صحراء التتار لبوتزاتي.. إيطاليا العجوز تخسر حربها


حسين محمود التلاوي
2023 / 1 / 10 - 00:45     

من بين ما قرأت في الفترة الأخيرة رواية بعنوان "صحراء التتار" للمؤلف الإيطالي "دينو بوتزاتي".
من الممكن أن يوحي عنوان الرواية بإنها ذات طابع تاريخي، ومستلهَمَة من أجواء الاستشراق، وتتناول أحداثًا تدور في المشرق كتبها قلم غربي.
لكن الأمر مختلف تمام الاختلاف عن ذلك؛ فالرواية إيطالية صرفة، تدور حول شاب إيطالي أنهى دراسته العسكرية، وأُرسِل للانضمام إلى حامية لحراسة الحدود في حصن مُقام على مشارف صحراء متخيَّلة تسمى "صحراء التتار" في مكان ما من إيطاليا، والاسم — وفق أحداث الرواية — مأخوذ من أسطورة تقول إن التتار حاولوا غزو إيطاليا من هذه الصحراء، ولا يزالون موجودين في الصحراء في انتظار اللحظة المناسبة للانقضاض على إيطاليا.
تمضي أحداث الرواية، ونتعرف من خلالها على طموحات البطل چوفاني دروجو، وأحلامه من خلال سير الحياة في الحصن، إلى أن تحين اللحظة المنتظرة لمواجهة العدو، لكن دروجو لا يحضرها؛ لأن ظروفه الصحية بسبب تقدمه في السن تمنعه من القتال، ويكون في ذلك النهاية؛ نهايته ونهاية الرواية.
الرواية تنتمي إلى المذهب المسمى "الواقعية السحرية" القائم على سرد الواقع مع لمسة خيالية تمزج بين الواقع والحلم أو التخيل.. هذا تعريف مختصر للمذهب الأدبي، وربما يكون اختصارًا مخلًّا، لكن على أية حال، تنتمي الرواية إلى هذا المذهب، مع لمسة عبثية بشكل أو بآخر.
ينظر البعض بينظر إلى هذه الرواية، التي كُتِبت ونُشِرت بين عامي ١٩٣٩ و١٩٤٠، على أنها "نبوءة" بهزيمة إيطاليا في ليبيا، بخاصة في معركة "الكفرا" اللي انتهت بهزيمة الإيطاليين وأعوانهم من الليبيين على يد الفرنسيين وأعوانهم من الليبيين كذلك عام ١٩٤١. تنبأت الرواية بما جرى؛ إيطاليا العجوز تخسر حربها.
من حيث الأسلوب، تتسم الرواية بسلاسة أسلوبها، إلى جانب إحكام البناء القصصي الذي تصاعد تدريجيَّا ومنطقيًّا بما سجعلها نموذجًا لكل راغب في دراسة الرواية.
أما عن المؤلف فهو الروائي "دينو بوتزاتي" من بين أعمدة الأدب الإيطالي الحديث، وكان في الأصل صحفيًّا، وكتب الرواية، ومن بين أعماله الروائية تأتي "صحراء التتار" كأبرز عمل له، على الرغم من أنه كتب روايات عدة غيرها لكن لم ترتق لمستواها لها إلا رواية أو اثنتين من بين كل ما كتب..
الترجمة العربية للرواية صادرة عن مكتبة الأسرة عام ٢٠٢١ ضمن سلسلة الأدب للمترجم معن مصطفى الحسون الذي يُحسب له جهده الكبير في ترجمة عمل غارق في التفاصيل العسكرية والإيطالية؛ مما يمنحه العذر في الوقوع في بعض هنات الترجمة.
في نهاية هذه القراءة السريعة بقي أن نوضح أن الرواية تلقي الضوء على الكثير من تفاصيل الحياة في إيطاليا.
في الإجمال تمثل الرواية نموذجًا للرواية السلسة إن جاز التعبير، كما تمثل نموذجًا لروايات الواقعية السحرية..
إنها رواية جديرة بالقراءة.