-المهدي-وشرط-الحضور-قبل-الظهور-؟/1


عبدالامير الركابي
2023 / 1 / 4 - 20:03     

على اثر الغزو الامريكي للعراق وسقوط نظام الريعية العقائدية الايديلوجية العائلية، بدا من الملفت ظهور بضعة حركات متقاربة زمنيا(1) تقول بظهور المهدي او التبشير بقرب ظهوره، او تدعي انه هي، تمت في الغالب تصفيتها، او انتهت من ذاتها بعدما تبين بالاختبارالملموس ومرور الوقت عدم واقعيتها، وهي نوع من حركات وجدت ضمن ظروف انهيارالكيانيه الحديثة المفبركة، مع ماتطلبه سحق الدولة البرانية بعد 82 عاما من عمرها كمبتنى ارتبط بحضور الغرب، عدا عن ضخامة وعظم حدث الغزو بجولتيه، الاولى والثانيه، والحصار الذي استمر بينهما ل 12 عاما، وهو اقسى حصار ضرب في التاريخ على بلد من البلدان، هذا عدا عن اختفاء مفهوم الوطنيه العراقية المفتعلة الهشة والزائفة، مع انهيار الايديلودجيا البرانية المستعارة الحزبية منها، بانهيار الكيانيه المركبه من خارج النصاب الاجتماعي، وسحقها الكلي على يد الغزو.
والعراق هو مؤئل "المهدوية" الانتظارية الاصل، لا كفكره عامه، بل بصفتها التعبيرية التكرارية عن "الوطنيه"/ الوطن كونية الغائبة، غير المتاح وعيها ادراكا حتى حينه، ظهرت كاشارة دالة على انتهاء دورة تاريخيه وتراجع دينامياتها، مقترنة بالعجزدون كشف النقاب عن المقصود الغائب، ومع الطابع الكوني للفكرة الجاري البحث عنها، اي المتعدية للكيانيه، والنمطية العدالية المطلقة، والحضور الانقاذي الكوني الشامل، بغض النظر عن التدليل بالفحص العياني السببي، فان مفهوم الانتظار الذي توقع فعليا انتهاء الدورة العباسية القرمطية، وجد متطابقا كما هو حدسيا، مع الجوهر الدال على النمطية اللاارضوية الازدواجية الكونيه، لابصفته ابراهيمية ثانية، بل كاعلان عن انتهاء مفعول الابراهيمه الاولى، من دون القدرة الانية على استبدالها، او تجاوز نقصها الاصل، مع الاكتفاء فعليا بالاحالة الى مابعدها.
ومع هذا فان المهدوية لم تحضر، او انها لم يسبق ان حضرت في التاريخ العراقي اللاحق على انهيار بغداد واحتلالها عام 1258علما بان الجانب "الانتظاري" من المهدوية كان حاضرا بقوة، وصار بمثابة القيادة للانبعاثية الثالثة الحديثة، التي تبدا مع القرن السادس عشر بالطور القبلي، مع ظهور "اتحاد قبائل المنتفك" في ارض سومر الحديثة، الى ان اقتضت الضرورة منذ القرن الثامن عشر ظهور "دولة اللادولة المدينه الانتظارية"، مرساة على قاعدة، الوجه الاحالي من المهدوية الى قادم، كما على التدامج بالكينونة المساواتيه للبحر القبائلي المشاعي بنية، والذي وجد تاريخيا لاارضويا ممتنعا على انتاج اسباب الانفصال السلطوي والتملكي.
والنجف ترسي وارست مكانتها الفعالة، لا على القول بالتحقق المهدوي، بل على رفض اي تحقق اخر سواه ( في زمن "الغيبه")بما في ذلك الحكم الشيعي، وهو ماكان مطلوبا من قبل مجتمعية اللامجتمعية المنبعثة اليوم، بالضد من نزوع القيادة القبلية الاولى المستعارة التغلبي، الطامح للحكم والسلطة مخالفة للكينونه اللادولوية. والفارق كبير بين الموقفين، النجفي بمقابل المهدوي الحالي المتاخر، فالظاهرة المهدوية الحالية، تختلف نوعيا، لانها قائمة على انهاء الانتظار، والقول بالتحقق و"الظهور"، الامر الذي لابد من تحري اسبابه، والمتغيرات التي جعلته يحضر على مثل هذه الشاكلة، الانقلابية الفاصلة والاختبارية لاهم جانب من المهدوية.
كانت الانتظارية النجفية على اهميتها وماتتمتع به من مكانه، قد واجهت من قبل تحديات ظهرت بعد الخمسينات ضمن السياقات الاصطراعية الناشئة عن الطور الاحتلالي الغربي، وتوطد اسباب الانتقال الى الفترة الايديلوجية بعد القبلية والانتظارية، وهو ماعرفه العراق في القرن العشرين، وعلى وجه التعيين منذ عشرينات القرن المنصرم، وظهور عجز الانتظارية النجفية عن مواكبة اشتراطات الصراعية المستجدة الناجمة عن حضور الغرب ونموذجه، وصيغته الكيانيه، ودولته المفبركة، واجمالي ماواكب حضوره وظاهرته من افكار الحداثة وكيفيات تجليها، عندما برزت ظاهرة غير عادية، تبلورت وكانها تشابه حالة انتقال المجتمع الجنوبي اللاارضوي، للانتظارية النجفية بدل اللادولة القبيلية، وقد صار ماعرف بالحزب الشيوعي الجنوبي / حزب الناصرية،اللاارضوي المقابل لحزب "الافندية" الاعلى البغدادي،بمثابة اطار تمثيلي متنام، تصدر التيار اللاارضوي المضاد للحضور الغربي، ولعملية الفبركة التي اضطر لممارستها كيانيا ضد كينونة لاكيانيه، ومتعدية لها، فاقامته عام 1921 ماعرف بالدولة "الحديثة" المفبركة المركبة من خارج النصاب الاجتماعي، وخارج التشكلية التاريخيه الراهنه الحديثة المستمرة من القرن السادس عشر، لم تكن فعل رغبة او ارادة استعمارية، بقدر ماهي ضرورة والحاح، فرض عليه التعامل بالممكن المتاح لاجل الحفاظ على الحد الادنى من النفوذ شبه المستحيل.
وقتها كان الانكليز قد قرروا اقامة مااسموه "حكومة من اهل البلاد" (2)كبديل للانسجاب الذي كانوا هيئوا اسبابه*، الامر الذي قررته في حينه اشتراطات الثورة اللاارضوية الاولى عام 1920 الفاصلة، والتي اججت وقتها بقوة ديناميات الاصطراعية الازدواجية التاريخيه، بين القادم المحتل الجديد وقد حل بموقع الاطار الاعلى البراني التعاقبي، المستمرمنذ هولاكو الى العثمانيين، مقابل اللاارضوية الحاضرة بلا اعلان في ارض السواد منذ القرن السادس عشر، مع اختلاف جوهري، تمثل اليوم في امتلاك المحتل الجديد والممسك بالعاصمة المنهارة، والباقية كرمز للبرانيه المستمرة بعد الدورة الثانيه، مفهوما ونموذجا بما خص الدولة والكيانيه، هو بصدد تعميمه على المعمورة، مع كل مايتصل به ويرافقه من انقلابيه مفهومية، وضعت اللاارضوية امام تحد نوعي غير عادي وغير مسبوق، له طابع افنائي ماحق، هائل الاثر والفعالية.
ومع تجاوز المتعارف عليه من اشكال قراءة التاريخ العراقي الحديث ارضويا واحاديا ايديلوجيا، وفبركة اكراهية ويرلندية، فان ماقد حدث في العراق منذ عام 1914 وصعود الحملة البريطانيه من الجنوب الى بغداد، كان بالاحرى حالة انقلابية غير مسبوقة، فدخول القوات البريطانيه للعراق من الجنوب كان بحد ذاته فعل استثنائي، له طابع الافنائية لان الجنوب العراقي هو نقطة الامان التاريخية التي لم تعرف من قبل غزوا، ولا دخولا برانيا قياسا الى القوس الشرقي الغربي الشمالي، المفتوح على مر التاريخ للسلالات والاقوام النازله من قوس الجبال الجرداء والصحاري نحو ارض الخصب، ماقد جعل الظاهرة الجديده مع نوعها، تستدعي ردة فعل وجودية تقارب وتضاهي دلالتها الافنائية في مجتمعية لاارضوية منبعثة، متشكله، مرت بحقبتين: قبلية وانتظارية، استغرقتا ثلاثة قرون، وهو مايفسر نوع الحدث وتميزه فوق المعتاد على المستويات كافة، تسلحا وتكتيكا، ومستوى استنفارية عفوية قصوى، المحاولات التي جرت لقراءتها عجزت عن التعرف على طبيعهتها، وظلت الى اليوم تسقط عليها مفاهيم جاهزه من خارجها، مايلقي بظلاله على مجمل ماقد وقع بعدها من احداث وتطورات محكومة لقوة حضور الاصطراعية الازدواجية، القريبه من الافنائية المتبادلة، استمرت حتى ولادة الثورة اللاارضوية الثانيه في 14 تموز 1958.
وتصل الفعالية الازدواجية واصطراعيتها مستوى غير مسبوق من الاقلمة المتناقضة والتحوربحسب الاشتراطات المستجدة وتضادها على المستويين الاعلى البراني، المستند لادواته ونموذجه في الكيانيه والدولة مع التحور بحسب الحالة واستثنائيتها، تقابله الطاقة التحورية اللاارضوية في ارض السواد، منطقة التشكل الراهن الانبعاثي الحديث ودورته الثالثة، بحيث يظهر الغرب مضطرا هنا وبحكم الحالة العراقية مناقضا لطبيعته وكينونته( فوليد الثورة البرجوازية والراسمالية يصير بعد ثورة العشرين اقطاعيا، معنيا بافتعال طبقة لاوجود لها، مع قانون التسوية لعام 1932، كما يتحول عمليا الى خيانه نموذجه في الدولة/ الامه، مختارا نوعا منها لاوجود له، لافي اوربا ولا العراق، يقيمه من خارج النصاب المجتمعي، وخلافا لمسارات التشكلية التاريخيه) اي ان الغرب الحاضر في العراق، يضطر فعليا للخروج من ذاته مرغما، لابل ويعاكسها نمطيا كليا، بالمقابل فان ردة الفعل التحورية السفلى اللاارضوية، تذهب مستندة لخاصياتها الاساس الى تجاوز النطاق المحلي التاريخي، مظهرة استعدادا للارتقاء الى مستوى الانقلابيه الغربية، بمضاهاتها جوهرا، لابل تجاوزها بغض النظر عن عمق خاصياتها، ومنتجها التاريخي بصيغته الراهنه الحديثة، ومنها كياني اللادولة القبلي والانتظاري الحدسي.
ويتبين هذا تحديدا منذ اواخر العشرينات، في ماقد حصل من عملية توطين واعادة صياغة للنظرية التحولية الارضوية الماركسية اللينينيه، استنادا للاسس البنيوية التكوينه اللاارضوية، المتعدية كمالا، لكل اشكال المشاعيات بنيه وكينونه تاريخيه، مايستوجب اعادة قراءة وفحص تاريخ انغراس الشيوعيه في ارض اللاارضوية، بتجاوز ماهو سائد من نظرات ايديلوجية اسقاطية برانيه، تسمي نفسها تاريخ الحزب الشيوعي العراقي.
في الاعلى تم تجديد واعادة بناء البرانيه المستمرة من دخول هولاكو الى بغداد، باسباغ خاصيات من خارجها عليها، مثل الكيانيه والدولة بعد تحول "بغداد"(3) الى عاصمة لكيان لا لاوجود له، الصق به شكل دولة بلا اساس بنيوي، في موضع من العالم لم يعرف على الاطلاق في تاريخيه، "الكيانوية"، ولا الدولة الاحادية المحلوية، نشا منذ الابتداء امبراطوريا في الاعلى، حدسيا نبويا كونيا في الاسفل، بما يجعل منه نموذجا بذاته كونيا متعديا للكيانوية.
ـ يتبع ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عرفت منها حركة "اليماني" و "جند السماء" و " الداعية الرباني" وغيرها ووجدت لها اصداء حتى داخل حركة مقتدى الصدر مااضطره للتبرؤ منها وتفسيقها، وجاءت كحزمة متزامنه في اجواء الغزو ومااعقبه، وهي ظاهرة لا سابق لها، ولامثيل، ظلت كالعادة خارج البحث لانتفاءمحركاته ولوازمه، وبالاخص بلا تعيين لدلالتها ضمن اللحظته التي انبثقت خلالها.
(2) يراجع بخصوص نيه الانكليز الانسحاب من العراق بعد ثورة العشرين وماتكبدوه من خسائر / ابراهيم علاوي/ البترول العراقي والتحرر الوطني / دار الطليعه ـ بيروت/ ص56 . نقلا عن كتابي ولسن " الولاء"و " تعارض الولاء" وكذلك رسالة جرترود بيل والتي تحتوي على فصل كتب من قبل بيرسي كوكس/ يراجع الهامش ذات الصفحه.
(3) هل بغداد الاصل عاصمة العراق بالمعنى الكيانوي المحلي حيث اجمالي النمو المجتمعي والتشكل يتركز في مركز فعالية اجمالية مجتمعية، لقد قام الغرب من ضمن قصوريته في التعامل مع الظاهرة العراقية، باسباغ مفاهيمه ورموزه على بلد لايعرفها فالعراق تاريخيا لايعرف "العواصم" وبابل وبغداد هما مدينتان امبراطوريتان في مجتمع مزدوج تصارعي الاغلى منه لايملك القدرة ولايستطيع بسط سيطرته على المجتمعيى الاصل السابقه عليه اللارضوية فيضطر بعد محاولات يائسه الى الانكفاء المستقل في مدن كبرة محصنه اعلى تحصية يحولها الى مركز براني ذاهب الى حارج المكان اذا تمكن فانه يحلب الريع من الاسفل بالغزوات الداحليه المكلفة قبل ان يعود الى مدينته ويغلق اسوارها، وبغداد قامت اصلا باعتبارها ملجئا للعباسيين وقد هربوا من الكوفة التي لم تتوقف عن الانتفاض بوجههم جربوا قبها الانتقال ال ى الرمادي والهاشميات الى ان استقروا في بغداد، كمركز امبراطوري ازدواجي مقابله الاسفل لايعيش من جهته لاحياته بحسب بنيته والياتها.