ابراهيميتان ومفهومان خلقيان الاصغروالاعظم؟/1


عبدالامير الركابي
2022 / 12 / 10 - 17:50     

من المستغرب ان الكائن البشري لم يتوصل الى الان لاكتشاف وحدة الكائن البشري / الطبيعة، وان هو اقترب من بعض وجوهها فانه توقف دون اعتمادها كمصدر انقلابي على صعيد جوانب اساسية هامه من علاقة البشر بالوجود، ومدى تعرفهم عليه وعلى حدوده، ناهيك عن مقارباته على مستوى الخلقية بالذات، او متابعة السمات والخواص البشرية بناء على الاطار الذي وجدت فيه، كان يكون البشر غير قادرين على الطيران، وبلا اجنحة، لهم اعمار محددة، وهم لايستطيعون القفز لمئات الامتار، ولهم وجوه وسمات معينه، وعلاقتهم الحاجاتية مرهونه بالانتاجوية في الارض، اي كل ماهم عليه، وهو ماقد تكفلت بصياغته الكرة الارضية بما هي عليه، وبمواصفاتها الاساسية، وهي مواصفات خاصة بهذا المكان، او الكوكب الصغير لحد مادون استحقاق الاهتمام كونيا.
الامر المذكور آنفا مهم وحيوي على مستوى مقاربة مفهوم الخلق، ونوع الحياة كونيا في حال كانت غير مقتصرة على كوكب بذاته مثل الارضي الذي نحن منه، فالكواكب مازال ينظر لها مثلا على قاعدة تعميم الحياة الارضية، الامر الشديد السذاجه، فلا حياة على الكواكب الاخرى الا اذا توفر الاوكسجين، وكانت هنالك شمس وقمر، وفصول اربعه، اي الا اذا توفرت اشتراطات وجود الكائن الحي البشري الارضي، من دون اعتبار لاحتمالية ان يكون هنالك على شساعة الكون الهائلة، من هو متجاوز كينونة لمثل هذه الحدود الدنيا من الوعي، حيث الحياة تعني من جهته حكما اشتراطات وجوده هو، علما بانه يعيش ربما لالاف السنين، ويطير، وله مواصفات اعقالية خارقة، وقد لايحتاج الاكل والشرب، ولا الاوكسجين، ويتناسل بطرق لايمكننا تخيلها.
ونحن نظن مثلا بان وجود كائنات حية في الكون، يعني حتما توفرها على الرغبة من جهتها بالاتصال بكوكبنا، وبعالمنا كما نحاول نحن ان نفعل، الامر الاسقاطي هو الاخر، لان اهتمامات ودوافع المخلوقات الاخرى، ليست هي دوافعنا نفسها، وليس من الشرط او اللزوم ان تكون هي مهمته او راغبة بحسب اولوياتها، بالاتصال بنا من دون ان يكون لمثل هذا الميل مايبرره بحسب سلسله واوليات مفاهيمها. مايغير تماما قاعدة النظر لهذا الجانب من اهتمامات البشر المتاخرة، ويقلبها كليا، على امل ان تحل محلها منهجية وآليات اخرى غير محدودة بحدود الذاتية الارضوية.
لكل كوكب بحسب المواصفات التي هو عليها، نوع الحياة التي تطابق كينونته، والكائن البشري ابن الكوكب الارضي، هو ابن هذا الكوكب، ولد من بين تضاعيفة ورحمه، وهو صورة منه، ونوع نسله مجسدا حيويا، بما قد يجعلنا نظن بوجود حياة غير مرئية، اي وجود كائنات غير مادية، مطابقة لمواصفات كواكب اخرى، متجاوزه بناء عليه لاحتمالية التواصل الفضولي معنا، او مع غيرنا من كائنات لها وجود مادي، مالايمنع بالاحرى حضورها في حياتنا من دون ان نقع عليها، او على اثارها، ناهيك عن ان نتواصل ونتفاعل معها.
وليس ثمة من شك ان افتراضا كهذا الذي نحاول وضعه، يفضي الى انقلابية ليس من الاكيد ان الكائن البشري الحالي، فضلا عن الاول الذي وجد ابتداء، ان يقاربه ادراكا، عدا عن ان يتفاعل معه، وهنا يحق السؤال عن الطاقة العقلية، والى اين وصلت، وهل العقل البشري اليوم قد صار مؤهلا لكي ينتقل للبدئية الجديده الثانيه، الادراكية بعد تلك الاولى.
فاذا اعتمدنا مبدا وحدة الطبيعة والارض والكائن البشري، وعموم الحياة الارضية، وعممناها على الكون واحتمالات الحياة وانواعها بحسب انواع الكواكب، فاننا ولابد سنكون معنيين بان نبدل من بين مانبدله، منظورنا الاساس الواحدي الذاتي للكون، ولعملية الخلق التي وضعت مع الابراهيمه الاولى، وكان الانسان بالذات فيها هو المحورالذي اهتم الله والغائية العليا بخلقه وايجاده، علما بان الارض ومن عليها اصغر، واقل اهمية بما لايقاس ضمن مجموع الكون وسعة اهتمامات الخلقية المتصلة به، هذا بالاضافة الى مايعد ويعتبر "خلقا مباشرا"، او خلقا اجماليا بمعنى توفير الا،سباب والاشترطات من كون وكواكب باشكالها، وتعدد انواع الحيوات التي تنتجها، مايمكن تسمية بالخلقية الكبرى غير المباشرة، ما يجعل مسالة ايجاد الانسان امرا متعلقا بسيرورة الكون، وماينتج عنها أو مايتولد من اشتراطات، فلا علاقة مباشرة تخصيصية بين الكائن البشري والخالق، والامر لايتعلق باي شكل كان بخلق" السماوات والارض" في سبعة ايام، بل بخلق الكون او الاكوان، ومن جملةه حبة رمل صغيرة من بين ترليونات الحبات الرملية، او جبل منها، فلا شي اسمه السماوات والارض، لان الارض ليست معادلة للسماء التي لاوجود لها الا في عقل الكائن البشري، حين يكون ضمن اشتراطات كينونته البدائية الاولى.
يتم تصميم الكون الهائل بحسب اشراطات الكينونة التحولية، وبما يضمن استمرارها وحضور عناصرها كاجمال لايستدعي التخصيص الخلقي، ومن ذلك تشكل المجموعة الشمسية في احدى المجرات،، وصولا لابترادها وظهور الحياة في احد كواكبها، بناء لقوانين الخلقية الاجمالية، ذهابا الى المقصود منها، والموضوعة لكي تصله، بحسب الخلقية العظمى، المفارقة لمفهوم الخلقية الصغرى، البدائي الاني، المرهون بحالة بعينها من حالات العقل وطاقته الاعقالية المحدوده القاصرة، الى ان تتوفر ممكنات اعقال التعددية الهائلة لاشكال الحياة الكوكبيه، وافتراض خضوعها لقانون من التفاعلية، او التصادمية والتكامل عند لحظة وموعد بعينه، مايجعل الكون وليس الارض هو المعني بيوم او ايام "القيامه التحولية"، بما ان الارض اصلا لاتشكل ايه قوة او موضع تاثير يذكر، بحال جرى النظرلها ضمن الوجود الاشمل.
الابراهيميه الثانيه لها مداها المفارق لذلك الابتدائي، الذي كان قد وجد ملائما للطاقة الاعقالية المتاحة وقتها، وفي حين كان المنظور الابراهيمي الاول مقصورا على الارض ومن عليها، ومصيرها، يبدأ اليوم الانتقال الى الرؤية الاكوانيه، بينما يشرع كتحد غير عادي، الحالح البحث في خاصيات الوجود العليا بناء على التعددية النوعية، ومايمكن ان يتناسب معها من اليات ناظمة، ومستهدفات من نوعها.
هنا والان تبدا التفارقية البشرية مع متبقيات الحيوانيه ومرافقها التصوري " الانسايواني"، فلا انسان الا مع الاقتراب من الكونية، والحضور التفاعلي داخل التعددية الحياتية الاكوانيه، ان مايعرف اليوم من اشكال تصور ونظر الى الكون واحتمالية وجود حياة خارج الارض، هو بالاحرى من قبيل الابتدائية المفهومية، قبل اكتمال او بدء طلب اكتمال الرؤية العظمى الكونيه، حيث القوانين الكونية السائرة بالكائنات الحية الى التحولية العظمى نحو الاكوان الاخرى، وبالذات منها اللامرئية.
ليست الحياة البشرية، ولا التصور المواكب للكائن البشري، هي ماعرفناه من حدود ومحدودية ارضوية، فالكوكب الارضي ليس اكثر من محطة تكون ابتداء، مغلقة على الذاتيه المتاحة ضمن الاشتراطات الارضية، الى ان تاتي اللحظة ويتم الانتقال الى التفاعلية التحولية الكونية، لنصير من وقتها على موعد مع الانتقالية الجسدية، وعلى التوفر على الحاملية العقلية اللازمة للتخلص من وطاة الجسدية الحالية، ومتبقيات الحاجاتيه الحيوانيه الباقية عالقة بالكائن الحي من طور ماقبل الانسايوان، الجسدو/ عفلي.
يوجد الكائن الحي ابتداء صيغة حيوانيه غالبة غلبه كاسحة على المادة العقلية، الى ان ينتقل الحيوان شكلا الى الانتصاب على قائمتين واستعمال اليدين، ويحضر العقل، لتبدا حالة من العقل /جسدوية، الجسد فيها حامل للعنصر الاساس العقلي، وبينما يتوقف الجسد من يومها فيصل العضو الجسدي الى قمة تطوره، يستمر العقل في التطور والنمو، الى ان يغدو وجوده داخل الجسد غير ممكن، ويصير تحرره منه واستقلاله لازما وواقعا، تتهيا له كل الظروف والموجبات الواقعية مجتمعيا، فتتغير وتنقلب وسائل الانتاج، من اليدوية الى العقلية، ويصير الانتاج الارضوي من الماضي، والمجتمعية الارضوية الاحادية منتهية الصلاحية، ووقتها يصير العقل مفتوحا على الطور الحياتي مافوق الارضي، الاكواني، حيث يجد الحامل الثاني غير الجسدي،والذي هو من منتجات التفاعلية الحياتيه الاكوانية.
اذن فالكائن الحي يمر بطورين من الحياة والوجود، الاول ارضوي كوكبي جسدي في الغالب، واخر اكواني تفاعلي مافوق مجتمعي، يتخلص عنده العقل من الجسدية الارضوية، في حين يلتقي مع اشكال الحياتيه الكونية، اي ان الوجود الحي، كوكبي احادي اولا، وكوني علوي ثانيا، وهو ماينطبق لا على الارض والحياة فيها وحسب، بل على عموم واجمالي الحياة الكبرى الكونية التي يحملها الكون بين تضاعيفه.
ـ يتبع ـ