هو من اهم سنن الازمة العالمية للرأسمالية.

فالرأسمال الاحتكاري يسعى الى تصفية الحقوق الديمقراطية للشعوب المضطهدة. ويلازم الانعطاف من الديمقراطية نحو الرجعية سياسة الامبريالية الداخلية والخارجية على حد سواء رجعية في السياسة الداخلية (وهذا ما يحدث بصورة واضحة في اسرائيل د.خ) ترسم النهج العدواني للسياسة الخارجية. وبذلك بالذات تكمن الصلة التي لا تنفصم بين الوظيفتين الداخلية والخارجية للدول الامبريالية، تلك الصلة النابعة من المهمات التي تفرضها وتمليها الرأسمالية الاحتكارية ببنائها الفوقي السياسي. ولقد أشار لينين الى "ان الامبريالية في سياستها الخارجية كما في سياستها الداخلية تسعى بقدر واحد الى خرق الديموقراطية والى الرجعية. وبهذا الخصوص لا جدال في ان الامبريالية هي "نفي" للديمقراطية عموما وللديمقراطية كلها.." (لينين المؤلفات الكاملة المجلد 30 ص 92).

وتجلت ازمة النظام السياسي للمجتمع البرجوازي وهي التي تشكل أحد جوانب الازمة العامة للنظام الرأسمالي العالمي، في تخلي البرجوازية الامبريالية الحاكمة عن الشكل الديمقراطي البرجوازي لسيطرتها، وفي العمل على استبداله بالشكل الارهابي، ووصول اليمين العنصري الارهابي الصهيوني الى السلطة في اسرائيل وهيمنة اليمين في غرب اوروبا، وهيمنة "المحافظون الجدد" في الولايات المتحدة ووصول النازي زيلينسكي الى السلطة في اوكرانيا لأكبر دليل ومثل على ذلك.

وهنا أذكر بأنه بعد الحرب العالمية الثانية والتي استخدمت فيها الولايات المتحدة السلاح النووي، تم تسجيل عدد غير قليل من حالات استخدام القوات المسلحة الامريكية في العالم الخارجي التي جرت فيها على مستويات مختلفة مناقشة مسألة الانتقال المحتمل الى استخدام السلاح النووي. ولدى ذلك كانت إدارة واشنطن تجيز إمكانية نشوب نزاع نووي عالمي. ان ذلك يبين مرة أخرى الى أي حد هي كاذبة موضوعة الدعاية البرجوازية بشأن عدم خطورة النزاعات المحلية بالنسبة لمصائر السلم في العالم.

فالحروب المحلية والنزاعات العسكرية المعاصرة قد تفشت عميقا في العلاقات الدولية حول العالم،وخاصة الآن في الشرق الأوسط، وأوكرانيا، بحيث أصبحت تعمق حدة توتر الوضع السياسي في الكثير من مناطق العالم.العالم الغربي وخاصة الولايات المتحدة تنشر خرافة الخطر الروسي وأستطيع ان أصف هذا الادعاء بأنه " كذبة العصر" ولكن في واقع الأمر روسيا لم تقُم بحربها ضد النازية الا بعد ان أصبحت البوابة الغربية لروسيا أي أوكرانيا "قاعدة" نازية أمامية تخدم الامبريالية العالمية التي تهدف الى تعميق هيمنة سياسة القطب الواحد الأمريكي في العالم.

وهنا أذكر بأنه يصعب التفكير بشيء أكثر بشاعة من توجيه تهمة العدوانية لدولة كان مرسوم السلام اول وثيقة لها ونزع السلاح مثلا اعلى لها والحرب الباردة وسباق التسلح فُرض على الاتحاد السوفييتي سابقا والآن على روسيا.

والآن تواصل الصحف والمجلات والتلفزيون والمدارس وقساوسة الكنائس والجامعة وكل الاعلام الغربي ادخال هذه الخرافة – أي توجيه تهمة العدوانية لروسيا، في عقول الملايين من الناس في كل يوم وكل ساعة. وفي نفس الوقت قام العديد من دوا العالم الغربي بحظر ووقف عمل محطة التلفزيون "روسيا اليوم" التي تنشر وتبث الموقف الروسي الموضوعي حول الحرب ضد النازية في أوكرانيا وضد سياسات الناتو والولايات المتحدة العدوانية ضد روسيا.

فما يقوم به الغرب الامبريالي من تشهير ضد روسيا أعتبرها "الحرب النفسية" ليس فقط ضد روسيا لا بل وأيضا ضد الصين وإيران، وضد قوى ومنظمات المقاومة والصمود وكافة القوى اليسارية حول العالم، ولذلك نشاهد وصول اليمين الى السلطة في العديد من دول الناتو كإيطاليا وهنغاريا وفرنسا وبريطانيا والسويد والنازيين الجدد في أوكرانيا.

ففي عام 2015 انتجت أوكرانيا مسلسلا بعنوان "خادم الشعب" تتناول احداثه الوضع السياسي في أوكرانيا، وتسلط الضوء على عدد من القضايا في إطار كوميدي. ولكن ما لم يتوقعه أحد هو ان بطل هذا المسلسل فولوديمير زيلينسكي سيصبح الرئيس الفعلي لأوكرانيا وخلال حُكم هذا النازي تفاقم الصراع والتحدي وتحويل أوكرانيا الى دولة تعمل من اجل امتلاك السلاح النووي، وعضوية الناتو وتهديد أمن روسيا.

وخلال حماته الرئاسية وعد زيلينسكي بإنهاء الصراع الذي طال أمده مع روسيا كجزء من حملته الانتخابية ولكنه بعد وصوله للرئاسة عمق التوتر ضد روسيا واستمر بسياسات منع اللغة الروسية في أوكرانيا، واستمر بحربه ضد دونيسك.وفي الفترة الأخيرة ناشد الرئيس الاوكراني فلوديمير زيلينسكي يهود العالم بعدم التزام الصمت حيال ما يجري في أوكرانيا. واليوم باعتراف وزير الدفاع للنظام النازي في كييف يعترف بأن أوكرانيا تحارب روسيا من أجل مصالح حلف الناتو.

ان دعم الغرب الامبريالي لزيلينسكي ولدول أخرى كإسرائيل دولة الاحتلال والعنصرية ودول التحالف السعودي الذي يشن حرب متوحشة ضد الشعب اليمني، هي دليل على ان الإرهاب على مستوى الدولة قد أصبح منذ امد بعيد قسما من السياسة الخارجية للإمبريالية الامريكية التي اخذت على عاتقها دور الدركي الإرهابي العالمي.

وهنا بودي ان أقول بأن هذا الموقف يستند على حقائق وأدلة دامغة بأن وكالة المخابرات الامريكية اشتركت او أشرفت على ارتكاب الجرائم الدولية التالية: انقلاب في ايران واسقاط حكومة الدكتور محمد مصدق (عام 1953) ، انقلاب عسكري في غواتيمالا واسقاط حكومة غوسمان اربينس (عام 1954)، ومؤامرة لاغتيال الرئيس جمال عبد الناصر (عام 1958)، اغتيال سولومون باندرانايكيه رئيس وزراء سيلان (سيريلانكا اليوم) (عام 1959)، مؤامرة ضد جواهر لال نهرو رئيس وزراء الهند،اغتيال باتريس لومومبا رئيس جمهورية الكونغو (زائير حاليا) انقلاب في جمهورية الدومينيكان عام 1961، اغتيال أ.موندلانيه رئيس جبهة تحرير موزمبيق عام 1969، اغتيال اميلكار كابرال الأمين العام للحزب الافريقي لاستقلال غينيا وجزر الراس الأخضر(عام 1973)، اسقاط حكومة الوحدة الشعبية في تشيلي واغتيال رئيس الجمهورية سلفادور اليندي عام 1973، اغتيال مجيب الرحمن اول رئيس لجمهورية بنغلاديش الشعبية (1975)، اغتيال ماريان نغوابي رئيس جمهورية الكونغو الشعبية (1977)، دعم إسرائيل في حربها العدوانية ضد الدول العربية عام 1967، احتلال العراق ودور الولايات المتحدة في إقامة ودعم تنظيم داعش، والمؤامرة على سوريا التي هدفها تقسيم سوريا الى اربع دويلات خدمة لمصالح إسرائيل الاستراتيجية في المنطقة،ودور الولايات المتحدة التخريبي في ما يسمى " الربيع العربي" ويمكن الاستمرار في سرد قائمة هذه الجرائم التي قامت الولايات المتحدة.

ان اعلان الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب ما هو سوى تمويه هذه القرصنة الامريكية العالمية. وازدادت وقاحة البيت الأبيض في ممارسة الإرهاب على مستوى سياسة الدولة في المسرح العالمي بعد استلام الرئيس رونالد ريغن السلطة خلال ثمانينيات القرن الماضي والآن في فترة حكمي ترامب وبايدن الذي يدعم بكل الوسائل السياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية النظام النازي في أوكرانيا.

وعلى مدى عقود والأن تسعى الولايات المتحدة – الامبريالية الامريكية – بشكل وقح وسافر خاصة ممارسة التحكم والتنكيل في أمريكا اللاتينية التي تعتبرها لسبب ما ضيعة لها. والدليل على هذه الجرائم التي ترتكبها ضد شعبي السلفادور ونيكاراغوا وفنزويلا وكوبا. وقد دخلت مغامرة واشنطن الفيتنامية التاريخ باسم "الحرب القذرة". ولكن من الأصح تسميتها بأنها عمل للإرهاب الأمريكي المتوحش الدولي الذي لم يسبق له مثيل.

وهنا أذكر بأن منطقة الشرقين الأدنى والأوسط الغنية بالنفط والشديدة الأهمية من الناحية الاستراتيجية أصبحت محط اهتمام كبير لدى وكالة المخابرات المركزية الامريكية حال تأسيسها في عام 1947. وأعير في البيت الأبيض في نهاية الاربعينيات اهتمام خاص لتوطيد مواقع الولايات المتحدة في العراق (وقبل ذلك في السعودية) التي توجهت اليها انظار احتكارات النفط الامريكية المتعطشة لدى انتهاء الحرب العالمية الثانية. وكان من الضيوف الدائمين لبغداد في ذلك الوقت هوارد بيج " الدبلوماسي النفطي" مندوب شركة "ايكسون" التي كانت وزارة الخارجية الامريكية تحصل منه على المعلومات الأساسية عن الوضع الداخلي في بلدان الخليج العربي. وكان عدد أعضاء مكتب وكالة المخابرات المركزية لدى الممثلية الأمريكية قليلا وقد خطا في العراق خطواته الأولى منشغلا بتجنيد عملاء محليين وإدخال "رجالة" في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية للبلاد. وهذا ما تستمر الولايات المتحدة وإسرائيل فعله في عصرنا الحاضر وخاصة في العالم العربي، وهنا أيضا داخل إسرائيل. وكان في العقود الأخيرة من القرن الماضي وكذلك الآن تعمل وكالة المخابرات المركزية التي كان عملاؤها يمارسون أعمالهم في الشرق الأوسط وراء اقناع دبلوماسيين ومدرسي جامعات وعلماء آثار وحتى تحت ستار منظمة "اجتماعية" هي منظمة "جمعية أصدقاء أمريكا في الشرق الأوسط" (جمعية أصدقاء أمريكا في الشرق الأوسط، منظمة أمريكية تأسست عام 1951، وكانت لها فروع في مصر وسوريا والمغرب وتونس وليبيا والأردن. وكان "الأعضاء النشطاء" في هذه الجمعية يقومون بأعمال التخريب والتجسس بحجة تعزيز العلاقات الثقافية بين الولايات المتحدة والبلدان العربية. وكان كيرميت روزفلت عميل المخابرات المركزية رئيسا لهذه الجمعية) وقد مارسوا في الدول العربية نشاطات هدامة ضد شعوب المنطقة وهذه ما تفعله الولايات المتحدة وإسرائيل الآن في المنطقة.

والتطبيع مع إسرائيل أحد افرازات وتقييحات هذا النشاط في وقتنا الحاضر. ومع تزايد القوة الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة تحول جهاز المخابرات الأمريكية الى أداة فعالة للارهاب الدولي الذي أصبح جوهر "دبلوماسية القوة" للولايات المتحدة. والمؤامرة على سوريا، وحرب تحالف العدوان على اليمن، وحرب حلف الناتو والنازية في كييف ضد روسيا من أكبر دلائل الإرهاب الأمريكي في عصرنا الحاضر.

وأذكر هنا بأنه عندما أصبح ألن دالس رئيسا للمخابرات الأمريكية اختار كرميت (كيم) روزفلت الذي ترتبط بأسمه سلسلة كاملة من الجرائم الدموية للمخابرات الأمريكية في الشرقين الأدنى والأوسط، وكان ألن دالس يثق بكرميت (كيم) روزفلت ثقة شديدة، واعتبره ملائما أكثر من غيره، لدور لورانس العرب في جماعة العملاء السريين لوكالة المخابرات المركزية. وكان كيم روزفلت حفيدا لثيودور روزفلت الذي حكم البيت الأبيض من عام 1901 حتى عام 1909 ودخل التاريخ كواضع لسياسة "الهراوة الكبيرة" التي أعلنت عام 1903. وبادر كيم روزفلت المستشرق من حيث التعليم والملم بشؤون العالم العربي، بشكل لا بأس به، الى الاستيلاء بسرعة على كل أمور الشرق الأوسط في وكالة المخابرات المركزية وذلك باستخدام مختلف الممثليات الثقافية، مشتركا سواء في اعداد العمليات التخريبية أم في تنفيذها المباشر. وكانت العمليات كثيرة، لكن روزفلت مدين بالترقي في منصبه اللامع أكثر من أي شيء آخر على الأرجح ولأقذرها، ألا وهي عملية اسقاط الحكومة الشرعية في ايران، المعروفة في مدونات المخابرات المركزية بالأسم السري "جاكس". وهذا ما تفعله الآن الولايات المتحدة في ايران، ومن خلال الدعم الإعلامي والسياسي لا بل والتخريبي لقوى المعارضة في ايران. فبعد اسقاط الحكومة الشرعية في ايران، حكومة مصدق، قام الشاه بأبشع ظواهر التنكيل البوليسي الوحشي بأعضاء حزب الشعب الإيراني (تودة) وبكل قوى اليسار في ايران. وكانت الأداة الرئيسية لنظام الشاه في التخلص جسديا من المعارضة جهاز خاص دخل تاريخ ايران تحت اسم سافاك المشؤوم. وقد تأسس سافاك عمليا في عام 1957 بالاشتراك المباشر لوكالة المخابرات المركزية الامريكية ومخابرات الموساد الإسرائيلي التي أولاها الشاه ثقة خاصة. (جعل العملاء الصهاينة من طهران فيما بعد مقرا لهم في الشرقين الأدنى والأوسط). وكان جهاز السافاك في جوهره دولة داخل دولة. ومارس أساليب "الاستنطاق العنيف" على مثال أجهزة العنف الهتلرية. وهذا ما يمارس الآن في العديد من دول الاستبداد الرجعي العربي الآن، وخاصة السعودية، وأسلوب قتل خاجقجي أكبر مثل على ذلك وعندما ذاع اليوم مضمون الكثير من الوثائق السرية من عهد الشاه، اتضح أن 360 ألف معتقل سياسي من خيرة أبناء الشعب الإيراني أهدمو أو عذبوا في زنزانات بوليس سافاك السري خلال عقدين من الزمن. وكانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية شريكا في هذه الجريمة الدموية. والآن الولايات المتحدة ودول حلف الناتو يتباكون عندما تقوم ايران بإعدام بعض العملاء الإيرانيين. مع أني كشخص أرفض الحكم بالاعدام في أي دولة.

وهنا بودي أن أقول بأن المقارنات التاريخية المشؤومة على ما يبدو لا تثير أي ارتباك لدى المعتدي فيما وراء المحيط، أي الولايات المتحدة، الذين يعتقدون أن الغاية تبرر أية وسيلة في مسألة تحقيق استراتيجية أمريكا الإمبراطورية في الشرق الأوسط. وقام ويقوم الاحتلال الصهيوني الإسرائيلي المتوحش بابادة منتظمة للفلسطينيين واللبنانيين بواسطة أكثر أنواع الأسلحة تفننا، وعليها وسم: MADE IN USA، صنع في الولايات المتحدة. وهذه الأعمال هي هي الإرهاب الرسمي الذي تمارسه الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة. ووصول اليمين الصهيوني العنصري الشوفيني سيؤدي الى ارتكاب أعمال عنف وإرهاب متوحش ضد الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده. ولكن الشعب الفلسطيني في كل أماكن نواجده سيبقى شعب مقاوم ومناضل وصامد مرفوع القامة أما الصهيونية فمصيرها مزبلة التاريخ.



مراجع المقال:

من وراء الإرهاب الدولي- وثائق، شهادات، وقائع إصدار دار التقدم- عام 1983.