العالم عند منعطف خطير: خارطة الطريق إلى العبودية الرقمية الجديدة... جاهزة (الجزء الثاني)


مشعل يسار
2023 / 1 / 1 - 14:03     

العالم عند منعطف خطير: خارطة الطريق إلى العبودية الرقمية الجديدة... جاهزة (الجزء الثاني)



أقدم لقراء "الحوار المتمدن" الكرام ترجمة للجزء الثاني من مقالة مسهبة للمؤرخ الروسي المعروف أندريه فورسوف* حول النظام العالمي الجديد الذي ترنو إليه "الدولة العميقة" والذي يتمثل في تحويل المجتمع البشري إلى عبودية قديمة-جديدة. والمقالة في ثلاثة أجزاء:
الجزء الأول: https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=778729
(الجزء الثاني)

عادة، يتم النظر إلى الثروة العالمية بطريقتين: بصفتها مجموع الأصول والخصوم (أي الديون في المقام الأول) ككل، وبصفتها الأصول فقط. وتقدر ثروة العالم ككل بـ 418,3 تريليون دولار. نسبة 45,6% منها تعود إلى نسبة 1.1٪ من أهل الأرض (56 مليون شخص) .هؤلاء هم أولئك الذين لديهم أكثر من مليون دولار. وعدد المليارديرات بينهم - 2150 شخصًا. كل هؤلاء يمتلكون وحدهم ما يمتلكه 4.6 مليارات شخص (60٪ من السكان). الحصة الإجمالية لهؤلاء الذين يشكلون نسبة 0.0038٪ من البشر يمتلكون 63 تريليون دولار أي ثلث ما يمتلكه الأثرياء البالغ عددهم 56 مليون شخص (نسبة الـ1,1% المذكورة أعلاه).
المجموعة التالية - أولئك الذين لديهم من 100 ألف إلى 1 مليون دولار – هي الطبقة الوسطى. وهي تشكل نسبة 11,1٪ (583 مليون نسمة)، يمتلكون 39.1٪ من ثروة العالم.
المجموعة الثانية التي تمتلك من 10 إلى 100 ألف دولار، تبلغ نسبتها 32.8٪ (1,7 مليار نسمة) وتمتلك نسبة 13.7٪ من الثروة.
المجموعة الثالثة - من 0 إلى 10 آلاف دولار - نسبة 55٪ من البشر (2.9 مليار نسمة)، تمتلك نسبة 1.3٪ من الثروة.
إذا استثنينا هذه الشريحة الأخيرة التي لا تملك شروى نقير، ولا يوجد شيء يؤخذ منها، يتضح أن 43.9٪ من السكان (ملياران و283 مليون شخص) يمتلكون 52.8٪ من ثروة العالم، أي أقل بقليل مما يمتلك الـ 1.1٪ (أي الـ56 مليون شخص)*.
بناءً على هذه الحسابات، تبرز المعركة من أجل مستقبل ما بعد الرأسمالية كصدام بين الـ56 مليون شخص والـمليارين و283 مليونًا، يخطط فيها الأولون لنزع الملكية من الأخيرين.
إذا قمنا بإزالة الخصوم وترك الأصول، فإن الصورة ستبدو هكذا. الرقم الأكثر شيوعًا هو 90 تريليون دولار، حيث 1٪ من السكان يمتلكون 35 تريليون دولار، و 12-15٪ يمتلكون 40 تريليون دولار، و85٪ يمتلكون الـ 15 تريليون دولار المتبقية. مهمة الـ 1٪ هي مصادرة ملكية الـ 12-15٪. وفي الوقت نفسه، هناك صراع شرس داخل الـ 1٪، حيث زادت الفجوة بين 0.1٪ منها والباقين أي 0.9٪ أكثر مما بين الـ1٪ والـ 12-15٪ على التوالي. الفئة الوسيطة، أي "الواحد في المائة"، حُكم عليها على أي حال بالمصادرة والتدمير. إعادة التوزيع العالمي للممتلكات هذه هي شرط ضروري لظهور/إنشاء النظام العالمي الجديد ( (NOW. سؤال آخر هو كيف سيتم القيام بذلك.
في الوقت نفسه، يجب أن نتذكر أن وجود طبقة وسطى ضخمة في قلب نظام رأس المال في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر - الثلث الأول من القرن الحادي والعشرين هو ظاهرة فريدة لا مثيل لها في الأنظمة الاجتماعية الأخرى. ومرده إلى سرقة المستعمرات، والتبادل غير المتكافئ الفوائد في ما بين النواة الرأسمالية والأطراف المحيطة، وإلى التقدم العلمي والتكنولوجي – إلى تلك القفزة التي حققتها النواة (المركز الرأسمالي) منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين – وهي من حيث المبدأ، قصيرة المدى. فالطبقة الوسطى نتاج ثانوي لتطور الرأسمالية الصناعية، ثمرة غير مرحب بها سيقطع دابرها أسياد النظام الجديد باعتبارها (بالنسبة لهم) عديمة الفائدة. إن موجات "تقدم ما بعد الرأسمالية post-capitalism" هي على وشك الانغلاق (الانطباق) فوق رأس الطبقة الوسطى لـ "ما بعد الغرب" Post West، مما قد يؤدي إلى حدوث انفجار. فكما لاحظ عالم الاجتماع بارينغتون مور Barrington Moore ، تُولد الثورات الكبرى ليس من صرخة انتصار الطبقات الصاعدة، بل من حشرجة ما قبل موت الطبقة التي توشك موجات التقدم على الانغلاق عليها (التقدم - بالنسبة لأولئك الذين يصعدون، بالطبع، أما بالنسبة لأولئك الذين يرحلون، يغادرون، فهذا هو الانحدار عينه، الانكفاء أو الإنتروبيا). لذا، من الناحية النظرية، تنضج "عناقيد الغضب" في "ما بعد الغرب"، لكن هذا فقط نظرياً: لكي تنضج "العناقيد" حق النضج، يحتاج الأمر منا إلى جهد، خاصةً أنه في مصلحتنا.
ولمصلحة من يكون الانتقال إلى النظام العالمي الجديد؟ إذا تحدثنا عن "طوابق" الاقتصاد المتكامل رأسياً، فهؤلاء بالطبع يمثلون الطوابق الثلاثة الأولى، وجزئياً "الطابق" الرابع. وبالطبع، شركات الأدوية الكبرى وصناع الكائنات المعدلة وراثيًا. المشكلة الأعقد هي مع مجموعات النخبة العالمية. تبدو ممكنة هنا مجموعة من المقاربات المختلفة، وصولا إلى الأكثر غرابة بينها. هناك شيء واحد واضح: من المرجح أن تحتفظ بمواقعها بطريقة أو بأخرى أعلى 50-300 أسرة، حتى في العالم البارد الجديد. فكما قالت إحدى روايات أغاثا كريستي البوليسية، "العالم يزداد العيش فيه صعوبة، وهذا ينطبق على الجميع ما عدا الأقوياء”. مهمة النخبة العالمية هي تقليل عدد الأقوياء تقليلا كبيراً. وسيبقى بالتأكيد في طليعة بناة النظام العالمي الجديد معظم العائلات النافذة الأنجلو أمريكية المتحالفة مع الفاتيكان، وقوتها الضاربة الحزب الديمقراطي الأمريكي.
على ما يبدو، بالاعتماد على الحزب الديمقراطي بالذات تم تطوير خطة مدتها 16 عامًا للانتقال إلى النظام العالمي الجديد أي إلى "ما بعد الرأسمالية". نقول16 عاماً لأنه كان من المفترض أن تكون 8 سنوات هي فترة رئاسة أوباما، ومعها 8 سنوات أخرى هي فترة رئاسة هيلاري كلينتون. وقد احتل الإجراءان التالي ذكرهما مكانًا مركزيًا بين تدابير الانتقال إلى النظام العالمي الجديد:
أولاً، إنشاء مجتمعين عابرين للحدود بين الدول عبر المحيطين - شراكة التجارة والاستثمار عبر المحيط الأطلسي والشراكة عبر المحيط الهادئ. وقد كان الدور الحاسم في كليهما مفترضاً أن تلعبه الشركات العابرة للحدود الوطنية (TNC) والمصارف والصناديق (مثل BlackRock و The Vanguard Group).
في ما يتعلق بكل هذه الأشكال التي يسيطر عليها بحصص مختلفة "سادة التاريخ". وللتذكير، هم يشكلون أربع مجموعات: العائلات الملكية الأرستقراطية، والفاتيكان تعاونه الرهبنات والطوائف الدينية، والمصرفيون والجاليات الثلاث من أهل الشتات - اليهود والأرمن واللبنانيون، والدول والبيروقراطيات الحكومية التي تعمل كجهاز وظيفي وكأداة من المستوى الثاني. أداة المستوى الأول هي هياكل التنسيق والحوكمة العالميين العابرة للقوميات والدول مثل Cercle و Siècle و Club of the Islands و Bilderberg Club وغيرها. من المهم أن ميثاق الشراكة عبر المحيط الهادئ، الذي كان من المفترض أن ينظم علاقات الشركات العابرة للقوميات مع الدول، تم إعداده وفقًا لنموذج العلاقات بين شركة الهند الشرقية البريطانية (BOIC) والإمارات الهندية، فقط بدلاً من الإمارات هناك الآن دول، وبدلاً من شركة الهند الشرقية البريطانية هناك الشركات العابرة للقوميات (عبر الوطنية). وليس من قبيل المصادفة، من وجهة نظر جماعة العولمة المتطرفين، أن تكون مثابة الأشكال المثالية لتنظيم عالم ما بعد الرأسمالية "العادي الجديد" new normal world، الوحدات الأساسية فيه، ومثابة مناطقه الكبيرة البنى على مثال شركة الهند الشرقية البريطانية(BOIC) ، ولكن، بالطبع، بحيث تكون محدّثة لترقى إلى مستوى الشركات العملاقة التي ينبغي أن تبتلع الدول وتستوعبها وتلتهم وظائفها القمعية مجيرة إياها لنفسها.
ثانيًا، إن الحاجة إلى التغلب على أزمة 2008-2009 والانتقال إلى النظام العالمي الجديد (NOW) قد طرحت على الطبقة الحاكمة العالمية في المدى المتوسط (في الظروف الحالية 5-7 سنوات) مهمة فرض سيطرة مباشرة لـ"ما بعد الغرب" على المواد الخام الرخيصة للاتحاد الروسي والقوى العاملة الرخيصة لجمهورية الصين الشعبية. كان هذا سيعني الاستيلاء الكامل حتى على هاتين الدولتين الكبيرتين وجعل وجود بيروقراطيات حكومية موالية للغرب فيها أمرًا غير ضروري. وكان من المفترض أن يحل محلها جيل جديد، نشأ وترعرع في "ما بعد الغرب"، في هياكل من مثل "الشوابيين" (جماعات الاقتصادي الألماني رئيس مؤتمر "دافوس" كلاوس شواب) و"قادة العالم الشباب”. وقد أبرِز هذا النوع ببراعة في رواية "اللص الجديد" الكاتب الروسي يوري كوزلوف.
لقد كان ما يسمى بالربيع العربي بروفة "ما بعد الغرب" الأخيرة لمحو تاريخ الجماعات الحاكمة الموالية للغرب إياها بممحاة. فالنخبة العالمية، وعلى وجه التحديد خدمها من "المثقفين" أشباه أهل العلم، بما في ذلك الجزء الكومبرادوري في روسيا، حاولت تقديم "الربيع العربي" باعتباره عملية داخلية محصورة بالدول العربية، وعلى أنه "نضال الجماهير من أجل الديمقراطية”. ومع ذلك، ظهر عدد غير قليل من الدراسات في "ما بعد الغرب" نفسه، على مدى السنوات العشر الماضية، لم يوضح مؤلفوها وحسب بشكل مقنع دور العامل الخارجي، وفي المقام الأول الاستخبارات والمنظمات غير الحكومية في "ما بعد الغرب"، في استثارة "الربيع العربي"، لكنهم فضحوا أيضًا تفسير وسائل الإعلام (بتعبير أدق، وسائل الدجل والتزوير الإعلامي، اي الدعاية الجماهيرية المغرضة والتحريض وتقديم المعلومات المضللة) كحركات محلية عفوية تناضل من أجل الديمقراطية.
الربيع العربي، بما في ذلك مصير القذافي، أصبح درسًا لـ "الشباب الطيبين"، فهموا من خلاله بشكل صحيح ما ظهر لهم أنه "علامة سوداء" فكان لهم رد فعلهم. بحلول تلك اللحظة، أي "في حدود" عام 2010، في الاتحاد الروسي، كان قد انتهى كفاح استمر منذ بداية التسعينيات لخمس مجموعات من أجل حفظ مكان لها تحت الشمس الجديدة، من أجل تقرير من سيعزل من عن التقاء المستقبل و إلى أي مدى. نحن نتحدث هنا عن صراعات طاولت جماعات في الاستخبارات الخارجية الروسية متحالفة مع أهل التجارة الخارجية وضباط الأمن العام والأمن الداخلي والجيش وعالم الإجرام. وقد انتهى هذا الصراع بانتصار القوى الأمنية، التى "انعدت بمرض التجارة" بشكل كبير في سياق هذا الصراع، ووضعت النقاط على الحروف بالنسبة إلى " الخاسرين" وحجّمتهم. فاستقرت الأمور. وبدا أن كل شيء بات على ما يرام، وأن ما على المرء إلا أن يعيش ويفرح، ولكن لا. فها هي قد جاءت الرياح من الشرق العربي. واتضح أنه لن تكون هناك حياة هادئة، وكان من المستحيل الوثوق بمن وعد القذافي بإبقائه على قيد الحياة، وها هم أنفسهم قد رتبوا موته الزؤام وهم يهزجون (ابتهاج هيلاري كلينتون على سبيل المثال بالحدث - المترجم). في هذا الصدد، جاءت منطقية عودة فلاديمير بوتين، فهرعنا إلى التدخل سريعا وبقوة في "ألعاب الشواطئ البعيدة" – بدايةً في سوريا، ثم في عام 2014 في شبه جزيرة القرم حيث فازت روسيا بنقطة في الجولة من الصراع على أوكرانيا التي كنا خسرناها: حين استبقت روسيا ببضعة أسابيع، إن لم يكن ببضعة أيام، احتلال الأمريكيين لشبه الجزيرة. ثم بدأت تتصاعد المواجهة شيئا فشيئا. ومع ذلك، بدا الأمر وكأن القادة الروس بقوا حتى خريف عام 2021 يعتقدون باحتمال انخفاض حدة المواجهة. ولكن اتضح أن الأمر مختلف - ومرة أخرى كان على روسيا أن تتصرف بشكل استباقي.
إنه لشيء مذهل: لكم كانت النخبة الحاكمة في " ما بعد الغرب" غبية في غطرستها ومتغطرسة في غبائها لدرجة أن راحت تحشر أكثر الأنظمة ولاء للغرب في التاريخ الروسي في الزاوية لدرجة أنه لم يعد لديه خيار سوى بدء المقاومة النشطة وتجاوز نقطة اللاعودة في مقاومته هذه والذهاب إلى حالة تشبه حالة الحصن المحاصر. فحتى في أثناء الصراع السوري، حذر هنري كيسنجر من أن أمريكا يمكن أن تنتصر على روسيا في سوريا (وكان مخطئًا)، لكنها في هذه الحالة ستخسر، على الأرجح، كل ما حققته في روسيا خلال الـ20 عامًا المنصرمة (وهو ما حصل، وإن لم يكن هذا في نطاق الصراع على سوريا).
لقد أدرك جزء معين من قياديي جمهورية الصين الشعبية أيضًا بشكل صحيح مسار “ما بعد الغرب”، فبدأت تطورات أدت إلى تفاقم العلاقات الصينية الأمريكية، وإلى "حادثة تايوان"، ونهج الزعيم الصيني شي جين بينغ المنتخب لولاية ثالثة ونمو التوتر بين مجموعته وما يسمى بمجموعة الكومسومول (الشباب الشيوعي). وجاء مثابة الجليد على الكعكة مرافقة هو جينتاو، زعيم "الكومسوموليين"، المؤيد لمسار سلمي في الصراع مع انفصاليي تايوان والتصالح مع الولايات المتحدة، إلى خارج المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني إبان انعقاده بالذات. فالصين، مثلها مثل روسيا اليوم، تجد نفسها في وضع "الحصن المحاصر". وهذا علماً إن حصنين معاً، حتى وإن كانا محاصرين، يشكلان قوة عاتية، خاصة أن هاتين القوتين دولتان نوويتان. وتتمثل المهمة في إضفاء الطابع المؤسسي على وضع الحصن المحاصر هذا ومحاصرة المحاصَر للمحاصِر الذي هو "ما بعد الغرب".
مع بداية المرحلة النهائية من الأزمة النظامية، وقّعت النخبة العالمية على حكم ينهي الوضع السيادي لروسيا والصين الشعبية ولفئاتهما الحاكمة بشكلها الحالي، فقررتا المقاومة. ومع ذلك، فإن المشكلة الرئيسية التي يواجهها متطرفو العولمة جاءتهم من مكان لم يكونوا يتوقعونه، من عرينهم: فقد أصبح ترامب تلك "البجعة السوداء”. إنه بالتأكيد ليس ذاك القومي كما يريد البعض أن يراه. ترامب عولمي تقليدي يعتقد أن الدولة يجب أن تسترشد بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسات أخرى تماثل هذا النوع العابر الأوطان، ولكن يجب الحفاظ عليها كدولة ذات سيادة في الوقت نفسه. وأن تبقى معها الصناعة، وعمالة الطبقة العاملة، والطبقة الوسطى. ومع ذلك، نظرًا لعدم كون ترامب قوميًا، كان عليه ثني "عصا أهل العولمة المتطرفين" بقوة في الاتجاه المعاكس في محاولة لتقويمها.
في هذا الصدد، لم يبق لدى متطرفي العولمة، في ظروف ضغط الوقت، إلا طريق واحد فقط إلى النظام العالمي الجديد هو الطريق المعجل، أو الثوري، إذا شئت. لكن من أجل هذا، كان من الضروري تمهيد التربة الملائمة في الولايات المتحدة نفسها، بأن تعاد إلى أمريكا مكانة وكر العولمة المتطرفة، مما يعني الإطاحة بترامب. وهو ما تم في عام 2020 من خلال انقلاب، استفيد فيه من "جائحة" فيروس كورونا التي ضربت الاقتصاد، ومن إطلاق حركة BLM، الحركة النازية السوداء - والتزوير الصارخ في أثناء التصويت الانتخابي. وتم المجيء بـالـ"Dementor" ، الخرفان بكل معانى الكلمة) بايدن إلى البيت الأبيض، وهو ما مكن متطرفي العولمة من الانتصار وتكثيف أنشطتهم في “ما بعد الغرب” وخارجه على حد سواء. وإلى ذلك، بدأ متطرفو العولمة في الاستعداد للهجوم، بالطبع، قبل عام 2020. لقد قيل شيء ما في دافوس عام 2017، لكن الشيء الرئيسي حصل في عام 2018. عندها وقع حدثان مهمان: تم نشر وثيقة متطرفي العولمة "أهداف لعام 2030" وعقد مؤتمر في معهد "سانتا في كومبلكسيتي Santa Fe Complexity Institute " الأمريكي .أريد أن أعرف القارئ بهذه المواد.
(يتبع)

* أندريه إيليتش فورسوف مؤرخ روسي، عالم اجتماع، داعية. مؤلف أكثر من 200 ورقة علمية، بما في ذلك تسع دراسات. في عام 2009 تم انتخابه أكاديميًا في أكاديمية العلوم الدولية (International Academy of Science). تتركز اهتماماته العلمية على منهجية البحث الاجتماعي والتاريخي، ونظرية وتاريخ النظم الاجتماعية المعقدة، وخصائص الذات التاريخية (الكيان التاريخي)، وظاهرة السلطة (والصراع العالمي على السلطة والمعلومات والإعلام والموارد)، والتاريخ الروسي، وتاريخ النظام الرأسمالي والمقارنات التاريخية بين الغرب وروسيا والشرق.





أقدم لقراء "الحوار المتمدن" ترجمة للجزء الثاني من مقالة مسهبة للمؤرخ الروسي المعروف أندريه فورسوف* حول النظام العالمي الجديد الذي ترنو إليه "الدولة العميقة" والذي يتمثل في تحويل المجتمع البشري إلى عبودية قديمة-جديدة. والمقالة في ثلاثة أجزاء:
الجزء الأول: https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=778729
(الجزء الثاني)

عادة، يتم النظر إلى الثروة العالمية بطريقتين: بصفتها مجموع الأصول والخصوم (أي الديون في المقام الأول) ككل، وبصفتها الأصول فقط. وتقدر ثروة العالم ككل بـ 418,3 تريليون دولار. نسبة.6% منها تعود إلى نسبة 1.1٪ من أهل الأرض (56 مليون شخص) .هؤلاء هم أولئك الذين لديهم أكثر من مليون دولار. وعدد المليارديرات بينهم - 2150 شخصًا. كل هؤلاء يمتلكون وحدهم ما يمتلكه 4.6 مليارات شخص (60٪ من السكان). الحصة الإجمالية لهؤلاء الذين يشكلون نسبة 0.0038٪ من البشر يمتلكون 63 تريليون دولار أي ثلث ما يمتلكه الأثرياء البالغ عددهم 56 مليون شخص (نسبة الـ1,1% المذكورة أعلاه).
المجموعة التالية - أولئك الذين لديهم من 100 ألف إلى 1 مليون دولار – هي الطبقة الوسطى. وهي تشكل نسبة 11,1٪ (583 مليون نسمة)، يمتلكون 39.1٪ من ثروة العالم.
المجموعة الثانية التي تمتلك من 10 إلى 100 ألف دولار، تبلغ نسبتها 32.8٪ (1,7 مليار نسمة) وتمتلك نسبة 13.7٪ من الثروة.
المجموعة الثالثة - من 0 إلى 10 آلاف دولار - نسبة 55٪ من البشر (2.9 مليار نسمة)، تمتلك نسبة 1.3٪ من الثروة.
إذا استثنينا هذه الشريحة الأخيرة التي لا تملك شروى نقير، ولا يوجد شيء يؤخذ منها، يتضح أن 43.9٪ من السكان (ملياران و283 مليون شخص) يمتلكون 52.8٪ من ثروة العالم، أي أقل بقليل مما يمتلك الـ 1.1٪ (أي الـ56 مليون شخص)*.
بناءً على هذه الحسابات، تبرز المعركة من أجل مستقبل ما بعد الرأسمالية كصدام بين الـ56 مليون شخص والـمليارين و283 مليونًا، يخطط فيها الأولون لنزع الملكية من الأخيرين.
إذا قمنا بإزالة الخصوم وترك الأصول، فإن الصورة ستبدو هكذا. الرقم الأكثر شيوعًا هو 90 تريليون دولار، حيث 1٪ من السكان يمتلكون 35 تريليون دولار، و 12-15٪ يمتلكون 40 تريليون دولار، و85٪ يمتلكون الـ 15 تريليون دولار المتبقية. مهمة الـ 1٪ هي مصادرة ملكية الـ 12-15٪. وفي الوقت نفسه، هناك صراع شرس داخل الـ 1٪، حيث زادت الفجوة بين 0.1٪ منها والباقين أي 0.9٪ أكثر مما بين الـ1٪ والـ 12-15٪ على التوالي. الفئة الوسيطة، أي "الواحد في المائة"، حُكم عليها على أي حال بالمصادرة والتدمير. إعادة التوزيع العالمي للممتلكات هذه هي شرط ضروري لظهور/إنشاء النظام العالمي الجديد ( (NOW. سؤال آخر هو كيف سيتم القيام بذلك.
في الوقت نفسه، يجب أن نتذكر أن وجود طبقة وسطى ضخمة في قلب نظام رأس المال في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر - الثلث الأول من القرن الحادي والعشرين هو ظاهرة فريدة لا مثيل لها في الأنظمة الاجتماعية الأخرى. ومرده إلى سرقة المستعمرات، والتبادل غير المتكافئ الفوائد في ما بين النواة الرأسمالية والأطراف المحيطة، وإلى التقدم العلمي والتكنولوجي – إلى تلك القفزة التي حققتها النواة (المركز الرأسمالي) منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين – وهي من حيث المبدأ، قصيرة المدى. فالطبقة الوسطى نتاج ثانوي لتطور الرأسمالية الصناعية، ثمرة غير مرحب بها سيقطع دابرها أسياد النظام الجديد باعتبارها (بالنسبة لهم) عديمة الفائدة. إن موجات "تقدم ما بعد الرأسمالية post-capitalism" هي على وشك الانغلاق (الانطباق) فوق رأس الطبقة الوسطى لـ "ما بعد الغرب" Post West، مما قد يؤدي إلى حدوث انفجار. فكما لاحظ عالم الاجتماع بارينغتون مور Barrington Moore ، تُولد الثورات الكبرى ليس من صرخة انتصار الطبقات الصاعدة، بل من حشرجة ما قبل موت الطبقة التي توشك موجات التقدم على الانغلاق عليها (التقدم - بالنسبة لأولئك الذين يصعدون، بالطبع، أما بالنسبة لأولئك الذين يرحلون، يغادرون، فهذا هو الانحدار عينه، الانكفاء أو الإنتروبيا). لذا، من الناحية النظرية، تنضج "عناقيد الغضب" في "ما بعد الغرب"، لكن هذا فقط نظرياً: لكي تنضج "العناقيد" حق النضج، يحتاج الأمر منا إلى جهد، خاصةً أنه في مصلحتنا.
ولمصلحة من يكون الانتقال إلى النظام العالمي الجديد؟ إذا تحدثنا عن "طوابق" الاقتصاد المتكامل رأسياً، فهؤلاء بالطبع يمثلون الطوابق الثلاثة الأولى، وجزئياً "الطابق" الرابع. وبالطبع، شركات الأدوية الكبرى وصناع الكائنات المعدلة وراثيًا. المشكلة الأعقد هي مع مجموعات النخبة العالمية. تبدو ممكنة هنا مجموعة من المقاربات المختلفة، وصولا إلى الأكثر غرابة بينها. هناك شيء واحد واضح: من المرجح أن تحتفظ بمواقعها بطريقة أو بأخرى أعلى 50-300 أسرة، حتى في العالم البارد الجديد. فكما قالت إحدى روايات أغاثا كريستي البوليسية، "العالم يزداد العيش فيه صعوبة، وهذا ينطبق على الجميع ما عدا الأقوياء”. مهمة النخبة العالمية هي تقليل عدد الأقوياء تقليلا كبيراً. وسيبقى بالتأكيد في طليعة بناة النظام العالمي الجديد معظم العائلات النافذة الأنجلو أمريكية المتحالفة مع الفاتيكان، وقوتها الضاربة الحزب الديمقراطي الأمريكي.
على ما يبدو، بالاعتماد على الحزب الديمقراطي بالذات تم تطوير خطة مدتها 16 عامًا للانتقال إلى النظام العالمي الجديد أي إلى "ما بعد الرأسمالية". نقول16 عاماً لأنه كان من المفترض أن تكون 8 سنوات هي فترة رئاسة أوباما، ومعها 8 سنوات أخرى هي فترة رئاسة هيلاري كلينتون. وقد احتل الإجراءان التالي ذكرهما مكانًا مركزيًا بين تدابير الانتقال إلى النظام العالمي الجديد:
أولاً، إنشاء مجتمعين عابرين للحدود بين الدول عبر المحيطين - شراكة التجارة والاستثمار عبر المحيط الأطلسي والشراكة عبر المحيط الهادئ. وقد كان الدور الحاسم في كليهما مفترضاً أن تلعبه الشركات العابرة للحدود الوطنية (TNC) والمصارف والصناديق (مثل BlackRock و The Vanguard Group).
في ما يتعلق بكل هذه الأشكال التي يسيطر عليها بحصص مختلفة "سادة التاريخ". وللتذكير، هم يشكلون أربع مجموعات: العائلات الملكية الأرستقراطية، والفاتيكان تعاونه الرهبنات والطوائف الدينية، والمصرفيون والجاليات الثلاث من أهل الشتات - اليهود والأرمن واللبنانيون، والدول والبيروقراطيات الحكومية التي تعمل كجهاز وظيفي وكأداة من المستوى الثاني. أداة المستوى الأول هي هياكل التنسيق والحوكمة العالميين العابرة للقوميات والدول مثل Cercle و Siècle و Club of the Islands و Bilderberg Club وغيرها. من المهم أن ميثاق الشراكة عبر المحيط الهادئ، الذي كان من المفترض أن ينظم علاقات الشركات العابرة للقوميات مع الدول، تم إعداده وفقًا لنموذج العلاقات بين شركة الهند الشرقية البريطانية (BOIC) والإمارات الهندية، فقط بدلاً من الإمارات هناك الآن دول، وبدلاً من شركة الهند الشرقية البريطانية هناك الشركات العابرة للقوميات (عبر الوطنية). وليس من قبيل المصادفة، من وجهة نظر جماعة العولمة المتطرفين، أن تكون مثابة الأشكال المثالية لتنظيم عالم ما بعد الرأسمالية "العادي الجديد" new normal world، الوحدات الأساسية فيه، ومثابة مناطقه الكبيرة البنى على مثال شركة الهند الشرقية البريطانية(BOIC) ، ولكن، بالطبع، بحيث تكون محدّثة لترقى إلى مستوى الشركات العملاقة التي ينبغي أن تبتلع الدول وتستوعبها وتلتهم وظائفها القمعية مجيرة إياها لنفسها.
ثانيًا، إن الحاجة إلى التغلب على أزمة 2008-2009 والانتقال إلى النظام العالمي الجديد (NOW) قد طرحت على الطبقة الحاكمة العالمية في المدى المتوسط (في الظروف الحالية 5-7 سنوات) مهمة فرض سيطرة مباشرة لـ"ما بعد الغرب" على المواد الخام الرخيصة للاتحاد الروسي والقوى العاملة الرخيصة لجمهورية الصين الشعبية. كان هذا سيعني الاستيلاء الكامل حتى على هاتين الدولتين الكبيرتين وجعل وجود بيروقراطيات حكومية موالية للغرب فيها أمرًا غير ضروري. وكان من المفترض أن يحل محلها جيل جديد، نشأ وترعرع في "ما بعد الغرب"، في هياكل من مثل "الشوابيين" (جماعات الاقتصادي الألماني رئيس مؤتمر "دافوس" كلاوس شواب) و"قادة العالم الشباب”. وقد أبرِز هذا النوع ببراعة في رواية "اللص الجديد" الكاتب الروسي يوري كوزلوف.
لقد كان ما يسمى بالربيع العربي بروفة "ما بعد الغرب" الأخيرة لمحو تاريخ الجماعات الحاكمة الموالية للغرب إياها بممحاة. فالنخبة العالمية، وعلى وجه التحديد خدمها من "المثقفين" أشباه أهل العلم، بما في ذلك الجزء الكومبرادوري في روسيا، حاولت تقديم "الربيع العربي" باعتباره عملية داخلية محصورة بالدول العربية، وعلى أنه "نضال الجماهير من أجل الديمقراطية”. ومع ذلك، ظهر عدد غير قليل من الدراسات في "ما بعد الغرب" نفسه، على مدى السنوات العشر الماضية، لم يوضح مؤلفوها وحسب بشكل مقنع دور العامل الخارجي، وفي المقام الأول الاستخبارات والمنظمات غير الحكومية في "ما بعد الغرب"، في استثارة "الربيع العربي"، لكنهم فضحوا أيضًا تفسير وسائل الإعلام (بتعبير أدق، وسائل الدجل والتزوير الإعلامي، اي الدعاية الجماهيرية المغرضة والتحريض وتقديم المعلومات المضللة) كحركات محلية عفوية تناضل من أجل الديمقراطية.
الربيع العربي، بما في ذلك مصير القذافي، أصبح درسًا لـ "الشباب الطيبين"، فهموا من خلاله بشكل صحيح ما ظهر لهم أنه "علامة سوداء" فكان لهم رد فعلهم. بحلول تلك اللحظة، أي "في حدود" عام 2010، في الاتحاد الروسي، كان قد انتهى كفاح استمر منذ بداية التسعينيات لخمس مجموعات من أجل حفظ مكان لها تحت الشمس الجديدة، من أجل تقرير من سيعزل من عن التقاء المستقبل و إلى أي مدى. نحن نتحدث هنا عن صراعات طاولت جماعات في الاستخبارات الخارجية الروسية متحالفة مع أهل التجارة الخارجية وضباط الأمن العام والأمن الداخلي والجيش وعالم الإجرام. وقد انتهى هذا الصراع بانتصار القوى الأمنية، التى "انعدت بمرض التجارة" بشكل كبير في سياق هذا الصراع، ووضعت النقاط على الحروف بالنسبة إلى " الخاسرين" وحجّمتهم. فاستقرت الأمور. وبدا أن كل شيء بات على ما يرام، وأن ما على المرء إلا أن يعيش ويفرح، ولكن لا. فها هي قد جاءت الرياح من الشرق العربي. واتضح أنه لن تكون هناك حياة هادئة، وكان من المستحيل الوثوق بمن وعد القذافي بإبقائه على قيد الحياة، وها هم أنفسهم قد رتبوا موته الزؤام وهم يهزجون (ابتهاج هيلاري كلينتون على سبيل المثال بالحدث - المترجم). في هذا الصدد، جاءت منطقية عودة فلاديمير بوتين، فهرعنا إلى التدخل سريعا وبقوة في "ألعاب الشواطئ البعيدة" – بدايةً في سوريا، ثم في عام 2014 في شبه جزيرة القرم حيث فازت روسيا بنقطة في الجولة من الصراع على أوكرانيا التي كنا خسرناها: حين استبقت روسيا ببضعة أسابيع، إن لم يكن ببضعة أيام، احتلال الأمريكيين لشبه الجزيرة. ثم بدأت تتصاعد المواجهة شيئا فشيئا. ومع ذلك، بدا الأمر وكأن القادة الروس بقوا حتى خريف عام 2021 يعتقدون باحتمال انخفاض حدة المواجهة. ولكن اتضح أن الأمر مختلف - ومرة أخرى كان على روسيا أن تتصرف بشكل استباقي.
إنه لشيء مذهل: لكم كانت النخبة الحاكمة في " ما بعد الغرب" غبية في غطرستها ومتغطرسة في غبائها لدرجة أن راحت تحشر أكثر الأنظمة ولاء للغرب في التاريخ الروسي في الزاوية لدرجة أنه لم يعد لديه خيار سوى بدء المقاومة النشطة وتجاوز نقطة اللاعودة في مقاومته هذه والذهاب إلى حالة تشبه حالة الحصن المحاصر. فحتى في أثناء الصراع السوري، حذر هنري كيسنجر من أن أمريكا يمكن أن تنتصر على روسيا في سوريا (وكان مخطئًا)، لكنها في هذه الحالة ستخسر، على الأرجح، كل ما حققته في روسيا خلال الـ20 عامًا المنصرمة (وهو ما حصل، وإن لم يكن هذا في نطاق الصراع على سوريا).
لقد أدرك جزء معين من قياديي جمهورية الصين الشعبية أيضًا بشكل صحيح مسار “ما بعد الغرب”، فبدأت تطورات أدت إلى تفاقم العلاقات الصينية الأمريكية، وإلى "حادثة تايوان"، ونهج الزعيم الصيني شي جين بينغ المنتخب لولاية ثالثة ونمو التوتر بين مجموعته وما يسمى بمجموعة الكومسومول (الشباب الشيوعي). وجاء مثابة الجليد على الكعكة مرافقة هو جينتاو، زعيم "الكومسوموليين"، المؤيد لمسار سلمي في الصراع مع انفصاليي تايوان والتصالح مع الولايات المتحدة، إلى خارج المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني إبان انعقاده بالذات. فالصين، مثلها مثل روسيا اليوم، تجد نفسها في وضع "الحصن المحاصر". وهذا علماً إن حصنين معاً، حتى وإن كانا محاصرين، يشكلان قوة عاتية، خاصة أن هاتين القوتين دولتان نوويتان. وتتمثل المهمة في إضفاء الطابع المؤسسي على وضع الحصن المحاصر هذا ومحاصرة المحاصَر للمحاصِر الذي هو "ما بعد الغرب".
مع بداية المرحلة النهائية من الأزمة النظامية، وقّعت النخبة العالمية على حكم ينهي الوضع السيادي لروسيا والصين الشعبية ولفئاتهما الحاكمة بشكلها الحالي، فقررتا المقاومة. ومع ذلك، فإن المشكلة الرئيسية التي يواجهها متطرفو العولمة جاءتهم من مكان لم يكونوا يتوقعونه، من عرينهم: فقد أصبح ترامب تلك "البجعة السوداء”. إنه بالتأكيد ليس ذاك القومي كما يريد البعض أن يراه. ترامب عولمي تقليدي يعتقد أن الدولة يجب أن تسترشد بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسات أخرى تماثل هذا النوع العابر الأوطان، ولكن يجب الحفاظ عليها كدولة ذات سيادة في الوقت نفسه. وأن تبقى معها الصناعة، وعمالة الطبقة العاملة، والطبقة الوسطى. ومع ذلك، نظرًا لعدم كون ترامب قوميًا، كان عليه ثني "عصا أهل العولمة المتطرفين" بقوة في الاتجاه المعاكس في محاولة لتقويمها.
في هذا الصدد، لم يبق لدى متطرفي العولمة، في ظروف ضغط الوقت، إلا طريق واحد فقط إلى النظام العالمي الجديد هو الطريق المعجل، أو الثوري، إذا شئت. لكن من أجل هذا، كان من الضروري تمهيد التربة الملائمة في الولايات المتحدة نفسها، بأن تعاد إلى أمريكا مكانة وكر العولمة المتطرفة، مما يعني الإطاحة بترامب. وهو ما تم في عام 2020 من خلال انقلاب، استفيد فيه من "جائحة" فيروس كورونا التي ضربت الاقتصاد، ومن إطلاق حركة BLM، الحركة النازية السوداء - والتزوير الصارخ في أثناء التصويت الانتخابي. وتم المجيء بـالـ"Dementor" ، الخرفان بكل معانى الكلمة) بايدن إلى البيت الأبيض، وهو ما مكن متطرفي العولمة من الانتصار وتكثيف أنشطتهم في “ما بعد الغرب” وخارجه على حد سواء. وإلى ذلك، بدأ متطرفو العولمة في الاستعداد للهجوم، بالطبع، قبل عام 2020. لقد قيل شيء ما في دافوس عام 2017، لكن الشيء الرئيسي حصل في عام 2018. عندها وقع حدثان مهمان: تم نشر وثيقة متطرفي العولمة "أهداف لعام 2030" وعقد مؤتمر في معهد "سانتا في كومبلكسيتي Santa Fe Complexity Institute " الأمريكي .أريد أن أعرف القارئ بهذه المواد.
(يتبع)

* أندريه إيليتش فورسوف مؤرخ روسي، عالم اجتماع، داعية. مؤلف أكثر من 200 ورقة علمية، بما في ذلك تسع دراسات. في عام 2009 تم انتخابه أكاديميًا في أكاديمية العلوم الدولية (International Academy of Science). تتركز اهتماماته العلمية على منهجية البحث الاجتماعي والتاريخي، ونظرية وتاريخ النظم الاجتماعية المعقدة، وخصائص الذات التاريخية (الكيان التاريخي)، وظاهرة السلطة (والصراع العالمي على السلطة والمعلومات والإعلام والموارد)، والتاريخ الروسي، وتاريخ النظام الرأسمالي والمقارنات التاريخية بين الغرب وروسيا والشرق.