ماذا وراء إسقاط الرئيس اليساري بيدرو كاستيو في بيرو؟

سيد صديق
2022 / 12 / 11 - 21:12     

ترجمة سيد صديق

أطاح تحالف من الشركات الكبرى والأحزاب اليمينية الرئيس البيروفي بيدرو كاستيو بعد حملةٍ استمرَّت لحوالي عامين لكسر الحكومة. أُزيحَ كاستيو من منصبه وصار رهن الاحتجاز منذ مساء الأربعاء الماضي بعد اتهامه بـ”خرق النظام الدستوري”.

قبل ساعات من ذلك، كان كاستيو قد أعلن أنه سوف يشكِّل “حكومة طوارئ تهدف إلى استعادة حكم القانون والديمقراطية”. وقد دعا إلى حل البرلمان اليميني، وعقد انتخابات جديدة، وصياغة دستور جديد.

كانت تلك محاولةً لتجنب تصويت على عزله، بعدما جعلته تنازلاته لرجال الأعمال وهجماته على جمهور الطبقة العاملة في حالة عزلة.

فاز كاستيو في الانتخابات الرئاسية في يونيو 2021 بفارقٍ ضئيل، في جولةٍ انتخابية ضد المرشحة اليمينية كيكو فوجيموري. ترشَّح كاستيو عن حزب “بيرو الحرة”، وهو حزب واسع يتضمَّن أعضاءً يصفون أنفسهم بالماركسيين والاشتراكيين الديمقراطيين، وكان يعد بـ”لا مزيد من الفقر في بلدٍ غني”.

كانت إصلاحات كاستيو، مثل فرض المزيد من الضوابط على شركات التعدين الكبرى في البلاد، أكثر مما يمكن أن يحتمله الأثرياء ورجال الأعمال. كان هؤلاء يخشون من أن العمال والفقراء وجماعات السكان الأصليين سوف يتمادون أكثر من ذلك.

لكن، في مواجهة هجوم الطبقات الحاكمة، تمثلت إستراتيجية كاستيو في استرضاء رجال الأعمال. ولقد استغنى عن اليساريين في تعديلٍ وزاري جاء بعد أقل من ثلاثة أشهر من توليه المنصب. وقد أقال جويدو بيليدو من منصب رئيس الوزراء، بعد أن حذر بيليدو، الذي يصف نفسه بأنه ماركسي، شركة كاميسيا للغاز بأن تدفع ضرائب أعلى أو تواجه التأميم.

منح كاستيو وزارة التعدين لرجل الأعمال إدواردو جونزالس، من أجل استرضاء رجال الأعمال الأقوياء المستثمرين في النحاس، وكذلك أقال إيبر مارافي من منصب وزير العمل.

في المقابل، عُيِّنَ بيدرو فرانك، الذي وعد بـ”اقتصاد سوق شعبي”، وزيرًا للمالية، وخاض هجومًا قويًا جنبًا إلى جنب مع المستثمرين الأجانب. كان فرانك في الماضي يعمل في البنك الدولي -تلك المؤسسة الرئيسية التي دعمت النظام الرأسمالي العالمي الليبرالي على الطراز الأمريكي ودفعت باتجاه سياسات السوق الحرة.

قال كاستيو إن تلك الخطوة جاءت “في صالح الحوكمة” -بعبارةٍ أخرى، لإثبات أنه سيدير الدولة البيروفية دون تحدي رأس المال. لكن رجال الأعمال كانوا لا يزالون يرغبون في التخلص من كاستيو، لذا تبع ذلك المزيد من التنازلات من جانبه.

في أغسطس الماضي، عيَّن كاستيو المسئول السابق بالبنك الدولي والمؤيد لسياسات السوق الحرة، كيرت بورنيو، وزيرًا للمالية. وبعد أن تحدث في مؤتمرٍ لرجال الأعمال في قطاع التعدين في سبتمبر، احتفل هؤلاء بمجيئه في هذا المنصب، إذ أن “عدم رفض الضرائب” لهو “خبرٌ جيد” بالنسبة إليهم، على حد قول راؤول جاكوب، المسئول المالي الكبير في شركة النحاس الجنوبية، الذي أضاف: “نحن نشهد المزيد من الحس السليم في بعض أروقة الحكومة”.

لقد فشل كاستيو في الوفاء بالوعود التي قطعها للناس العاديين خلال حملته الانتخابية. لم يرغب في تعبئة قوة جماهير الطبقة العاملة في الشوارع ومواقع العمل للإجهاز على البرلمان اليميني ورجال الأعمال. في المقابل، عمد إلى قمع الاحتجاجات التي اندلعت على نحوٍ متقطع على مدار العام ضد ارتفاع أسعار الوقود والسلع الأساسية الأخرى.

في أبريل، بعدما أطلقت الشرطة النار على المتظاهرين وقتلت أربعة منهم، أعلن كاستيو حالة الطوارئ، وأرسل قوةً شرطية لقمع المتظاهرين، لكنه أُجبِرَ على التراجع في غضون 24 ساعة.

لقد خاض الآلاف ممن منحوا كاستيو أصواتهم الانتخابية احتجاجاتٍ ضده. في منطقة أياكوتشو، أغلق الناس الطرق لمطالبة كاستيو بالتمسك باتفاقيةٍ تقضي بإغلاق العديد من المناجم المدمرة للبيئة. وفي الشهر الماضي فقط، أقام سائقو الشاحنات والمزارعون حواجز على الطرق عبر أرجاء متفرقة من البلاد للاحتجاج ضد ارتفاع أسعار الوقود ونقص الأسمدة.

تمثل أحد أول قراراته في إرسال رئيس الوزراء آنذاك، بيليدو، إلى محافظة تشامبيفيلكاس، في محاولةٍ لإنهاء إضرابٍ كبير ضد ائتلاف الشركات الصينية للتعدين في منجم لاس بامباس. وقد أظهر ذلك حدود إستراتيجية أولئك الواقعين على اليسار من كاستيو (مثل بيليدو).

لقد جرَّد كل ذلك كاستيو من قاعدة التأييد الجماهيري، التي كانت من الممكن أن تدافع عنه في مواجهة هجمات اليمين. لذا، مع ضعف وعزلة الرئيس السابق، ارتأى اليمين فرصةً لإطاحته.

أدت نائبته، دينا بولوارت، اليمين الدستورية كرئيسةٍ للبلاد مساء الأربعاء. ستكون بولوارت أكثر تقبُّلًا لليمين، بالأخص أنها غادرت حزب “بيرو الحرة” مؤخرًا، قائلةً إنها لم تتبنَّ أيديولوجيته قط.

إن الدرس من إسقاط كاستيو ليس في أنه من المستحيل الانتصار على رجال الأعمال الكبار، بل أنه يُظهِر “حدود الإصلاحية”، تلك الفكرة بأنه يمكن الظفر بتغييرات حقيقية من خلال التوجه للانتخابات والعمل عبر مؤسسات الدولة، التي هي موجودةٌ بالأساس لحماية المصالح الرأسمالية.

يكمن الأمل في بيرو في تعبئة الطبقة العاملة في الشوارع، وفي مواقع العمل بصورةٍ حاسمة. هنا تكمن القوة الاجتماعية للناس العاديين لضرب أرباح رجال الأعمال وتحدي دولتهم وتفكيك نظامهم.

* المقال بقلم: صوفي سكواير – صحيفة العامل الاشتراكي البريطانية