مدير المدرسة بين الحكومة والوكالة: وجهة نظر غير تربوية


ناجح شاهين
2022 / 12 / 15 - 10:56     

مدير المدرسة بين الحكومة ووكالة الغوث: وجهة نظر غير تربوية حول
مدارس المعسل والتجارة و"التسليك" واضطهاد المرأة
أود أن أبدأ بملاحظة استثناء مع اعتذار مخلص أوجهه إلى القلة من مدراء المدارس الذين لا تنطبق عليهم محتويات هذه المقالة. بالطبع إن "خليت بليت" ولا بد من وجود مدراء في الوكالة والحكومة يجسدون القائد التربوي الوطني على أفضل صورة. لكن الصورة العامة تتلخص في أن مدير المدرسة في وكالة الغوث ووزارة التربية يتسم بالولاء للنظام وليس لجوهر العملية التعليمية، كما أنه يتمتع بالقدرة على النفاق ومجاملة المسؤولين الكبار بغرض تعزيز موقعه أو الانتقال إلى موقع أفضل أو الحصول على العلاوات والمكافآت...الخ. وفي الأعم الأغلب لم يأت مدير/ة المدرسة من صفوف المعلمات أو المعلمين الأكثر جدية والتزاماً وإبداعاً. كذلك غالباً ما ينبثق قطاع الإدارة من فئات الطلبة الضعاف الذين غشوا في المدرسة والجامعة وأدمنوا منافقة أساتذتهم ورؤسائهم حتى "يصلوا" مهما كانت التكلفة.
من ناحية أخرى، في القرى حيث ترعرعت وتقليت تعليمي المدرسي، يمكن للمخاتير والوجهاء التأثير في مدير المدرسة وقراراته بخصوص المعلمين والطلاب والعلامات والعملية التعليمية برمتها، وينطبق ذلك أيضاً على وجهاء المخيمات ولجانها "الشعبية" القادرة على التلاعب بمصائر المعلمين والطلبة والعملية التعليمية عموماً عن طريق نفوذها "الغريب" وتأثيرها في المدير وغيره من موظفي وكالة الغوث.
لكن لماذا نعتمد هنا وجهة نظر "غير تربوية"؟
ماذا يقول البحث التربوي؟
تخبرنا الأبحاث الكمية/الإحصائية المختلفة التي تجرى عن طريق الاستبيانات "ما غيرها" أن المدراء يفضلون أسلوب الإدارة الديمقراطي الرشيد الذي يعامل الجميع على قدم المساواة، وأن المدراء قادة حقيقيون منحازون لقضايا المجتمع منشغلون بنمو الطلبة وسعادتهم. كما أنهم يتعاملون بعدل وإنصاف مع المعلمين والمعلمات ناهيك عن حيادهم الجندري العتيد. ومن ناحية أخرى يسهر المدراء الليالي في العمل الدؤوب على تنفيذ عملية تعليمية مبدعة وإنسانية وممتعة على نحو يتفوق على فنلندا واليابان والصين.
"من الآخر" البحث الكمي يجد الإدارة التعليمية في الوكالة والحكومة ملائكية من طراز رفيع.
ولسنا نعلم يقيناً ما إذا كان لأكوام "الأبحاث" التربوية المشار إليها من قيمة حتى بالنسبة لمن كتبها أو رعاها أو أشرف عليها...الخ.
المهم؛ دعونا نعود لموضوعنا الأساس وهو محاولة رسم صورة للإدارة بعيداً عن "البحث التربوي" واعتماداً على "إثنوغرافيا" المعايشة والانطباعات "الفردية" التي لا تصمد أمام دقة الإحصاءات الرهيبة. ها نحن نعترف بدئياً بخطيئتنا غير العلمية كوننا نستند إلى معرفة فردية/ذاتيه لما يزيد على عشر مدارس في الوكالة والحكومة في منطقة رام الله وحدها. لا علم لنا أبداً بما يجري في نابلس والخليل، لكن هل "نتوهم" أن ما يجري في رام الله يجري هناك؟ نعم للاسف نحن بطريقة غير علمية نقترح ذلك التعميم. نود أن نسجل ما يلي فيما يتصل بمدراء المدارس ومديراتها في الحكومة ووكالة الغوث:
1. تأتي هذه الفئة من قطاع الطلبة الأضعف أكاديمياً. وهذا يعني عدم إلمام المدير بأساسيات مواضيع التعلم أو شروط تعليمها خصوصاً عندما يكون من خلفية التوجيهي الأدبي الذي تبدو له الرياضيات والفيزياء والكيمياء واللغة الإنجليزية والعربية جميعاً طلاسم لا حل لها. ولن يجد مثل هذا المدير غضاضة في دفع مدرس تخصصه دين واجتماعيات إلى تدريس الرياضيات أو اللغة الإنجليزية خصوصاً للطلبة الصغار الذين يستهان بهم وبموهبة المعلم المطلوبة من أجلهم. إذا اقتضت أية "مصالح" في نظر المدير أن يحدث ذلك فلن يتردد في فعله لأنه حقاً لا يستطيع تقدير مدى جدية المهارات التي ينبغي أن يحوزها معلم اللغة أو العلوم أو الرياضيات. هل يشكل ذلك أحد العوامل في حالة "الفضيحة" التي تحيط بتعليم هذه المواضيع الدراسية في بلادنا؟
2. يتصف هؤلاء بتفضيلهم للمعلم "المطاوع" المنافق ربما لأنهم إنما وصلوا حيث وصلوا عن طريق النفاق والمهادنة والادعاء والتظاهر. وهذا المعلم المهادن، "اللي بدو يعيش" يمكن أن يحصل على ما يريد من مديره بما في ذلك أخذ جدول حصص مخفض، مروراً بالمواد التي يريدها حتى لو كان يفتقر للمهارة فيها، وانتهاء بعدم دخول الحصص وعدم تصحيح الواجبات...الخ. يستطيع أي معلم يقرأ هذه المقالة أن يستدعي من تجربته العديد من الأمثلة.
3. يميل هؤلاء المدراء الى الشللية، وهي ظاهرة توجد تقريباً في كل مدرسة مرت في خبرتنا. في هذا السياق تقوم شلة المدير/ة باحتكار بعض الأشياء المفيدة بما يحقق لها بعض المنفعة المالية إضافة إلى اختيار الأسهل في البرنامج الدراسي ...الخ.
4. كثيراً ما يتشارك مدير المدرسة مع "شلته" في أنشطة اقتصادية تجارية يمكن أن تكون المدرسة أحد ميادينها أو ميدانها الرئيس. وغالباً في زمن المعسل الذي يجتاح الضفة من شمالها إلى جنوبها، يمكن أن تكون جلسات المعسل في المدرسة وخارجها إحدى الممارسات الشائعة التي تأتي على حساب العملية التعليمية. من نافلة القول إن من يحضر المعسل الباهظ الثمن في هذه الأيام يحصل على حظوة كبيرة في قلب المدير وقراراته على السواء.
5. في المدارس المختلطة بشكل أوبآخر يتم اضطهاد المدرسات وتحميلهن العبء الأكبر في العمل وتعريضهن المستمر للسخرية والتحرش والانتقاص والاستهانة. أحد المدراء اشتهر بأنه كان يقول يومياً: "قلت للوكالة ألف مرة ما بدي نسوان يحبلن ويلدن ويعطلن الدوام، أنا مش فاضي لخراريف النسوان". وعرف عن هذا المدير وآخرون غيره تعاطي المعسل والتجارة في سياق المدرسة.
6. يمتاز مدراء المدارس بعدم تصديقهم للخطاب التربوي الرسمي أو العالم. كما يتصفون بميلهم إلى اعتبار كل ما يقال عن العلم والتعليم والبناء ...الخ مجرد كلام عابر للاستهلاك. ويؤمن هؤلاء أن المهم أن "تمشي" أمورك بغض النظر عن تنفيذ أية عملية تربوية جادة. في هذا السياق لا يمنع أن يقوم مدرس تربية رياضية بتعليم اللغة الإنجليزية أو مدرس لغة إنجليزية بتعليم الرياضايات أو اللغة العربية خصوصاً إذا كان التلاعب يخدم الشلة.
7. يؤمن المدراء أن العنف والعقوبة الجسدية واللفظية هي الطريقة النموذجية لكي يسيطروا على المدرسة ويضمنوا الانضباط الذي هو جوهر العملية باعتبار أن المحتوى المعرفي يتم الكذب حوله بسهولة في مراحل التعليم المختلفة سواء في المدارس أوالجامعات. هذا في ميدان التعامل مع الطلبة أما التعامل مع المعلمين فيتراوح بين الكذب والتضليل والتهديد والتآمر خصوصاً إذا كان المدرس ضعيفاً ولا يعرف أن بإمكانه من حيث المبدأ أن يشتكي للجهات العليا أو لجان حقوق الإنسان أو المرأة أو حتى القضاء العادي. وانسجاماً مع ذلك يستخدم هؤلاء المدراء الأكاذيب والمؤامرات والتهديد والمضايقات اليومية من أجل حمل المعلم/ة على تنفيذ إرادتهم حتى لو كانت تخالف جوهر العملية التعليمية والفائدة المرجوة منها.
8. يقوم بعض هؤلاء المدراء بالسطو "المحزن" على مقدرات المدرسة البسيطة من قبيل عوائد المقصف المدرسي أو الأوراق أو الكتب أو أجهزة الحاسوب القليلة التي تصل هدايا من هنا وهناك ...الخ. وقد وصفنا ذلك بالمحزن بسبب إشارته إلى تدني أخلاقية هذه الفئة أكثر من حزننا على أن هناك "ثروة" يتم اختلاسها. لكن تدني قيمة المسروقات إنما تشير على نحو قاس إلى أننا في مواجهة أشخاص لا يجوز أبداً أن يكونوا قادة تربويين وأن حياة الأطفال وتعليمهم ونموهم المعرفي والجسدي والإنساني السوي في خطر شديد عندما يكونون في "عهدة" مثل هذا الجهاز التربوي.
نقترح في الختام وعلى نحو انطباعي سريع "غير علمي أيضا" أن يكون هناك جدول معايير يتضمن السمات الجوهرية الأكاديمية والأخلاقية والإنسانية لمن يتم تعيينه في منصب الإدارة المدرسية الحساس. من ذلك على سبيل المثال لا الحصر التحقق من أن تاريخه الأكاديمي مميز تماماً، وأن تاريخه وهو معلم يشير إلى الإنجاز والانتماء، وليس المنافقة والتهرب والعنف مع الطلبة..الخ. التحقق أيضاً من وعي المرشح التربوي وانتمائه الإنساني عموماً والوطني خصوصاً. كذلك لا بد من التأكد من دافعيته ومبادرته ونزاهته وقدرته على العمل دون كلل أو ملل بما يخدم العملية التعليمية وتطويرها بدلاً من أن يكون شخصاً لا يهمه إلا راتبه الشهري ومكتسباته الشخصية حتى لو "خربت مالطة" وقبرص وفلسطين على وجه الخصوص.
حاشية: تم استثناء مدير المدرسة الخاصة من هذه المقالة لأنه أولاً وقبل كل شيء ملتزم بإرضاء الطلبة وأهاليهم بسبب الطابع الربحي للمدرسة. وعلى الرغم من العيوب التي تحيط بهذا السياق إلا أنه يظل أفضل بما لا يقاس مقارنة بخلفيات مدير الحكومة والوكالة المصابين بلوثة إرضاء المسؤول والكذب عليه وعلى الجميع دون استثناء.