مقدمة كتاب ثقافة المستقبل- حركة البروليتكولت في روسيا الثورية

لين مالي
2023 / 1 / 6 - 10:30     

الكاتبة: لين مالي

إهداء المترجم: إلى روح الرفيقة الرسامة ليوبوف بوبوفا وروح الرفيق المسرحي الشهيد فسيفولود مييرهولد





المصدر:

Mally, Lynn. Culture of the Future: The Proletkult Movement in Revolutionary Russia. Berkeley: University of California Press, 1990. http://ark.cdlib.org/ark:/13030/ft6m3nb4b2/

في تشرين الأول/أكتوبر عام 1919، كانت بتروغراد، موطن الثورة الروسية، مدينة مدمرة. أدى النقص الكبير بالغذاء إلى نزوح أقسام كبيرة من السكان. ولزيادة الوضع سوءاً، شن جنرال الجيش الأبيض ن.ن. لودينتش هجوماً على المدينة، ونقل جيوشه إلى ضواحيها. ولكن حالة الطوارئ لم تمنع مخرجاً محترماً من الاستمرار بعقد سلسلة محاضرات حول تاريخ الفن في منظمة تسمى البروليتكولت، على الرغم من تغير الجمهور المستمر بسبب التعبئة العسكرية. في الوقت عينه، كان مسرح البروليتكولت يعد عرضاً للذكرى الثانية للثورة، وهي مسرحية كتبها جندي في الجيش الأحمر ساعد على اقتحام قصر الشتاء. (1)

لم يكن هذا المزيج الدراماتيكي، من انعدام الأمن السياسي والحرمان المادي والإبداع الثقافي غير عادي في روسيا الثورية. يمكن العثور بسهولة على الكثير من هذه القصص في الصحف والمجلات المعاصرة فضلاً عن مذكرات المناضلين الثقافيين. فقد أوضحوا بشكل جلي أن مؤيدي الثورة لم يكونوا مستعدين على اختزال أهدافهم بإنشاء نظام سياسي واقتصادي جديد. فقد أملوا كذلك بقيام نظام ثقافي جديد. بالطبع، الثقافة كلمة فضفاضة ولها العديد من المعاني، بدءاً من القيم والافتراضات لمجتمع بأكمله وصولاً إلى مجرد تعريف للفنون الجميلة. لم يكن للبلاشفة أي تعريف مشترك، وحتى لينين نفسه كان يستعمل الكلمة بطرق مختلفة بشكل لافت للنظر. في بعض الأحيان كان يعني المعرفة المتراكمة للنخب المتعلمة، وفي أحيان أخرى، الانجازات الحضارية للمجتمعات الصناعية الحديثة، مثل الدقة واحترام المواعيد. (2) فقد أدرك مع رفاقه البلاشفة، أن التحول الثقافي كان جزءاً عضوياً من المسار الثوري، ولكن ما يعنيه ذلك للحكومة الجديدة، فلم يكن ذلك واضحاً. لم تكن مخططات بناء الثقافة الاشتراكية أوضح من تلك المتعلقة بقيام نظام حكم اشتراكي.

تتحدى الثورات بشكل ثابت الأسس الثقافية للمجتمع، سواء اعترف المشاركون المدركون بذلك أو لا. الثوار الروس، كأسلافهم اليعاقبة، رحبوا بالتحدي. فقد كان تحويل الثقافة الروسية موضوعاً نقاشياً واسع النطاق في أوائل السنوات السوفياتية. كانت جميع الأمور مفتوحة للنقاش- معنى الثقافة، سلطة الثوار على تغيير الثقافة، والنتائج التي تترتب على تغيير النظام الجديد. (3)

لم تكن الأرضية المشتركة واسعة في هذه النقاشات. اتفق السياسيون والمعلمون والفنانون على أن الإصلاح الثقافي في بلدهم الشاسع، مع الأعداد الكبيرة من الأميين، كان مهمة شاقة. كما رفضوا التقاليد التي فصلت بشدة ثقافة النخبة صاحبة الامتيازات عن ثقافة الطبقات المسحوقة. ولكن الإجماع انتهى هنا. حتى أن قادة الدولة لم يتمكنوا من الاتفاق على حدة التغيير. في حين كان رئيس مفوضية الشعب للتنوير، أناتولي لوناتشارسكي يضغط باستمرار للحصول على المزيد من المال والموارد، شكك مفوض الدفاع، ليون تروتسكي، في الحكمة الداعية إلى تخصيص الكثير من الموارد للمسائل الثقافية طالما أن الدولة ليست آمنة سياسياً وعسكرياً. (4)





كما أن المناضلين الثقافيين لم يتشاركوا حتى في رؤية مشتركة إزاء الثقافة القديمة التي كانوا يريدون تركها وراءهم، فضلاً عن تلك الجديدة التي كانوا يرغبون في تأسيسها. بالنسبة للحذرين منهم كان الإرث الثقافي السابق للثورة قوة إيجابية وملهمة. كان يكفي نقل جوانب مختارة من الفن والتعلم إلى الجماهير من أجل إقامة أسس مجتمع جديد. الأكثر راديكالية منهم رفضوا هذا المسار المحافظ من المواقف. لقد اعتبروا أن الثورة هي قطيعة صافية، وفرصة لاكتشاف صور فنية جديدة وأشكال جديدة من التفاعل الاجتماعي المتناسب مع العصر الثوري.

إن العاطفة والاضطراب في هذه النقاشات الثقافية مفقودة من الأدبيات السوفياتية للثورة. فالأعمال السوفياتية تصف السنوات الأولى من عمر النظام بأنها المرحلة الأولى من “الثورة الثقافية” للاتحاد السوفياتي، وهو مسار طويل اكتسبت من خلاله الجماهير التعليم والتطور الثقافي الذي حرمها منه النظام القديم. (5) وبحسب الصورة المعيارية هزم البلاشفة بكل سهولة أعداءهم الثقافيين، الذين عُرفوا بأنهم الأعداء الفكريون للمساواة من جهة، ومن جهة أخرى، رفض الراديكاليون قيمة كل المعرفة الموروثة. ثم واصلت الدولة إقامة الأسس لمجتمع متعلم ومتحد ثقافياً، تكون فيه الفوائد الفنية والتربوية متاحة للجميع بشكل متساوٍ. هذا التفسير، بموضوعه الأساسي المتجسد بالتقدم المستمر، يخفي الخلافات العديدة بين مؤيدي النظام الجديد، والنقاشات حول مسائل مهمة مثل نوع التعليم والترفيه الأنسب للسكان. كما أنه يلقي الضوء على السؤال الأعمق حول ما إذا كان التنوير الذي ترعاه الدولة يسمح بأي دور ناشط وإبداعي للناس أنفسهم.

الحجة الأساسية في هذا الكتاب هي أن النضال من أجل تأسيس نظام ثقافي جديد كان مثيراً للجدال كما الجهود لتغيير أسس السياسية والاقتصادية للمجتمع السوفياتي. أهدف إلى إظهار ذلك من خلال تفحص الحركة الجماهيرية التي كانت قائمة في خضم النقاشات الثقافية في السنوات السوفياتية الأولى. تأسست البروليتكولت، وهي اختصار لـ “المنظمات الثقافية التربوية البروليتارية”، لأول مرة في بتروغراد، قبل أيام قليلة من اندلاع ثورة تشرين الأول/أكتوبر. بدأت كائتلاف بين النوادي ولجان المصانع ومسارح العمال، والمنظمات التربوية المكرسة لتلبية الاحتياجات الثقافية للطبقة العاملة. بحلول عام 1918 كانت قد توسعت لتصبح حركة وطنية أكثر طموحاً: تحديد ثقافة بروليتارية التي من شأنها إعلام وإلهام المجتمع الجديد.

كانت البروليتكولت مثيرة للجدالات في البداية لأن المشاركين فيها ظنوا أن التحول الثقافي السريع والراديكالي كان حاسماً لبقاء الثورة، وهو الموقف الذي قدموه بعبارات عالية النبرة. طالب قادة المنظمة، كما العديد من أتباعهم المحليين، بأن يكون للثقافة، مهما كان تعريفها، نفس وزن السياسة والاقتصاد. وعلى الرغم من انعدام الأمن العسكري في النظام الجديد، وانعدام الاستقرار السياسي، والتراجع الاقتصادي السريع الذي سببته الثورة والحرب الأهلية، أراد قادة البروليتكولت من الدولة موارد مهمة. وحذروا من أنه من دون الاهتمام بالثقافة، إن الإنجازات السياسية والاقتصادية ستبنى على أرضية هشة للغاية.

لم يؤكد المشاركون في الحركة على أهمية الثقافة فحسب، إنما أصروا على أولوية ثقافة جديدة من شأنها التعبير عن قيم ومبادئ الطبقة العاملة المنتصرة. كانت الثقافة البروليتارية مفهوماً غير متمظهر ويدل على العديد من الأشياء في وقت واحد: الإبداعات الفنية وتطلعات العمال؛ تعبير عن الروح الثورية؛ وعلى نطاق أوسع؛ ظهور أيديولوجية الطبقة العاملة الحاكمة. حتى أن البروليتكولتيين أنفسهم لم يتفقوا على تعريف مشترك، وكما حصلت الخلافات في المجتمع الأوسع حول قيم نماذج ما قبل الثورة في عصر ثوري كذلك حصل ذلك داخل الحركة. في هذا الوقت، أثار مفهوم ثقافة طبقية تحفظ العديد من النقاد، الذين تساءلوا عما يمكن لهذه المنظمة البروليتارية المتشددة أن تساهم في بناء مجتمع لا طبقي.





كما أن الطبيعة المتوسعة للحركة وضعتها في صلب النقاشات الثقافية. في ذروتها عام 1920 ادعت القيادة أن المنظمة تحتوي على 400 ألف عضو في كل أراضي الاتحاد السوفياتي. وعلى الرغم من افتقارها للموارد والأموال، أسس المشاركون في البروليتكولت شبكة واسعة من النوادي والمدارس وورش العمل والجوقات والمسارح والفرق التحريضية التي عرضت أعمالها على الجبهات خلال الحرب الأهلية. كانت طموحات المنظمة كبيرة كأتباعها. لم يكن البروليتكولتيون مهتمين فقط بالأشكال الفنية البروليتارية. لقد أرادوا كذلك خلق أخلاق بروليتارية. كانت تربية الأطفال، والعلاقات العائلية، والتعليم العلمي من ضمن اهتماماتهم. وبسبب اهتماماتها البعيدة المدى، جذبت البروليتكولت اهتمام وعداء المجموعات الأخرى التي تسعى إلى التغيير الثقافي، من بينها الهيئات التعليمية الحكومية.

ولعل الأهم من كل ذلك، أن البروليتكولت قد جسدت رؤية مشحونة سياسياً للبروليتاريا السوفياتية التي تعززت قواها حديثاً. اتخذ الأعضاء الملتزمون فكرة “ديكتاتورية البروليتاريا” بشكل حرفي وأعطوا للمؤسسات البروليتارية مكانة متقدمة في المجتمع الجديد. لقد رأوا في الطبقة العاملة قوة مستقلة خلاقة يجب أن تطلق عنانها للتعبير عن أفكارها وتطويرها. بحسب رأي البروليتكولتيين، لا يمكن أن تكون الحكومة السوفياتية هي المدافع الوحيد للتفكير عن البروليتاريا لأنه كان عليها أن تأخذ بعين الاعتبار احتياجات الطبقات الأخرى. أرادوا أن تكون البروليتكولت مستقلة تماماً عن مؤسسات الدولة الثقافية. من خلال رفع مثل هذا المطلب، كانوا يتحدون سلطة الدولة الواقفة فوق الطبقات الاجتماعية والمتوسطة فيما بينها. بالفعل، أصر البروليتكولتيون على الاستقلال عن الحزب الشيوعي كذلك، مدعين أن حركتهم، تمثل مصالح البروليتاريا الثقافية، وهي مهمة بمقدار أهمية الحزب، الممثل لاهتماماته السياسية. أدت هذه المطالبة بالاستقلالية إلى المواجهة. مع نهاية الحرب الأهلية، سيطر الحزب الشيوعي على البروليتكولت ووضع المنظمة تحت سيطرة بيروقراطية الدولة الثقافية.

سيطرت الاشتباكات بين البروليتكولت والحزب الشيوعي على الدراسات التاريخية الغربية وفي الاتحاد السوفياتي، الأمر الذي أعطاها سمعة حركة معارضة. تتعزز هذه الفكرة من واقع أن أغلب مبادئ البروليتكولت كانت جدلية- أولوية الثقافة وهيمنة البروليتاريا- يمكن إحالتها إلى مجموعة من البلاشفة اليساريين الذين كانوا قد عارضوا لينين في السنوات الممتدة بين عامي 1905-1914. كان ألكسندر بوغدانوف أحد أهم هؤلاء اليساريين، الذي أنتج مجموعة رائعة من الكتابات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية قبل موته عام 1928. اعتقد بوغدانوف أنه حتى تنجح الثورة البروليتارية، تحتاج الطبقة العاملة إلى تحضير ثقافي. كان عليها ابتكار أيديولوجيتها الطبقية الخاصة بها بهدف الاستيلاء على السلطة وممارستها. حددت أفكار بوغدانوف حول هذه الأمور نهجاً متميزاً للسياسة والتكتيكات الثورية التي كانت متعارضة بشجاعة مع نهج لينين.

تسلط الأدبيات السوفياتية الضوء على الخلافات بين لينين وبوغدانوف حول المسار الصحيح للتغيير الثقافي والسياسي. مستندين إلى انتقادات لينين العنيفة للحركة ككل، كان الباحثون السوفيات سلبيين للغاية. ف.ف. غوربونوف، أحد أهم المختصين السوفيات في تلك المرحلة، وصم البروليتكولت بالانفصالية والعصبوية والعدمية والتحريفية. (6) ويرى في عمله المؤثر أن البروليتكولت تمثل تحدياً خطيراً للسلطة السياسية للحزب الشيوعي وتهديداً للأسس الاجتماعية والفكرية للنظام.





في السنوات الأخيرة، تعدلت هذه النظرة السلبية، إذ حاول العلماء استعادة، على الأقل، جزء من هذه الحركة الجماهيرية كقوة إيجابية في التاريخ الثقافي السوفياتي. (7) مثلاً، رغب المؤلفون السوفيات بالاعتراف أن المنظمات المحلية لعبت دوراً إيجابياً في بعض الأوقات، خاصة عندما تجاهلت القيود المتشددة للثقافة البروليتارية وكرست نفسها للعمل التربوي الأساسي. (8) في واحدة من آخر أعمالها السوفياتية، ذهبت ل.أ. بينجينا إلى أبعد من ذلك في هذه المراجعة. تصر على أن لينين نفسه فضل الثقافة البروليتارية عندما جرى تعريفها بأنها التمكين الثقافي للطبقة العاملة. في رأيها- كان الاستثناء وليس القاعدة- كان الكثير من نضال البروليتكولت مستوحى من أفكار لينين وليس بوغدانوف. (9)

على الرغم من اختلافها في نواح كثيرة مع العديد من الأدبيات السوفياتية، فقد ركزت الدراسات الغربية عن البروليتكولت كذلك على الصراع بين لينين وبوغدانوف. ركزت الأعمال الأولى بشكل أساسي على تطبيق الثقافة البروليتارية في الفنون، وخاصة الأدب. (10) مع ذلك، بدأ عدد متزايد من الكتاب الغربيين بدراسة الكتابات الضخمة لبوغدانوف من أجل إيجاد بديل لرؤية لينين للتحول الاشتراكي.(11) عندما ظهرت البروليتكولت في هذه الأعمال، جرى تقديمها كأنها منظمة “بوغدانوف”، وأنها النتيجة الاجتماعية لأفكاره المعقدة حول الثقافة والمجتمع. وهكذا أصبحت البروليتكولت رمزاً لبوغدانوف، واستخدم حجمها للدلالة على شعبية أفكاره وإمكانية حصول نتيجة مختلفة للثورة. حتى تلك الأعمال المركزة على البروليتكولت جعلت من التفاعل بين نظرية بوغدانوف وممارسات البروليتكولت موضوعها الأساسي.

لا يمكن تناسي النقاشات الحادة بين لينين وبوغدانوف من التاريخ الصعب للبروليتكولت. كانت نزاعاتهما السياسية والفلسفية مصدراً لظهور الأخيرة وتوقعاً بزوالها. ولكن بحسب وجهة نظر الكتاب الذين اختزلوا منظمة البروليتكولت بأنها حركة بوغدانوف، فإنهم منحوها تماسكاً وبساطةً لم تكن موجودة. كما أنهم وضعوها بسهولة في الإطار المعارض للينين، وهو تعميم يشوه على نحو خطير نوايا الكثير من المشاركين.

في هذا الكتاب، سأتفحص البروليتكولت كحركة اجتماعية وثقافية معقدة تحمل برنامجاً متضارباً. وبدلاً من التركيز في المقام الأول على أفكار القيادة، سأحقق في تكوينها الاجتماعي وفي ممارساتها الثقافية المتنوعة. عبر استعمال التسجيلات الأرشيفية والمنشورات للمنظمات المحلية والمركزية، سأحاول إظهار التفاعل المعقد بين التصريحات الرسمية وتنفيذها. (13) مثل هذه المقاربة تضيء على التنوع في هذه المنظمة وتظهر ما شاركته مع العديد من المؤسسات السوفياتية الأولى. كما تكشف عما يمكن أن تكون قد حققته المنظمة من نجاحات وإخفاقات في السيرورة الثورية بشكل عام.

كحركة ثقافية جماهيرية، كانت البروليتكولت ظاهرة فريدة في التاريخ المبكر لروسيا السوفياتية. مع ذلك، واجهتها العديد من المشاكل التي لم تكن عادية. كالعديد من المجموعات التي تعلن أن هويتها بروليتارية، ناضلت من أجل اكتشاف كيفية كسب الهيمنة في بلد كان العمال فيه أقلية صغيرة إلى حد ما. الحلول الرسمية التي ابتكرتها المنظمة، كمحاولة أن تكون العضوية فيها محصورة بالعمال الأكثر خبرة أو استبعاد غير البروليتاريين من صفوفها، لم تكن ناجحة في النهاية. كانت البروليتكولت “بروليتارية” بالمعنى العام للكلمة؛ لقد استمدت دعمها الكبير من العمال بشكل عام، ومن العمال الصناعيين وأولادهم، ومن الموظفين ذوي الياقات البيضاء والحرفيين، وحتى من الفلاحين.





واجه المشاركون في البروليتكولت مشاكل كبيرة في توضيح دور الخبراء والمثقفين في المجتمع الجديد، وهي معضلة أخرى. إذا حكم المرء على تصريحاتها الأكثر راديكالية لظنَّ أن الحركة تدعو إلى رقابة عمالية جذرية. بقدر ما كان هناك حاجة إلى المثقفين، كان عليهم أن ينحدروا من الطبقة العاملة. بعض الأعضاء ذهبوا أبعد من ذلك، فقد عارضوا أي نوع من الهرمية الاجتماعية. كما اكتشفت المؤسسات السوفياتية سريعاً، تطلّب خلق شريحة مثقفين جديدة من دون شك مشاركة المثقفين القدامى. ابتكرت البروليتكولت أساليب رائعة لحصر الفنانين والمدرسين والخبراء بأداء مهام ثانوية. ولكن في نهاية المطاف، لم يكن سهلاً تقليص تأثير هذه العناصر من خارج الطبقة العمالية. على الرغم من أن البروليتكولت قد اكتسبت سمعة معارضة للنخبوية، كان المثقفون في الواقع عنصراً أساسياً ساعد على تحديد شكل ومضمون الثقافة البروليتارية.

كقادة العديد من المؤسسات السوفياتية الأخرى، ناضل مخططو البروليتكولت المركزيون بشدة من أجل دمج الفروع المحلية الكثيرة في بنية وطنية متماسكة. تردد صدى دعواتهم الشاكية للحصول على المزيد من المعلومات والامتثال عن/من الفروع الإقليمية في العديد من المنظمات، من الحزب الشيوعي إلى البيروقراطية الثقافية للدولة. شجعت مبادئ البروليتكولت على الاستقلالية والعمل المستقل، وشجعت على الإبداع المحلي. رغم ذلك، ناضلت المنظمة المركزية بلا كلل، وغالباً من دون جدوى، لفرض قرارتها على المستوى المحلي. وعلى الرغم من جهودها الشجاعة، إلا أن القرارات المتخذة في المركز لم تفرض أبداً ممارسة موحدة في المنظمة ككل.

في هذه الدراسة سأتحاشى الانقسام البسيط بين النظرية والممارسة، والذي يضع أفكار قادة مثل بوغدانوف في مواجهة مع الممارسة اليومية للفروع المحلية. من دون شك هناك معتقدات سياسية جمعت البروليتكولت. وقد تشارك الأعضاء الالتزام بالهيمنة البروليتارية والاستقلالية المؤسساتية، ومركزية التغيير الثقافي. ولكن كل هذه الأفكار كانت مفتوحة لتفسيرات عديدة. لم يتفق القادة المركزيون ذاتهم على أفضل طريقة لإنشاء النخبة الثقافية الجديدة أو لخلق حركة متماسكة. ساعدت مرونة مبادئ البروليتكولت على جذب عدد كبير من المؤيدين.

شدد البروليتكولتيون بكل حماس على موقع البروليتاريا المركزي في النظام الاجتماعي الجديد، لكنهم لم يتفقوا على ما هي البروليتاريا. بالنسبة للبعض كانت عبارة عن الطبقة العاملة الصناعية. وأملوا أن تجد الحركة أتباعاً لها من بين طليعة العمال الصناعيين المتقدمين ثقافياً وسياسياً. بالنسبة لسواهم، بشكل لا يختلف عن الشعبويين والاشتراكيين الثوريين في السنوات الماضية، عنت البروليتاريا كل الشعب الروسي الذي عانى طويلاً، النارود أي الشعب. رحب هؤلاء بعمال آلات الطباعة ودهاني البيوت والفلاحين دون أي شعور بالتناقض الاجتماعي. تكشف الجاذبية الواسعة للغة القائمة على الطبقة في البروليتكولت مرونة الفئات الاجتماعية خلال تلك الفترة من التغيير الاجتماعي السريع.

على الرغم من أن الاستقلالية المؤسساتية كانت موضع ترحيب كبير من أعضاء البروليتكولت، لكنها كانت مفهوماً غامضاً كذلك. في أعلى درجاته، عنت الاستقلالية ضمنياً أن مؤسسات طبقية مثل البروليتكولت ستهيمن على الأجهزة الحكومية، وهي فكرة شكلت من دون شك تحدياً لسلطة الحزب والدولة. ولكن يمكن قراءة أن الاستقلالية بأنها تأكيد على السلطة المحلية. وأصرت الدوائر الإقليمية على حقها في حل مشاكلها الخاصة بها، وهي الحلول التي كانت تعني كذلك تشكيل تحالفات وثيقة مع الحزب وأجهزة الدولة. لم يؤدِ تبني البروليتكولت مبدأ الاستقلالية إلى ترسيخ استقرارها، إنما شجع ذلك على انعدام التجانس.





كان المبدأ الأساسي بشكل مطلق هو الإيمان بمركزية التغيير الثقافي. ولكن أي نوع من الثقافة وأي تغيير؟ كانت أجوبة البروليتكولتيين على هذه الأسئلة متنوعة ومتناقضة مثل تلك التي كانت متداولة على نطاق المجتمع. جذبت المنظمة المدرسين الذين أملوا بإعادة تنظيم الجامعات على أسس علم بروليتاري غير واضح المعالم. كما جذبت معلمي الموسيقى الذين أرادوا مشاركة موسيقى السادة مع الجماهير. داخل مزارعهم تعلم أطفال الفلاحين عن أوبرا تشايكوفسكي، وقدم العمال عروضاً مسرحية لتشيخوف في المصانع، واكتشف شباب المدن مبادئ انتاج الفن التي تدرسها الطليعة. بالنسبة للعديد من المشاركين كانت الثقافة البروليتارية تعني بكل بساطة أن الثورة البروليتارية ستأتي لهم بالثقافة. كان محتوى تلك الثقافة، وجمهورها، وناقلوها خاضعاً للتأويل.

استلهم البروليتكولتيون رؤية يوتوبية لمجتمع المستقبل. تتجلى هذه الرؤية في عناوين مجلاتهم المحلية- المستقبل (بتروغراد)، فجر المستقبل (خاركوف)، ثقافة المستقبل (تامبوف)، والذي أخذت عنوان كتابي منها. من المؤكد أن اليوتوبية لا تشكل في حد ذاتها وجهة نظر عالمية موحدة، خاصة وأن البروليتكولتيين قد طرحوا العديد من الخطط المتضاربة للثقافة اليوتوبية. (14) وليس مفاجئاً، أن أغلب أعمال المنظمة لم يصل إلى مستوى المطالب المرفوعة، ومن الانتقادات الأكثر انتشاراً الموجهة ضد المنظمة هو أن انجازاتها كانت متواضعة أكثر بكثير من توقعاتها العظيمة. وعلى الرغم من أن هذا الأمر كان صحيحاً، إلى أنني ما زلت آمل بالتقاط الروح الطوباوية التي شجعت أعضاء البروليتكولت، ولو لفترة قليلة، لعرض دروس البيانو وصفوف محو الأمية كخطوات أساسية نحو إنشاء مجتمع جديد. يجب تقدير صدقهم وحماسهم قبل أن نبدأ بتقييم إخفاقاتهم.

أركز في كتابي على الفترة الممتدة بين عامي 1917-1922. في هذه السنوات كانت البروليتكولت قادرة على اكتساب مؤيدين لها على المستوى الوطني وأن يكون لها صوت أساسي في النقاشات الثقافية. ثم، وبسبب تغير وضعها وخفض تمويلها مع نهاية الحرب الأهلية، تراجعت لتصبح مجموعة صغيرة ومقيدة. يلخص الفصل الأخير مصير المنظمة منذ عام 1923 إلى أن حلت نهائياً عام 1932. في هذه الفترة، بتنا أمام مشهد ثقافي متغير للغاية، كانت البروليتكولت قد أصبحت في أحسن الأحوال مجرد لاعب صغير.

تتزامن فترة التأثير الأكبر للحركة، 1918-1920، مع سنوات الحرب الأهلية الروسية. وسط مزيج غريب من المشقة واليوتوبيا والخراب والإبداع، ساعدت الحرب على تحقيق أهداف ثورية الأكثر حماسة. ووفق تعبير باحث سوفياتي، “المرحلة البطولية” للثورة الروسية. بدت كل المؤسسات الاجتماعية الاقتصادية مرنة ومنفتحة على التغييرات الأكثر جذرية. سيطرت وعود البروليتكولت المغتبطة بثقافة جديدة على هذه الروح الكفاحية المتفائلة.

يمكن تفسير الانحدار الملحوظ الذي حصل للبروليتكولت في السنة الأولى من السياسة الاقتصادية الجديدة بشكل جزئي من خلال معارضة الحزب الشيوعي للحركة وإخضاعها لسلطة أجهزة الدولة. وبمواجهة التقشف الشديد في التمويل والقيود المتشددة على نشاطاتها، فقدت معظم شبكاتها المحلية وغالبية مؤيديها. بحسب الأدبيات الغربية جاء انهيار البروليتكولت كنتيجة لا مفر لها بسبب تعزيز سلطة البلاشفة. (16) الحزب بقيادة لينين لم يكن يريد التسامح مع حركة عمالية كبيرة مستقلة، وخاصة مع واحدة يشتبه بارتباطها السياسي ببوغدانوف. وكالعديد من المجموعات الداعية إلى الاستقلال الذاتي- كلجان المصانع والنقابات والجماعات العمالية داخل الحزب- لم تنجُ البروليتكولت من الحرب الأهلية من دون تغييرات جذرية.





مع ذلك، إن العداء الحكومي لا يمكن لوحده تفسير سبب زوال البروليتكولت. كان المشاركون أنفسهم على خلاف حول أفضل الطرق لتحقيق ثقافة بروليتارية، وضاعت أغلب جهودهم على الخلافات الداخلية. تدخلت القيادة المركزية في عمل الفروع المحلية، وحرمتها من الموارد وحتى أغلقتها عندما لم توافق على أنشطتها. وعلى الرغم من أن المنظمة قد انتقدت باستمرار برامج الدولة، إلا انها كانت تعتمد تقريباً بالكامل على دعم الحكومة، ما جعلها هدفاً سهلاً في تخفيض نفقاتها. أكثر من ذلك، كانت تصورات البروليتكولتيين لمستقبل يوتوبي، والتي ألهمت ووحدت الحركة، بناءً هشاً. فقد اعتمدت على الروح البطولية التي غذتها الحرب الأهلية وعلى التفسير الموسع للسلطة البروليتارية. جاءت السياسة الاقتصادية الجديدة في روسيا، مع القيود المالية التي فرضتها والتسوية الطبقية التي أجرتها، لتقلل من هذا الحماس.

غالباً ما بالغ البروليتكولتيون من أهمية مؤسستهم وسلطتها. مع ذلك إن شعبية المنظمة أظهرت أن التطلعات الثقافية كانت واحدة من الأسباب التي دفعت بالعمال والمثقفين والفلاحين للذهاب إلى المتاريس وساحات الحرب. لم يسعَ المشاركون في البروليتكولت إلى مؤسسات سياسية واقتصادية جديدة فقط، إنما سعوا إلى إعادة تنظيم أساسية للأسس الثقافية للمجتمع. وبالفعل، اعتقدوا أنه ومن دون هذه التغييرات لن تكتمل الثورة. “البروليتكولت هي ثورة روحية” أعلن الشاعر العمالي إيليا سادوفيف عام 1919. “بالنسبة إلى العالم القديم، المظلم والرأسمالي إنها أكثر رعباً وخطورة من أي قنبلة… هم يعلمون جيداً أن الثورة المادية ليست سوى ربع الانتصار البلشفي-السوفياتي. لكنها ثورة روحية- وهنا يكمن الانتصار بأكمله”.(17)

الهوامش:

[1] “Nasha kul’tura: Petrogradskii Proletkul’t,” Griadushchee , no. 7/8 (1919), p. 31. The lecturer was E. P. Karpov, former -dir-ector of the Aleksandrinskii Theater. The play, Za krasnye sovety , was written by Pavel Arskii, one of the leaders of the Petrograd Proletkult.

[2] For Lenin’s views on culture see V. V. Gorbunov, Lenin i sotsialisticheskaia kul’tura (Moscow, 1972) Zenovia A. Sochor, Revolution and Culture: The Bogdanov-Lenin Controversy (Ithaca, 1988), esp. chap. 5 and V. I. Lenin, V. I. Lenin o literature i iskusstve , 7th ed., ed. N. Krutikov (Moscow, 1986).

[3] The broad range of early Soviet views on cultural transformation is presented in Abbott Gleason, Peter Kenez, and Richard Stites, eds., Bolshevik Culture: Experiment and Order in the Russian Revolution (Bloomington, 1985) and William G. Rosenberg, ed., Bolshevik Visions: First Phase of the Cultural Revolution in Soviet Russia (Ann Arbor, 1984).





[4] See James C. McClelland, “Utopianism versus Revolutionary Heroism in Bolshevik Policy: The Proletarian Culture Debate,” Slavic Review , vol. 39, no. 3 (1980), pp. 403–25.

[5] For an overview of this scholarship see S. A. Andronov, ed., KPSS vo glare kul’turnoi revoliutsii v SSSR (Moscow, 1972) G. G. Karpov, O sovetskoi kul’ture i kul’turnoi revoliutsii SSSR (Moscow, 1954) M. P. Kim, ed., Kul’turnaia revoliutsiia v SSSR, 1917–1965 gg. (Moscow, 1967) and M. P. Kim, Velikii Oktiabr’ i kul’turnaia revoliutsiia v SSSR (Moscow, 1967).

[6] V. V. Gorbunov, “Bor’ba V. I. Lenina s separatistskimi ustremleniiami Proletkul’ta,” Voprosy istorii KPSS , no. 1 (1958), pp. 29–40 idem, “Iz istorii bor’by Kommunisticheskoi partii s sektanstvom Proletkul’ta,” in Ocherki po istorii sovetskoi nauki i kul’tury , ed. L. V. Koshman (Moscow, 1968), pp. 29–68 idem, “Iz istorii kul’turno-prosvetitel’noi deiatel’nosti Petrogradskikh bol’shevikov v period podgotovki Oktiabria,” Voprosy istorii KPSS , no. 2 (1967), pp. 25–35 idem, “Kritika V. I. Leninym teorii Proletkul’ta ob otnoshenii k kul’turnomu naslediiu,” Voprosy istorii KPSS , no. 5 (1968), pp. 83–93 and idem, V. I. Lenin i Proletkul’t (Moscow, 1974).

[7] See M. P. Kim, “Istoricheskii opyt kul’turnoi revoliutsii v SSSR,” Voprosy istorii , no. 1 (1968), pp. 109–22, esp. pp. 116–17 V. T. Ermakov, “Ideinaia bor’ba na kul’turnom fronte v perrye gody sovetskoi vlasti,” Voprosy istorii , no. 11 (1971), pp. 16–31, esp. pp. 27–31 V. A. Razumov, “Rol’ rabochego klassa v stroitel’stve sotsialisticheskoi kul’tury v nachale revoliutsii i v gody grazhdanskoi voiny, 1917–1920,” in Rol’ rabochego klassa v razvitii sotsialisticheskoi kul’tury , ed. M. P. Kim and V. P. Naumov (Moscow, 1967), pp. 8–70, esp. pp. 15–25 and I. S. Smirnov, “Leninskaia kontseptsiia kul’turnoi revoliutsii i kritika Proletkul’ta,” in Istoricheskaia nauka i nekotorye problemy sovremennosti , ed. M. Ia. Gefter (Moscow, 1969), pp. 63–85. Even Gorbunov participates in this revisionism to some extent see his “Oktiabr’ i nachalo kul’turnoi revoliutsii na mestakh,” in Velikii Oktiabr’: Istoriia, istoriografiia, istochnovedenie , ed. Iu. A. Poliakov (Moscow, 1978), pp. 63–74.

[8] See, for example, T. A. Khavina, “Bor’ba Kommunisticheskoi partii za Proletkul’t i rukovodstvo ego deiatel’nost’iu, 1917–1932 gg.” (Candidate Dissertation, Leningrad State University, 1978), which covers the Petrograd/Leningrad Proletkult N. A. Milonov, “O deiatel’nosti Tul’skogo Proletkul’ta,” in Aktual’nye voprosy istorii literatury , ed. Z. I. Levinson, N. A. Milonov, and A. F. Sergeicheva (Tula, 1969), pp. 140–63 V. G. Puzyrev, “‘Proletkul’t’ na Dal’nem Vostoke,” in Iz istorii russkoi i zarubezhnoi literatury , ed. V. N. Kasatkina, T. T. Napolona, and P. A. Shchekotov (Saratoy, 1968), vol. 2, pp. 89–105 and V. L. Soskin and V. P. Butorin, “Proletkul’t v Sibiri,” in Problemy istorii sovetskoi Sibiri: Sbornik nauchnykh trudov , ed. A. S. Moskovskii (Novosibirsk, 1973), pp. 133–46.





[9] See L. A. Pinegina, “Organizatsii proletarskoi kul’tury 1920-kh godov i kul’turnoe nasledie,” Voprosy istorii , no. 7 (1981), pp. 84–94 and idem, Sovetskii rabochii Mass i khudozhestvennaia kul’tura , 1917–1932 (Moscow, 1984).

[10] See Edward J. Brown, The Proletarian Episode in Russian Literature , 1928–1932 (New York, 1953) and Herman Ermolaev, Soviet Literary Theories , 1917–1934: The Genesis of Socialist Realism (Berkeley, 1963).

[11] For a sampling of this scholarship see Karl G. Ballestrem, “Lenin and Bogdanov,” Studies in Soviet Thought , no. 9 (1969), pp.283ndash310 John Biggart, “‘Anti-Leninist Bolshevism’: The Forward Group of the RSDRP,” Canadian Slavonic Papers , vol. 23, no. 2 (1981), pp. 134–53 Loren R. Graham, “Bogdanov’s Inner Message,” in Red Star: The First Bolshevik Utopia , by Alexander Bogdanov, ed. Loren R. Graham and Richard Stites (Bloomington, 1984) Dietrich Grille, Lenins Rivale: Bogdanov und seine Philosophie (Cologne, 1966) Kenneth M. Jensen, Beyond Marx and Mach: Alexander Bogdanov’s Philosophy of Living Experience (Dordrecht, 1978) Peter Scheibert, “Lenin, Bogdanov and the Concept of Proletarian Culture,” in Lenin and Leninism , ed. Bernard Eissenstaat (Lexington, Mass., 1971) Jutta Scherrer, “Les écoles du parti de Capri et de Bologne: La formation de l’intelligentsia du parti,” Cahiers du monde russe et soviétique , vol. 19 (1978), pp. 259–84 Sochor, Revolution and Culture S. V. Utechin, “Philosophy and Society: Alexander Bogdanov,” in Revisionism: Essays on the History of Marxist Ideas , ed. Leopold Labedz (London, 1962) and Robert C. Williams, The Other Bolsheviks: Lenin and his Critics , 1904–1914 (Bloomington, 1985).

[12] The best of these works are by West German scholars. See Gabriele Gorzka, A. Bogdanov und der russische Proletkult: Theorie und Praxis einer sozialistischen Kulturrevolution (Frankfurt am Main, 1980) Peter Gorsen and Eberhard Knödler-Bunte, Proletkult: System einer proletarischen Kultur (Stuttgart, 1974), vol. 1, pp. 13–122 and Klaus-Dieter Seemann, “Der Versuch einer proletarischen Kulturrevolution in Russland, 1917–1922,” Jahrbücher für Geschichte Osteuropas , vol. 9 (1961), pp. 179–222. One exception is Sheila Fitzpatrick’s The Commissariat of Enlightenment: Soviet Organization of Education and the Arts under Lunacharsky , 1917–1921 (Cambridge, Eng., 1970), which examines the Proletkult’s conflicts with the state bureaucracy.

[13] This study makes extensive use of the archival holdings of the Proletkult, housed in the Central State Archive of Literature and Art in Moscow. The archive contains the records of the central organization as well as those of local circles, including membership rules, minutes of organizational meetings, and questionnaires about social composition and cultural practices.





[14] On the many varieties of early Soviet utopianism see Richard Stites, “Utopias in the Air and on the Ground: Futuristic Dreams in the Russian Revolution,” Russian History , vol. 11, no. 2/3 (1984), pp. 236–57 and idem, Revolutionary Dreams: Utopian Visions and Experimental Life in the Russian Revolution (New York, 1989).

[15] L. Kritsman, Geroicheskii period Velikoi russkoi revoliutsii , 2d ed. (Moscow and Leningrad, 1926).

[16] See, for example, Williams, The Other Bolsheviks , pp. 185–87. For a more differentiated view see Gorsen and Knödler-Bunte, Proletkult , vol. 1, pp. 114–15.

[17] Il’ia Sadof’ev, “Chto takoe Proletkul’t,” Mir i chelovek , no. 1 (1919), p. 12. All translations are mine unless otherwise identified.