اصرارا على سياسة التجاوز على حقوق الأكثرية / الرئيس الفرنسي يشن هجوما على المتبقي من المكتسبات الاجتماعية


رشيد غويلب
2023 / 1 / 8 - 00:01     

إ
وضع المتابعون لشؤون أوربا الغربية نموذج دولة الرفاه في فرنسا، في عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية، في المرتبة الثانية بعد تجارب دولة الرفاه في البلدان الإسكندنافية. وبعد عقود من هجوم الليبرالية الجديدة، لم يبق الكثير منه. والآن يعمل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على تصفية المتبقي من المكتسبات الاجتماعية، التي تحققت نتيجة لنضال صعب خاضته قوى اليسار الجذري والنقابات العمالية والحركات الاجتماعية.
الهدف الرئيسي لهجوم الليبراليين الجدد هذه المرة، نظام التقاعد، وتحديد رفع سن التقاعد من 62 إلى 65 سنة. والتفاصيل ليست معروفة حتى الان. وتريد رئيسة وزراء ماكرون إليزابيث بورن طرح مشروع “إصلاح نظام التقاعد” في 10 كانون الثاني الحالي، على ان يقره مجلس الوزراء الفرنسي في الأسبوع الأخير من الشهر نفسه.
الرئيس وحكومته الديمقراطية لا يريدون طرح المشروع للمناقشة، فهم يعلمون وفق استطلاعات الراي، إن 80 في المائة من سكان فرنسا يعارضون رفع سن التقاعد. وقد اعترفت رئيسة الوزراء، في تصريحات لها لوسائل الاعلام، بحقيقة ان المشروع لا يحظى بشعبية. ولذلك تريد الحكومة العودة الى وسيلة تمرير المشاريع المرفوضة بواسطة مراسيم حكومية، دون مناقشتها في البرلمان، مستفيدة من المادة 49 / 3 من الدستور الفرنسي التي تسمح لها بذلك. وسبق لحكومة ماكرون في دورتها الأولى ان فرضت مشاريع بهذه الطريقة، متجاوزة حق البرلمان في المناقشة، ومتجاوزة حركة الاحتجاجات بشقيها العمالي والاجتماعي التي اجتاحت البلاد حينها.
رفض
وأعلنت جميع الاتحادات النقابية في فرنسا ومعظم أحزاب المعارضة عن رفضها المشروع وتبنيها أشكالا نضالية متنوعة لإفشاله. حتى اتحاد سي اف دي تي القريب من اليمين التقليدي والكنيسة، رأى في المشروع تجاوزا للخطوط الحمر. وكان سكرتيره العام لوران بيرغر حتى الآن متقبلًا إلى حد كبير “لإصلاحات” ماكرون. وسبق لاتحادات نقابات العمال، ان أعلنت من منتصف كانون الاول 2022، في بيان صحفي مشترك عن تنظيم فعاليات جماهيرية خلال الشهر الحالي، في حال عدم تراجع الحكومة عن خطتها. ومن الجدير بالذكر ان محاولة الرئيس الأولي لخفض المعاشات التقاعدية في نهاية عام 2019 بفضل أسابيع من الإضرابات وضغط الحركة الاحتجاجية. وقد تحجج الرئيس بوباء كورونا، لتعليق “مشاريع الإصلاح”.
تزعم الحكومة أن إصلاح نظام التقاعد ضروري لحماية القوة الشرائية لأصحاب المعاشات في مواجهة العجز في صناديق الضمان الاجتماعي. في عام 2027، فمن المتوقع أن يصل العجز إلى أكثر من 12 مليار يورو. وتساءل اتحاد نقابات سي جي تي اليساري في بيان صحفي عن “خداع من يريد ماكرون والحكومة، في الوقت الذي يتم فيه تقديم 160 مليار يورو من المال العام، دعما للشركات الكبرى، دون رقابة ودون مقابل؟”

موقف الشيوعي الفرنسي
ويطالب اتحاد نقابات سي جي تي بـ”معاش تقاعدي جيد للجميع”، وخفض سن التقاعد إلى 60. وهو مطلب يدعمه الحزب الشيوعي الفرنسي تحت شعار “لنعمل جميعًا، لنعمل أقل، لنعمل أفضل”. ويقوم الحزب بجمع التوقيعات من أجل استفتاء ضد مشروع ماكرون. ويدعو الشيوعيون أيضًا إلى “نقاش وطني واسع” حول المعاشات التقاعدية ويقترحون كيف يمكن تمويل المعاشات من سن الستين. وتعتبر حركة فرنسا الابية بزعامة ميلنشون أن الإصلاح “غير عادل ووحشي ولا طائل منه”. وتدعو الحركة مع أكثر من 10 اتحادات شبابية إلى “مسيرة من اجل معاشاتنا” في 21 من الشهر الحالي في باريس. ويتم التحشيد لها في جميع أنحاء البلاد.
بالإضافة إلى الهجوم على المعاشات التقاعدية، أعلن ماكرون، في الأسابيع الأخيرة، عن عدد من التجاوزات على المكتسبات الاجتماعية. بالنسبة له “إصلاح” نظام معونات العاطلين أمر ملح. اعتبارا من 1 شباط المقبل، سيتم تخفيض معونات العاطلين عن العمل بنسبة 25 بالمائة. وإذا كانت نسبة البطالة رسميا أقل من 6 في المائة رسميا، فينبغي أن تكون مدة الاستحقاق أقل بنسبة 40 في المائة عما هي عليه اليوم. ويريد ماكرون ان يكون الحصول على مساعدة التامين الأساسي مشروطا “مبدئيا” بـ 15 إلى 20 ساعة من العمل الاجباري أسبوعيا في بعض المناطق. ويقترح ماكرون أيضا “إصلاحا للتعليم” قائم على الجمع بين فترات تدريب أطول، مقابل حصص دروس اقل.
ان سياسات الحكومة وممارساتها تصب الزيت على نيران الإضرابات والاحتجاجات المشتعلة.