-المهدي-وشرط-الحضور-قبل-الظهور-؟/ 3


عبدالامير الركابي
2023 / 1 / 8 - 18:34     

ماان يصل الغرب الاحتلالي الى ارض مابين النهرين، حتى يبدا طور الاصطراعية الافنائية المحفزة للنطقية العظمى، وهذا نمط استعماري مختلف عن المعروف والسائد من اشكال تقييم مفترض للظاهرة الغربية الحديثة، متعد لبعدها الامبريالي كما كرسة لنين، كجزء مكمل من مبتكرات المنظور الارضوي الاحادي بصيغته الاعلى، الانتقالية الابتدائية، ماقبل انتهاء مفعول الارضوية وغلبتها المديده، فالاصطراعية الافنائية، هي بالاحرى الجوهر المنطوية عليه الظاهرة الغربية الالية الراسمالية، حيث وجهة الصراع ومنتهاه ذاهبة الى انتهاء صلاحية وانقضاء امد استمرار المجتمعية الارضوية.
ولايخفى المقصود هنا من انقلابيه في النظر، وفي تعيين طبيعة المرحلة الالية مستهدفات وممكنات خارج التوهمية الغربيه، حين يصير الانقلاب الالي انقلابا مجتمعيا نوعيا، تضفى عليه ابتداء توهمية مصدرها المجتمعية الايله للزوال والانتهاء، علما بانها الاعلى ديناميات ضمن صنفها، ومن ثم الاقدر عند لحظة هي الاعلى تاريخيا، وانقلابية، على الانتقال بالتوهمية الارضوية الاحادية الغالبة على طول عمر الظاهرة المجتمعية، الى التوهمية الذروة، مشفوعه بكل مايرافق نهضتها من منجز شامل على الصعد الارضوية، بررت بقوة تقدمها، وتغلبها الشامل على مستوى المعمورة، عدا عن تحولها بذاتها الى غاية ومطلب.
ولم يكن الحاصل لهذه الجهة بالمستغرب، او مما يمكن تحاشيه، اذا عدنا بالنظر الى الظاهرة المجتمعية وانتكاسها الاصل، دون المطلوب تحققه ابتداء، ونكوصه للتعذر بسبب نقص المطلوب من الوسائل الاساسية، ماجعل النمطية او الصنف المجتمعي الارضوي الاحادي يصبح هو الغالب السائد من يومها، مفهوما ورؤية ومقاربة للوجود وللاليات التصيرية التاريخيه، يقابله من دون غلبة، المنظور اللاارضوي الحدسي السماوي، فاذا ماحدث وجاء الانقلاب الاكبر الالي، فوقع بين ظهراني، وفي قلب الارضوية واعلاها بنية انشطارية طبقية، فان الحاصل البديهي وقتها، يكون احتياز النمطية الغربية على دفع اضافي استثنائي، يعزز غلبتها الاصل، ويكرسها، بما قد يعطيها صفة الحقيقة الاقرب للمطلقة.
ذلك بغض النظر عن التناقض الاساس الواقع بين الحدث الطبقي الالي، وبين منطوياته الفعليه ومايترتب عليه، وهنا تكمن خافية رئيسيه يقف العقل دونها قاصرا، وحيث يكون الانقلاب الالي مابعد ارضوي احادي، فان الارضوية الاحادية تعجز بحكم كينونتها وممكناتها وحدودها الاعقالية، عن ادراك منطوياته، وماهو ذاهب اليه واقعا وديناميات، فيسود في حينه منظور الى الحدث الالي، من غير طبيعته، قاصر عن تبين مستهدفاته، فضلا عن الممكنات التحولية الاستثنائية التي ينطوي عليها.
من هنا تتاتى التوهمية الكبرى المسماة "الحداثة الغربية"، لتتحول الى مايقارب المطلق، وفي الوقت الذي تكون فيه البشرية قد غدت على اعتاب تحقق الانتقالية المؤجلة الابتدائية اللاارضوية انطلاقا من مابين النهرين، والتي انتكست ولم تصبح واقعا في حينه، بانتظار انبجاس "التكنولوجيا العليا" بصيغتها الاولية "الالية المصنعية"، المتحورة، والذاهبة لتصبح وسيله الانتاج العقلية المفارقة نوعا ووظيفة للمجتمعية الارضوية الاحادية، بينما تصير الاخيره معها وبموجبها، خارج الفعالية الوجودية، ليحل العقل مكان الجسد توافقا"انتاجيا"، وتصير الحاجاتية بناء عليه، كما "الموت الجسدي" الغالب الان، والمتسيد، بعداد الماضي، وابتداء باعتباره هدفا وغاية، يتركز عليها الفعل الانساني مابعد الانسايواني، وقد حل وقتها الطور البدئي الثاني الانساني، بعد البدء"الانسايواني" الارضوي، الآيل للانقضاء والزوال.
للارضوية الاحادية حالتي حضور، ابتدائية واخيرة انتهائية هي الحال التوهمي القصوري المفروض على الكائن البشري المرور به كاشتراط لازم، قبل مغادرة الانسايوانيه نصف الحيوانيه، المفروض على الكائن البشري عبورها بالتفاعل الطويل، الاولى تواكب البدئية الاولى اللاارضوية المنتكسه، غير الممكن تحققها في لحظتها، والثانيه الختامية هي الامضى، والخلاصة المدعومة باوليات الانقلابيه العظمى، والتي تواصل تحريف الحقيقة والمنطوى المجتمعي عند لحظة مخالفة كليا لما كانت مارسته ابتداء، مستغلة من بين مامتوفر لها من اسباب كبرى مؤاتية، غياب التعبيرية اللاارضوية، مع استمرار ماكان بالامكان توفره من تعبيرية حدسية ابان الزمن الانتكاسي الحال عليها طويلا، مع متبقياته المتهالكة واشكالها المتردية الواقعه تحت طائلة الانقطاع الفاصل بين الدورات في ارض الازدواج الامبراطوري اللاارضوي.
وكل هذا من شانه قطعا منح الارضوية ماتطمح له، وماهي معتادة علية من غلبة مضاعفة بداهة، ولو انها لاتفعل ماتفعله ادراكا وتقصدا، ليكتب لنا ولعموم البشرية النظر الى الانقلابية المجتمعية الحالة راهنا، والتي آن اوانها، مابين جسدية حاجاتيه، واخرى مختلفة كليا،عقلية، بعين الاولى / الناهضة/التي هي بالاحرى ذاهبه الى الانهيار الذاتي نوعا ونمطية مجتمعية، من حيث تعتقد جازمه بانها المبتغى والممكن الاعلى، فهل من علاقة لمثل هذا السياق من الانقلابية المغلفة بالتوهمية، بالحضورية "المهدوية".
فهل تكون الارضوية وهي سائرة نحو نهايتها، بعدما مارسته من اصطراعية افنائية سلطت على ارض الابتداء اللاارضوية الازدواجية، مؤججا لوقوف المجتمعية الاخرى على مشارف الولادة المؤجله، تلك التي كانت ابتدات ثم انتكست في ارضها، حيث لامكان بعد اليوم ل" الحدسية"، ولا لاعلى واخطر تجلياتها، العظمى الابراهيمه النبوية، ومعها الانتظارية المهدوية، واتفاقا مع الايقاع الانقلابي الاعظم وتبلوراته واصطراعيته، لابد من التحول ذاتيا وعلى المستوى الاشمل، الى اللاارضوية بصيغتها التحققية النهائية، حيث الاعقال المتعدي للارضوية الاحادية، المكتمل ضمن نوعه باللاارضوية العليّة السببيه، وما يوافق اشتراطات الانتقال الواجب والحتمي وقد حلت ساعته اليوم، مع اكتمال اسبابه، وحضور ماكان ينقصه ماديا مع وسيلة الانتاج مافوق الجسدية حاجاتيه، واحتدام الضرورة الوجودية التي ماعاد من مهرب دون مواجهتها اعقالا، بالتراكم التفاعلي الدوراتي الانقطاعي، وبالاصطراعية الافنائية المتاخرة، والانسداد الريعي المتهالك الرث. والحكم المتحصن وراء سياجات الكونكريت، داخل مايفترض انها "عاصمته" ومركز سلطته.
انبثقت الحركات المهدوية بعد الغزو الامريكي من باب الاستعادة الاضطرارية، والحاجة الملحة لوعي الذاتيه بعد عشرات القرون على امتناعها، ومع كل التعقيدات الاستثنائية الحالة على المشهد، فان تكرار وتعدد التوهميات، لايمكن، بل ولايجوز استبعاده، فاذا مااستفاقت اليوم، الحدسية الانتظارية متحولة من صيغة الانتظار النجفي الذي فقد فعاليته وماكان اوجبه ابتداء، مع انتفاء اية وسائل اخرى بدت اليوم ومع الافنائية المباشرة الشامله والعسكرية التي تعرضت لها ارض الرافدين على يد الامبراطورية المفقسه خارج رحم التاريخ، بلا اي قدر من الفعالية، فضلا عن التبريرية الوجودية للوسائل، سواء كاطار حكم ودولة، او من قبيل المشاريع ومنها الايديلوجية والحزبيه، بازاء هول الكارثة العام والشامل، والشلل المتحكم بكل نبض او امكان حيوي، بحيث لايبقى الا حكم الذاكرة التوهمية الرغبوية، وعلى وجه التحديد الموصول منها بالذاتيه التي تستبط الانقاذية المحلية، وعلى مستوى العالم، حيث المهدي قوة خارقة، مقرون تاسيسا بالكارثة العظمى والانهيار الكلي" ملئت جورا"، وهكذا جرى استدعاؤه اليوم قبل الاوان، وحيث لايكون لوجوده او لظهورة المبشر به اي فعالية، بينما هو مسلح بما مفترض به ان يتجاوزة، فلا حدسية اليوم، و"لامهدي" حدسي و"لاظهور" من هذا النوع.
مع ذلك فان افتراض ظهور ية حدسية في غير اوانها وزمنها، لن يخلو من فائدة، هذا ان لم يكن هو من موجبات التحقق والانتقالية العظمى الاخيرة، فالفشل الماساوي الذريع دون المقصود او المؤمل، وسط مثل الاجواء الراهنه الانهيارية الكلية والانسدادية، مع التزايد المطرد في وتيرة الافتراق بين النظرالمتاح المتوفر، وتسالي الباحثين في الماضي قبولا ونفيا، مقابل مستوى ووتيرة الانهيار الشامل والاقصى، مامن شانه الاجهاز على متبقيات النظر المستعار المنقول، ومعه المتوارث الحدسي عمليا، ومامر متاخرا من التجربة الدموية القصيرة المفتقدة للجدوى الواقعيه، لينتهي في احدى ابرز واوسع تجلياته في هبة 1 تشرين 2019 اللاارضوية، الباحثة عن النطقية المؤجله، والتي ماعاد ممكنا استمرار غيابها الذي طال، وانتهت موجبات استمراره.
لن يتوقف مسرى التمخضات المطردة، كما لن يتوقف الانحدار والتردي وانسداد الافق عراقيا وعالميا، كما لن يمكن ايقاف الضرورة التي توجب اليوم واخيرا، ظهور "المهدي المنتظر"، الذي طالت غيبته. فهل سيظهر قريبا ياترى؟ نعم، وهو على الابواب، لكن بشرط ان "يحضر" اولا بصيغته وشكله المناسب لمهمته الكبرى العظمى، الانتقالية من عالم "الانسايوان"، الى "الانسان"، من الجسدية الحاجاتيه الموشكة على الزوال، الى عالم العقل والكون الآخر...
كل هذا يعني، ويجب ان يعني القول: لا"مهدي" من دون "قران العراق"، فهو "الحضور"، وهو النطقية الموجله على مر التاريخ، ولا"ظهور" الّا به...