الرأسماليّة – الإمبرياليّة و تهديد السمك في البحار و المحيطات


شادي الشماوي
2022 / 12 / 25 - 22:37     

الرأسماليّة – الإمبرياليّة و تهديد السمك في البحار و المحيطات – الجزء الثاني من سلسلة مقالات حول البحار و المحيطات من إنجاز مجموعة كتابة حول البيئة ، موقع revcom.us
جريدة " الثورة " عدد 779 ، 28 نوفمبر 2022
https://revcom.us/en/capitalism-imperialism-and-threat-fish-sea

" الأمميّة – العالم بأسره في المصاف الأوّل " ، بوب أفاكيان ، " الأساسيّ من كتابات بوب أفاكيان و خطاباته " 8:5

" ... ما يصبح بؤرة التركيز بحدّة في القرن الواحد و العشرين هو أنّ المحيطات الصحّية – المحيطات التي يمكن أن تحافظ على أيّ شيء مثل نظام الحياة الذى تطوّر عبر مليارات السنوات على الكوكب – باتت غير متلائمة تماما مع النظام الرأسمالي – الإمبريالي . إمّا سيتمّ القضاء على المحيطات أو سيُقضى على النظام الرأسمالي - الإمبريالي . و يعود لنا تقرير من منهما سيُقضى عليه ..." من الجزء الأوّل من سلسلة المقالات هذه .

سمك التونا ذو الزعنفة الزرقاء لا يملك فرصة :
سمك التونا حيوان خارق للعادة وهو يساهم مساهمة كبيرة في كامل النظام البيئيّ بإعتباره في قمّة سلسلة المفترسين في المحيط . و يمكن أن يبلغ وزنه أكثر من 1200 باونات و يمكن أن يسبح لآلاف الأميال خلال بضعة أسابيع . التونا ذو الزعنفة الزرقاء في شمال الأطلسي يتجوّل في المحيط و يعود إلى البحر الأبيض المتوسّط ليضع بيضه . (1)و قد غصطاد سكّان ضفاف البحر الأبيض المتوسّط التونا ذي الزعنفة الزرقاء القادم من المحيط الأطلسي لآلاف السنوات . و في العقود الأخيرة فقط صارت عمليّات الصيد تهدّد وجود هذا الصنف من السمك الذى تراجع إلى ستّة بالمائة من عدده المسجّل سنة 2010. (2) من إلتهم هذا الصنف من السمك هو طفيليّ عالمي – النظام الرأسمالي – الإمبريالي – بإستخدامه أجهزة ذات تقنية عالية .
و لننطلق مع السوق العالميّة للسمك الخام / النيءالمستخدم في أطباق السوشي و الساشيمي الباهضة الثمن . ففي العقود الأخيرة ، صيّر الاقتصاد العالمي المعولم روتينيّا نقل السمك الخام حول العالم بسرعة كبيرة بحيث يظلّ صالحا للأكل خاما. ما يتمّ صيده من التونا ذي الزعنفة الزرقاء الخام يوجّه إلى البلدان الإمبرياليّة ، أين تحقّق مرابيح كبرى ببيع التونا من النوع الراقيّ إلى نخب . و يلاحظ كتاب " تراجيديا السلعة " : " منتعشة هي سوق تونا درجة – الساشيمي يدفع التونا ذو الزعنفة الزرقاء إلى مكانة بارزة عالميّا . " (3) فقد غدت التونا أثمن سمكة في العالم – ثمنها عشرة آلاف دولار أو أكثر لسمكة واحدة .
رامين إلى تحقيق أرباح طائلة ، يهرع الرأسمال الكبير إلى صيد هذه التونا ( و أكبر مستثمر هو شركة متسوبيتشى ). و قد أدّى إشتداد التنافس بين الرأسماليّين إلى إدخال تكنولوجيا جديدة أقوى للتفوّق على ألاخرين في صيد السمك . إلى جانب النطاق الواسع و الأساطيل البحريّة القويّة جدّا ، تكنولوجيا متقدّمة لتحديد مواقع السمك إستخدمت في البحث عن التونا و صيدها : رادار الدوبلار و طائرات محدّدة لمواقع السمك و رادار لتحديد مواقع العصافير و السونار/ أمواج فوق الصوتيّة، أجهزة تجميع السمك و و الأقمار الصناعيّة الجامعة للمعلومات بصدد حرارة سطح البحر و الطوّافات التصويريّة . " (4)
النضوب الكبير للسمك الذى كان ذات مرّة وفيرا قاد إلى البحث عن طرق لتربية التونا في أحواض سمك . و قد كانت تربية نوع التونا الذى نتحدّث عنه عسيرة جدّا في الأسر . لذا فيما كان السمك يتعرّض للقضاء عليه ، يقع صيد السمك الصغير و وضعه في أقفاص حيث تجرى تغذيتهم لإستهلاكهم لاحقا . و مع ذلك لم يساعد هذا على نموّ عدد هذا النوع من السمك. ( في السنوات الأخيرة ، الجهود العالميّة أثمرت وضع بعض الحدود على صيد التونا ، و قد تعافى نسبيّا السمك إلاّ أنّ العدد لم يقترب و لا في مكان من ما كان عليه قبلا في القرن العشرين ).

" المحصول المستمرّ الأقصى " يعنى تحطيم الولايات المتّحدة أغنى محلّ للأسماك في الكوكب :
ما حدث للتونا ذات الزعنفة الزرقاء في شمال الأطلسيّ ليس سوى مثال عن كيف أنّ النظام الإمبرياليّ العالميّ قد دمّر حياة المحيط . و أكبر معتدى هو الولايات المتّحدة . وهي تزعم بنفاق أنّها تأخذ بعين الإعتبار صحّة السمك و دافعت عن ما يسمّى " المحصول المستمرّ الأقصى " (MSY) الذى من المفترض أن يحدّد كمّية السمك الممكن صيدها كي يتواصل السمك بصفة مستدامة . هذا عار وهو نقيض " الإستدامة " – إنّه غطاء يحجب تحطيم مجموعات السمك . و مجموعات سمك الكود / القدّ (COD ) الكثيفة في السواحل الشرقيّة للولايات المتّحدة و كندا كانت أسطوريّة و لعلّها كانت أغنى محلّ أسماك في تاريخ الكوكب . و قع التعاطى مع هذا الصنف وفق " المحصول المستمرّ الأقصى " – الواقع هو أنّ المنافسة الرأسماليّة موضوعة في مصاف القيادة و النتيجة كانت إنهيار عدد مجموعات الكود / القدّ . ( 5 )
و مثال آخر من عديد و عديد الأمثلة : في الفترة التي تلت الحرب العالميّة الثانية ، أعلنت الأمم التي تعيش في جزر المحيط الهادي أنّ مجالاتها الترابيّة تمتدّ 200 ميل في المحيط حول كلّ جزيرة . و رغبت الولايات المتّحدة في أن ترسل قوارب صيدها إلى داخل تلك الحدود و في الوقت نفسه سعت إلى منع المم الأخرى من التحرّك قريبا من سواحل الولايات المتّحدة لصيد سمك السلمون من المحيط الهادي ، السمك الذى يضع بيضه في الشمال الغربي للولايات المتّحدة . و من هنا أتى إعلانهم أنّ التونا " نوع مهاجر " و زعموا أنّه يجب حماية السلمون وتنميته وفق صيغة " المحصول المستمرّ الأقصى"، إفتراضيّا لحماية هذا النوع الأخير من السمك . و لم تقع حمايى السلمون . ما توفّر هو حماية الهيمنة الأمريكيّة و المستثمرين في الصيد و الأرباح التي يحقّقونها . و اليوم 14 نوعا من السلمون و تراوت " الستيلهاد " في ولاية واشنطن صار خطرا كبيرا يحدق بهم و خمسة أصناف منهم تعتبر " في أزمة " . (6)
و لخّصت منظّمة السلام الأخضر ( Greenpeace ) وضع مجموعات السمك في المحيط ككلّ فقالت : " بعدُ دمّرنا ما لا يقلّ عن ثلثي السمك الكبير في المحيط و مجموعات السمك تراجعت مقارنة بما كانت عليه سنة 1950 ". (7)
صيد الأعماق في خليج آلسكا - تدمير مرجان البحر العميق :
المنطق عينه الذى تسير وفقه الراسماليّة – الإمبرياليّة هو الذى دمّر التونا و أسماك أخرى وهو يمارس تماما في صيد الأعماق في خليج آلسكا :
" هناك أكثر من 280 ألف ميل مربّع من مواقع حياة البحر العميق في خليج آلسكا ... لا يبلغ من الضوء إلاّ القليل من الضوء الأعماق و لا ضوء بالمرّة يبلغ أكثر من 3000 قدم من العمق . و تنوّع السمك و الأرصفة المرجانيّة و اللإسفنجات لا يستمرّون في الحياة فقط بل يصارعون البرد و الظلام الداكن و يتأقلمون مع الظروف التي تبدو ساحقة ..." (8)
لكن إلى هذا العالم الذى يعيش في عزلة تأتى قوارب الصيد و ترمي شباكا ثقيلة تبلغ القاع في مياه بعمق آلاف القدام . فيقع تدمير الرصفة المرجانيّة للبحر العميق التي يستغرق نموّها قرونا في البرد و الظلمة . و الإسفنجات تُدمّر أيضا . مرور وحيد لهذه الشباك قد يحدث ضررا هائلا قد لا تتعافى منه حياة البحر أبدا . و يمكن أن تكون لخسارة هذه المناطق – تذكّروا أنّ الأرصفة المرجانيّة تموت حول العالم جرّاء تغيّر المناخ الناجم عن النظام الرأسمالي – الإمبريالي – تبعات بيئيّة كبرى على المحيطات و البحار ككلّ .
عبر العالم قاطبة ، تُستخدم شباك صيد الأعماق . و كافة أنواع الحياة البحريّة تقع في هذه الشباك العملاقة : السلاحف و أنواع من القرش المهدّدة بالإنقراض و غيرها من أنواع السمك – و ببساطة تبذيرا يتمّ رميها إلى البحر . و تترك الشباك عينها في البحر أو المحيط عند نهاية صلوحيّتها لقوارب الصيد . و هذه " الشباك الأشباح " تستمرّ في تسميم الحياة البرّية خاصة و هي مصنوعة من ألياف إصطناعيّة ما يحوّلها إلى مصدر آخر لتلويث البحار و المحيطات بالمواد البلاستيكيّة .
و شباك صيد الأعماق هذه – و غيرها من التقنيات المشابهة كخيوط الصيد الضخمة التي تتّسع لآلاف الخطّافات و معلومات الرادار و الأقمار الصناعيّة المستخدمة في صيد التونا – أدوات طوّرها هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي في الوقت الذى تتمّ فيه مراكمة رساميل ضخمة متنافسة مع بعضها البعض و يتمّ فيه بيع كمّيات هائلة من السمك و تشهد فيه مجموعات السمك بعدُ دمارا ، في هذا الوقت صيد ما تبقّى يغدو أخطر حتّى . هل يدفع هذا مجموعات السمك إلى حافة الإضمحلال ؟ أو ربّما إلى تدمير الأرصفة المرجانيّة القديمة ؟ أو يدمّر ببساطة عشوائيّا تمام التدمير سمك القرش و الثديّيات البحريّة المهدّدة بالإضمحلال ؟ مهما كانت الكارثة التي قد تعنيها تلك النشاطات بالنسبة إلى الكوكب و الإنسانيّة ، لا تأثير لها على الخطوط الحمر لشركات الصيد – فهذه أمور " جانبيّة " لا تأخذها الرأسماليّة بعين الإعتبار ، و لا تأثير لها على معركة التنافس على الهيمنة في صفوف الرأسماليّين .
و إلى ذلك ينضاف عامل آخر حيويّ إسترتيجيّا : فقد نظرت القوى الإمبرياليّة لمدّة طويلة إلى الأساطيل البحريّة على أنّها أكثر من وسيلة لكسب المال بصيد السمك . لطالما إستتخدمت القوى العالميّة قوارب الصيد كجزء من كيفيّة نشر القوّات العسكريّة في المحيط . و هذا جزء ممّا حثّ الحكومات الوطنيّة على توفير تمويلات ضخمة للصيد تقدّر ب 20 مليار سنويّا ، في حين يجرى تحطيم مجموعات السمك . و قد هيمنت الولايات المتّحدة عسكريّا على محيطات العالم منذ الحرب العالميّة الثانية و الآن هي تقوم بإستنهاض معارضة عالميّة لأساطيل و قوارب الصيد الصينيّة حول العالم . (9) ثمّة معركة تنافسيّة لصيد السمك بيد أنّ المعركة الدائرة راهنا حول قوارب الصيد معركة حول القوارب كأسلحة في النزاع الإستراتيجي المحتدم و الخطر المتصاعد لحدوث حرب بين الولايات المتّحدة و الصين .
التونا يتربّع على قمّة سلسلة المفترسين لكن لا قيمة له في لعبة مفترسي النظام الرأسمالي - الإمبريالي :
هناك كوكب واحد وحيد و حياة بحريّة واحدة وحيدة إلاّ أنّ الرأسماليّة تهدّد الكوكب بطريقتين متصاعدتين هما الحرب بين قوى نوويّة و تدمير البيئة . و يُطرح الأمر على النحو التالي : بوسع الإنسانيّة بوسائل عالميّة و منسّقة أن تصلح الضرر الكارثيّ اللاحق بالكوكب جرّاء هذا النظام . و الصيد و التدمير الوحشيّين للسمك و الحياة البحريّة الخرى خدمة للمصالح الرأسماليّة من صنف أو آخر ؛ و حرق الوقود الحفوريّ بما يؤدّى إلى تغيّر المناخ و موجات الحرارة و ارتفاع حموضة المحيطات و البحار ؛ و العلاقات العدائيّة بين الأمم و الكتل المتنافسة من الرأسماليّين مبنيّة في أسس الرأسماليّة و تفضى إلى الحرب – يجب التخلّص من كلّ هذا . لا يمكن السماح بتواصل تحكّم الرأسماليّة – الإمبرياليّة في البحار و المحيطات و الكوكب . كيف يمكن إصلاح وضع المحيطات و البحار و الحال أنّ المجتمع الإنسانيّ على كوكب الأرض واقع تحت سيطرة النظام الرأسمالي – الإمبريالي المفترس ؟ ما نحتاج إليه هو أن نجتثّ إجتثاثا راديكاليّا علاقات الإستغلال في كلّ مكان على كوكبنا إذا كنّا نرغب في توفير فرصة إزدهار للبحار و المحيطات . ما نحتاج إليه هو الشيوعيّة .
" لا يمكن أن نسمح بعدُ لهؤلاء الإمبرياليّين بأن يسيطروا على العالم و يحدّدوا مصير الإنسانيّة " .
( بوب أفاكيان ، " من قريب و شخصيّا مع بوب أفاكيان : قلب و روح و لبّ صلب من أجل الثورة " )
الهوامش :
1. "Save Bluefin Tuna," Center for Biological Diversity.
A Remarkable Species
Bluefin tuna are an ocean-going fish that grow up to 10 feet long and can weigh as much as 1,200 pounds. Unlike almost all fish, bluefin tuna are warm-blooded and able to regulate their body temperature, which helps during their epic journeys across the Atlantic. Bluefin tuna are top ocean predators and sometimes hunt cooperatively, much like wolves. With streamlined bodies and retractable fins, bluefin can bolt through the water at speeds of up to 50 miles per hour and are capable of crossing oceans in the course of only a few weeks.
2. In 2010: The biomass of the “eastern stocks was only approximately ‘6% of the unfished level’ and there was a “high risk of fisheries and stock collapse.’” (The Tragedy of the Commodity)
3. The Tragedy of the Commodity: Oceans, Fisheries, and Aquaculture, Steven Longo, Rececca Clausen and Brett Clark, 2015, p. 85
4. The Tragedy of the Commodity, p. 90
5. Cod in the North Atlantic Coast off New England and Eastern Canada have been fished for hundreds of years. In the 1990s Maine fisherman brought in 20 million pounds per year. By 2021 the number was down to 50,000 pounds (1/400th). The collapse threatens the existence of the fish—and thousands of fishermen lost their jobs and their livelihoods.
6. "Northwest s Salmon Population May Be Running Out of Time," New York Times, January 20, 2021.
7. "Overfishing & Destructive Fishing," Greenpeace.
8. "Global Fishing Watch," OCEANA, Protecting the World s Oceans. OCEANA has launched a campaign to stop the bottom trawling in the Gulf of Alaska.
9. “Governments often use the fishing industry to advance their diplomatic agenda, as my work as a historian of fishing and American foreign relations shows. The United States used fishing, --dir--ectly and in--dir--ectly, to build its international empire from its founding through the 20th century. Now China’s doing it, too.” From “US-China fight over fishing is really about world domination,” by Blake Earle, assistant professor of history, Texas A&M University, The Conversation, September 21, 2020.
----------------------------------------------