الابراهيمة الثانيه ومتبقيات الابراهيميه الاولى؟/3


عبدالامير الركابي
2022 / 12 / 4 - 16:01     

تقف خلف الابراهيمه الاولى غير الناطقة، اي التي بلا "كتاب/ قران" منظومة كاملة من التفكرية الانقلابيه التي يتبدل بموجبها المنظور البشري للوجود، وهنا تتجلى ايضا مسالة تبدو اليوم وهي سائرة لان تصبح موضوعا انقلابيا، يقارب البدئية التي مثلها النبي ابراهيم على المستوى التعبيري الازدواجي اللاارضوي، الامر الذي يضع ابناء القراءات الثلاث امام لحظة انقلابية غير مسبوقة، فهم اليوم امام تاكيدية مادية سببية لرؤيتهم، مع منظومة تفسير سببي للوجود والعالم، بما يعني كون ماهم عليه منذ القدم كتوحيديين، قد اقترب اليوم من لحظة التحققية النطقية، الامر الذي يضعهم بموقع تجديد الدعوة كونيا.
ومن البديهي ان يتوقع المرء نشوء حالة استثنائية من التصادمية الايجابيه، بين الثبات على المعتاد، وبين نزعة الارتقاء بحسب ماهو موافق للعقل، وللمسارات الوجودية التاريخيه، ومن المفترض بجهات هي ابعد ماتكون عن الانقلابية الذاتية، تلك التي تستقر داخل الابراهيميه، ومن صلب اللاارضوية، ومايوفق آليات تصيرها وضرورتها، كالفاتيكان، أوالمرجعيه النجفية، أوالازهر، والهيئات الاسلامية الكبيرة، وبعض اليهود غير الصهاينه، من المفترض ان يجدوأ بانفسهم، وبما هم عليه، قوة منبعثة مرشحه للتقدم الى الصدارة، والى الاضطلاع بقيادة العالم بعد انهيار اللحظة العابرة التي مثلها الغرب، بصعودة الموقت الايهامي، فالعالم بعد اليوم، لاارضوي، والحقيقة المطابقة للمسارات الاتيه، هي النطقية اللاارضوية، او الابراهيمه الكتابية.
ومع ماصار يعرف ب" عودة الديني"، على انقاض "العلموي" المتراجع، تتزايد الحاجة الى طرد متبقيات، او محاولات بعض التفرعات العلمية الغربية التصدي من موقع "العارف" المتسيد، صاحب الكلمة العليا الفصل، حين يتعلق الامر راهنا، بانقلابية نامية شاملة من نفس طبيعة التاسيسية الاولى بخلفياتها التكوينيه الاساس.
ولا تتساوى على الاقل كابتداء، ردة الفعل الابراهيميه الاولى المتبقية الى اليوم، ازاء المستجدات المتعلقة بدورها الراهن، ففي الغرب من الطبيعي ان يلاحظ اليوم ماصار يطلق عليه "عودة الديني"، ذلك لان الغرب كان بؤرة عملت على ازالة الدين من الواجهة، وارادت ان تقصية تماما باسم العقلانيه والعلمية، وهذا وضع لايشبه باية حال، وضع مركز ابراهيمي مثل النجف، القائمة اصلا على الانتظارية، من دون تحديد، فهذا المركز مرشح اليوم للاختفاء بحكم زوال مايبرره، بالاخص في موضع هو مؤئل الابراهيمة الاولى، ومرشح ليكون مركزها التفكري والعملي على مستوى المعمورة، في حين تظل مهمة الازهر مثلا مختلفة، متوقفه على انخراط مصر في التحولية المستجدة، وهو امر شبيه، او سيشهد احداثا تذكر بالتوراتيه، واللاارضوية خارج ارضها، ذلك مع العلم ان المؤشرات الانقلابيه في الوضع المصري صارت ملموسة، والنيل بصفته المشكل الجوهر والاساس للنمطية المجتمعية النيلية تاريخيا على قاعدة "مصر هبة النيل " الهيروديه، بدأ ينحسر حضورا، تاركا وراءه اضطرابية غير مالوفه، وماتزال ابعد من ان تستقرتصورا، على الارجح ان المنظور الابراهيمي الثاني، سيلعب في استقراها دورا حاسما.
وليس ثمة من شك ان حركة التجدد الابراهيمي الراهنه، ستكون الظاهرة الاكثر ضخامة، بحيث تقع في قلب الحيوية الانقلابيه، بغض النظر عن تعددية ظواهرها وتمرحلاتها، وشساعة مداها، فهي تحديدا العالم المقصود والمتطابق مع قوانين التفاعلية الاجتماعية اللاارضوية، وحقبها، والاليات المحركة لها، ولايجب بهذه المناسبة ان نحتكم الى الظواهر المتاخرة وتاريخيتها، وايقاعيتها الحركية، وننسى بالمناسبة الايقاعية التاريخانيه الابراهيمه ومراحلها، ومسارها الزمني الطويل، المتعاقب المترابط، مع اجمالي الحركة التفاعلية المجتمعية من بداياتها السابقة على الدول والمجتمعات الاحادية، الى القرن السابع، والثورة المحمدية الجزيرية، والحاق الشرق الموصول الى الصين بالابراهيمه، وصولا الى الجزء الاخير الختامي للطور النبوي، مع عودتها الى ارضها وتفاعليتها خلال ثلاثة قرون، انتهت باعلان انتهائها مفعولا بالانتظارية المهدوية والغيبه.
فاذا كان هذا المجال او الميدان، سيتخذ من هنا فصاعدا موقعا محوريا، فانه بالاحرى لن يكون هو المحرك، او القوة الدافعة، ولابؤرة الاشعاع، اونقطته المركزية كما كانت النبوة الحدسية في وقتها، فالابراهيمه الراهنه الناطقة، هي قوة اخرى اعلى، واستكمالية نهائية انتقالية الى مابعد مجتمعية ومابعد جسدية، وهي نوع تفكرية وسلوك مجتمعي اخر، خارج عن اشتراطات الارضوية، ومتعد لها، من المنطقي ان عناصر تبلوره لن تكون متاحة في اي مكان من المعمورة، غير ارض البدء واللاارضوية المؤجله المطموسة، غير المزاح عنها اللثام على مدى القرون الماضية، منذ تبلورت المجتمعية على الارض.
و "قران العراق" كمرتكز اساس، سيكون المنطلق الذي به تستكمل الرؤية الاولى غير الناطقة، والتي حكم عليها في حينه ان تكون "بدون كتاب"، مع انها انتجت لاحقا ثلاث قراءات وكتب، هي كتب الابراهيمه اللاارضوية خارج ارضها، ملبية الضرورة قبل اوانها، وابان زمن الانتظارية والغفلة الاطول الكبرى "الجاهلية الاحادية"، المكتوب على الكائن البشري البقاء تحت طائلتها ابتداء، ومادامت الانتاجية اليدوية هي السارية، فاذا نظر الى العراق الحالي باعتباره الموضع الاكثر صلاحية تكوينا وبنية، للانتقال من اللاارضوية غير الناطقة الى الناطقة، فان مثل هذا التخصيص لايكون بعيدا عن الصواب.
ومع الاعلان الضروري المبرر عقليا ونظريا، لابد من الاخذ بنظر الاعتبار جانب وطاة المعتاد، والميل البشري لتكراره، سواء اكان بالعودة لتاريخ المكان او ماصار اليوم متعارفا عليه من اشكال وضع الافكار والمشروعات النظرية قيد التطبيق، وفي هذا السياق لايجب تجاهل وطاة حضور الايديلوجا المنقولة وتعبيراتها، مع كل مايتصل بالتوهمية الحداثوية الغربية وانعكاساتها النقلية، وماتتمتع به من مبررات ورمزية، وان تكن صارت اليوم بالية وبلا حياة، مايجعلها تتحول الى قوة معيقة، وان تكن ثانوية على المدى الابعد، لكن لايمكن باية حال ان لايوضع في الحسبان، بذل الجهد لاجل اخراج العقل العراقي من بئر الايديلوجيا الذي سقط فيه خلال القرن المنصرم.
وسيكون من اكثر الجوانب صعوبة كانتقالية تنفيذية، الاقتناع بالعودة الى الفعالية الكونية، وبالاساس الاعتقاد بضرورتها الحيوية على مستوى المعمورة، الامر الذي يتطلب رؤية عيانية لما هو ممكن وقابل للتحقيق، علما بان الامر لهذه الجهه يتعدى كل المتعارف عليه، ولعل تصور نواة " اممية لاارضوية"، هو الاطار القابل لان يتابع ويبنى عليه، على ان تكون المهمة المركزية اعلى من حيث التصور والفعل من سياقات الارضوية والحاجاتيه الجسدية، ولابد لنا هنا من ان نكون عارفين بان العالم متجه الى الانتقال من الانتاجية اليدوية الارضوية الجسدية الحاجاتية، الى الانتاجية العقلية مافوق الجسدية، مع التيقن من ان وسيلة الانتاج اللازمه قد صارت متوفرة ومتاحة، وان " التكنولوجيا العليا" خلاصة ومنتهى تحولية الالة، قد غدت في المتناول، وان الجهد الاساس الانتقالي نحومابعد مجتمعية جسدية، صار واقعيا، وهو في العراق بالذات، من قبيل "المنتظر" الممنوع، وان عناصرة البنيوية والتاريخيه التراكمية، لا تتيح وحسب مثل هذا الانتقال، لابل توجبه بالحاح تحت طائلة الحاح الضرورة والقصدية الوجودية والتدبيرية الكونية التي وضعت الاستثناء اللاارضوي الابتداء في هذا الجزء من العالم.
ومن هنا وعلى هذا الاساس، يمكن توقع حصول التفاعلية الاممية اللاارضوية حول بؤرة هي الاكثر اهلية لوضع الاسس الضرورية للعالم الثاني، المكتوب للكائن البشري الانتقال اليه، وقد لايكون وضع البرنامج الضروري للعمل الاكبر في التاريخ هنا، امرا متاحا مع اننا سنعود لوضع تصورنا بهذا الخصوص، خارج المفردات التبسيطية عن الاصلاح، واعتبار المطالب المتوهمة المباشرة، على فداحة الاسباب التي تحركها، محورا اساس، بقدر ماهي مآل ومنتهى مقفل بلا نهايات ولا مخارج من نوعه، او من طبيعة ماهو مترسب وقائم من متبقيات التاريخ وحثالاته البالية.
نحن على مشارف انقلاب متعد للقدرات والطاقة العقلية والتخيلية البشرية المتاحة، الجانب الوحيد الذي يتيح فرصة للاعتقاد بانها سوف تتحقق، تتاتى من ماتوفره، وكانت هياته، "الغائية الكونية العليا" منطلقا مجتمعيا، ظل حاضرا بلا نطقية، وقد ان الاوان لكي يفصح عن ذاتيته المغيبه المطموسة، بما هي في الوقت عينه ذاتية كونية، لاوعي بالحقيقة المجتمعية الكونية ومساراتها، ومنتهى صيرورتها، الا بوعيها الذي يبدا اليوم مع " قران العراق" الغائب، الذي يوشك على الحضور بين ليلة واخرى.