الاعتراف بالقضية العادلة للشعب الفلسطيني- طريق الخلاص لشعوب المنطقة


خليل اندراوس
2022 / 12 / 16 - 23:18     


لكي نفهم حجم المؤامرة على منطقة الشرق الأوسط التي تهدف تدمير المنطقة وخاصة سوريا والعراق واليمن وليبيا، علينا أن نعود قليلا بعيدا عن غبار المعارك الدائرة الآن وخاصة في شمال سوريا واليمن والصراعات الداخلية في العراق بهدف تقسيم العراق، لكي ندرك الأداة المستخدمة لتنفيذ المؤامرة.

وفي هذا المجال مهم جدا تبيان الدور الوظيفي لتنظيم الدولة الإسلامية وأخواتها في الحرب على المنطقة وخاصة العراق وسوريا.

لقد كان الرئيس الأمريكي طفل المحافظين الجدد سعيد جدا عندما قام جيشه باحتلال العراق وقتل مئات آلاف العراقيين من أطفال ونساء ورجال أبرياء، ما دامت الولايات المتحدة تنفذ خطتها التي تهدف الى خلق ما سمي في ذلك الوقت " بالشرق الأوسط الجديد" وها المصطلح سليل مجموعة من المصطلحات الأخرى مثل "النظام العالمي الجديد" و "الشرق الأوسط الكبير" "والقرن الأمريكي" وغيرها من المصطلحات، وآخرها سياسات التطبيع مع إسرائيل تحت تسمية كاذبة "اتفاقيات إبراهيم".

فالقتال الذي جرى في الماضي منذ 2013 ضد تنظيم داعش في حروب يسفك خلالها دم الشعوب العربية، هذا بالإضافة الى هجرة مئات الآلاف لا بل الملايين من العراق وسوريا في حين ينعم الأمريكيون بالسلامة ويسرقون النفط العراقي والسوري، ويفرضون على الشعب السوري حصار اقتصادي ظالم وحشي لا بل جريمة حرب ضد الإنسانية. والى جانب ذلك تنعم دولة إسرائيل دولة الاحتلال، والتي تمارس أبشع سياسات الاستيطان الكولونيالي في فلسطين، وتقوم بغارات عدوانية متكررة ضد سوريا الشعب والوطن، أيضا تنعم بالسلامة وتنعم بالدعم الأمريكي غير المحدود، وبدون أي إدانة من الهيئات الدولية المختلفة وعلى رأسها الأمم المتحدة.

فالولايات المتحدة وإسرائيل وكذلك الأنظمة الرجعية العربية منذ بداية أحداث "الربيع العربي" لا بل الخريف العربي يعملون على تأجيج الحروب التي يتقاتل فيها العرب وخير مثال على ذلك ما يجري الآن في سوريا واليمن.

وهنا أذكر وزيرة الخارجية الأمريكية في الولاية الأولى للرئيس باراك أوباما التي اتهمت أوباما بأنه هو نفسه من قام بمساعدة داعش. وعن ذلك يقول الكاتبان "تيم أرانغو وإريك شميت" أنه: "في الوقت الذي انهزمت الجماعات الإسلامية السورية الأكثر اعتدالا على يد قوات الأمن السورية وحلفائها، سيطر "داعش" بشكل مطرد على المعركة، ويرجع ذلك جزئيا الى قوة السلاح والتمويل الذي يأتيه من عملياتها في العراق ومؤيديها في العالم العربي. ودفع هذا الواقع المشرعين الأمريكيين والشخصيات السياسية، بمن في ذلك وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، الى اتهام الرئيس أوباما بمساعدة داعش على الصعود عبر سبيلين: الأول عن طريق سحب القوات الأمريكية بشكل كامل من العراق في العام 2011، وثانيها: بتردده في تسليح الجماعات المعارضة السورية الأكثر اعتدالا في وقت مبكر من هذا الصراع. وقال النائب "اليوت إنجل" الديمقراطي البارز في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، خلال جلسة استماع عقدت بشأن الأزمة في العراق: "لا يسعني إلا أن أتسائل ماذا كان سيحدث لو اننا التزمنا بتمكين المعارضة السورية المعتدلة العام الماضي". وأضاف: "هل كان داعش ستشتد شوكته كما هي الآن". (تيم أرنغو وايريك شميت صحيفة الشرق الأوسط، الأربعاء 13 أغسطس 2014 رقم العدد 13042).

بالإضافة الى ذلك اعترف الجنرال الأمريكي المتقاعد ويسلي كلارك ان واشنطن وحلفاءها (أي الأنظمة الرجعية العربية د.خ) هم الذين أنشأوا جماعة داعش الإرهابية لمواجهة حزب الله في لبنان وفي مقابلة مع قناة "سي إن إن" الامريكية أكد الجنرال "كلارك" الذي كان القائد الأعلى لحلف شمال الأطلسي في الفترة بين 1997-2000 بأن "الهدف من داعش هو تدمير حزب الله" وقال "بدأنا ندعم داعش من خلال التمويل من أصدقائنا وحلفائنا وجهزناه لمحاربة حزب الله". وهؤلاء الأصدقاء هم الأنظمة الرجعية العربية، أنظمة طبقة راس المال الكومبرادوري الرجعي الاستبدادي العربي – السعودية ودول الخليج العربي الأمريكي الذين يرون بحزب الله والنظام السوري وإيران عدوهم الأول وليس الصهيونية ودولة الاحتلال إسرائيل. ولذلك حتى الآن يمارسون الضغوط السياسية والاقتصادية ضد لبنان وضد حزب الله من خلال طرح مطالب الخيانة الهادفة لنزع سلاح المقاومة سلاح حزب الله هذا الحزب المقاوم والذي لا يسعى الى " الهيمنة" على لبنان كما يدعي البعض.

بل يناضل ضد هيمنة الولايات المتحدة وإسرائيل على منطقة الشرق الأوسط. لقد سعت الولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل – القاعدة الأمامية للإمبريالية العالمية في الشرق الأوسط، الى خلق فوضى إرهابية في المنطقة تهدف الى تقسيم دول الشرق الأوسط الى دويلات اثنية ودينية مختلفة وهذه الاستراتيجية الغربية ضد العالم العربي طُرحت منذ منتصف القرن التاسع عشر. وهنا اذكر بأنه خلال ثورة الفلاحين في لبنان ضد عائلات الاقطاع في ستينيات القرن التاسع عشر قُتل 12 الف أرثوذكسي في منطقة دير القمر وحينها هاجر والد جد كاتب هذه السطور من دير القمر الى كفر ياسيف ،وأذكر حينها بأن السفير الأمريكي في إسطنبول زار بيروت واقترح على زعماء الطوائف المسيحية المهجرة من لبنان الاستيطان في الجزائر وخلال الحرب الأهلية في لبنان في ثمانينات القرن الماضي توجهت "قيادات" دينية مسيحية بطلب المساعدة من رئيس فرنسا في ذلك الوقت فما كان من ذلك الرئيس سوى التوجه لهذه القيادات والطلب منهم الهجرة من لبنان والاستيطان في فرنسا. فمن يؤجج الصراعات الاثنية والدينية في الشرق العربي هو العالم الغربي الامبريالي. واحتلال العراق من قبل أمريكا أدى الى هجرة أكثر من مليون مسيحي عراقي ومئات الآلاف من الأقليات الأخرى ويأتي رئيس الفاتيكان ويدعو الى الاخوة والسلام بدون ان يذكر ولا بكلمة واحدة عن احتلال الولايات المتحدة للعراق وهذا ما حصل في الفترة الأخيرة خلال مشاركتي لمؤتمر مجلس الكنائس العالمي حين قام أحد رجال الدين العراقيين وطرح العديد من الاحداث التي تجري في العراق الآن دون ان يتطرق ولو بكلمة واحدة عن احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة. فكان ردي له بأني كطبيب أقول له بأن احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة هو المرض وما تلاها من احداث هي ظواهر لهذا المرض.

واضيف بأن مرضى الشرق الأوسط هي سياسات الثالوث الدنس وما يجري من احداث هي ظواهر لهذا المرض.

وهنا بودي ان أقول بأن لإسرائيل دور بارز تقوم به لتحقيق مؤامرة تمزيق دول الشرق الأوسط بهدف القيام بدور وظيفي يخدم استراتيجية السيطرة الامبريالية على المنطقة وخاصة هيمنة الولايات المتحدة واستراتيجية هيمنة القطب الواحد الأمريكي أيضا عالميا.

وغُرست إسرائيل الصهيونية في المنطقة لتحقيق هذا الهدف. فعالم عربي يتسم بقدر من الترابط والوحدة كما أراد جمال عبد الناصر من خلال رفع شعار "وحدة القومية العربية" شكل ثقلا سياسيا واستراتيجيا واقتصاديا وثقافيا وحضاريا وعلمانيا ضد أطماع الامبريالية العالمية وخاصة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.

لذلك قامت إسرائيل بعدوانها عام 1967 هذا العدوان الذي بدأت إسرائيل بالتخطيط له منذ عام 1964، وبتنسيق مع الولايات المتحدة وملك السعودية الذي قال للأمريكان "يجب تقطيع عبد الناصر اربا اربا". وهذا ما حدث.

وهنا أذكر ما قاله لينين:"ان النزعة العسكرية المعاصرة هي نتيجة للرأسمالية وهي بكلا شكليها "مظهر حياتي" للرأسمالية! كقوة حربية توجهها الدول الرأسمالية في صداماتها الخارجية ... وكسلاح يستخدم في ايدي الطيقات المسيطرة لقمع أي نوع من الحركات (الاقتصادية والسياسية) للبروليتاريا ".(لينين المؤلفات الكاملة المجلد 17 صفحة 187).

وأُضيف لقمع حركات تحرر الشعوب وخاصة حركات تحرر شعوب الشرق زمن هذا المنطلق تم احتلال العراق وجرت المؤامرة على سوريا ومستمرة حرب عدوان التحالف العربي ضد اليمن ومستمرة الحرب الاقتصادية المتوحشة ضد الشعب الإيراني.

والآن الولايات المتحدة احرص على ضرب سوريا الشعب والوطن من تدمير العراق. وارسال 5 آلاف شاحنة عسكرية الى سوريا لدعم الحركات الإرهابية شمال سوريا لأكبر دليل على وحشية الشيطان الأكبر الولايات المتحدة.

وهنا أذكر ما صدر عن وزارة الدفاع الروسية: "أعلنت وزارة الدفاع الروسية ان القاعدة الامريكية في منطقة التنف والتي اُقيمت بحجة محاربة داعش، لم تستخدم في أي عملية ضد التنظيم. مشيرة الى ان تلك القاعدة تشكل عائقا امام عمليات الجيش السوري ضد داعش. اتهامات روسية متجددة للأمريكيين بدعم الجماعات الإرهابية في سوريا وعرقلة عمليات الجيش السوري، وشكوك روسية في الدور الذي تؤديه القوات الامريكية في سوريا.".(هل يخدم داعش استراتيجية واشنطن في سوريا ؟ روسيا اليوم 6-10-2017).

وخلال عملية تحرير "البوكمال" السورية كشفت ادلة تثبت ان التحالف الدولي بقيادة واشنطن يقدم دعما "مباشرا" لداعش، وذلك لتحقيق مصالح اميركا في الشرق الأوسط. وقالت الوزارة (أي وزارة الدفاع الروسية د.خ) في بيان بتاريخ 14-11-2017 ان قيادة القوات الروسية في سوريا اقترحت على التحالف مرتين اجراء عمليات مشتركة للقضاء على قوافل لداعش وهي تنسحب في الضفة الشرقية لنهر الفرات باتجاه الحدود مع العراق، لا ان الأمريكيين رفضوا بشكل قاطع قصف الدواعش، بدعوى انهم بصدد تسليم أنفسهم وبالتالي تنطبق عليهم احكام معاهدة جنيف بشأن أسرى الحرب. (روسيا اليوم 14-11-2017).

وهنا اذكر ما قاله شمعون بيرز: لقد جرب العرب قيادة مصر للمنطقة مدة نصف قرن، فليجربوا قيادة إسرائيل اذن.

وهذه هي الرؤية التي طرحها برنارد لويس منذ السبعينات من القرن الماضي والتي تبناها المحافظون الجدد وتدور السياسة الامريكية في اطارها واتفاقيات التطبيع مع إسرائيل من قبل بعض الدول العربية كالإمارات والبحرين والمغرب لهي أكبر دليل على نجاح المحافظون الجدد والصهيونية العالمية في فرض هذا الواقع أي سيطرة وهيمنة إسرائيل والولايات المتحدة.

وما تقوم به الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة هو خلق عالم عربي مقسم الى دويلات اثنية ودينية منطقة مقسمة الى دويلة فرعونية في مصر، ودويلة قبطية في جنوب مصر او هجرة الاقباط ودويلات أشورية وكردية وشيعية وسنية في العراق ودويلات علوية وكردية وسنية ودرزية في سوريا وتمزيق لبنان الى طوائف وخلق دولة فينيقية في لبنان. فالولايات المتحدة متواطئة مع إسرائيل في تحطيم لبنان وعلى قمة هذا العالم العربي الممزق تقف إسرائيل القاعدة الامامية للإمبريالية العالمية في الشرق الأوسط.

ووصول اليمين الإسرائيلي الى السلطة في إسرائيل براي كاتب هذه السطور سيلقى الدعم من الإدارات الامريكية فالولايات المتحدة التي تدعم النظام النازي في أوكرانيا، لن يكون من الصعب عليها دعم اليمين العنصري الفاشي الصهيوني في إسرائيل.

وفي النهاية الصهيونية العالمية والمحافظون الجدد هما المحركان الخلفيان لمخططات تقسيم الشرق الأوسط الجديدة. ولكن فشل هذا المخطط في العراق وفي سوريا ، وكلي ثقة بأنه سيفشل في لبنان ، وستبقى ايران صامدة ومكافحة ضد الامبريالية العالمية والصهيونية والرجعية العربية، ستلقى هذه المخططات الى مزبلة التاريخ وعلى الشعب الإسرائيلي ان يبحث عن السلام مع الشعب العربي الفلسطيني من خلال الاعتراف بحقوقه القومية وإقامة دولته المستقلة بحدود 1967 وعاصمتها القدس، والاعتراف بحق العودة لللاجئين الفلسطينيين فالاعتراف بإسرائيل كدولة في الأمم المتحدة كان مشروطا باعترافها بحق العودة لللاجئين الفلسطينيين، وهذا الطريق هو طريق الخلاص لكلا الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني.

فالقوة والاحتلال والاستيطان لا يصنع السلام، بل السلام هو طريق لمستقبل انساني لكلا الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني فالقوة لا تصنع السلام كما قال اليميني نتنياهو.

فسلام الشعوب بحق الشعوب.