حزب/ اللاحزب الامبراطوري الكوني العراقي؟/2


عبدالامير الركابي
2023 / 1 / 12 - 21:32     

حظيت اوربا مع الانقلاب الالي بقوة استثنائية غير معروفة من قبل ابان الطور اليدوي فلقد امكن اليوم لجزيرة صغيره مثل بريطانيه ان تصبح امبراطورية لاتغيب عن ممالكها الشمس، بالضبط مثل بغداد الرشيد مع الفارق ان العراق كان في الدورتين الكونيتين الاكدية البابلية والعباسية امبراطوريا ارفع واعلى طاقة من الامبراطوريات الحديثة، مع الفارق في المساحه ففي موضع لم يكن يتعدى المائة الف كيلومترا اقصى جنوب ارض مابين النهرين امكن لسرجون الاكدي ان يحتل عيلام شرقا وارض الشام والاناضول غربا ويعبر البحر المتوسط الى جزيرة كريت ليعلن بانه " حاكم زوايا الدنيا الاربع" ولاداعي لذكر بابل وموقعها كقيادة كونيه بحسب راي ابناء ومؤرخي الغرب ماكان يستوجب ومازال التساؤل بخصوص ماالمتوقع في حال انتقال بلد مثل العراق الى الاله، وافتراض انبثاقها وان المتاخر بين تضاعيفه، وماذا ستكون النتيجه بالمقارنه في موضع تحدثنا عن علو منجزه ابان اليدوية الادنى فعالية وديناميه بما لايقاس، يوم كان وقتها يضاهي الاليه الاوربية الراهنه.
المؤكد ان كل شيء قد تبدل، وان التاريخ البشري صار بالاحرى تاريخ نوعين من المجتمعات مختلفين، يدوية هي حصيلة تفاعلية ووحدة البيئة / الكائن البشري قمة الياتها الازدواجي المجتمعي الارضوي اللاارضوي الرافديني، يعقبه طور اخر مختلف اصطراعي انتقالي ذاهب الى الطور مابعد الارضوي الاحادي، الموضع الازدواجي ضمنه لايكون معنيا بتكرار تاريخه الكوني الامبراطوري اليدوي، انما يتجه منطقيا الى التحول المتعذر المنتكس الاول، مع امتناع الانتقال الى مابعد ارضوية، فالالة هي الوسيلة التي كانت ارض اللاارضوية تفتقر لها، بخلاف مايقوله الغرب معتبرا اياها مجرد انتقال من اليدوية الى الالية، فيعجز عن رؤية النمتغيرات اللمكتوب على الاله المرور بها، من حالتها الاولى المصنعية الى "التكنولوجيا العليا" وسيلة الانتاج مافوق المجتمعية الارضوية الجسدية، حين يصير العقل وقتها هو محور وبؤرة الانتاجية مكان الجسدية الحاجاتيه. وساعتها لاتكون الازدواجية العليا المجتمعية الرافدينيه هي نفسها، او تظل مستمرة على ماكانت عليه في دورتيها التاريخيتين الكبريين، فالازدواج ينتهي في الدورة الاخير الثالثة الراهنه، دورة النطقية العظمى المؤجله، كما هو متوافق مع الغرضية التحولية الى "فك الازدواج".
من هنا نكون ملزمين لاجل استقامه وتوازن النظر للمجريات غير العادية، والفاصلة الحالة على المعمورة، بان نعيد صياغة السردية الحداثية الالية، بتخليصها من وطاة المعتقد التبسيطي للمنظور الاحادي الاوربي المعروف، المرتكز الى حصر الانقلابيه الحديثة في المجال الاوربي ابتداء ومنتهى، مايخالف كليا الحقيقة المجتمعية والتاريخيه الكونية، ومايتصل بطبيعة الوجود الحي على الكوكب الارضي، ومسارات والمآلات المرسومه المقدرة له وللكائن البشري.
وكما سبق ان كررنا فان مانعالجه بناء عليه، هو حالة من القصورية والبدائية العقلية الحالة على الكائن البشري، الامر المتطابق مع اشتراطات الترقي العقلي، مابين ابتداء المجتمعية واخر اطوارها، حين يبلغ العقل وقتها اللحظة الملائمه لتخلصه من وطاة الجسدية الحاجاتيه، الباقية متغلبه على مدى التصيرية التاريخيه، والانتاجية اليدوية الارضوية، وصولا الى الانقلاب الالي حيث ابتداء ساعة الانتقال العظمى المنتظرة، من الارضوية الى مابعدها.
والحدثان الفاصلان المتاخران، الانبعاث الرافديني في القرن السادس عشر، والانبلاج الالي بعد قرابة قرن من وقوع الاول، هما وحدة تواقتية تلازميه تفاعلية، متفارقة مكانا، فالالة بالاحرى هي الوسيلة الضرورية للانتقال الى الانتاج العقلي اللاارضوي، اي الوسيلة المادية المنتظرة، والتي كان غيابها عند بدء المجتمعات البشرية واللاارضوية منها في سومر، قد حال دون تحقق الانتقال اللاارضوي المطلوب، والحاكم للظاهرة المجتمعية، والغرض المضمروراء وجودها باعتبارها معبرا لازما، تبدا اساسا في ارض سومر لاارضوية منتكسه لاسباب مادية واعقالية، وتنتهي بتوفر الوسيلة المادية المتمثلة ابتداء بالاله بصيغتها المصنعية، قبل ان تتحور ضمن الاصطراع الناشب بينها وبين المجتمعية البيئية مع تعدد انماطها، بما هي مجتمعية وحدة الكائن البشري والطبيعة، ذاهبة الى الطور الاوسط التكنولوجي الانتاجوي الراهن، قبل ان تحل "التكنولوجيا العليا" وسيلة الانتاج العقلية، حيث تتوقف العلاقة بين المجتمعية الارضوية الجسدية، والوسيلة المنبثقة باعلى اشكالها التي وجدت بالاصل لتبلغها.
لكن الانقلاب المومى له، لايمكن، وليس من المتوقع ان يتحقق وتكتمل اسبابه فورا، وبين ليلة وضحاها، خصوصا وان الانقلاب الالي قد حدث لاسباب بنيوية، خارج مجاله المجتمعي المطابق، بانتظار ماهو ضروري ولازم من سيرورة اصطراعية تحوليه، تذهب من بالاله الى التكنولوجيا باعلى اشكالها، هذا بالاضافة لعوامل اساسية، تكون وقتها مستمرة بالحضور، هي من متبقيات الزمن الانتكاسي اللاارضوي الدالة على، والتي تؤشر الى القصورية الاخرى الاساس، تلك المتاتية من تاخر النطقية اللاارضوية، دلالة على استمرار ظاهرة النكوصية العقلية، هذا في الوقت الذي تكون فيه الاحادية الارضوية، ونموذجها الطبقي الاعلى دينامية داخل صنفه، قد حاز وقتها على عنصر انقلابي شديد الفعالية، جعله يحتل المزيد من المكانه والموقع على مستوى المعمورة ومجتمعاتها، متحولا الى مركز قيادي، وقمة تطورية حضاروية مبتغاة من قبل غيرها كهدف، صار انموذجا، بينما هو مواضب على ممارسة الهيمنه على الكوكب الارضي وشعوبه، وتسييد نموذجه، او استعماله قاعدة تبرر اخضاع غيره، ونهب ثرواته، والتحكم بخيارات ومصائر سواه، ماقد تحول الى نوع من الوحدة الكوكبية الاجحافية الممتنعة هي الاخرى على التفسير المطابق(1).
وحتى في حال الاصطراع، او تنامي مظهر خروج على الاحادية الكوكبية الراسمالية بالذات، وكمثال حال الثنائية التي تولدت عن الظاهرة الروسية واشتراكيتها ومعسكرها، فان مايكون واقعا في حينه ضمن مسارات الظاهرة الغربية الحداثية، وتلوناتها بحسب الاشتراطات التباينيه الراسمالية والمجتمعية، بين اوربا الكلاسيكية الصافية بنية، واطرافها المختلفة نموا وارضيه تاريخيه مجتمعية، كحال نمو غير متوازن لاحظه لنين نفسه، فلم يظهر باية درجة كانت مايدل، او يمكن ان يشير الى احتمال وجود شكل اخر من اشكال الاصطراعية، يمكن ان تكون هي الجوهر والموضع الذي عنده وفيه يتقرر مسار اللحظة الر اهنه من التاريخ، ولو حدث وان من باب تخيل المستحيل قطعا، وظهر من يقول:( بان حال اصطراعية بين الظاهرة الاوربية وارض مابين النهرين، هي حال اصطراع افنائي نوعي مجتمعيا، وانه هو المحور الذي عنده يتعين مصير ومآل العملية الانقلابيه الكبرى الحاصلة اليوم) لو حصل ذلك، لكان وضع وقتها بخانه مايتجاوز الخراقه والجنون، فماذا لو ان احدا خطر له كما نفعل الان، رفع الراية التي نحاول رفعها وقد كتب عليها "الحزب / اللاحزب الامبراطوري الكوني العراقي" مكان " الحزب الوطني العراقي" لعام 1922 بزعامة شخص مثل جعفر ابو التمن/، او جماعة "الاهالي"، ومن ثم الحزب الوطني الديمقراطي بزعامة الجادرجي، او نادي المثنى/ او الحزب الشيوعي البغدادي الافنداوي لحسين الرحال، قبل حزب الناصرية / المنتفك سومر الحديثة اللااررضوي / ومعه في ذات المدينه، فؤاد الركابي والبعث، مقررين بذلك الانتكاسة الثانيه بعد تلك الانقطاعية التي حلت على الدورة الثانيه عام 1258 مع انهيار اسوار بغداد امام هولاكو.
يقف وراء استخذاء العقل النقلي العراقي بمن يمثلونه فيما يعرف بالعصر الحديث، نوع ممارسة لامثيل لها من حيث مستوى التهافت في موضع من العالم، كان قبل بضع قرون مرت وبرغم خضوعه لليدوية ومستوى الياتها، عاصمة العالم، ومركز الاقتصاد التجاري الريعي الكوني، الذي اسهم في تاجيج عملية الانقلاب الالي البرجوازي على المنقلب الاوربي، وحقق من الانجازات ضمن الاشتراطات الانتاجية اليدوية، مالايمكن مقارنته باي منجز شامل في التاريخ البشري، وهو ماقد تشكل ووجد صعودا بين القرن السابع، والقرن الثالث عشر، اي مايقارب الستة قرون، هي تفاعليه ديناميات ذاتيه، كانت قد سبقتها دورة كونية اخرى مشابهة ابتدائية تاسيسيه على المستوى الكوكبي، انتهت هي الاخرى بانهيار عاصمتها وغيابها من اللوحة، وبعد هذا ورغمه، يصير العراق بنظر هؤلاء، هو العراق الويرلندي الذي وجد اليوم في القرن التاسع عشر مع الاحتلال التركي الثالث للعراق تحت وقع النهوض الغربي الراسمالي، الامر الذي لايمكن وصفه حتى بالمخزي، لانه ادنى من ذلك، ولانه بالاحرى نوع جريمه كبرى، لابحق العراق، بل بحق العالم والتاريخ البشري.
هل يمكن نسبة هؤلاء وتابعيهم الى اليوم، لارض مابين النهرين وان كانوا ولدوا فيها، مايمكن ان يغير بالمناسبة وباعتبار الصنف المجتمعي، مفهوم المواطنه ففي العراق ثمة" سكان" و " مواطنون"، تزامنا مع فترات ودورات الدينامية الصعودية، وما يعقبها من انقطاع فاصل، المواطنون في كل من الحالتين فاما الذين يصادف وجودهم حيوية دينامية امبراطورية كونية، وان لم يتمكنوا من ادراك الذاتيه البنيوية للمكان، مع انهم يفلحون في ان يكونوا معبرين عنها حدسا دون افصاحية ادراكية، بينما تضم فترات ولحظات الانقطاعية، سكانا لاعلاقة حيويه لهم بالمكان الذي يعيشون في رحابه، وهؤلاء انفسهم ينقسمون الى قسمين، قسم يسكن في المكان اخرسا بلا نطقية، واخر وجد اليوم بالذات، في ظل الغلبة الاستعمارية الراسمالية النموذجية الغربية. هم من دون شك اقل من انى يستحقون حتى صفه السكان، لانهم بالاحرى الناطقين المفبركين ضد ذواتهم باسم غيرهم، ولصالحه، وهؤلاء هم وطنيو الحداثة واحزابها الايديلوجية الحزبية، اعوان الفبركة الافنائية البرانيه للعراق الكوني الامبراطوري، البؤرة الازدواجية الكوكبية وحامل مصير وغاية الوجود البشري.
هل كان ممكنا او واردا بعد هذا في العشرينات، ظهور"الحزب/ اللاحزب الامبراطوري الكوني العراقي"، لنتصور افتراضا ومن باب التخيل،، لو ان شيئا من هذا القبيل قد حدث وقتها ووضع "جعفر ابو التمن" لافتة تقول: (العراق ليس كيانيه محلوية"وطنيه" تحكمه دولة مركبه من خارجه، العراق كيانيه متعدية للمحلوية الوطنيه، امبراطوري كوني كينونه وبنية) المؤكد وقتها ان انقلابا خارقا كان قد سيدخل على المشهد العراقي، سواء وافق الاخرون او رفضوا مصرين على نقليتهم، ولكانت اهتزت اسس ومعتقدات، لافي العراق فقط، بل على مستوى المنطقة وماعرفته من امثلة في حينه مثل ( الوفد المصري والمؤتمر الهندي) (1) وعموم مالف لفهما، وهو مالم يحدث وقتها، ولا لاحقا وصولا الى اليوم، لنقع والحالة هذه تحت طائلة سياقات اخرى مختلفه نوعا، لاصلة تصلها بمجمل تاريخ المنطقة وكينونتها.
ـ يتبع ـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نترك للحلقة المقبلة ناحية اساسيه في النظر الى الاصطراعية الالية المجتمعية واشكال تمظهرها بحسب الانماط المجتمعية ومستويات تبلور ونضج الطبقات ابتداء من الكلاسيكيه الاوربية الى الروسية والصينيه الامريكية اليابانيه وانعكاسات العملية المشار اليها على الاله نفسها وتحورها الصاعد نحو " التكنولوجيا العليا".
(2) ياخذ زكي خيري في قراءته البلهاء للعراق المتشكل حديثا على الاحزاب البرجوازيه العراقية، كما يسميها، كونها " لم تستطع تنظيم نفسها في حزب سيا سي كبير شان " الوقد المصري: او " المؤتمر الهندي" اذ لم تستطع تنظيم الجماهير السعبية او قيادتها بصورة فعاله "/ من تاريخ الحركة الثورية في العراق 1920 ـ 1958/ ج1/ ط2 مقدمه الكتاب ص 3.