الإرهاب الفكري أو الترهيب في الفكر


عذري مازغ
2022 / 12 / 20 - 20:34     

لماذا يمنع البعض نقض الثورة الفرنسية رغم أن هذا النقض مبرر من الناحية الجدلية (أقصد هنا الجدل أو الحوار والنقاش بخصوصها وليس قوانين الجدل كما وضعت في الموسوعة الماركسية)، لا شك ان هناك مجموعة من المبادئ الكونية تزخر بها موسوعة الثورة الفرنسية، غير أن الأمر لا يستصاغ حين نرصد التاريخ الاستعماري لفرنسا الذي بالقوة والفعل جاء بعد تلك الثورة المجيدة وكان وحشيا في سياقه العام. هل السياق التاريخي للتطور وفقا لتلك المباديء يتيح تلك الهمجية من المذابح التي ارتكبتها فرنسا مثلا في مستعمراتها؟ أقصد بالتحديد ما مدى ملاءمة فرنسا المومنة بمبادئ ثورتها في ملاءمة هذه المبادئ مع سياقها الإنساني الذي أفرزته الثورة خصوصا إذا عرفنا أن مجموعة من الحقوق تتخذ هذا الشكل التفاوتي الإيجابي في التطور.
صحيح أن فرنسا بنت الكثير من البنيات التحتية في مستعمراتها (أضف إلى هذا كل الدول المستعمِرة ساهمت بقسط وافر غي بناء هذه البنى) لكن استمثرت تلك البنيات في استغلالها لمستعمراتها: بنت في المستعمرات طرق وسكك حديدية على سبيل المثل فقط لأجل إيصال الثروات الطبيعية للموانئ، تلك الثروات بالفعل ساهمت في عوامل التطور للبلدان المستعمِرة لكن بالنسبة لمنابعها لم تساهم إلا بالقليل: أجور العمال الزهيدة وبناء بعض البنى التحتية مع بعض التشريعات القانونية التي في معظها لم تترجم على أرض الواقع وإن بدا قاعدة تأسيسية في نضالات "الشعوب المتخلفة" (بتعبير فانون)، بشكل يجعلنا نحتفل بمبادئ الثورة الفرنسية. والسؤال المطروح هو: ما موقع تلك المبادئ الكونية من العلاقات الكولونيالية؟ هل كان يتم إنزال تلك المبادئ من منطلق الإيمان بها ام فقط كانت عنوانا للتحضر غطى أو ليغطي كل الجرائم الكولونيالية؟
يحضرني هنا وعي موازي له علاقة بالتعامل الآني مع الحيوانات المفترسة، كونها جزء من الرتاث الحيواني، وكونها جزء من تاريخ هذا الكوكب أصبحنا نتعامل بوعي تحسيسي مفاده ان نحد من انقراض هذه الحيوانات (في السياق العام الوعي البيئي لكوكبنا) أصبح قتل فيل أو أسد او اي نوع آخر جريمة كونية وهذا جميل ومنبثق من مبادئ الثورة الفرنسية وإن في وقتها كان الانسان هو مركز تلك المبادئ، في هذا السياق، كيف تعامل الفرنسيون مع مستعمراتهم؟
هذه أسئلة تحتاج إلى تفكيك موضوعاتها ولا احد يستطيع أن ينفي إنسانية مفكري الثورة الفرنسية الذين عالجوا امور تعقدات مجتمعهم الفرنسي، ولنقل بلغة إنسانية بعيدة عن مفاهيم الصراع الطبقي أن تلك المعالجة تمت وفق قيمة الفرد، الإنسان الفرد في المجتمع الفرنسي إبان الثورة، ولنبعدها عن سياقها الطبقي وانساق نمط الإنتاج: أليس هذا ما نريده؟ أقصد ما يريده البعض حين يبتهل برواد الثورة الفرنسية بشكل لا يقبل نقضهم خصوصا إذا كان هذا النقض من عالم الدول المستعمَرة.
انتقدني البعض ولا أقصد هنا الذين علقوا عندي في صفحة الحوار المتمدن، بل أقصد الرسائل الموجهة لي شخصيا من خلال نشر مقالي السابق في الحوار المتمدن في الفضاء المفترض، كوني أنتقد السياسة الفرنسية أو اهاجمها بشكل أنساني مبادئ ثورتها قي القرنين الماضيين وشخصيا لا أفهم كيف أسقط نسق فرنسي على نسق مغربي: لا يستطيع الأدب الإنساني الفرنسي أن ينسيني القتل البشع لأجدادي على خلفية وعيهم البدائي في انتمائهم لأرضهم، لا أجد فهما عقلانيا لقتل أناس على ارتباطهم بأرضهم واجد هذا ببساطة فائقة ان يتناقض مع مبادئ الثورة الفرنسية وهنا سيقول أحدهم بوجوب ربط الأمور بسياقها التاريخي، وهذا يعني الإقرار بوعي تفاوتي حقيقي كما الآن بخصوص الحيوانات المفترسة التي نكبرها بمسافات ضوئية في الوعي من حيث ضرورة الحفاظ على وجودها كونها جزء من تاريخ كوكبنا وهو إحساس رائع برغم أنه سيقال أنه إحساس متدارك يستسبق لحظة الإنقراض التام لتلك الحيوانات.
هي ذاتها فكرة المليون الذهبي: لنقتل الكثير من البشر ونخلق محميات لبعض البشر ممن سيخدمونا، محميات على شكل تشريعات للغرض بتفخيم رومنسي يحفظ التنوع البشري.
وسأرد هنا على أولئك الذين يتبجحون بوقع آثار الثورة الفرنسية عليهم كمهاجرين بأوربا: تمنح لنا أوربا، باعتباري مهاجر أيضا، كل الحقوق المدنية التي تسري في مجتمعاتها باعتبارنا كمهاجرين سكان مدنيين، هل تستطيع أوربا خارج أقاليمها المدنية أن تفرض ذلك وفقا لمبادئ الثورة الفرنسية او حتى الثورة الصناعية في انجلترا التي يشيد بها ماركس في كتاباته؟
على العكس وسأكون هنا ماركسيا مختلف عن ماركس نفسه من باب لا تقديس للماركسية: ماركس أيد الحرب الأمريكية على المكسيك وتمنى أن ينتصر الأمريكان فيها لسبب يتوافق مع تنظيره للثورة العمالية: الانتصار على المكسيك يعني خلق بنية صناعية يتمفصل بها صراع الطبقات
راسائل ماركس من الجزائر لابنته وصديقه انجلز تعبر عن وقاحة تاريخية لفيلسوف عنيد، سخر من تخلف المجتمع الجزائري ونسي الكثير من تلك القوانين التي تبجح بها صديقه انجلز حين كان يضع أسس الدياليكتيك (قانون التفاوت التطوري أساسا) وبشكل ما كانت فرنسا في الجزائر مستحسنة في رسائل ماركس عكس هذه النظرة التي تبلورت لدينا الآن: أن نحسن إلى الحيوانات المنقرضة، حين كانت فرنسا تقتل الجزائريين كان ماركس يسخر من الجزائريين.
للذين يسألوني عن فرنسا ومبادئها قي الثورة الفرنسية أسألهم عما يعنيه وضع متحف اسمه متحف إنساني موضوعاته هي جماجم قتلاهم في الجزائر والمغرب وبشكل عام شمال إفريقيا. سأعود إلى السؤال المركزي: ما قيمة مبادئ الثورة الفرنسية إذ كانت الدولة الفرنسية بعد الثورة ارتكبت جرائم استعمارية يندى لها الجبين؟ مالذي يمنعني ان أحتقر كتابات جون جاك روسو وفوكو وآخرون؟ مالذي سيمنعني حين اطلع على ثقافات كتاب أمريكا اللاتينية ونيتشه ودوستويفسكي وغيرهم.
أمس تكلمت عن كرة القدم وربطت الأمر بالغش: لقد تكلمت عن التمثيل القاري فيها وربطته بعدد التمثيل: إفريقيا مثلا تتكون من 54 دولة تمثلها فقط خمس دول وهذا غش، اوربا أقل عدد من إفريقيا وتمثلها 13 دولة وإليكم الآن النتيجة: ذهب المونديال مقسم بين أمركا اللاتينية وأوربا وهذا غير معقول في الرياضة، يفترض أن تفوز دولة إفريقية أو دولة آسيوية على مدار قرن من الزمن وهذا لم يحصل بسبب الغش في التمثيل اما ان ينهزم المنتخب المغربي ويسر رفيقي بارباروسا المعلق الأول في مقالي فأقول له: أنا سعيد باختلافه معي وسعيد لسعادته بانهزام المنتخب المغربي من قبيل تلك الفكرة الفرنسية نفسها: اختلف معك لكن مستعد للدفاع عن رايك في اختلافك معي . أما المعلق الثاني فسأرد عليه: ليس لي شأن في ثقافة القوادة، لا اهتم بالثقافة المشرقية أصلا ولا اعرف شيئا عن جنس أمير قطر.