غائبان-المهدي-والوطن/كونية العراقية؟


عبدالامير الركابي
2023 / 1 / 2 - 18:00     

تبرز اليوم فكرة "المهدي" ومفهومها، باعتبارها من اكثر المفاهيم الواجب التوقف عندها واعادة النظر فيها، بغرض تعديلها بما يتناسب وحقيقتها الضائعه المطموسة من جهة، ولاسباب راهنه عملية، هي في عداد ماهو آخذ بالحضوركواحد من اهم الضرورات الانقلابيه المنتظرة والراهنه، سواء في البؤرة الازدواجية اللاارضوية العراقية، او في منطقة شرق المتوسط، او على مستوى العالم ككل.
ومع تعدد موضوعات وحجم الترسخ من مفاهيم واعتقادات الارضوية المتوارثة، سواء بحكم طول غلبتها التي استغرقت عشرات القرون، او مااكتسبته من قوة الغلبة الاستثنائية الذروة ابان النهوض الغربي الحديث، فان مانتعرض له يتوفر على ميزات راهنية غير عادية، ثنائية الفعالية، فهو من جهه يمكن ان يكون عاملا محفزا، شديد الوقع في حال النجاح بانتزاعه من وطاة غلاف التشوية الانهياري المحيط به، بقدر ماهو مهيأ لان يكون احد مرتكزات الكشف عن الضرورة الحالة على الكوكب الارضي، ومجتمعاته اليوم.
ومعلوم ان مسالة التعبيرية اللاارضوية الحدسية النبوية، كانت بالاحرى شكل وامكان تاكيد الذاتيه النمطية، ضمن اشتراطات غلبة مايضادها من حضور مجتمعي ارضوي احادي، والظاهرة المنوه عنها، لم يكن لها حكما، الا ان تكون من نوع المحطة الانتقالية والانية الضرورية، بظل تعذر التحقق الاني، وقبل كمال النطقية، هذا مع الاخذ بالاعتبار اصالة ولزوم حضور النمطية اللاارضوية كمكون اساس، دال على المنتهى والمضمر المحرك للتفاعلية المجتمعية، وصولا لهدفها المقرر، والواجب بلوغه.
واول مايتوجب الالتفات له في النظر لهذه المسالة، اولا كونها اعلانية عن انتهاء دورة من تاريخ الدورات الازدواجية العراقية، هي الدورة الكونية الامبراطورية الثانيه، العباسية القرمطية الانتظارية، والتي تاتي بعد دورة اولى منصرمه، هي السومرية البابلية الابراهيمه، ومثل هذا التعيين للموضع واللحظة التاريخيه، حاسم بمقابل منظورات الاسلاموية العائدة للتعبيرية الاولى الحدسية، واخر، او ختام منجزها الجزيري المحمدي، وماتولد عنه اشتراطا من عملية "فتح"، ازالت من على كاهل ارض الازدواج، وطاة الاحتلال الفارسي، ماادى الى عودة الاليات الكونية الامبراطورية للعمل من جديد، ومثل هذا الايقاع التناوبي بين الدورات والانقطاعات، غير وارد في تفكير او عقل الارضوية السائدة، التي ترى الى التاريخ خارج الاليات التفاعلية البنيوية، وهو ماينطبق على نظرة التعبيرية الحدسوية النبوية.
وفي حين ينظر هؤلاء الى العراق العباسي، كعراق اسلامي، الاسلام مايحدد الوقائع المتصلة به وقتها، فانهم ينسون بان الوضع المتولد عن حضور اسلام الجزيرة للعراق، هو بالاحرى حالة "عودة الابراهيمه المتجسدة خارج ارضها الى ارض المنشأ"، مايمنع على هؤلاء كليا، امكان التعرف على الحاصل اليوم، واحتمالاته على مستوى التعبيرية اللاارضوية الاولى وختامها، الامر الذي ينهي مهمه الاسلام الجزيري، واضعا اياه خارج الحدود العراقية، الذاهبة من جهتها، اولا لاستعادة كينونتها امبراطوريا، وثانيا لاعادة صياغة المنجز الابراهيمي البراني على ارضها، من منطلق، وبناء على محركات اللاارضوية الاساس، ماقد وضعنا اليوم امام تفاعلية متجددة، طامحه الى التحقق المؤجل، والذي تعذر تحققه ابان الدورة الاولى.
عند حدود مابين النهرين وارض السواد، يتوقف الاسلام بصيغته الجزيرية، وقد انتهى طوره العقيدي الراشدي وعادت القبلية للفعل مع الامويين ومعاوية بن ابي سفيان ليبدا طور جديد من الاصطراعية العقيدية القبلية مرتكزا للاصطراعية الازدواجية الرافيدينيه، ومعه في ارض السواد اللاارضوية، التاريخ الاخر الامامي بدل النبوي، شيعي اسماعيلي تالهي، قرمطي خوارجي، حلاجي اخوان صفائي، معتزلي، المهدوية مواكبة له، وحاضرة تباعا مع الائمة، طلبا لما هو مقصود ومضمر، وصولا الى القرن الثالث الهجري، التاسع الميلادي، حين بلغ المسار التعاقبي لحظته الانتهائية، وتم التيقن من استحالة بلوغ ماهو كامن ومطموح له، علما بان مسار التعرفية المشار اليه لم يكن قد قارب الادراكية، فضلت وقتها حدسية، لم تخرج من نطاق التعبيرية الاولى النبوية حتى مع القرمطية، مااوجب الاحالة الى طور آخر، ودورة تاريخيه قادمه، اي الاحالة الى المستقبل، بعد التيقن من استحالة المطلوب حدسيا، وهو ما يتناسب مع الحس الدوراتي الانقطاعي للمكان.
هنا تكون "المهدوية الانتظارية" قد قاربت الابراهيمة الاولى التي هي تعبيرية ماقبل التحقق وتعذره الاول، في حين تاتي المهدوية الانتظارية في الدورة العباسية القرمطية، لتحتل موقع التعبيرية الانتكاسية الثانيه المتداخلة مع الحدسية الاولى والمحكومة بافقها، وهكذا ينبغي النظر ل"المهدي" وغيبته، باعتباره الاعلان عن نهاية الدورة التاريخيه الرافيدينه الثانيه الحدسية المكررة من ناحية، مع الاخذ بالاعتبار كون ارض الرافدين قد وقعت بعدها، وكما كانت هي قد اشارت استباقا، بفترة من الانهيار الانقطاعي الثاني، بعد الانهيار الاول البابلي، والمتمثل في 1285 بانهيار بغداد، حيث الديناميات بعدها ومن يومها متوقفه، والرؤى او المتبقيات الاعقالية مادون الاحاطة الضرورية العقلية لاجمالي مامر، ومااحتواه من ظواهر ومفاهيم.
نحتاج هنا للضرورة القصوى الى البحث فيما يمكن ان نطلق عليه الابداعية ماقبل الادراكية، حين يكون العقل غير مؤهل بعد لادراك ظاهرة بعينها، تتعلق بذاتيته، خصوصا كما هو الحال في ارض مابين النهرين، حيث اللاارضوية والازدواج المجتمعي والكيانيه الكونية المتعدية للكيانيه المحلوية، وقانون الدورات والانقطاعات، هذا في الوقت الذي مايزال العقل البشري عموما كابتداء، في بداية تصيره الموكول الى التفاعلية الشاملة المجتمعية، قبل ان يمتلك اسباب الادراكية الضرورية، مايضعه على مدى قرون من مسار التفاعلية، في حال ادنى بما يخص استيعاب والتعبير عن الظوار الاساسية، وفي مقدمتها وعي وادراك الكينونة الذاتية، مايحيل الامر لهذه الجهه، الى مستوى اخر من الوعي، مادون اعقالي عقلاني، يرتكز الى الحدسية مع مايواكبها وينتج عنها، وتتطلبة من اشكال حضور وتعبيرية، لها محركاتها ودالات ابداعيتها وعبقيريتها بالقياس للحظتها، وماكان تمخض عنها من جهد استثنائي، كما كان عليه الحال بما خص البلورة النبوية التوحيدية الابراهيمة ابتداء، او الانتظارية التي تعلن نهاية الحدسية في الطور الثاني العباسي القرمطي.
ثمة اليوم من لايزالون يتعرضون لل"مهدوية" الانتظارية بنفس منطقها، وبناء على طريقتها الخدسية الانتكاسية في المقاربة، والبعض يذهب الى المحاجة الفارغة حول "وجود" او "عدم وجود" شخص اسمه "المهدي"، بدل ان يكونوا ابناء زمنهم، ومايفترض ان يترتب عليه من مغادرة لازمه الى حقيقة ماقد اشير له حدسيا في وقته وزمنه، وهل هو موجود ادراكا مابعد حدسيا، مايعني ضرورة الانتقال من الوعي الحدسي، الى العلّي السببي، وهو مايحاول البعض ايجاد طبعة منه مدعية مزورة منقولة باسم الحداثة و "العلم" الارضوي، النافي للمنظور الحدسي اللاارضوي من منطلق وموقع ارضوي.
ثمة "مهدي" استباقي حدسي، يقول بحسب ممكنات الحدس مستشرفا، بان العراق له "مهدي"، هو واقع ملموس، وناظم بنيوي للتاريخ في هذا المكان، واقع بنية وكينونة مجتمع وطن /كونية فريدة وواحدة على مستوى الكوكب الارضي، هو اللاارضوية المجتمعية ابتداء، والازدواج التصارعي المجتمعي كينونة بنيوية، ظل خارج الاعقال، متعديا على مامتاح من امكانات الاحاطة العقلية الادراكية، مع انه ولهذا، قد اوجب وفرض على مكان الازدواج، اشكال تعبير اولية وابتدائية مطابقة لماهي صادرة عنه، انما حدسيا، بانتظار الوثبة العقلية الكبرى المنتظرة والمحتمعة القادمة في وقتها، وحين تحل ساعتها التصيرية التراكمية، كما اشارت اسطورة المهدي العباسية القرمطية بصدق واستشراف ثاقب، اقرب الى الخارق، ان لم كذلك.
يعيش العراق، ارض مابين النهرين تاريخه الاطول بين تواريخ المجتمعات على مدى دورتين تاريخيتين وانقطاعين، عاجزا عن وعي ذاتيته وكينونته البنيوية المتعدية على الطاقة العقلية البشرية المتوفرة في حينه، فيظل يستغيض عما هو لازم، بما ممكن من مقاربة حدسية الهامية، تجسيدها الاعلى النبوية، بلغتها وطريقتها في مقاربة الظواهر ومسارات الوجود والخلق المستمدة من طبيعتها، وهذه بالجملة وبكل مايتصل بها، وباشكال تجليها، لها بنيتها التعبيرية التي من نوعها،المفارق للحقيقة التي تعبر عنها بوسائل لاتكشف النقاب عنها، فالقول بان ارض مابين النهرين هي ارض اللاارضوية، مع مايترتب على ذلك من انقلاب مفهومي كوني، شيء، ونوع عالم ومايصدر عن النمط الحدسي الاولي المكرر، شيء اخر، مع انه لاينفي صدقية وضرورة وحتى عبقرية الاول.
" المهدي" هو الوطن كونية العراقية المطوية، المضمرة غير المكشوف عنها النقاب، ومهمة العقل العراقي الراهنه، هي التعرف على الذات الغائبة التي من شانها ان تجعل العالم برمته يعي ذاته، بعدما ظل الى الان ارضويا احاديا، وهو مايتطلب الانتقال، من الحدسية وعموم منهجيتها، واجمالي منظومتها التفكرية، الى الوطن كونية اللاارضوية العليّة، التي هي اليوم ضرورة على مستوى الكوكب ككل، الحياة واستمرارية الوجود لم تعد ممكنه، ولا مضمونه من دونها، وكل هذه مواصفات لم يكن من وضعوها في وقتهم، ومع اختلاف زمنهم، وممكنات اعقالهم المتاحة، بعيدة عنها بالمقاربة، وصدقية التعبيرية كينونة وبنية وتاريخا، يوم لم تكن النطقية متاحة، بينما النبض حي حاضر.
تتجلى الوطن/ كونية "الوطنية العراقية" المطابقة لبنية وكينونة هذا الموضع على مر تاريخه، ثلاث مرات، الاولى والثانيه منهما حدسيتان، نبوية، ثم انتظارية مهدوية ختامية للاولى، والثالثة، الراهنه الموشكة من هنا فصاعدا على التبلور، ادراكية عليّه سببية، ستكون هي الغالبة في الافق المنظور،مع ماتفرضه من شرط بما خص التحقق "المهدوي" الراهن، يجعله " يحضر" اولا ولزوما كانقلاب مفهومي مابعد حدسي، قبل ان "يظهر".