-التاريخانية اللاارضوية- والازدواج المجتمعي؟/2


عبدالامير الركابي
2022 / 12 / 29 - 14:33     

يخضع التاريخ البشري لقانون ناظم لحركته، هو مايمكن ان نطلق عليه قانون "التاريخانيه اللاارضوية" وهو ماقد يذكر بنظرية الطبقية الماركسية "المادية التاريخيه"، والتي هي قمة وذروة الاعقال الارضوي الاحادي، المقابل المخالف نوعا وكينونة للاارضوية. حين يكون فرض الانشطارية الطبقية على الظاهرة المجتمعية، وكانه الاكتشاف القابل للتعميم، مع انه ذاتي مقصور على موضع بعينه، بينما المجتمعية الكوكبيه متشكلة نوعا وتعدادا نمطيا بخلاف ماكان اكتشف مع القرن التاسع عشر في اوربا الناهضة، المنقلبة آليا، قبل، ووقت ان لم تكن التاريخيه اللاارضوية قد تمت معاينتها والنظر باتجاهها، فضلا عن التوفر على اسباب وعيها بما هي قانون بدئي انتهائي شامل، متجاوز للمنجز اللاارضوي، ومنه الطبقي الماركسي الايل اليوم الى الخروج من دائرة مايمت الى الحقيقة التاريخيه.
ويظل الحديث جار هنا عن مستويين ونوعين من المقاربة العقلية للوجود وللظاهرة المجتمعية والبشرية، ارضوي احادي نحن بصدد التخلص من وطاته املا في الذهاب الى ماهو مضمر وغير مكشوف عنه النقاب، والآخر اللاارضوي المباين طبيعة ونوعا، ينشا متشكلا اسمى من المتاح من قدرة على الاحاطة العقلية، فيظل خارجها، مع مترتبات مثل هذا الحال على مستوى المقاربة، بين بنية تفكرية معرفية ثقافيه، ترسى على قاعدة المنظور المشاهد والملموس، واخرى مطموسة، هي نوع اخر من التعرف على الظواهر والاشياء، ماهو دال على المراحليه في تطور الكائن البشري، وعلاقته بوجودة وبذاته.
فالكائن البشري الحالي مثلا، اعجز من ان يرى لماذا لم تصبح الصين ابراهيمه، وكذلك الامر الى حد ما الهند، بينما تقبلت بقية الكيانات الرؤية اللاارضوية كمجتمعية موازية داخل كينونتها بدرجات، فاوربا جرى اختراقها ابراهيما بعد انصبابها الامبراطوري الروماني في الشرق المتوسطي، هي وفارس من الشرق، في وقت صارالمدى الذاهب الى الصين،ابراهيميا كدائرة ثانيه بعد دائرة المنشا الشرق متوسطية، حتى غدا يعبر عن ذاته وطنيا بالاسلام، في حين ظلت اوربا منطوية تكوينا طبقيا على احتمالية انقلابيه، والى نزوع انقلابي مابعد ابراهيمي، رافق النهوض والانقلابية الاوربية الحديثة.
والجانب المنوه عنه يخص ظاهرة الازدواج الكوني المجتمعي، وكيف ان المجتمعات محكومة لهذه الخاصية الاساسية التي لااستقامه للكينونة المجتمعية من دونها، وللنظر بالمقابل لما هو مخالف للمقاربة المنطية وفقا للبنيه العقلية الارضوية، من نوع مقارنة الصين بالجزيرة العربية، وكيف امكن لموضع صحراوي صغير وبلا امكانات على المستوى الانتاجي محكوم لاقتصاد الغزو، ان يحقق الاختراق على مدى يفوقه حجما بالاف المرات، بينما لم تتمكن الصين على شساعتها من تجاوز مداها الجغرافي والشء ذاته ينطبق على مصر حين يتعلق بالشرق المتوسطي، وينسحب على الهند، ان مساحة الصين مع الهند يفترض بها ان تمنحهما القدرة على احتلال الكرة الارضية، تعبيرا او على مستوى الهيمنه الامبراطورية، بالاخص اذا ماجرت محاولة مقارنتهما بالجزيرة العربية، وماكانت هياته من الاسباب ب " الفتح"، للكيانوية الكونية العراقية وانبعاثها، اثر تخليصها من وطاة الاحتلال الفارسي، من صعود كوكبي ثان للموضع الاكثر دينامية، عباسي قرمطي انتظاري، استمر قمة كوكبية لخمسه قرون من التاريخ.
في الصين ياتى رسوخ اللاديناميه الكونية، بفعل تغلب الجانب الارضوي على البنيه هناك، مايجعلها متكلسه ذاتيا وطبقيا، بالمقابل لاتعرف الهند الديناميه بفعل تغلب الجانب اللاارضوي اللاتحولي، مايمنع اشتغال الدينامية الاصطراعية ونتائجها، لاسباب متعاكسة في الموضعين، وهذا مايفسر مناسبة الهند ومحيطها القريب للبوذية، والصين للكونفوشيوسيه من دون التوحيديه الابراهيميه. ليس هذا وحسب، فالمجتمعات توزع على الكرة الارضية جغرافيا، وتتباين بيئيا واشتراطات تشكل نمطي وبنية، بما يتوافق مع اشتراطات التصيّر اللاارضوي، ولنتصور لو ان الصين والهند بحجمهما وتعداد سكانهما، كانا ازدواجيين طبقيا كما اوربا، او مجتمعيا نوعيا، كما حال ارض مابين النهرين، مايعني خضوع الكرة الارضية لنمط وشكل تعبيرية او ديناميات شاملة اخرى، مختلفة عن المعروف الحاصل، فالاكبر في الحجم والمساحة وتعداد السكان، وفق التاريخيانيه اللاارضوية ومتطلباتها التفاعلية، قد يكون ادنى فعلا، محدود بذاته، في حين ان الاصغر كسومر والجزيرة العربية ومن ثم اوربا الطبقية، اعمق واشمل فعالية وتاثيرا لاارضويا، ومن ثم ارضويا انتهائيا، كما الحاصل راهنا بحسب درجة الازدواج ومستوياته ونوعه.
وهكذا تتشكل الجغرافيا التحولية بما يضمن وحدة عمل الاليات الانتقالية، وبما يجعلها شامله اتفاقا مع المراحل وفترات وشروط الانتقالية الكبرى، فالهند والصين رغم امتناعها البنيوي على التناغم مع حركة التحول في المراحل الاولى، الا انهما لن يكونا كذلك في الشطر الانتهائي، عندما تنتقل التكنولوجيا الى مافوق ارضوية، وتحل " التكنولوجيا العليا" العقلية المتعدية للبنى المجتمعية الراهنه الارضوية واللارضوية السابقه على توفر الاشتراطات التحولية المادية، مع الاعقالية الانتقالية من المجتمعية الجسدية، الى العقلية، حيث الشكل الاعلى من الالتحاق الصيني بالحداثة الغربية , ب" الشيوعيه الماركسية الماوية !!!!" شكل خروجها بالايديلوجيا من نطاق التكلس الطبقي، هي والهند التي تلتحق اليوم، وفي الطور التكنولوجي الثاني الحالي، الاوسط بين الاله المصنعية و"التكنولوجيا العليا"، وهما دالتان على تبدل الاشتراطات الكوكبية، وحلول الانقلابيه النوعية الشامله، مابعد الارضوية.
في الاساس وعند المنطلق، تلعب ازدواجيتان، مجتمعية في ارض مابين النهرين، وانشطارية طبقية مقابلها في الضفة الاخرى من البحر المتوسط، الغربيه الاوربية، دور مركز التفاعلية التبادلية، حيث ارض الابتداء بدواراتها التاريخيه وانقطاعاتها، الاولى السومرية البابلية الابراهيمه، والثانيه العباسية القرمطية الانتظارية، والثالثة الراهنه، تقابلها اوربا بمراحلها التاريخيه وتفاعليتها الامبراطورية، وانصبابها الشرق متوسطي، الى حيث تكتسب الازدواجية التي تنقصها لتكون الحصيلة، اختراق ابراهيمي لبنيتها الامبراطورية.
تحتاج السردية اللاارضوية لكي تحضر ادراكا باعتبارها الاساس المحدد لطبيعة الوجود المجتمعي، ومسارات التاريخ، الى انتقالتين على مستوى الوعي، جغرافية وغائية مطموسة لصالح رؤى الارضوية التي تذهب بناء عليه وبداهة، بحكم نوعها، الى افتراض ديناميات ظواهراتيه، محسوبه خارج الاتفاق مع الاصل المولد للدينامية ضمن العملية الاشمل، انطلاقا من مفاهيم بدائية من نوع " الحضاروية"، وكل اشكال وصنوف المعتقديات الموصولة بغرس الكائن الحي بالارض، التي هي بالاحرى موضع عابر، اجتيازي، مجمل كينونة الكائن البشري وبنية مجتمعيته مفارقة له،متخالفة نوعا.
تبدا المجتمعية كظاهرة بصفتها مجتمعية كونية لا ارضوية، تجربتها ونزوعها ذاهب الى خارج الارض، وتلك هي لحظة الابتداء اللاارضوي السومرية، اعقبها تاريخ من النكوصية الارضوية، ومن غلبه المنظور الارضوي الجسدوي الحاجاتي، ومايتصل به من حاجز تصوري ادراكي ظل يحول دون ادراك المغزى والمنطوى الفعلي المجتمعي للاليات الناظمة لحركته، بما يصل لحد اسقاط الاحكام الارضوية الحضاروية على الاصل المغاير كليا، وعلى الفصل الاول المجتمعي اللاارضوي، بما هو حالة نزوع للخروج من الكرة الارضية، وهو حال مجتمعية سومر الاولى، ابان طور اصطراعيتها مع البيئة الطارد ة، فما كان واردا وبالذات لدى الغرب الحديث، قمة واعلى اشكال الارضوية ان ينظر الى التاريخ الابتدائي السومري على انه تاريخ اللاارضوية، محكوم لاليات الصعود السماوي المنتكس، لعدم توفر الاسباب المادية الضرورية المتناسبه مع حضورالعقل وتحوليته، ناهيك عن التمكن العقلي الادراكي ابان لحظة دنيا، واولية من لحظات تصيّره النهائي، المتعدي، والمتجاوز لعموم علاقة العقل بالارضوية والجسدوية، ومتبقياتها البشرية "الانسايوانيه".
لابد لاجل الانتقال الى رؤية بشرية متطابقة مع الحال والاشتراطات الوجودية، من اعادة نظر جذرية في لتاريخ البشري المجتمعيي، باعتماد زاوية رؤية للابتداء بما هي لحظة سعي لمغادرة الكوكب الارضي، وهو مايتطلب من هنا فصاعدا، التاسيس لطور اخر مختلف من " الاركولوجيا"، يفترض ان تكون عراقية، بدل مايمارسه بعض العراقيين المجافين لذاتيتهم، والماخوذين بالنقل عن الغرب، بما يضر بالعراق وبالعالم، ويحول هؤلاء الى متواطئين ضد انفسهم والبشرية، صحيح ان المطلوب صعب للغاية، وفوق الطاقة المتوفرة والمتاحة، الا ان ذلك ليس عذرا يمكن قبوله، في موضع هو البؤرة البشرية الانسانيه التاريخيه، المكلفة كينونة وموضعا من قبل "الغائية الكونية العليا"، بمهمه نقل الى الكائن البشري من الكوكب الارضي، وهو ماينبغي ان يحفز على خوض غمار ثورة اعقالية بحثية، تليق بارض الجموح الى مابعد ارضوية، والاساس لابل القاعدة والمستهدف، او العنوان الاكبر الذي يفترض ان تدور حوله، وفي رحابه، ثورة "الاركولوجيا اللاارضوية" اليوم، هو البحث عن سياقات وتفاصيل المجتمعية الذاهبة الى الاكوان الاخرى، مع كل ماهو بائن منها، عدا المخفي، والذي جرى طمسه، ان مجتمعية مغادرة الكوكب الارضي اللاارضوية السومرية، يجب ان يكشف عنها النقاب، وان متاخرا، مهما تكن العوائق، وهذه قد تكون اسمى مهمة بالامكان، ولا بد من اجتراحها لاجل الكائن البشري الحي، ومستقبله، في مثل اللحظة الراهنه، حيث مثل هذا الانجاز ماعاد بالامكان تاجيله، اذا اريد للبشرية ان تستمر، وتواصل ماهي موجودة لكي تبلغه، وتقارب افاقه.
ـ يتبع ـ